تقرير خاص

الشركة السعودية للاستثمار الجريء تكشف 5 ركائز تدعم تطور منظومة الاستثمار الجريء

5 دقيقة

تغير مسار النمو الاقتصادي منذ إطلاق رؤية السعودية 2030 إلى نموذج يدعم ريادة الأعمال، وتمكين القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات. وفي قلب هذا التحول، برز الاستثمار الجريء بوصفه أداة استراتيجية لتمويل الشركات الناشئة، والتمهيد لصناعات مستقبلية قادرة على المنافسة عالمياً.

يعد الاستثمار الجريء تمويلاً لخلق قيمة جديدة، وتغيير أنماط الإنتاج والتجارة، وتحويل التقنيات والأبحاث إلى منتجات حقيقية تدخل السوق. وفي المملكة، فقد أصبح الاستثمار الجريء في المملكة من الأسواق الأسرع نمواً في العالم، وأكبر سوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عام 2023، مع توقعات بنمو أكبر خلال السنوات القادمة.

في ما يلي ملخص لتقرير خاص حول منظومة الاستثمار الجريء في السعودية صادر عن الشركة السعودية للاستثمار الجريء .

التحول في حجم السوق والنمو السريع للاستثمار

تطور الاستثمار الجريء في السنوات القليلة الماضية؛ إذ تضاعف حجم الاستثمار الجريء في الشركات الناشئة أكثر من 10 مرات بين عامي 2018 و2024، إذ ارتفع التمويل من نحو 240 مليون ريال إلى ما يزيد على 2.7 مليار ريال. وفي عام 2025، واصل نموه ليبلغ نحو 5.5 مليارات ريال. كما شهدت المملكة زيادة واضحة في عدد المستثمرين النشطين، من 53 مستثمراً في عام 2020 إلى 173 مستثمراً في عام 2025. كما ارتفع مستوى التنوع في الصناديق، بما في ذلك صناديق الشركات الكبرى التي دخلت غمار الاستثمار في الشركات الناشئة، مثل أذرع الاستثمار التابعة لأرامكو وسابك والعديد من البنوك والمؤسسات المالية.

وقد انعكست هذه الديناميكية على عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إذ تجاوز عددها 1.6 مليون منشأة، مع تأسيس أكثر من 150 ألف منشأة جديدة سنوياً، ما يمثل بيئة خصبة لتنامي الشركات الناشئة.

كيفية بناء منظومة استثمار جريء مستدامة

لا يكتمل نمو الاستثمار الجريء دون وجود دورة ناضجة تشمل التأسيس والنمو والتوسع والتخارج. وقد بدأت المملكة مرحلة جديدة من النضج تعكسها عمليات التخارج المتنامية من خلال الاكتتابات العامة أو الاستحواذات. ومن أهم الأمثلة على ذلك إدراج شركات ناشئة في السوق المالية، وعمليات الاستحواذ في قطاعات التقنية المالية والتجارة.

وتعتمد منظومة رأس المال الجريء في المملكة على 5 ركائز تمنحها القدرة على التوسع، وتدفعها نحو تسريع وتيرة النمو. وتنطلق هذه المنظومة الفاعلة من قاعدة واسعة من رواد الأعمال والمهندسين والباحثين القادرين على تحويل الأفكار إلى شركات تملك القدرة على النمو والتوسع. كما تسهم الجامعات المتقدمة ومراكز الابتكار في تفعيل هذه الدورة من خلال إنتاج المعرفة، وتعزيز التعاون، وإعادة ضخ الكفاءات والخبرات في شركات ناشئة جديدة.

1. وفرة الكفاءات

لا يمكن بناء اقتصاد ابتكاري دون بناء الإنسان القادر على إنتاج المعرفة. لذا، وضعت المملكة سياسات تعليمية وتقنية تهدف إلى دعم تخصصات الهندسة والعلوم والتقنية، ما زود السوق بالمواهب الشابة؛ إذ يشكل الشباب دون سن 35 نحو 70% من السكان، وينتمي 29% من خريجي الجامعات إلى تخصصات (STEM).

ويعتمد عمق المنظومة على امتلاك هذا القطاع نوعين مهمين من الكفاءات: خبراء مبتكرون في المجالات العلمية يقدمون معرفة جديدة وابتكارات، ورواد أعمال يحولون أفكار هؤلاء المبتكرين وأبحاثهم إلى فرص تجارية. من هذا المنطلق، يمثل أصحاب المهارات المرتبطة بقطاع الأعمال محركاً أساسياً في تأسيس الشركات السعودية الناشئة. وتكمن قوتهم في ابتكار نماذج أعمال قابلة للتوسع، وجذب الاستثمارات، وبناء فرق مؤهلة، وتنفيذ الخطط بسرعة وانضباط.

وتشمل هذه الفرق رواد أعمال مروا بتجارب تأسيس متعددة، ومدراء سابقين في شركات، ومستشارين، وممولين، وخريجي شركات ناشئة سريعة النمو ممن يملكون خبرة عملية مباشرة في تأسيس الأعمال وتوسيعها. وقد أظهرت الإحصاءات الحالية أن 14% من البالغين أصحاب التعليم العالي في المملكة درسوا تخصصات الأعمال.

2. سهولة الوصول إلى رأس المال

يشير المسار المتسارع للاستثمار الجريء في المملكة إلى موجة تفاؤل واسعة تدعمها وفرة التمويل، واتساع قاعدة المستثمرين، ونضج فرص التخارج خلال السنوات الأخيرة. إذ قفز حجم التمويل الجريء من 240 مليون ريال في عام 2018 إلى 2.7 مليار ريال في عام 2024. كما برزت عدة شركات مليارية "يونيكورن"، في حين شكل المستثمرون الدوليون ثلث الجهات الداعمة في النصف الأول من عام 2025، ما يعكس الثقة العالمية في بيئة التنظيم المحلية والشركات الناشئة المؤهلة للاستثمار.

وشهدت المملكة أيضاً نمواً في التخارجات، ما يعكس نضج السوق؛ إذ تراوح عدد صفقات التخارج بين 4 و8 صفقات سنوياً منذ 2018، قبل أن يصل إلى 9 صفقات حتى منتصف 2025.

ويستند هذا النمو إلى البرامج الحكومية الداعمة التي حدت من مخاطر الدخول المبكر، وفي مقدمتها الشركة السعودية للاستثمار الجريء (SVC) التي تدعم السياسات، وتطور تقارير الخرائط الاستثمارية، وتيسر التواصل بين الفاعلين في السوق؛ ما أوجد بيئة تنافسية وجاذبة للاستثمار الخاص.

3. البنية التحتية التشغيلية والتقنية

تعتمد منظومة الشركات الناشئة السعودية على بنى تحتية مادية ورقمية تمنح المؤسسين قدرة أكبر على الابتكار والتجريب والتوسع. فمن ناحية، تشمل البنية التحتية المادية مناطق ابتكار، ومساحات عمل مشتركة، وحاضنات ومسرعات أعمال، ومجمعات تقنية توفر مساحات منخفضة التكلفة للعمل، ومختبرات متخصصة، ومواقع للنمذجة الأولية. وفي المقابل، تستند البنية التحتية الرقمية إلى خدمات الاتصال والحوسبة السحابية ومنصات البيانات التي تتيح لهذه الشركات تطوير منتجاتها واختبارها وإطلاقها بكفاءة.

ومن أبرز هذه التطورات التي شهدتها منظومة الاستثمار الجريء، كان إطلاق المركز الوطني لأشباه الموصلات لدعم الشركات الناشئة في تصميم الرقائق والإلكترونيات المتقدمة، من خلال توفير مرافق مشتركة وغرف نظيفة وخبرات تقنية عالية، بما يعزز حضور المملكة في التقنيات العميقة والصناعات المتقدمة. كما أن منطقة أوكساجون في نيوم بوصفها منطقة صناعية مبتكرة، تسهم في تمكين رواد الأعمال من تطوير حلول صناعية، ما يجعل الابتكار جزءاً من منظومة صناعية متكاملة.

