هل الصداقة مع زملاء العمل تقوي الفريق أم تضعفه؟

8 دقيقة
الصداقة مع زملاء العمل
shutterstock.com/AlekseyVanin

انضمت ليلى حديثاً إلى فريق عمل جديد وتشعر بالضياع. تظهر سمر، زميلة ودودة ترشدها. تلتقيان في استراحات القهوة وسرعان ما تتبادلان الأفكار كأنهما صديقتان قديمتان. يلاحظ أعضاء الفريق أن التواصل بين هذا الثنائي قوي وسهل، وأن تعليقاتهما المرحة تخفف من حدة الاجتماعات. لكن مع مرور الأسابيع، تظهر مشاهد أخرى، إذ تشارك سمر الآخرين محادثة خاصة مع ليلى، وطلب مساعدة مفاجئ من ليلى يترك زميلاً آخر في مأزق. فجأة، يتحول الضحك إلى همسات: هل خلقت صداقتهما محاباة أو تشتيتاً؟

هذه القصة البسيطة تطرح سؤالاً ملحاً في مكان العمل: هل تعزز الصداقات بين الزملاء الفريق أم قد تخلق تصدعات في بيئة العمل؟

في بودكاست طريقتي، أبدى الرئيس التنفيذي لشركة سيسكو، خالد سليماني، تأييده للصداقة بين المدير والموظف، وقال إنه يلعب "البادل" مع فريقه التنفيذي، وأحياناً مع موظفين مبتدئين، ويشجع على تعزيز علاقات حقيقية ومحترمة مع الفريق تمزج بين الود والسلطة الواضحة لتجنب سوء الفهم حول الأدوار والتوقعات مع خلق بيئة محفزة وداعمة، ويوضح أن الألفة الشخصية والصداقة الحميمة والتفاعلات غير الرسمية تكمل -وليس بديلاً عن- معايير التسلسل الهرمي والأداء الواضحة.

وبالمثل، يشجع المؤسس والرئيس التنفيذي لـ بيت.كوم، ربيع عطايا، على الصداقات والعلاقات الودية داخل فرق العمل لتعزيز الولاء والعمل الجماعي، لكنه يشدد على أن هذه العلاقات لا تعفي أي شخص من الوفاء بمسؤولياته، فهذه النظرة المتوازنة تدعم التماسك الاجتماعي مع الحفاظ على الأداء التنظيمي.

تظهر الأبحاث كلا الجانبين. فمن الناحية الإيجابية، يمكن لصداقات العمل أن تعزز التفاعل، والإبداع، والولاء. ولكن من الجانب الآخر، قد تطمس الحدود المهنية، وتزيد من الأحاديث الجانبية، وتثير النزاعات أو مشاعر الظلم. وبحسب استطلاع حديث شمل 1,000 موظف، أفاد 7 من كل 10 موظفين بتكوين صداقات مقربة في العمل، لكن 94% منهم شهدوا نشوب نزاعات بسبب هذه العلاقات، وغالباً ما كان ذلك بسبب قضايا مثل المحسوبية.

في هذا المقال، نستعرض أهم الجوانب الإيجابية والسلبية للصداقات في مكان العمل، ونقدم نصائح لتشجيع الجوانب الإيجابية للصداقة مع الحذر من جوانبها السلبية، حتى تستفيد الفرق دون التأثير على المواعيد النهائية.

فوائد الصداقات بين الزملاء

تخلق الصداقات روابط اجتماعية قوية في العمل، غالباً ما تترجم إلى ثقة وتعاون ورضا وظيفي. وقد وجدت دراسة أجرتها مؤسسة غالوب أن الموظفين الذين لديهم صديق مقرب في العمل يكونون أكثر تفاعلاً بسبع مرات في وظائفهم.

وترى المستشارة الأولى لحلول الأعمال في المؤسسة، هانا لوماكس، أنه عندما تكون قريباً حقاً من الأشخاص الذين تعمل معهم، فإن الأمر يبدو مختلفاً، ستشعر بالحماس للذهاب إلى العمل، وتريد حل المشكلات التي تواجهها المؤسسة، لأنك تهتم بالأشخاص.

زيادة التفاعل والرضا: يظهر العديد من الاستطلاعات وجود ارتباط واضح بين صداقات العمل والسعادة. إذ يبين استطلاع أجرته كيه بي إم جي لعام 2024 أن 82% من المهنيين يعتقدون أن الصداقات تحسن رضاهم الوظيفي، و81% يرون أنها تعزز الإنتاجية، ما يشير إلى أن وجود أصدقاء العمل يمكن أن يجعل المشاريع ذات مغزى والعمل الجماعي أكثر حيوية.

