تعزيز ثقافة الانتماء في أماكن العمل الهجينة

6 دقائق
تعزيز الشعور بالانتماء بين الموظفين

ملخص: أثبتت الأبحاث أنه عندما يشعر الموظفون بأنهم ينتمون إلى فريق أو مؤسسة، فلن يحفزهم ذلك على رفع مستوى أدائهم فحسب، بل سيسهم أيضاً في رفع مستويات شعورهم بالاندماج والرفاهة. لكن شعورنا بالانتماء في العمل شكّل تحدياً صعباً خلال العام الماضي نتيجة غياب التفاعلات الشخصية بعد أن وجدنا أنفسنا نعتمد على مكالمات الفيديو والتواصل عبر شاشات أجهزة الكمبيوتر. فكيف يمكن لكبار القادة تعزيز الشعور بالانتماء بين الموظفين في ظل الغموض الكثيف الذي يحيط الآن بالخبرات الثقافية التي باتت صعبة المنال وتخضع للمعايير الذاتية؟ تتناول هذه المقالة 3 تحديات رئيسية يجب معالجتها.

لا تقتصر حياة الإنسان على العمل وحده، لكن إذا كنا سنخصص ثلث حياتنا كبالغين للعمل في وظائفنا، فيجدر بنا أن نجعلها وظائف ذات مغزى. قد تكون درجة المغزى والغاية التي تستمدها من العمل هي الفارق الأهم بين الوظيفة والمسيرة المهنية، ولطالما أثبتت أبحاث علم النفس أن الموظفين الذين يشعرون بالانتماء إلى فريق أو مؤسسة، بمعنى أنهم يشعرون بالتواؤم مع قيم فريقهم أو مؤسستهم ويستطيعون التعبير عن الجوانب المهمة من هويتهم، لن يتحسن مستوى أدائهم فحسب، بل ستزداد مستويات شعورهم بالاندماج والرفاهة أيضاً. وفي المقابل، فإن غياب الشعور بالانتماء سيزيد من خطر الإحساس بالاغتراب والاحتراق الوظيفي وتراجع مستوى الأداء.

ويجب على المؤسسات، انطلاقاً من هذا الدليل الدامغ، أن تصرف همها إلى تعزيز الشعور بالانتماء بين الموظفين، كما يجب على المدراء المعاصرين تسليط الضوء على مغزى العمل وغايته إذا أرادوا الحفاظ على موظفيهم. وتعتبر هذه الجهود في واقع الأمر أصعب كثيراً من استقطاب المواهب الجديدة. فقد بات الشعور بالانتماء تحدياً صعباً خلال العام الماضي نتيجة غياب التفاعلات الشخصية بعد أن وجدنا أنفسنا نعتمد على مكالمات الفيديو والتواصل عبر شاشات أجهزة الكمبيوتر. واضطر مسؤولو أقسام الموارد البشرية وكبار المسؤولين التنفيذيين إلى مواجهة مطالب جديدة فيما يتعلق بخلق الشعور بوجود منظومة عمل حقيقية وتعزيزه، وباتوا يدركون الآن أنهم بحاجة إلى مهارات جديدة.

وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن القادة لا يهتمون بـ "تعزيز الشعور بالانتماء بين الموظفين"، كل ما هنالك أنهم لا يجدون طريقة بسيطة لتحقيق هذا الهدف. تنطبق هذه المقولة خاصة على عصر العمل الهجين الذي يشهد تغيرات جذرية أرغمت المؤسسات ليس على زيادة جرعة المرونة في ترتيبات العمل فحسب، بل اضطرتها أيضاً إلى إقرار سياسات العمل عن بُعد التي تحد من فرص معايشة الثقافة المؤسسية وتحرم الموظفين من فرص التفاعل معها بشحمهم ولحمهم. ولكي نكون واضحين، لا تختفي الثقافة المؤسسية من الوجود عندما يغيب بعض الموظفين عن المقر المكتبي للعمل، ولن تتوقف عن التطور كذلك. ومع ذلك، نظراً لتبدد إمكانية معايشة الثقافة المؤسسية بالطريقة التي اعتدناها وتحولها إلى غاية صعبة المنال تخضع للمعايير الشخصية، فمن الصعب على المؤسسات التواصل مع موظفيها وربطهم معاً من خلال تجربة ثقافية متجانسة. وإذا كان العمل شيئاً تفعله، وليس مكاناً تأتي إليه، فقد آن الأوان للتخلص من فكرة حصر الثقافة المؤسسية بين الجدران الأربعة للمقرات المكتبية. يجب أن نعترف بحقيقة أننا نعيش جميعاً في خضم تجربة عملاقة تخلو من أي قيود على التكنولوجيا وما كنا نسميه مكان العمل. ويمكننا بدلاً من ذلك التركيز على احتياجات الإنسان ورغباته حتى نحافظ على صحتنا وقدراتنا الإنتاجية والإبداعية ونحافظ أيضاً على روابطنا الاجتماعية وإلهامنا.

التحديات التي على القادة مواجهتها من أجل تعزيز الشعور بالانتماء بين الموظفين

ومن أجل معالجة هذه المسألة، يجب على المؤسسات (والقادة) مواجهة 3 تحديات رئيسية من أجل تعزيز الشعور بالانتماء بين الموظفين:

1. تحقيق التوازن بين التجاذب بين الثقافة المستقرة من جانب، والممارسات الفاعلة للتنوع والشمول والانتماء من جانب آخر

إذا أرادت الشركات زيادة أهمية التنوع، فعليها أن ترسّخ ثقافة شاملة يشعر فيها الفرد بتقدير اختلافاته واحترامها، وربما حتى الاستناد إليها باعتبارها أحد أهم مسوغات تعيينه. وتُعرّف شركة "سبوتيفاي" التي تشغل فيها كاتارينا منصب الرئيسة التنفيذية للموارد البشرية، التنوع بأنه "تلقي الدعوة إلى حضور الحفل"، وتُعرّف الشمول بأنه "طلب الرقص معك"، فيما تُعرّف الانتماء بأنه "الرقص على أنغام أغنيتك المفضلة". هل يبدو لك الأمر بسيطاً؟ ربما، ولكن إذا أردت الرقص مع مجموعة كبيرة من الشخصيات، وإذا حاولت تلبية تفضيلات الجميع على اختلافاتها، فإنك تخاطر بعدم حضور أي شخص إلى ناديك.

إذ ينجذب الناس نحو المقترحات البسيطة والواضحة، سواء في العمل أو في أي من مجالات الحياة الأخرى، ومثلما تؤدي محاولات إرضاء الجميع إلى خسارة الانتخابات السياسية (التي تتطلب انفتاح الناخبين على كل التوجهات دون التعصب لتوجه معين)، فإن الثقافة المؤسسية التي تحاول إرضاء الجميع لن تنال رضا أحد. لذا فإن "الملاءمة الثقافية" تمثّل نهجاً شائعاً لتعيين المواهب وتعزيزها، فهي أسهل بكثير من التنوع والشمول والانتماء. وعندما تبدأ أخيراً الحديث عن عدم إمكانية تحقيق التنوع دون تكلفة، فستظهر جاذبية أشياء مثل تعيين موظفين جدد بغرض التنويع الثقافي (أي ضمان أن يضيف الموظفون المنضمون إلى الفريق شيئاً جديداً إلى فريق العمل) بدلاً من تعيينهم استناداً إلى الملاءمة الوظيفية. ويجب على المدراء والموظفين فهم هذه التكلفة الإضافية وتحملها لأنها ستحقق مزايا جمة، ولكن بعد وقت طويل. إذ سيؤدي التنوع إلى إبطاء عجلة النمو في البداية، وقد يخلق نوعاً من سوء التفاهم، وعندما يأتي الموظفون من خلفيات مختلفة وغير عادلة، ستظهر لديك آراء وعوالم متضاربة. فكيف تتقن فن التعامل مع هذه المتناقضات؟

2. الحفاظ على العنصر الاجتماعي للعمل، حتى إذا استمر الموظفون في العمل من المنزل

لا يعتبر العمل مجرد وسيلة للإنتاجية فحسب، لكنه فرصة لتكوين علاقات ذات مغزى مع الآخرين، علاقات يمكن أن تعزز تجربتنا الشاملة في الحياة. وهذا أيضاً هو السبب الرئيسي وراء شعور الكثيرين بالحنين للمقرات المكتبية، هذا الشعور الذي ينبع من رغبتهم في استعادة بعض السحر المفتقَد الذي يجعل العمل أكثر إنسانية. وأولئك الذين يتوقون إلى العودة إلى المقرات المكتبية، ويتمكنون من العودة، سيذوقون على الأرجح حلاوة الشعور بالانتماء، أو قد يكون شعورهم بالانتماء هو الذي يدفعهم للعودة إلى المقرات المكتبية في المقام الأول. ولكن ماذا سيفعل أصحاب العمل لأولئك الذين لا يستطيعون العودة، بسبب فيروس كورونا أو لأسباب شخصية ذات صلة؟ إذا قرر الموظفون البقاء في منازلهم أو مواصلة العمل على مسافة مادية من الآخرين، بصرف النظر عن الظروف والقيود الشخصية، فكيف نلبي احتياجاتهم من المغزى والغاية، وكيف نتأكد من شعورهم بالشمول في المرحلة التالية من التطور الثقافي للشركة؟

يرى جيانبيرو بتريليري، الأستاذ في "المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال" (إنسياد)، أن السبب الحقيقي لعودتنا إلى المقرات المكتبية للعمل هو مزيج من المتعة الاجتماعية بنسبة 50% والضغوط الاجتماعية بنسبة 50% أيضاً، على الرغم من كل الحديث عن مستقبل العمل. إذ نريد أن نرى الناس، ونريدهم أن يرونا. وإذا كان محقاً في رأيه هذا، فيجب على المؤسسات أن يساورها القلق إذا وجدت أنها لا تجذب الأشخاص إلى مقراتها المكتبية من واقع شعورهم بالانتماء إلى المكان، بل بدافع الأسباب السطحية والاعتيادية المتمثلة في محاكاة زملاء العمل والامتثال لرغبات الإدارة (سواء تم الإشارة إليها صراحة أم لا). فكيف تحرر "أبناءك"، وتثق في أنهم سيكونون على ما يرام، وتعلم أن الأسرة موجودة دائماً لدعمهم والعناية بهم وقت الحاجة إذا لزم الأمر؟ وعندما يشعرون بالوحدة ويفتقدون "الغرفة الثالثة"، ممثلة في الصداقة الحميمة والاختلاط الاجتماعي العفوي، فكيف تساعدهم على استعادة قوة العلاقات والشعور بقوة الروابط الاجتماعية والبقاء جزءاً نشطاً من التطور الثقافي للشركة؟

أجرت شركة "سبوتيفاي" مؤخراً استقصاءً شمل الموظفين الذين يعملون من المنزل، ووجدت أن شغلهم الشاغل هو كيفية تغذية الشعور بالانتماء في أثناء عملهم من المنزل، ما دفع الشركة إلى تحليل ما يعنيه هذا الاستنتاج ليس الآن فقط، بل في المستقبل أيضاً. وقد أدى ذلك إلى فتح باب النقاش حول ما يجب على القادة الاستمرار فيه، وما يجب التوقف عنه، وما يجب تحسينه حتى يتمكن الموظفون من الإحساس بمنظومة العمل والثقافة المؤسسية في ظل عملهم في أماكن متفرقة وضمن ظروف مختلفة. فنحن أولاً وأخيراً كائنات اجتماعية ومخلوقات تألف العادة. ولكن مهما بلغ عدد الأحداث الاجتماعية الافتراضية والرقمية التي أضفناها إلى جداول مواعيدنا، فإنها لا ترقى إلى مستوى الالتقاء على أرض الواقع. إذ يتوق الناس إلى التلاحم ووحدة النسيج الاجتماعي الذي اعتبرناه ذات يوم أمراً مفروغاً منه.

3. التحلي بالشجاعة من أجل السماح للثقافة بالتطور

كل الثقافات هي نتاج الموروثات، لا سيما القيم التاريخية لقادتها، أو على الأقل تأثيرهم. ودائماً ما يكون إغراء التشبث بالماضي قوياً، لكن التغييرات الخارجية الكبيرة تجبر الثقافات على التطور. وعندما تنجو الثقافات، أو حتى تزدهر، في مواجهة التغيرات الخارجية، فإنها تغرينا بالاستزادة منها. وعلى الرغم من ذلك، فإن كل أزمة تفسح المجال أمام ظهور نسخة جديدة من العالم، ومجرد تمكن نظام ما من النجاة في خضم أزمة حقيقية لا يعني أنه لا توجد حاجة إلى تغييره. ويمكن تشبيه الأمر بمُدخن شرهٍ أو شخص يسرف في الأكل، ثم يدخل المستشفى بسبب إصابته بأزمة قلبية، ولكنه يتمكن من النجاة والبقاء على قيد الحياة، فهل يعني هذا أن يواصل التدخين أو الأكل بشراهة؟ لا، بل يعني ضرورة تغيير تلك العادات السيئة. وينطوي تغيير العادات على التخلص من الممارسات القديمة والاستعاضة عنها بأخرى جديدة، بدلاً من انتهاز الفرصة والعودة إلى الماضي.

كثيراً ما يُقال إننا يجب أن نتعلم من الفشل، أما النجاح فمن الصعب أن نتعلم منه، وذلك لأننا حتى إذا نجحنا بفضل الحظ وحده، فإننا غالباً ما ننسب هذا النجاح إلى ذكائنا فقط، وهو ما قد يتسبب بوقوعنا في أخطاء فادحة مستقبلاً. وقد اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يمكن استخلاص الكثير من الاستنتاجات من الاستقصاءات والحوارات المتحفظة مع الموظفين في أثناء الجائحة، لأن الناس يعيشون في حالة يسودها الخوف والغضب والاكتئاب. وعندما تنتهي الجائحة ونخرج منها بسلام، سيكون علينا أن نعرف كيفية خلق الشعور بالانتماء إلى المكان وإلى منظومة العمل داخل المؤسسات بحيث يتم التخلص من الخوف والغضب والاكتئاب والتحلي بالقدرة على الاختيار والمرونة والحرية.

لا يعرف أحد ما الذي سيحمله لنا المستقبل، وعلى الرغم من ذلك يمكننا أن نتوقع مجموعة واسعة من الأساليب لإنجاح فكرة العمل الهجين على أرض الواقع. ربما ستلعب المقرات المكتبية دوراً فاعلاً في الجوانب التعاونية والإبداعية والابتكاريةو في تعزيز الشعور بالانتماء بين الموظفين، حيث تعمل كمحفز ينشّط اللقاءات الشخصية ويشجّع على التلاقي مع الزملاء للحصول على الحد الأدنى من جرعة التواصل الجسدي. وهكذا قد تصبح المقرات المكتبية قريباً نقطة التقاء أواصرنا الاجتماعية والعملية، وتفقد بالتالي وظيفتها كمكان نأتي إليه لأداء عملنا. وستقتصر أهميتها في الغالب على شبكات التعارف الداخلية، خاصة لجيل كورونا، أو "الجيل سي"، وهو الجيل الذي سيصل إلى سوق العمل بعد "الجيل زد". ومن المهم دائماً توضيح النهج الذي ستختاره أياً كان نوعه وأن تحرص على فهم الآخرين لدوافعك وأن تتحلّى بالتواضع وتمتلك عقلية الاسترشاد بالبيانات لتقييم ما يصلح وما لا يصلح والاستعداد للتكيف مع المتغيرات وفقاً لذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي