يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في سرعة تغير الطرق التي تعمل بها القطاعات وتحسينها، مثل قطاع الرعاية الصحية والخدمات المصرفية والطاقة والبيع بالتجزئة. ومع ذلك، يوجد قطاع واحد على وجه الخصوص يوفر إمكانات هائلة لتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، ألا وهو قطاع التعليم، إذ تُعتبر الفرص والتحديات التي يمكن أن يقدمها إدخال الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم العالي فرصاً مهمة. فما هي فوائد الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي؟
فوائد الذكاء الاصطناعي في التعليم
إضفاء الطابع الشخصي على التعلم هو الركيزة الأساسية
تواجه كليات وجامعات اليوم مجموعة كبيرة من التحديات، بما في ذلك قلة انخراط الطلاب في عملية التعليم، وارتفاع معدلات الانقطاع عن الدراسة، وعدم فاعلية النهج التقليدي "الموحّد" في التعليم. لكن استخدام تحليلات البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي بشكل صحيح يُمكّننا من إنشاء خبرات تعليمية ذات طابع شخصي، وهو ما يساعد في حل بعض هذه التحديات.
اقرأ أيضاً: كيف نعد أطفالنا لعصر الذكاء الاصطناعي الذي ينتظرهم في المستقبل؟
كما أن إضفاء الطابع الشخصي على التجارب التعليمية سيمكّن الطلاب من الاستمتاع بنهج تعليمي فريد من نوعه مصمم بالكامل حسب قدرات الطلاب واحتياجاتهم الفردية، وهو ما قد يزيد من تحفيز الطلاب بشكل مباشر ويقلل من احتمالات انقطاعهم عن الدراسة، فضلاً عن أنه يوفر للأساتذة الجامعيين فهماً أفضل لعملية التعلم لكل طالب، وهو ما يمكنهم من التدريس بفاعلية أكبر. وإليك ما قد تبدو عليه هذه التجربة: ستكون أنظمة التعلم القائمة على الذكاء الاصطناعي قادرة على تزويد الأساتذة الجامعيين بمعلومات مفيدة حول أساليب تعلم الطلاب وقدراتهم وتقدمهم، وتقديم اقتراحات حول كيفية تخصيص طرق التدريس لتلبية احتياجات الطلاب الفردية. على سبيل المثال، قد يواجه بعض الطلاب صعوبات أو تحديات في التعلم تتطلب مزيداً من الاهتمام أو الدروس الخصوصية لمواكبة التقدم. وقد يتقدم آخرون بسرعة كبيرة دون أن يعانوا من أي مشكلات عقلية ويستفيدوا من المواد أو المهام الدراسية الإضافية. وستساعد أنظمة تعلم الذكاء الاصطناعي في كل من هذين السيناريوهين الافتراضيين الطلاب في الوصول إلى إمكاناتهم الكاملة، وقد تمنعهم من الانقطاع عن الدراسة عن طريق تحديد المشكلات في وقت مبكر، وهو ما يتيح اتخاذ الإجراءات التصحيحية المناسبة.
لكن قد يوجد حاجة إلى البيانات الكبيرة لتدريب هذا النظام التعليمي المستند إلى الذكاء الاصطناعي بهدف أن يقدم لنا الفائدة المرجوّة. وكما سنناقش في هذه المقالة، يجب استخدام تلك البيانات بشكل أخلاقي، وسيتعين إعلام الطلاب بكيفية مشاركة بياناتهم الشخصية واستخدامها بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
ستكون البيانات الشخصية المكوّن الأساسي
قد يبدو تطبيق الذكاء الاصطناعي والتعلم ذو الطابع الشخصي حلاً مثالياً لبعض المشكلات التعليمية الأكثر شيوعاً من الناحية النظرية. ومع ذلك، لا يزال أمام التكنولوجيا طريق طويل قبل أن تتمكن من تحقيق إمكاناتها بالكامل.
وتُعتبر بيانات الطلاب المكوّن الأساسي للتعلم ذو الطابع الشخصي. وأظهرت تجربتي الشخصية في إلقاء المحاضرات في الجامعات في جميع أنحاء العالم أن طلاب اليوم هم أكثر حماية لخصوصية بياناتهم من الأجيال السابقة، ويعود سبب ذلك على الأرجح إلى الخروقات الأمنية وفضائح البيانات التي تعرضوا لها بالفعل. ومع ذلك، إذا كان من الممكن جمع بيانات الطلاب ومعالجتها بطريقة أخلاقية وآمنة وشفافة، سنتمكّن من استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين فاعلية كل مجال من مجالات الدراسة.
اقرأ أيضاً: على الذكاء الاصطناعي أن يصبح أقل نخبوية
وتأتي إحدى المبادرات الواعدة في هذا الاتجاه من شركة "ماي داتا" (MyData.org)، وهي مؤسسة دولية غير ربحية تتمثل مهمتها في تعزيز التحكم في البيانات الشخصية وخصوصيتها. وتهدف مؤسسة "ماي داتا" التي أضحت حركة عالمية إلى منح المستخدمين مزيداً من السيطرة على البيانات الشخصية التي يختارون مشاركتها مع أنظمة الذكاء الاصطناعي.
استخدام روبوتات الدردشة (تشات بوتس) لتوفير مساعدة وإرشادات ذات طابع شخصي
بدأت "جامعة مرسية" (University of Murcia) في إسبانيا في الآونة الأخيرة اختبار روبوت دردشة قائم على الذكاء الاصطناعي للإجابة عن أسئلة الطلاب حول الحرم الجامعي ومجالات الدراسة. ومع توسع استخدام روبوت الدردشة هذا، تفاجأ مسؤولو المدرسة باكتشاف أنه كان قادراً على الإجابة عن أكثر من 38,708 سؤالاً، والإجابة بشكل صحيح عن أكثر من 91% من الأسئلة. ولم يكن روبوت الدردشة هذا قادراً على تقديم إجابات فورية للطلاب خارج ساعات العمل الرسمية فحسب، بل وجد مسؤولو الجامعة أيضاً أنه زاد من تحفيز الطلاب. وقد تحققت كل هذه الفوائد دون الحاجة إلى تغيير هيكل الموظفين.
وتنطوي إحدى المزايا الإضافية لوجود روبوتات الدردشة في الجامعات للإجابة عن أسئلة الطلاب على الحجم الكبير للبيانات الكبيرة التي سيحصل عليها الروبوت فيما يتعلق بمخاوف الطلاب ومجالات اهتماماتهم. ويمكن تحليل هذه البيانات للمساعدة في تمكين الجامعات من إنشاء خدمات وبرامج جديدة ومبتكرة لزيادة تحسين تجارب الطلاب التعليمية.
وقد بدأت العديد من الجامعات الأخرى أيضاً اختبار تطبيق روبوتات الدردشة للقيام بمهام متكررة تتطلب عادة من أستاذ جامعي أو عضو هيئة تدريس بالكلية أداءها، مثل تقديم إجابات عن الأسئلة الشائعة للطلاب. وقامت "جامعة ستافوردشاير" (Staffordshire University) في المملكة المتحدة و"معهد جورجيا التقني" (Georgia Tech) في الولايات المتحدة بنشر روبوتات الدردشة التي تقدم خدمة الإجابة عن الأسئلة الأكثر شيوعاً للطلاب على مدار اليوم وطوال أيام الأسبوع.
وأكدت هذه الاختبارات إمكانية استفادة العديد من المهام المتكررة والروتينية من مساعدة الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي، وهو ما يتيح للمعلمين مزيداً من الوقت للتركيز على تعليم طلابهم أو المشاركة في إعداد البحوث.
ويجب على الجامعات أيضاً التفكير في تقديم روبوتات الدردشة والمساعدين الافتراضيين الذين يمكنهم مساعدة الطلاب في إدارة صحتهم العقلية لتقليل التوتر الذي ينتابهم وتشجيعهم على الدراسة. ومن الأمثلة على هذه الأداة هو روبوت الدردشة "ووبوت" (Woebot) القائم على الذكاء الاصطناعي والذي صُمم لمساعدة المستخدمين في التعرف على مشاعرهم من خلال "التتبع الذكي لتقلبات الحالة المزاجية". وفي الوقت الذي تعمل فيه العديد من النظم الصحية في الجامعة بأقصى طاقاتها، وتعرض الطلاب إلى أوقات انتظار طويلة للحصول على استشارات الصحة العقلية في الحرم الجامعي، يمكن أن توفر روبوتات الدردشة بعض الراحة الفورية. ولا يخلو تقديم روبوتات الدردشة هذه من المخاطر الكامنة بطبيعة الحال، حيث سيتعيّن على الجامعات توخي الحذر الشديد في حماية بيانات الطلاب الشخصية، وستحتاج إلى مستوى ما من الرقابة البشرية لمراقبة النصائح التي تقدمها روبوتات الدردشة إلى الطلاب.
التحديات المهمة التي تلوح في الأفق والمتعلقة بمجال فوائد الذكاء الاصطناعي في التعليم
من المحتمل أن تجد الجامعات العديد من التحديات التي يتعين حلها مع البدء في تطبيق الذكاء الاصطناعي على العمليات المختلفة. ولعلّ أهم نقطة يجب على المؤسسات التعليمية معالجتها هي طريقة إعداد الطلاب بشكل أفضل للعالم الجديد القائم على التكنولوجيا والعديد من التقنيات المزعزعة التي ستغير طريقة عمل الأفراد.
ومن الضروري أن يفهم الطلاب أنه سيجري أتمتة المهام المتكررة والروتينية وتنفيذها عن طريق الذكاء الاصطناعي والأتمتة والروبوتات بمرور الوقت. ومع ذلك، سيكون هناك دائماً أدوار تتطلب مهارات إبداعية ومهارات إدراكية ومهارات ذكاء عاطفي. وتفشل العديد من الجامعات في جميع أنحاء العالم في الوقت الحالي في تعليم الطلاب أنواع المهارات الضرورية في مسارهم المهني في المستقبل.
ومع تطبيق الذكاء الاصطناعي على التعليم، ستتأتى أفضل النتائج من الجمع بين نقاط قوة الذكاء الاصطناعي والقدرات البشرية. ولن نشهد وقتاً نستغني فيه عن البشر لتأدية المهام المتعلقة بالتعليم بالطبع، بل سيبقى المعلمون يؤدون دوراً مهماً في مجتمعنا، ولا يجب علينا أن نقلل من قيمة التفاعل البشري والتفكير النقدي في مجال التعليم.
اقرأ أيضاً: نحن بحاجة إلى ذكاء اصطناعي قابل للتفسير والتدقيق ويتمتع بالشفافية
وعلى الرغم من أن الخوارزميات قد تكون مفيدة في توجيه القرارات، لا ينبغي إدارة جميع الأنشطة التعليمية من قبل الروبوتات والخوارزميات، بل يجب بدلاً من ذلك الاستفادة من المساعدة التي توفرها خوارزميات الذكاء الاصطناعي لدعم إنشاء بيئات تعليمية مثالية. على سبيل المثال، ستكون أنظمة التعلم القائمة على الذكاء الاصطناعي أدوات ممتازة لتدريس المواد المستندة إلى القواعد مثل اللغات الأجنبية والرياضيات. ويمكن أن تعزز أنظمة الذكاء الاصطناعي عملية التعلم بشكل كبير من خلال توفير قدر أكبر من الدقة وآراء تقييمية بناءة، وتتيح للطلاب قضاء الوقت في تكرار التمارين الدراسية عدة مرات حسب الضرورة. ومع ذلك، ستبقى هناك حاجة إلى المعلم للمساعدة في شرح ما لا يفهمه الطلاب، مثل الفروق الدقيقة والاستثناءات في قواعد اللغات، أو كيفية تطبيق الصيغ الرياضية لحل المشكلات. ويتمثل دور الأستاذ الجامعي في توجيه الطلاب ودعمهم وإرشادهم ومساعدتهم في فهم ما تعلموه وأهميته وكيفية تطبيقه في العالم الحقيقي.
وينطوي التحدي الرئيس الأخير في تنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي على مراقبة استخدام البيانات، إذ يوجد قرارات صعبة ومهمة يجب اتخاذها في كل مستوى من مستويات المجتمع حول ملكية البيانات، وحول أفضل الطرق لاستخدامها بشفافية وأخلاقية.
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعى يقدم العديد من التطورات المثيرة، لاسيما في مجال تحسين التعليم في جميع أنحاء العالم، إلا أننا لا نزال في طور اكتشاف إمكاناته. ومن الضروري إجراء المزيد من التجارب والبحوث لتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي بنجاح في جميع مؤسسات التعليم العالي.
وأنا شخصياً أشجع المزيد من قادة الجامعات والإداريين على أن يكونوا سبّاقين في بدء برامج تجريبية لاختبار استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق مختلفة من أجل الاستفادة من فوائد الذكاء الاصطناعي في التعليم عموماً، مع الأخذ في الاعتبار النتائج والالتزامات الأخلاقية التي يجب تلبيتها طوال هذه التجربة التعليمية. ويجب على الطلاب أيضاً معرفة كيفية استخدام الخوارزميات للبيانات لاتخاذ قراراتهم، كما ينبغي دعوتهم على إضافة مدخلاتهم في تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطويرها وتشجيعهم على ذلك. والأهم من ذلك كله يجب أن يبقى الطلاب على اطلاع بكيفية استخدام بياناتهم.
اقرأ أيضاً: البيانات الصغيرة يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في الذكاء الاصطناعي