تحسين التعاون والابتكار: غالباً ما تحل الفرق التي تربطها علاقات اجتماعية قوية المشكلات على نحو أسرع. على سبيل المثال، وجدت دراسة حديثة في سلطنة عمان بعنوان "هل نحتاج إلى الصداقة في مكان العمل؟ التأثير على السلوك الابتكاري والدور الوسيط للأمان النفسي"، أن زيادة فرص تكوين الصداقات في العمل مرتبطة ارتباطاً إيجابياً بسلوكيات الابتكار لدى الموظفين، فعندما يثق الزملاء بعضهم ببعض ويشعرون بالأمان العاطفي يشاركون الأفكار بحرية أكبر.

ولاحظت الدراسة نفسها أن الفرق ذات الصداقات القوية أبلغت عن مستويات أعلى من السلامة النفسية، ما يعني أن الأشخاص شعروا بالحرية في التجارب الإبداعية دون خوف من الإحراج.

الدعم العاطفي والرفاهة: لا يقتصر مكان العمل على تنفيذ المهام فقط، بل يشكل جزءاً كبيراً من حياتنا الاجتماعية. وجود صديق في الفريق يعني أن هناك من يدعمك خلال فترات التوتر والانتكاسات. تبين مؤسسة غالوب أن أصدقاء العمل يقدمون دعماً عاطفياً حاسماً في الأوقات الصعبة، بدءاً من الإحباطات اليومية وصولاً إلى اضطرابات جائحة كوفيد-19، ما يساعد الموظفين على الشعور بأنهم "ليسوا وحدهم" وأنهم أكثر قدرة على التكيف.

ويؤكد استطلاع كيه بي إم جي الدور الحاسم الذي تؤديه الصداقات في العمل في الصحة النفسية للموظفين، فقد أفاد 69% من الأشخاص المشاركين في الاستطلاع بأنهم غالباً ما يشعرون بالعزلة دون أصدقاء في العمل، مقابل 31% فقط من أولئك الذين لديهم أصدقاء. ما يعني أن الأصدقاء في العمل يشكلون حاجزاً قوياً ضد الإرهاق والتوتر.

الاحتفاظ بالموظفين والولاء: من منظور مؤسسي، فإن الفرق المرتبطة اجتماعياً تستمر وتبقى معاً. أظهرت دراسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الفرق التي تتمتع بعلاقات اجتماعية قوية تحقق أداء أفضل بنسبة 15% من تلك التي لا تتمتع بهذه العلاقات. في حين اعتبر 47% من المهنيين المشاركين في دراسة على لينكد إن أن الصداقات في العمل هي مفتاح البقاء في شركتهم، لأنها تجعل العمل أكثر متعة وتعزز الولاء. عندما يستمتع الزملاء بصحبة بعضهم لبعض، ينخفض معدل الدوران.

بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما تؤدي هذه الروابط القوية إلى توصيات داخلية، إذ يشير استطلاع كيه بي إم جي إلى أن العديد من المهنيين يقولون إن أصدقاء العمل قد قدموا لهم فرصاً وظيفية جديدة، 41% منها داخل الشركة، و36% في شركات أخرى. وبالتالي، فإن الموظفين المرتبطين اجتماعياً هم أكثر عرضة لأن يصبحوا أعضاء ملتزمين في فرقهم.

الجوانب السلبية المحتملة

في حين أن الصداقات يمكن أن تحسن مكان العمل، فإنها قد تلقي بظلالها على الموظفين والشركات إذا تجاوزت الحدود. في قصة سمر وليلى، أدى التبادل السهل للمعلومات بينهما إلى انحرافهما عن المهام أو تشكيل دائرة داخلية. ومن هنا تحذر الأبحاث من أن صداقات العمل هي سيف ذو حدين. وتؤكد دراسة بعنوان "إدارة المخاطر والآثار الجانبية للصداقات في مكان العمل: الدور المعتدل للفاعلية الذاتية للصداقة في مكان العمل" أن هذه العلاقات "ليست ظاهرة إيجابية برمتها"، فمن ناحية، لديك الجانب الشخصي (الدعم، المتعة)؛ ومن ناحية أخرى، لديك متطلبات الوظيفة.