وتعزز هذه المنظومة مبادرات وطنية متخصصة. على سبيل المثال، يؤدي مركز ريادة الأعمال الرقمية "كود" دوراً محورياً في دعم المشاريع الرقمية. إذ قدم خدماته لأكثر من 17 ألف مستفيد و400 شركة ناشئة في مجالات التقنية، وأسهم في خلق 1,200 وظيفة جديدة.

4. الإطار التنظيمي

أرست المملكة بيئة أعمال قادرة على احتضان الابتكار وجذب الاستثمارات. إذ أصبحت اللوائح محفزة مع تنفيذ موجة واسعة وسريعة من الإصلاحات التنظيمية التي تجاوزت 800 إصلاح منذ عام 2018 شملت الشركات، والاستثمار، والأسواق المالية، والتجارة، وآليات تسوية المنازعات.

وأسهمت هذه الإصلاحات في تعزيز وضوح السياسات ورفع كفاءة تطبيقها، ما وضع المملكة ضمن أفضل 30% عالمياً في جودة الإطار التنظيمي، وأفضل 20% في فعالية أداء الحكومة لعام 2023، ما يعكس الثقة المتزايدة في البيئة الاستثمارية. ومنذ عام 2018، دعمت هيئة السوق المالية مختبر التقنية المالية، ليصبح بيئة تجريبية منظمة لاختبار التمويل الجماعي، والتداول، والمنصات الاستثمارية، والاستشارات الآلية، مع إصدار أكثر من 50 تصريحاً تجريبياً لمسار واضح من التجربة إلى الترخيص الكامل.

كما تنظم أيضاً آليات تنظيم صناديق الاستثمار الجريء المحلية، في إطار لائحة صندوق الاستثمارات العامة لعام 2025، ما يضمن تحديد الأدوار، ومعايير الامتثال والإفصاح، والرسوم، والإعفاءات، بما ينسجم مع المعايير الدولية.

5. ثقافة خوض المخاطر

شهدت المملكة تحسناً ملحوظاً في توجهات الأفراد نحو ريادة الأعمال خلال السنوات الأخيرة. إذ أصبح 96% من البالغين يرون ريادة الأعمال مساراً مهنياً مرغوباً، مقارنة بـ 69% في عام 2017، في حين يشعر 93% بالثقة في قدرتهم على تأسيس مشروعهم الخاص.

وتوجه الثقافة مسار تحول السياسات ورأس المال نحو عملية إنشاء الشركات، إذ تعمل المجتمعات التي تعزز ثقافة المخاطرة، وتتسامح مع الفشل، وتقدر الإنجاز على توسيع قاعدة المؤسسين الجدد وزيادة تنوع المشاركة. وتركز الأولويات الحالية على تعزيز دمج النساء والشباب، وتوسيع نطاق القدوات خارج العاصمة، وتهيئة آليات لتقاسم المخاطر تخفف العبء عن المؤسسين الجدد. وبهذه الخطوات، يتسع الطريق من الرغبة إلى التنفيذ، ويتعمق الحضور الإقليمي، وتتقوى الثقافة الداعمة للتأسيس والنمو.

ومع استمرار العمل على سد فجوات التمويل في مراحل النمو المتقدمة، وتعزيز المواهب التشغيلية، وتوسيع دائرة الابتكار خارج المدن الكبرى، من المتوقع أن تتحول المملكة خلال العقد القادم إلى واحدة من أهم وجهات الاستثمار في الشركات الناشئة عالمياً. ولعل أقوى ما يميز التجربة السعودية هو أنها لا تبني شركات فقط، بل تبني منظومات اقتصادية وصناعية جديدة بالكامل تجعل من الاستثمار الجريء أداة لدعم اقتصاد المعرفة والابتكار والصناعات الجديدة.

يمكن قراءة التقرير كاملا هنا.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي