دراسة حديثة تبين أن العادات المكتسبة بالترغيب السلوكي لن تدوم طويلاً

4 دقيقة
نهج الترغيب
كريستوف مارتن/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تبنّت مؤسسات عامة وخاصة نهج الترغيب؛ الذي يُقصد به الإجراءات التدخلية التي تمارسها المؤسسة لتوجيه أفرادها إلى تبنّي سلوكيات ترغب فيها. ومع سجل الترغيب الإيجابي الحافل في تشجيع الأفراد على اختيار خيارات مستهدفة، هل يستمر هؤلاء الأفراد في الالتزام بها؟ توصل بحث جديد إلى أنهم لا يلتزمون؛ إذ يقل استخدامهم لهذا الخيار تدريجياً خلال حيز زمني أقصر، مقارنة بالأفراد الذين تبنّوا الخيار دون ترغيب. ولهذه النتيجة تبعات مؤثرة على البرامج التي توظف أدوات الترغيب.

لقد ساعد كتاب ريتشارد ثالر وكاس سنستين التنبيه” (Nudge)، الصادر في العام 2008، في زيادة تأثير مفهوم الاقتصاد السلوكي على جوانب مختلفة من المجتمع، وأعاد صياغة الطريقة التي تؤثر بها المؤسسات على قرارات أفرادها. فاعتمدت الشركات والمؤسسات الحكومية الترغيب، وكانت مرجعيتها هي رؤى ثاقبة استمدتها من العلوم السلوكية. ويُقصد بـ “الترغيب” إجراءات وممارسات بسيطة تنفذها المؤسسات بهدف توجيه أفرادها بمهارة نحو اتباع سلوكيات ترغب فيها، بداية من التسجيل في خطط مدخرات التقاعد وحتى تفضيل خيارات غذائية أكثر صحة.

لاقت تلك الرؤى قدراً لا يستهان به من الاهتمام، لتأثيرها على القرارات الفردية الاستثنائية، مثل أن تسجل اسمك ضمن متبرعين بأعضائهم بعد الوفاة، وأن تختار مزوداً للطاقة المتجددة. ومع أن الترغيب يؤثر بوضوح على الاختيار، يبقى السؤال قائماً حول مدى التزام الأفراد بخياراتهم؛ مثل استمرار اشتراكهم في إحدى الخدمات أو مواصلة شرائهم واستخدامهم لمنتج بعينه مع مرور الوقت. لذلك، أجرينا بحثاً، سعياً للإجابة عن هذا السؤال. فكانت النتائج التي خلصنا إليها، وقد نشرتها مجلة أبحاث المستهلك (Consumer Research)، هي أن الترغيب يزيد من احتمال توجه الفرد إلى الخيار الذي نستهدفه، لكنه يستخدم ذلك الخيار بوتيرة أقل ولزمن أقصر مقارنةً بمن اتخذ الخيار نفسه دون ترغيب. ويرى علماء السلوك وصنّاع السياسات، المشاركين في تصميم البرامج التي تستعين بالترغيب، أن لهذا الاستخدام المحدود تبعاته وتأثيره.

تأكيد ما كان محل شك

تولد لدينا، قبل الشروع في البحث، شك في التأثير الدائم للترغيب؛ أي مدى قدرته على إبقاء الأفراد على المسار المنشود بعد موجة التشجيع الأولى. ففي العام 2012، أراد فريق باحثين زيادة نسبة اختيار الأفراد لوجبات خفيفة صحية، بوضع أنواع الفواكه والخضروات، وفق نهج استراتيجي، في أماكن يسهل الوصول إليها. لكن الدراسة أوردت أن مصير الوجبات الخفيفة الصحية تلك كان سلة المهملات، في أغلب الحالات؛ أي أنهم اختاروا الفواكه والخضروات بالفعل، لكنهم لم يأكلوها؛ بل تخلصوا منها.

وتقترح دراسة العام 2012 تلك أن الترغيب يزيد من احتمال تبنّي الخيار (مثل انتقاء تفاحة) ولكنه لا يزيد احتمال ممارسة السلوك المرتبط به (تناول التفاحة). هل نحن أمام حالة استثنائية أم أنها جزء من نمط أكبر؟ للإجابة عن هذا السؤال، أجرينا دراسات على أنواع الترغيب الأكثر شيوعاً؛ مثل التحديد المسبّق لأحد الخيارات باعتباره الخيار الأساسي ما لم يغيره المستخدم، ووضع “فخ” (تعمّد وضع خيار غير مستحب لزيادة فرصة التوجه إلى خيار آخر، هو المنشود في الحقيقة)، والخيار الوسط بين خيارين مُغَالىً فِيهما. توصلنا من تلك الدراسة إلى فهم دقيق للآلية التي يشكل بها الترغيب الخيارات الأولى، دون أن تُترجم بالضرورة إلى تغيير سلوكي دائم.