قد يشعر الموظف بأنه منقسم بين دوره بوصفه "صديقاً" ودوره بوصفه "مهنياً"، ويمكن أن يؤدي هذا "الصراع بين الأدوار" إلى استنزاف الطاقة. على سبيل المثال، قضاء وقت أكبر في الأحاديث الشخصية يعني وقتاً أقل للرد على الرسائل الإلكترونية، وقد يؤدي إلى التوتر؛ فإذا طلب منك صديق المساعدة في مهمة صعبة، فقد تترك مهامك خلفك لتلبية طلبه. لكن مع مرور الوقت، يمكن أن يجعل هذا الاستنزاف الأشخاص يشعرون بالإرهاق أو الاستياء.

التشتت والتسويف: قد يكون للمحادثات غير الرسمية بين الموظفين في وقت العمل، التي قد تشمل مجموعة متنوعة من المواضيع تأثير معاكس، فبدلاً من استراحة سريعة تساعد على استعادة النشاط والحيوية، قد ينغمس الزملاء الودودون في مناقشات شخصية تتداخل مع سير العمل. تناولت دراسة نشرت في المجلة الدولية للتحليل التنظيمي عام 2024 آثار التدخلات الشخصية والمهنية على إنتاجية الموظفين. ووجدت أن التداخلات الشخصية، مثل المحادثات غير المتعلقة بالعمل، أثرت سلباً على الأداء المتصور وزادت من المماطلة. ما يشير إلى أن المقاطعات الشخصية يمكن أن تعطل شعور الموظفين بالاستقلالية والكفاءة، وتؤدي بالتالي إلى تأخير المهام.

وبالمثل، أبرزت الأبحاث التي أجرتها جامعة كوينزلاند أن المقاطعات التي تعتبر غير ضرورية أو خارج مسؤوليات الشخص، يمكن أن تعوق تقدم العمل وترفع مستويات القلق.

الحدود المهنية والعدالة: خطر آخر لصداقات العمل متمثل في المحاباة المتصورة (أو الحقيقية). عندما تكون العلاقة قوية بين زميلين في العمل، قد يتساءل الآخرون عما إذا كانا يتلقيان معاملة خاصة، سواء من خلال الحصول على مهام أفضل، أو مشاركة المعلومات الداخلية، أو التأثير على القرارات.

في ثقافات العمل التي تؤدي فيها العلاقات الشخصية بالفعل دوراً كبيراً في التقدم الوظيفي، يمكن أن يكون هذا حساساً. إذ يرى 26% من الموظفين المشاركين في استطلاع كيه بي إم جي أن تضارب المصالح أو تصورات المحاباة تشكل تحدياً كبيراً لبناء الصداقات في العمل.

إذا تمكنت سمر من تجاوز القواعد لأنها صديقة ليلى، فقد يشعر الزملاء الآخرون بالغيرة أو عدم الثقة. والأسوأ من ذلك، إذا تحول نزاع عمل إلى مسألة شخصية، مثل انهيار الصداقة بسبب ترقية، فقد يعطل ذلك تماسك الفريق والمعنويات.

طمس الأدوار وغياب الاحترام: إن الخلط بين الصداقة والعلاقة المهنية قد يولد التوتر. إذ تحذر الدراسات من أن محاولة الجمع بين دور الصديق والزميل في آن واحد يمكن أن تؤدي إلى توترات ناتجة عن تضارب الأدوار. في أسوأ الحالات، قد يبدأ الموظفون بتجاهل القواعد الرسمية، مثل آداب الاجتماعات، أو حتى التصرف بفظاظة عندما تمنحهم علاقاتهم الاجتماعية شعوراً بالراحة المفرطة.

على سبيل المثال، يمكن أن يدلي أحد الموظفين بتعليق سلبي عرضي عن زميل ليس من أصدقائه قائلاً: "نحن نمزح فقط بين الأصدقاء"، لكن هذا النوع من المزاح قد يقوض الفريق ويخلق بيئة عمل سامة.

الإفراط في الألفة يمكن أن يؤدي إلى مشكلات. وإذا ترك دون رقابة، فقد تتسبب الصداقات القوية دون قصد في جرح مشاعر الآخرين، أو تكوين "شلل"، أو فتح باب للنميمة. المفتاح هنا هو التوازن، إذ يوصي الكثير من الخبراء والمدراء بتشجيع بيئة عمل ودية، لكن ضمن إطار من التوقعات الواضحة، تعزز الروابط الاجتماعية، وتحافظ في الوقت نفسه على شفافية التواصل المهني والقرارات الإدارية.

موازنة الصداقة مع أهداف الفريق

إلى أين يقودنا ذلك؟ يمكن للصداقات في مكان العمل أن تقوي الفرق، من خلال رفع الروح المعنوية، وتعزيز التعاون، وتقليل دوران الموظفين، لكنها قد تضعف الفريق إذا أدت إلى المحاباة، أو النزاعات، أو تشتت التركيز.

وغالباً ما تتغلب الإيجابيات على السلبيات إذا أديرت على نحو جيد. إليك بعض النقاط العملية التي يمكن تطبيقها:

شجع على التواصل الاجتماعي، لكن ضع قواعد واضحة. نظم وجبات غداء أو استراحات قهوة جماعية لتقوية الروابط، خصوصاً في بيئات العمل الهجينة أو العمل عن بعد. تشير كيه بي إم جي إلى أن 58% من الموظفين يرون أن الإفراط في التواصل الرقمي يشكل عائقاً أمام تكوين صداقات، لذا فإن التفاعل الشخصي مهم. ومع ذلك، ضع قواعد عامة، مثل تخصيص أوقات محددة للمحادثات الاجتماعية أو الالتزام بأجندة في الاجتماعات لضمان التركيز.

وتؤكد الخبيرة في ديناميكيات مكان العمل، إيمي غالو، أهمية التمسك بحدود الصداقة في العمل والتحكم بها، وتقترح في مقالها المنشور في هارفارد بزنس ريفيو "ماذا تفعل عندما تستنزفك صداقة العمل؟" أن تغير طريقة تفاعلك مع الشخص الذي تستنزفك صداقته دون أن تقاطعه تماماً؛ خصص وقتاً أقل للتواصل معه واعرض عليه أن تصله بشخص يمكنه مساعدته في حل مشاكله.

روج للعدالة والشمول. لا تسمح لشلة واحدة بالاستحواذ على جميع المشاريع البارزة. بدل توزيع المهام بين الفريق، واستخدم معايير واضحة ومعلنة للترقيات والمكافآت. وإذا لاحظت أن علاقة صداقة ما بدأت تؤثر على الحياد، فذكر الجميع بلطف بالمعايير المهنية. هذا يشعر باقي الفريق بالتقدير ويمنع الغيرة.

درب المدراء على تحقيق التوازن. يمكن للقادة أن يكونوا قدوة في الجمع بين الود والاحتراف. يجب أن يكونوا ودودين وقابلين للتواصل، لكن في الوقت نفسه منصفون في توزيع المهام. إذ تظهر الدراسات أنه من الصعب بناء صداقات عمل إذا لم يدعم القادة العلاقات الإيجابية علناً، فالقادة الذين يمزجون بين حس الفكاهة والانضباط يصنعون نغمة إيجابية للفريق.

اعتبر الصداقات قوة، لا عكازاً. الموظفون الأصدقاء الذين يثق بعضهم ببعض يمكن أن يكونوا فريقاً رائعاً عند العمل في مشاريع تتطلب تعاوناً وثيقاً، مثل العصف الذهني أو أدوار الدعم. لكن تجنب وضعهم في مواقف قد تخلق تضارباً في المصالح، مثل تقييم أحدهم لأداء الآخر.

كن مستعداً للنزاعات. إذا فسدت صداقة بين زميلين، فليكن لديك سياسات واضحة للتعامل مع الموقف، مثل نقل أحد الطرفين إلى فريق آخر، أو اللجوء إلى الوساطة من الموارد البشرية، حتى لا تتحول الخلافات الشخصية إلى أزمة تضر بالأداء العام. عليك بتشجيع الحوار المفتوح والمهني لمنع المشكلات قبل أن تتفاقم.

يمكن أن تصبح الصداقات مثل صداقة سمر وليلى نقطة قوة في مكان العمل، حيث تحفز زملاء الفريق وتولد الأفكار الإبداعية. ولكن إذا كانت تتجاهل المواعيد النهائية أو تولد التفرد، فقد تؤدي بسهولة إلى تفكك الفريق.

الأمر يحتاج إلى عملية موازنة، يمكن للفرق أن تنمي الروابط الاجتماعية عن قصد وأن تحذر من العثرات. ففي نهاية المطاف، مكان العمل ليس مجرد آلة للكفاءة، بل هو مجتمع. إن تشجيع الزملاء على التواصل الشخصي يمكن أن يمنح الجميع دفعة قوية، إذ يتفق المجتمع على الاحترام المشترك والالتزام بأهداف الفريق.

 

   

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي