يعدّ الشغف في ريادة الأعمال بمثابة الوقود الذي يحتاجه رواد الأعمال لمواصلة العمل، ويظهر بحث أن الشغف هو مؤشر رئيسي لإبداع رواد الأعمال واستمراريتهم وأداء مشاريعهم. بعبارة أخرى، كلما كان رائد الأعمال أكثر شغفاً، ارتفع احتمال نجاحه.
هل تنطبق الفكرة نفسها على الفرق الريادية؟ لا شك أن معظم المشاريع الجديدة قد أطلقتها الفرق وقادتها، ويظهر بحث أن الطريقة التي يعمل من خلالها جميع أعضاء الفريق الريادي تلعب دوراً مهماً في تحديد نتائج المشروع. لكن ليس جلياً التأثير الذي يخلقه الشغف على مجرى الأمور، هل يؤدي الشغف دائماً إلى عمل جماعي رائع؟ هل كلما اشتد الشغف، كان الأثر أفضل؟ ماذا يحدث إذا كان أحد أعضاء الفريق شغوفاً جداً، بينما كان الآخر ليس شغوفاً على الإطلاق؟ ماذا لو كان هناك أشخاص شغوفين لأمور مختلفة؟
أجرينا دراسة من أجل فهم كيفية تأثير الشغف على الفرق الريادية. ومن خلال إجراء استطلاعات شملت 107 فرق من فرق التكنولوجيا المشاركة في برنامج تسريع الأعمال، وجدنا أن تنوع الشغف بين أعضاء الفريق الواحد، من حيث مدى شغفهم وتوجهه، كان له صلة سلبية مع أداء الفريق، ذلك بسبب تضارب العواطف والشخصيات داخل الفريق الواحد. كما وجدنا أن التنوع الكبير في الشغف له ضرر أكبر خلال المراحل اللاحقة من تطور المشروع.
الأنواع المختلفة للشغف الريادي
أسست ميليسا كاردون، وهي أستاذة جامعية وباحثة بارزة في مجال القضايا المتعلقة بالشغف، إطار عمل يميز ثلاثة أنواع من الشغف بين رواد الأعمال.
-
بعض رواد الأعمال شغوفون بالابتكار:
إذ تجدهم يركزون على تحديد فرص جديدة، أو خلق منتجات أو خدمات جديدة. وهؤلاء هم الاختصاصيون النموذجيون، أو رواد الأعمال الموجهون نحو المنتج.
-
بعض رواد الأعمال شغوفون بالتأسيس:
وتجدهم يركزون على تأسيس ورعاية المشروع بمراحله الأولية. وينشط هؤلاء من خلال إنشاء الشركات الجديدة، وغالباً ما يخرجون عند مرحلة معينة ويستأنفون العملية بمشروع جديد.
-
بعض رواد الأعمال شغوفون بالتطوير:
وهم يركزون على بناء المشروع، ويستمدون طاقتهم من خلال تنمية الشركة، وجذب عملاء جدد، وتوظيف موظفين جدد، وبناء الثقافة المؤسسية.
أردنا فهم ما يحدث للفرق، ومشاريعهم، التي تنطوي على تلك الأنواع المختلفة من الشغف الريادي. لذلك عملنا مع برنامج تسريع الأعمال في نيذرلاندز (هولندا سابقاً) لجمع المعلومات من مجموعة مكونة من 251 شخصاً من رواد الأعمال الذين كانوا جزءاً من الفرق. ومن بين أعضاء الفريق الواحد، شكل الذكور نسبة 71%، وبلغ متوسط العمر 34 عاماً، وكانت درجة الماجستير هي متوسط المستوى التعليمي لهم، وشكل الذين لديهم خبرة سابقة في الشركات الناشئة نسبة 43%.
اقرا أيضاً: كيف تتطور صناعة القرار مع تطور الشركة الناشئة؟
بعد قبول إحدى تلك الفرق في البرنامج، أرسلنا استطلاعاً عبر الإنترنت إلى جميع أعضاء الفريق، وطرحنا عليهم أسئلة حول شغفهم، وما الذي دفعهم للعمل على الشركة. استخدمنا مقاييس معتمدة لقياس الشغف، وطلبنا منهم تحديد مدى توافقهم مع جمل مثل "البحث عن أفكار جديدة للمنتجات أو الخدمات من أجل تقديمها إلى الجمهور هو أمر ممتع بالنسبة إليّ" و"تأسيس شركة جديدة يثير الشغف بداخلي" و"توظيف أشخاص مناسبين للعمل في الشركة يعدّ أمراً ممتعاً". كما جمعنا متغيرات الضبط، وطرحنا أسئلة حول خصائص شركاتهم وخبرات رواد الأعمال السابقة.
في نهاية البرنامج الممتد لعشرة أشهر، جرى تقييم جميع الفرق من قبل مستثمرين في رأس المال المغامر (أو ما يسمى رأس المال الجريء) ومن خارج البرنامج، ذلك استناداً إلى جودة الأفكار التي قامت الشركات على أساسها، ومقدار الاستثمار الذي حصل عليه الفريق بعد خمس سنوات.
تأثير الشغف على الفرق الريادية
لقد وجدنا تأثيراً سلبياً واضحاً على تنوع الشغف، مثل الاختلاف في مدى شغف أعضاء الفريق (شغف مرتفع مقابل آخر منخفض)، بالإضافة إلى التنوع فيما كانوا شغوفين به (الابتكار أو التأسيس أو التطوير).
كان النمط الأول الذي رأيناه في بياناتنا هو أن الفرق التي شملت أعضاء اختلفوا في مدى شغفهم (على سبيل المثال، كانت سارة شغوفة جداً بالمشروع، لكن تامر كان أقل شغفاً)، كان أداؤها أسوأ على المدى القصير من حيث جودة خطة العمل وديناميكيات الفريق.
النمط الثاني الذي لاحظناه هو أن الفرق التي شملت رواد أعمال ممن اختلفوا فيما كانوا شغوفين به (على سبيل المثال، أحبت داليا إدخال تعديلات لإجراء تحسينات على المنتج، بينما كان شادي متحمساً للتواصل مع المستهلكين)، كان أداؤها أسوأ على المدى الطويل، وجمعت رأسمال أقل بعد الفترة المقدرة بخمس سنوات.
لماذا قد تؤدي هذه الاختلافات في الشغف إلى حدوث ضرر بالمشروع؟ دعونا نتعمق في بعض الأمثلة المستمدة من بياناتنا، لكن من دون ذكر الأسماء الحقيقية.
من أجل فهم النمط الأول، لنأخذ مثال فريق "جامبول"، حيث كان العضوان المؤسسان، وهما إيمان وساندرا، شغوفتان جداً بالمشروع ومتحمستان له، وكان باسم ليس شديد الحماس، بينما لم يكن بهاء متحمساً على الإطلاق. في هذه الحالة بالذات، بدأ أكثر عضوين في الفريق شغفاً بالعمل بوضع استراتيجيات لأولوياتهما من دون مشاركة باقي أعضاء الفريق، وبالتالي، انخفض أداء الفريق قصير المدى على الفور. كما تجنبت كل من إيمان وساندرا، وهما العضوان الشغوفان بالمشروع ضمن الفريق، العمل مع باسم وبهاء والتواصل معهما. وأدى ذلك إلى انخفاض مستوى العمل الجماعي، وروح التعاون ضمن المجموعة، وكانت النتيجة انخفاض أداء الفريق ككل.
اقرا أيضاً: رقمنة البنوك وآثارها السلبية على رائدات الأعمال
في المقابل، بالنظر إلى فريق "كاتش20"، الذي يتألف من أربعة رواد أعمال كانوا شغوفين بالمشروع بالقدر نفسه، فقد أبلغونا عن مشاعر سلبية أقل من خلال الاستطلاعات، وعملوا بسرعة أكبر، وبتركيز أعلى من فريق "جامبول". ولأن الشغف كان متساوياً لدى أعضاء الفريق، فقد انخرطوا جميعاً في صنع القرار التشاركي، بدلاً من إجراءات صنع القرار الكيفية التي اتصف بها فريق "جامبول".
دعونا الآن نلقي نظرة على النمط الثاني الذي لاحظناه، قدمت الفرق التي تضمنت رواد أعمال ممن اختلفوا فيما كانوا شغوفين به أداء أسوأ على المدى الطويل، وجمعوا رأسمال أقل بعد الفترة المقدرة بخمس سنوات. إليكم مثال على ذلك، فشلت شركة "يولي" (Yollie) لأن مؤسسيها الثلاثة كانوا جميعاً شغوفين للغاية بثلاثة أدوار مختلفة، ففي حين ركز هاني على التكنولوجيا وشعر بأنه مبتكر حقيقي، كان رافي شغوفاً جداً بالتأسيس، بينما تمحور شغف راوية الشديد حول التطوير. وعندما حان الوقت لاتخاذ قرارات حاسمة، لم ينجح الهيكل المؤلف من ثلاثة رواد أعمال في ذلك. فقد قادت أشكال الشغف المختلفة الفريق إلى السعي نحو أهداف مختلفة، وفقدان التركيز، والفشل في التوصل إلى إجماع. لم تنجح أيضاً في اعتبارها كاستراتيجية فرق تسد، لأن لم يجتمعوا مجدداً حول هدف مشترك. ثم تراجع أداء فريق "يولي" أكثر فأكثر إلى أن اضطر الأعضاء في النهاية إلى وقف أعمال الشركة.
توجيهات تهمّ الفرق الريادية والمستثمرين
في حين يصنف الشغف على أنه أمر إيجابي بالنسبة إلى ريادة الأعمال بشكل عام، تقترح دراستنا على رواد الأعمال الأخذ في الاعتبار النتائج السلبية التي يمكن أن ينطوي عليها الشغف ضمن الفرق. لتوضيح ذلك، ينبغي على المؤسسين النظر في الأنواع المختلفة للشغف عند التفكير في ضم أعضاء جدد إلى الشركة.
حتى لو لم يكن الاختلاف الكبير في الشغف ضاراً خلال المراحل المبكرة من المشروع، قد يمثل تحدياً أكبر خلال المراحل التالية من تطويره. إذ غالباً ما يركز أعضاء الفريق في تلك المراحل الأولى على الأهداف قصيرة المدى، مثل العثور على المستهلك أول، أو الكشف عن العلامة التجارية للجمهور. وكثيراً ما تكون الاختلافات الفردية أقل بروزاً. لكن مع مرور الوقت، يصبح عدم وجود هوية ثابتة أكثر إشكالية مع اتخاذ قرارات ذات أثر أكبر، وعند استثمار أعضاء الفريق المزيد من الوقت في المشروع.
إن نتائج دراستنا لها تأثيرها أيضاً على حاضنات الأعمال ومجتمع المستثمرين. إذ يميل المستثمرون خلال عملية اتخاذ قرار الاستثمار إلى سؤال رواد الأعمال حول المقاييس المالية التي يتوقعونها فقط. وتظهر دراستنا أن تضمين بعض الأسئلة حول الشغف ضمن طرق إجراء المقابلات، يمكن أن يوفر معرفة متعمقة حول استمرارية الشركة على المدى الطويل.
اقرا أيضاً: طريقتان لتحقيق الشراكة بين الشركات الناشئة والشركات الكبرى
بمزيد من التوضيح، يمكن لبرامج تسريع الأعمال ومجموعات تدريب الشركات الناشئة تصميم دورات تدريبية وجلسات تنمية شخصية فيما يتعلق بتكوين الفريق، مع التركيز على مسائل تنوع الشغف ضمن الفرق. وبالنسبة إلى الشركات الناشئة والفتية التي تدخل هذه البرامج، فإن الرؤى والجلسات المخصصة حول تأثير تنوع أشكال الشغف والطموحات داخل الفريق ستضيف قيمة. لا تكون هذه الفرق "مكتملة" بعد في كثير من الأحيان، وإن التقييم الدقيق لشغف الفريق قد ينطوي على احتمال تحسين معدلات نجاح التوظيف المستقبلي، وازدهار الفريق ككل بسبب الشغف في ريادة الأعمال.
اقرا أيضاً: روح الشركة الناشئة... بوسع الشركات أن تحافظ على طاقتها الريادية حتى بعد أن تنمو