تؤدي الألوان دوراً بالغ الأهمية في بناء العلامة التجارية والتسويق والتواصل، والشعارات هي العناصر الأولى التي يبرز فيها هذا الدور غالباً. ألوان الشعارات ليست مجرد تفاصيل في التصميم، بل هي أدوات استراتيجية يمكن استخدامها للتأثير في مشاعر العملاء تجاه العلامة التجارية واستجابتهم لها ومدى تذكرهم لها. يعزز استخدام المجموعة المناسبة من الألوان هوية العلامة التجارية ويبرز قيمها ويشكل روابط عاطفية فورية. على سبيل المثال، يثير اللون الأحمر الحماس، بينما يعبر البنفسجي عن الرقي، ويدل الأخضر على الالتزام بالقضايا البيئية.
تعزز هذه الارتباطات مخططات رمزية الألوان والأدلة المصممة لمساعدة الشركات والعلامات التجارية وفرق التسويق على اختيار الألوان المناسبة لشعاراتها. من المرجح أنك رأيت هذه المخططات والأدلة من قبل، وهي رسومات بسيطة تربط الألوان بسمات شخصية العلامة التجارية مثل الثقة أو الإبداع أو الكفاءة أو الشغف.
أصبحت هذه الأدوات بمرور الوقت موارد شائعة للعلامات التجارية التي تتطلع إلى تصميم شعاراتها أو تحسينها. مع ذلك، يبرز بحثنا الحديث حالة تحذيرية؛ إذ قد يؤدي الاعتماد المفرط على هذه الأدوات إلى تشويه رسالة العلامة التجارية، ويعود ذلك في المقام الأول إلى أن تصميمها لا يأخذ في الاعتبار عاملين يؤثران في تصور العملاء للألوان.
- للألوان معان إيجابية وسلبية على حد سواء. تسلط الأدلة ومخططات رمزية الألوان الضوء بصورة خاصة على المشاعر والارتباطات الإيجابية، لكنها تهمل السلبية غالباً. على سبيل المثال، يشير اللون الأزرق إلى الثقة والهدوء، ولكنه يثير أيضاً الحزن والخوف. يرتبط اللون الأخضر غالباً بالنمو والصحة، لكنه قد يوحي أيضاً بالسمية والوحشية.
- يؤول البشر الألوان ضمن السياق الأوسع الذي تظهر فيه. عند اختيار لون للعلامة التجارية، لا يتعلق الأمر فقط بربط اللون الأحمر بالشغف أو الأزرق بالثقة؛ فالعوامل مثل السياق والخلفية ومفهوم التصميم العام تؤثر تأثيراً كبيراً في تصور المستهلك لدرجات هذه الألوان. لا تأخذ مخططات رمزية الألوان هذه العوامل في الاعتبار غالباً؛ ولكن كيفية تفاعل اللون مع الصورة الكبرى (خاصة لون الخلفية) تحدد إن كان إيحاؤه إيجابياً أو سلبياً.
تعمقنا في هذين المجالين الرئيسيين في بحثنا الجديد لمساعدة العلامات التجارية على اتخاذ قرارات أفضل بشأن تصميم شعاراتها؛ إذ إننا درسنا تصور المستهلك لألوان الشعارات الشائعة الموضوعة أمام خلفيات سوداء وبيضاء، وهما من أكثر الألوان استخداماً في التصميم الرقمي والتواصل. نظرنا أيضاً في تأثير عناصر التصميم الأخرى، مثل أسلوب تصميم الشعار (التجريدي أو التمثيلي) والإطار (الشعارات المؤطرة أو غير المؤطرة) في هذا التصور.
نتائج البحث
أجرينا في البحث 14 دراسة، تألفت من 12 تجربة مضبوطة واختبارين لتقييم كيفية ربط المشاركين تلقائياً بين بعض الألوان وسمات أو معان محددة. وشملت هذه الدراسات 5,730 مشاركاً و37 زوجاً مختلفاً من الشعارات. تألف كل زوج من نسخة ذات خلفية بيضاء ونسخة ذات خلفية سوداء من الشعار نفسه.
طلبنا من المشاركين في كل دراسة تحديد المعاني التي استخلصوها من الشعار أو الشعارات التي رأوها وانطباعاتهم عنها باستخدام مجموعة متنوعة من المقاييس. وتوصلنا إلى النتائج التالية:
1. لون الخلفية مهم.
لاحظنا في دراساتنا أن ألوان الشعارات الشائعة الاستخدام قد تحمل المعاني الإيجابية والسلبية على حد سواء. لا يعتمد تصور المستهلك على لون الشعار فقط، بل على لون خلفيته أيضاً. عموماً، أثارت الشعارات ذات الخلفيات السوداء مشاعر نقول عنها إنها أكثر "سلبية" تقليدياً، كما أنها تمتعت بارتباطات أكثر سلبية أيضاً (مثل العدوانية والخطر والغرابة والحزن والسمية). على العكس من ذلك، أثارت الخلفيات البيضاء المشاعر التي نقول عنها إنها أكثر "إيجابية" تقليدياً، كما أنها تمتعت بارتباطات أكثر إيجابية أيضاً (مثل المرح واللطف والحيوية والتفاؤل والثقة).
على سبيل المثال، طلبنا من المشاركين في إحدى الدراسات اختيار مجموعة من الصفات التي تعكس تصورهم للعلامة التجارية بدقة بعد رؤية شعارها، ولاحظنا أن 73% من المشاركين ربطوا صفة "حيوي" بالشعار الأحمر الموضح أدناه عندما كانت خلفيته بيضاء اللون، بينما ربط 83% منهم الشعار الأحمر نفسه بصفة "خطير" عندما كانت الخلفية سوداء اللون. بلغ عدد المشاركين الذين ربطوا الشعار الأزرق بصفة "هادئ" عندما كانت خلفيته بيضاء اللون ضعف عدد المشاركين الذين ربطوه بصفة "حزين". لكن عندما كانت خلفية الشعار سوداء اللون، انعكست النسب؛ إذ بلغ عدد المشاركين الذين ربطوا صفة "حزين" بالشعار ثلاثة أضعاف عدد المشاركين الذين ربطوه بصفة "هادئ". الجدير بالذكر هو أن هذه الاستجابات حدثت تلقائياً، أي دون وعي.
غيرنا في دراسة أخرى لون الخلفية لشعارات العلامات التجارية المشهورة، وطلبنا من المشاركين تحديد مدى تعبير كل شعار عن سمات معينة، مثل العدوانية أو الودية، وذلك باستخدام مقياس من 9 درجات (تقابل فيه الدرجة 1 "لا يعبر على الإطلاق" و9 "يعبر بشدة"). لاحظنا التحولات في التصور التي لاحظناها في الدراسة السابقة في هذه التجربة، ما يعني أنه حتى العلامات التجارية المعروفة عرضة لتأثير لون الخلفية.
على سبيل المثال، مال المشاركون لربط شعار شركة آتش إس بي سي الأحمر ذي الخلفية البيضاء بصفة "مبهج"، بينما كان الشعار نفسه ولكن بخلفية سوداء أكثر إثارة "للعدوانية". قال المشاركون أيضاً إن شعار شركة أليانز الأزرق بدا "أكثر هدوءاً" عندما كانت خلفيته بيضاء، لكنه بدا أكثر إثارة للخوف عندما كانت الخلفية سوداء. بالمثل، تصور المشاركون شعار شركة إنفيديا الأخضر على أنه أكثر رفقاً بالبيئة عندما كانت خلفيته بيضاء، لكنه بدا مضراً أكثر أو أكثر سمية عندما كانت الخلفية سوداء.
2. التأثير يختلف من شعار لآخر.
في حين أننا لاحظنا تحولات متسقة في تصور العلامة التجارية بناءً على لون الخلفية، لم تتأثر الشعارات جميعها بالدرجة نفسها. لاحظنا في بحثنا أن أسلوب تصميم الشعار، وتحديداً إن كان مجرداً أو تمثيلياً، يؤدي دوراً كبيراً في شدة هذه التحولات.
ظهرت هذه التأثيرات في المقام الأول على "الشعارات المجردة" (أي التي لا تصور أفكاراً أو مفاهيم واقعية أو يمكن التعرف عليها بسهولة). في المقابل، اختفى تأثير لون الخلفية أو انخفض بدرجة كبيرة في حالة "الشعارات التمثيلية" (التي توصل مفهوماً واضحاً وهادفاً)، مثل حبة فواكه أو حيوان أو كلمة معروفة.
على سبيل المثال، استخدمنا في إحدى الدراسات شعاراً نصياً يحتوي على عبارة (Pure Fruits) بمعنى "فاكهة خالصة". أنشأنا نسخة مجردة من هذا الشعار من خلال إعادة ترتيب الأحرف لتكوين اسم علامة تجارية لا معنى له، وهو (Urpe Trufis) "أوربيه تروفس". استخدمنا في الشعارين الخط نفسه والتخطيط نفسه، كما أننا عرضناهما على المشاركين أمام خلفيتين سوداء وبيضاء وطلبنا منهم تقييم انطباعاتهم وفق المقياس المكون من 9 نقاط نفسه.
جعل التصميم التجريدي العلامة التجارية تبدو أخطر وأقل حميمية عندما كانت خلفيته سوداء اللون مقارنة بالنسخة ذات الخلفية البيضاء. لكن في حالة النسخة التمثيلية، لم نلاحظ أي اختلاف ذي دلالة في تصور المشاركين للعلامة التجارية مع اختلاف لون الخلفية. لاحظنا أنماطاً مشابهة عند اختبار الشعارات المعتمدة على الرموز (أي التي لا تحتوي على النصوص). كانت التصاميم التجريدية أكثر تأثراً بلون الخلفية مقارنة بالتمثيلية.
لكن ما هو سبب هذا الاختلاف؟ لاحظنا أن المشاركين ركزوا أكثر على فكرة الشعار ومفهومه الهادفين عندما كان تمثيلياً، ما جعل اللون أقل أهمية في تأويلهم للشعار. على النقيض من ذلك، عندما كان الشعار مجرداً، لم يتمكن المشاركون من تفسير معناه على الفور، ما جعل اللون هو السمة البارزة والوحيدة المفهومة غالباً.
الشعارات المجردة
الشعارات التمثيلية
لاحظنا أيضاً أن تأثير لون الخلفية في تصور العلامة التجارية يكون أخفض إذا كانت الشعارات مؤطرة. الإطار هو حد أو حافة خارجية تحيط بنص الشعار ورمزه، ويفصل بوضوح بين عناصر الشعار (الموجودة داخل الإطار) والعناصر التي لا تنتمي إليه (الموجودة خارج الإطار). تتمتع الخلفية داخل الإطار فيما أطلقنا عليه اسم "الإطار المملوء" بلون واحد (أسود أو أبيض عادة ولا تتغير حتى عندما يتغير لون الخلفية خارج الإطار).
لاحظنا في دراساتنا أن تأثير الخلفية خارج الإطار في تأويل لون الشعار كان مهملاً عندما كان للشعار إطار مملوء وخلفية ملونة خاصة به. سبب ذلك هو أن المشاركين ركزوا على الألوان داخل الإطار أكثر من الخلفية خارجه.
الشعارات غير المؤطرة
الشعارات المؤطرة
كيف يمكن أن تستفيد العلامات التجارية من نتائج البحث؟
في حين أن هناك علامات تجارية تصمم شعاراتها بطريقة تجعلها تثير المشاعر والارتباطات الإيجابية (مثل الثقة والفرح والبهجة)، تصمم علامات تجارية أخرى شعاراتها بطريقة تجعلها تثير ردود فعل أجرأ وأكثر انفعالية. على سبيل المثال، يوحي تصميم عبوات مبيد الحشرات ريد بالأذى والفتك، بينما يوحي شعار ألواح التزلج من شركة سبيتفاير بالشقاوة، ويستخدم مهرجان هيل فيست الموسيقي إعلانات تثير الرعب والخوف.
يمكنك تصميم الشعار المناسب لعلامة شركتك التجارية من خلال طرح أسئلة مثل "ما هو الانطباع الذي نريد أن يأخذه المستهلكون عن منتجنا أو خدمتنا؟" و"ما هي السمات الشخصية التي يجب أن تبرز؟".
إذا كان هدف علامتك التجارية هو إثارة المشاعر الجريئة أو المشاعر "السلبية" تقليدياً، فخذ في الاعتبار اعتماد خلفية سوداء. أما إذا كان هدفك هو خلق انطباعات "إيجابية"، فاعتمد خلفية بيضاء؛ ولا سيما إذا اعتمدت الشعارات المجردة.
يوضح الدليل أدناه، المستمد من بحثنا، كيف تأخذ الألوان معاني مختلفة اعتماداً على لون خلفيتها.
ثانياً، سواء كانت علامتك التجارية معروفة أم لا، نوصي بتحديد مبادئ توجيهية واضحة لكيفية استخدام الألوان في هويتها المرئية. على الرغم من أننا اقترحنا اختيار خلفية سوداء أو بيضاء بناءً على الانطباع الذي تريد توليده لدى المستهلكين، يمكنك أيضاً استخدام اللونين إذا كان ذلك هادفاً. قد يساعدك دليل العلامة التجارية هذا على تحديد الحالات التي يكون فيها استخدام الخلفية البيضاء أو السوداء ملائماً بناءً على الرسالة التي تريد إيصالها وسبب ذلك.
تطبق بعض العلامات التجارية ذلك بفعالية. على سبيل المثال، تعرض شركات سبوتيفاي وآي بي إم ونتفليكس وميتسوبيشي شعاراتها أمام خلفيات بيضاء وسوداء. توفر هذه المرونة للشركة استخدام الشعار المناسب بناءً على الحملات والسياق، لكن دون قواعد واضحة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى خفض اتساق العلامة التجارية أو جعل رسالتها غامضة.
تحرص علامات تجارية أخرى، مثل ديل وإيزي جيت، على عدم عرض شعاراتها أمام خلفية سوداء، بينما تطلب علامات تجارية مثل غير رينش وهولو عرض شعاراتها حصرياً أمام الخلفيات السوداء، ما يعزز جرأة هوية العلامة التجارية وقوتها.
خذ في الاعتبار أيضاً أن الأوساط التي توجد فيها أصول العلامة التجارية ليست مضبوطة دائماً. إذا اضطررت لعرض شعار علامتك التجارية أمام خلفية تتعارض مع مبادئك التوجيهية (على العبوات أو اللافتات أو اللافتات الرقمية مثلاً)، فخذ في الاعتبار استخدام إطار مملوء؛ إذا وضعت الشعار داخل شكل بخلفية بيضاء أو سوداء ثابتة، فستتمكن من الحفاظ على تأثيره المقصود، بغض النظر عن الوسط المحيط.
في الختام، لا تتبع قواعد رمزية الألوان دون تشكيك. الأدلة ومخططات رمزية الألوان هي نقطة انطلاق مفيدة، لكنها لا تأخذ في الاعتبار تعقيد تأثير الألوان في ترويج العلامة التجارية.
فهم هذا الفارق الدقيق هو ميزة تنافسية. ستتمكن العلامات التجارية التي تصمم شعاراتها وفقاً للسياق وليس وفقاً لاعتبارات تقليدية من إيصال رسالتها بوضوح أكثر، وإبراز نفسها بفعالية أكبر، والتواصل بكفاءة أقوى مع جمهورها.