وفي إحدى تجارب الدراسة، عرضنا على 323 مشاركاً خططاً عضوية مختلفة في موقع إلكتروني للمعلومات العامة. تقدم تلك الخطط معلومة عامة مسلية في كل يوم يزور فيه المشاركون الموقع الإلكتروني. وتمثل الترغيب في التحديد المسبّق لخطة بعينها لتكون الخيار التلقائي، قبل أن يتسنى للمشارك تحديد خياره. تبين مئات الدراسات أن المشاركين يختارون الخيارات التلقائية أكثر من الخيارات المتماثلة غير التلقائية. وهي النتيجة نفسها التي خلصت إليها دراستنا. مع أننا صممنا الخطط لتكون جذابة بالقدر نفسه، فإن الشريحة الأكبر من المشاركين اختارت الخطة التلقائية.

عقب ذلك، كان الجزء المهم. رصدنا بالقياس، على مدار ثمانية أشهر، وتيرة استخدام المشاركين في الدراسة عضويتهم في الموقع الإلكتروني. وصحّ توقعنا؛ فكان عدد زوار الموقع، من المشاركين الذين رغّبناهم في اختيار الخطة التلقائية، أقل بنسبة 42% من زواره الذين اختاروا خطة مماثلة دون ترغيب.

وهو ما انطبق كذلك على من رغّبناهم بأسلوب الفخ. فعندما قدمنا لـ 99 مشاركاً بالغاً خيار “خبير معلومات مسلية للأطفال”، تجنب الجميع تلك الخطة منجذبين إلى خطة “خبير معلومات مسلية”. ولم تختلف هذه الشريحة عن الشريحة الأخرى، فسرعان ما توقفت عن زيارة الموقع الإلكتروني خلال الثمانية أشهر. واقع الحال هو أن لاستخدام أسلوب الخيار التلقائي وأسلوب الفخ الخداع تأثير إيجابي على الاختيار، ولكنه أدى كذلك إلى تزايد أعداد المشاركين الذين توقفوا عن ممارسة ذلك الاختيار. فقد أدى ترغيبنا للمشاركين إلى استخدامهم البرنامج بوتيرة أقل.

أما اختبارنا الثالث، فقدّم ترغيب “الخيار الوسط” لـ 400 شخص بالغ. تذكّر قصة الفتاة غولديلوكس وهي تختار فراشاً لتغفو فيه بعض الوقت: الفراش الأول في غاية الخشونة، والثاني ناعم جداً، والثالث مناسب تماماً. يعرف المحفزون بالترغيب أن الأشخاص على أرض الواقع يحسمون خياراتهم بالطريقة نفسها، ويميلون إلى أن خير الأمور أوسطها بين طرفي نقيض.

هكذا، ابتكرنا خياراً وسطاً عند وصف 3 نباتات هوائية مختلفة (لم تكن مبهرجة، ومن نوع لا يحتاج إلى درجة رعاية عالية) نوزعها عليهم في إطار دراسة ميدانية. وكما هي الحال مع موقع المعلومات المسلية، حصل المشاركون جميعهم على النبات الهوائي نفسه. لكن المشاركين الذين انتهوا إليها عن طريق تأثير الخيار الوسط أهملوا نباتاتهم، فماتت في زمن أقصر بنسبة 16% على مدى 9 أشهر، مقارنة بأولئك الذين اختاروا النبات دون اللجوء إلى الخيار الوسط.

قد تُمثل وسائل الترغيب عاملاً قوياً لزيادة الاشتراك، لكن نتائجنا تشير إلى ضرورة ألا يخلط مدراء البرامج بين عدد المستخدمين؛ أي حصة الاختيارات، والاستخدام، والمشاركة الجدية. فكما تبين دراساتنا، يزيد الترغيب عدد المستخدمين، ولكنه ينقص عدد المشاركين بجدية لاحقاً.

التداعيات

أنشأت حكومات الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمملكة المتحدة أقساماً للترغيب. وحذت حذوها مؤسسات في قطاعات متنوعة، منها التمويل والصحة والتعليم والاستدامة، حيث توظف عدداً من علماء السلوك أكبر من أي وقت مضى. يتمتع “مهندسو الاختيارات” هؤلاء بتفويض واضح: الترغيب الفعال الذي يوجه الموظفين لتحقيق صالح المؤسسة.

لكن النتائج التي توصلنا إليها؛ وهي أن وسائل الترغيب (المنبهات التحفيزية) التي تؤثر بنجاح على القرارات الأولى قد تفقد زخمها بمرور الوقت، ذات تبعات واضحة على البرامج التي تهدف إلى تعزيز الصحة والرفاهة المالية والإعانة الاجتماعية. وعلى المؤسسات التي تدير هذه البرامج مراجعة ما تستخدمه من أدوات ترغيب والتحقق من مدى فعاليتها مع مرور الوقت، وتحديد ما يتعين عليها اتخاذه من إجراءات إضافية لإكساب تلك الأدوات الفعالية المطلوبة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .