قبل بضع سنوات، أثناء عملي في شركة سابقة، أثارت فضولي سلسلة من الأمور. كان مديري وفريق العمل يطبقون عملية اتخاذ قرار تضمن المساواة بين مختلف الأفراد. كنا نلتقي ونناقش كل شيء من بداية حملات تسويق المحتوى إلى وسائل التواصل الاجتماعي ثم نخرج بصورة جماعية باستراتيجيات للمضي بالعمل قدماً. ومع ذلك في كثير من الأحيان كنت أعود إلى العمل في وقت لاحق من الأسبوع لأجد أنّ القرارات التي اتفقنا عليها في الأصل باتت في مهب الريح والمدير ماض في اتجاه جديد تماماً، كل هذا دون تفسير واضح لسبب إدخال هذه التغييرات.
لكني توصلت في نهاية الأمر إلى حل اللغز، فقد كان مديري وبعض العاملين في قسمنا يجتمعون مع الموظفين بمن فيهم قادة الفرق خلال لقاءات اجتماعية غير رسمية وغير مخطط لها مسبقاً؛ كأن يلتقوا على سبيل المثال في مقهى أو مطعم قريب من المكتب. وخلال هذه اللقاءات، كانوا يناقشون أموراً تتعلق بالعمل ويتخذون قرارات لا يشارك فيها الآخرون، حول من يوظّفون ولمن يوكلون مشروعاً مهماً أو من يستحق الترقية وهكذا. وعلى الرغم من أنني لم أدع بتاتاً إلى مثل هذه اللقاءات، إلا أنني علمت لاحقاً أنّ الحضور لا يقتصر على الرجال إذ كانت تلك اللقاءات تشمل النساء في قسمنا أيضاً على اختلاف درجاتهن الوظيفية. وكان علي أن أجد طريقة لأجعلهم يدعونني إلى هذه اللقاءات.
لا تجري هذه الأمور بنية سيئة، إذ تُظهر الأبحاث حول "الانجذاب المتحيّز" أننا ننجذب بشكل طبيعي إلى من يشبهوننا؛ فتناول فنجان قهوة هنا، والمشاركة في لقاء للتعارف هناك مع زملاء يفكرون مثلنا، ليس بالأمر السيئ، أليس كذلك؟ لكن لسوء الحظ، مثل هذه الاجتماعات البريئة في الظاهر، قد تنجم عنها عواقب تؤثر في معظمها على المسيرة المهنية لبعض الموظفين. وينطبق هذا بشكل خاص على النساء.
ويتمثل الحل الأول في دعوة الجميع إلى مثل هذه اللقاءات والتجمعات. والحل الآخر الذي يمكن أن يحدث تغييراً دائماً لضمان التنوع والشمولية هو تنظيم فعاليات شاملة يشعر خلالها الموظفون أنهم موضع ترحيب على اختلاف خلفياتهم الثقافية. واستناداً إلى مقابلات أجريتُها مع قيادات نسائية تعمل على الحد من التحيّز في مكان العمل، تتمثل الخطوة الأولى التي يمكن للمدراء اتباعها في إتقان الممارسات التالية.
1- تعرّف على تفضيلات موظفيك، وخصوصاً أولئك الذين من خلفيات ثقافية مختلفة. يمكن أن يُستبعد من لقاءات ما بعد العمل النساء اللواتي يتحملن نصيب الأسد من مسؤولية رعاية الأطفال، وذلك على مستوى عالمي. عدا عن ذلك، لا يُدعى العديد من النساء إلى اللقاءات خارج المكتب، سواء كان لديهن أطفال أم لا. وهكذا إما أن نُستبعد من الشبكة الاجتماعية التي تقود إلى مراكز السلطة مثل حفلات العشاء في المطاعم أو سهرات المرح والرحلات الذكورية، حيث لا مكان لنا فيها أو أن يؤدي حضورنا إلى تغيير ما جرت عليه العادة، وهذا يسبب الغضب، ومن ثم يعني أنّ مكاننا ليس هنا.
لضمان شعور جميع النساء بأنهن مدعوات في هذه اللقاءات، يجب أن يفهم المدراء قبل كل شيء الممارسات التي تستثنيهن بالإضافة إلى الحواجز التي تمنعهن من حضور الفعاليات المتصلة بالعمل. تقول دينا، وهي مديرة في شركة عالمية للتكنولوجيا: "بصفتك مديراً، من الضروري طرح أسئلة حول تفضيلات موظفيك بطريقة محترمة". ويشمل هذا ما هو مفضل من الأطعمة والأنشطة التي تجعل موظفيك يشعرون بالارتياح. وتضيف: "تأكد دائماً من توفير خيارات لمن يتبعون نظاماً مختلفاً على صلة بالطعام أو الشراب أو ممارسات معينة". من المهم طرح هذه الأسئلة على انفراد بحيث لا يشعر الموظف بأنه مستهدف بشكل خاص ضمن المجموعة. والطريقة الأكثر فعالية هي أن تسأل كل شخص بمفرده. يمكنك أيضاً طرح أسئلة تتعلق بتفضيلات الموظفين في استبيان على مستوى الشركة دون طلب ذكر اسم الموظف.
2- أشرك لجنة تخطيط متنوعة. يجب أن تتولى تنظيم فعاليات الشركة الرسمية لجنة تخطيط متنوعة تتفهم كيفية تلبية توقعات مجموعة متنوعة من الناس. تنصح سوزي كولينز، وهي في منصب مدير عام في برنامج التنوع والشمولية لدى شركة نوردستروم (Nordstrom)، المدراء بتمكين "جميع الموظفين للمساهمة في محتوى الفعاليات، وخصوصاً النساء والزملاء المبتدئين". وتضيف أنه طيلة عملية التخطيط والتنفيذ، ينبغي أن تُنسب الأفكار إلى أصحابها وأن يكون للنساء نصيب واضح وصريح من الثناء على مساهمتهن. إذ غالباً ما يتم تجاهل مساهمة النساء. ومن ثم فإنّ الاعتراف بهذه المساهمة وتسليط الضوء عليها يؤكد أهميتها.
في أثناء التخطيط، حاول أيضاً أن تستمع أكثر مما تتحدث وانتبه للوقت الذي تقتطعه للحديث خصوصاً إذا كان موضوع المناقشة خارج نطاق خبرتك. كونك على الدوام الصوت الطاغي في الغرفة إنما يعزز الديناميكيات الاجتماعية التي تحاول تغييرها؛ تلك التي تضع الرجال فقط في موقع القيادة، في حين تعطي النساء دور موظفي الدعم.
3- نظم مزيداً من الفعاليات التي تشمل الجميع ولا تفترض أنّ النساء لن يحضرن بعض الفعاليات. في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، غالباً ما يُفترض أنّ النساء لن يشاركن في لقاء ينظم بعد انتهاء العمل أو في المساء في مقهى أو في مطعم تكون غالبية من يحضرون فيه عادة من الرجال. لا ينبغي الافتراض مسبقاً أنهن لن يحضرن أو أنهن سيشعرن بعدم الارتياح إذا حضرن. هناك نساء ليس لديهن اعتراض على المشاركة في مثل هذه اللقاءات، ومن الأفضل توجيه الدعوة إليهن وترك القرار لهن، بدلاً من أن تقرر بدلاً منهن.
4- نظّم مزيداً من الفعاليات خلال النهار. تنظيم الفعاليات واللقاءات خلال النهار أو وقت الغداء وسيلة رائعة لضمان مشاركة جميع الموظفين. تقترح بافاني موروجيا، مسؤولة الموارد البشرية السابقة لدى إحدى شركات التكنولوجيا، طريقة حققت نجاحاً في شركتها السابقة يطلق عليها اسم "يانصيب الغداء" وهو برنامج يختار موظف أو موظفة من خلاله عن طريق سحب البطاقات ثلاثة إلى خمسة زملاء لتناول الغداء معهم مرة في الشهر. يمكن لمثل هذه اللقاءات غير الرسمية كسر الحواجز بين الأقسام وتوفير فرص للتعارف بين الأشخاص الذين لا يُدعون أو لا يشاركون دائماً في اللقاءات غير الرسمية.
5- تعمّد اختيار من تريدهم أن يشاركوا في فعاليات تنظم خارج أوقات العمل. نظّم فعاليات خارج ساعات العمل تجمع فيها عن قصد بين موظفين من خلفيات مختلفة للتواصل فيما بينهم. تقول فيليسيتي مينزيس الرئيسة التنفيذية لشركة إنكلود إمباور (Include-Empower) في سيدني والمديرة السابقة للخدمات المصرفية الخاصة لدى ويستباك سنغافورة (Westpac Singapore): "إنّ الفعاليات غير التفاعلية مثل عروض الأفلام "يمكن أن تعزل موظفين من مجموعات ذات تمثيل ضعيف في الشركة". قد يكون من الصعب عموماً على الناس أن يكتسبوا معارف أو يكونوا صداقات جديدة - لاسيما الأكثر خجلاً أو تحفظاً من بينهم. أضف إلى ذلك عوامل مثل حاجز اللغة والاختلافات الثقافية والتحيزات والصور النمطية وسيصبح من الواضح لماذا يمكن أن يبدو صعباً الانضمام إلى اللقاءات غير الرسمية خارج العمل أو حتى يبدو في بعض الأحيان أنها تستبعد تماماً الأشخاص الذين ينتمون إلى الأقلية. تقول مينزيس إنه من الأفضل تنظيم أنشطة تضمن التفاعل والتعارف بصورة منظمة بين المشاركين دون التسبب بقلق اجتماعي وتراعي مختلف الشخصيات واللغات والثقافات والأعراق والقدرات الجسمانية. وتشمل الأمثلة على ذلك أنشطة التطوع المجتمعي أو تمارين بناء الفريق أو "الطبخة المنزلية"، حيث يُعد أفراد من خلفيات ثقافية مختلفة أطباقاً تقليدية من تراثهم يشاركونها مع الآخرين ويشاركونهم حكايات على صلة بها.
6- تعمد أن تعرّف الناس ببعضهم. عندما يشارك موظفون من خلفيات مختلفة في نشاط ما، احرص على تعريف النساء والأشخاص بالمساهمين المهمين في الشركة وأصحاب المصلحة فيها، مثلما تقول كولينز، إذ يمكن أن يؤثر استخدام نفوذك في تعزيز هذه الروابط بشكل ملحوظ على مدى شعور الموظف بأنه مرحب به وحتى تغيير مساره الوظيفي. وتقول مورجيا: "يجب عليك كمدير أن تدرك أنّ هناك العديد من الطرق للتأثير على استيعاب شخص ما أو حتى وافد جديد إلى الشركة". ولكن "أياً كان ما تفعله لإحداث تغيير، يجب أن يكون صادقاً ومدروساً".
7- راجع وتيرة الأنشطة والحاضرين. احص عدد المرات التي يلتقي فيها الفريق بشكل غير رسمي وكذلك عدد اللقاءات الرسمية ومن يحضر في كل مرة. سيعطيك ذلك المعلومات التي تحتاج إليها لتصحيح سير الأمور والتواصل شخصياً مع من لا يحضرون. يجب أن يكون هدفك معرفة ما الذي يمنع الناس من الحضور، والاستفادة من هذه المعلومات لإجراء تغييرات إيجابية.
8- ابحث باستمرار عن الأمور الخافية واجمع الآراء والتعليقات بعد الحدث. سيساعدك ذلك على التعرف على مجالات التحسن، على أمل إدخال تحسينات على النشاط التالي. يقوم النهج الشمولي في جزء منه على معرفة ما لا تعرفه، ولهذا تعامل مع الآراء والتعليقات بانفتاح وتواضع. سيساعدك ذلك في بناء الثقة وإيجاد بيئة يشعر فيها الناس بارتياح للتعبير بصدق عن آرائهم.
خلال أعمالي البحثية، وجدت مراراً وتكراراً أنّ الشركات التي لا تتعمد بذل جهد شمولي تنتهي في نهاية المطاف في كثير من الأحيان إلى استبعاد النساء. من الأهمية بمكان أن يفهم العاملون في الشركة على جميع المستويات كيف يترك استبعاد الموظفين الجدد من اللقاءات غير الرسمية أثراً ضاراً على حياتهم المهنية. تتحمل الشركات مسؤولية وقف حدوث مثل هذه التصرفات المدمرة.