كيف بإمكان الشركات تلافي التقصير فيما يتعلق بذوي البشرة السوداء؟

5 دقائق

من الشائع في أيامنا هذه سماع إعلان المؤسسات والصناعات عن التزامها بتوظيف العمال الملونين. ففي المجال التقني مثلاً، عبّرت شركات مثل جوجل وآبل عن رغبتها في زيادة التنوع، في حين بدأت شركات الرعاية الصحية الرائدة التعامل ببطء مع الحاجة إلى توظيف المزيد من الأطباء السود بالنظر إلى التغيرات الديموغرافية.

لكن هذا التغيير يحدث ببطء، إن كان يحدث أصلاً. إذ يعتبر العاملون من ذوي البشر السوداء على وجه الخصوص أقل تمثيلاً في المجالات الطبية والقانونية والمالية. ولا يعود سبب ذلك إلى تقصير منهم أو اختيارهم لمهن أخرى. وقد عملت بدوري على دراسة أوضاع العمال السود طوال 15 عاماً تقريباً، فضلاً عن قراء الأبحاث والبيانات المتصلة بهذا المجال لأصل إلى استنتاج مفاده أنّ المؤسسات قصّرت في حق العمال السود في ثلاثة أمور أساسية، ولاسيما في المجالات المهنية التخصصية.  

يبدأ التقصير الأول مع كيفية توظيف الموظفين في المقام الأول.

تعتمد العديد من الشركات بشكل كبير على الشبكات الاجتماعية والعلاقات الشخصية لشغل الوظائف المتاحة. ويتسبب الاعتماد المفرط على الروابط غير الرسمية إلى سلوك الشركات لنهج لطالما عُرف بإقصائه ذوي البشرة السوداء، إذ يكتسب من تعرفه في الشركة أهمية كبيرة في فرص التوظيف المحتملة لمقدمي طلبات التوظيف. ففي دراسة لشركات الخدمات المهنية العليا (المحامين والمستشارين والمختصين في الشؤون المالية)، تشير عالمة الاجتماع لورين ريفيرا إلى ميل الشركات الشديد لتعيين خريجي عدد قليل جداً من جامعات الساحل الشرقي، ولا تنظر بعضها في كثير من الأحيان إلى مرشحين درسوا في جامعات مختلفة ولا يعرفون الأشخاص داخل الشركة. وتشير عالمة الأنثروبولوجيا إيلانا غيرشون بدورها إلى أنّ الاعتماد على العلاقات الشخصية أمر مهم في كيفية عثور الأشخاص على العمل اليوم مع الترويج الشخصي واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل لينكد إن والتي تلعب دوراً مهماً.

وبينما قد يبدو الاعتماد على العلاقات الشخصية الأمر الأسهل والأكثر فعالية، يتسبب هذا بدوره في عدم حصول المتقدمين من ذوي البشرة السوداء على وظائف متعددة نظراً لأن غالبية العاملين في الشركات اليوم من ذوي البشرة البيضاء ممن يميلون إلى إنشاء شبكة علاقات مع أشخاص بيض آخرين. ولا تزال الأحياء ومجموعات الأقران والمدراس حتى يومنا هذا تتألف من عرق واحد سائد فيها. وفي الواقع، أجاب 75% من البيض ممن شملهم استطلاع معهد بحوث الأديان العامة في العام 2014 أنه لا أصدقاء لديهم من خارج مجموعتهم العرقية. وقد يحدث هذا الاستبعاد في بعض الأحيان بشكل طبيعي؛ وفي أحيان أخرى، قد يحتفظ البيض بطلبات التوظيف المحتملة وكيفية الحصول عليها للبيض الآخرين. وتكون الحصيلة النهائية لميل المؤسسات للاعتماد على الروابط الاجتماعية في التوظيف استبعاد العمال السود بطريقة غير مباشرة.

أما الأمر الثاني حول تقصير المؤسسات بحق العمال السود، فيتمثل في تقديمها لسياسات فاترة أو غير فعالة أو معدومة حيال التنوع والشمولية، إذ إنه ونظراً لتضاؤل ​​الدعم الأوسع للشمولية، تحولت العديد من الشركات تجاه تحديد التنوع بشكل فضفاض ليدور حول أمور غامضة وواسعة بشكل مفرط مثل "التنوع الفكري" أو "تنوع الرأي". ويمكن رؤية هذا النوع من التحول في التفكير مفيداً للمدراء البيض لعدة أسباب، إحداها أنه يسمح لهم بتحقيق أهدافهم بطرق قد تكون مستساغة أكثر لأولئك غير المتحمسين للشمولية، كما تمنحهم الإذن بتجنب المحادثات حول العرق. لكن لا يقدم هذا النهج الكثير من الفائدة لمعالجة القضايا المحددة التي تؤثر على العمال السود. ومن غير المحتمل أن تتمكن الشركات التي لم تعبّر بوضوح عن كيفية دعمها للعمال الملونين على وجه الخصوص من الاستجابة لدى مواجهتها قضايا تمييز عنصري أو مضايقات عنصرية والتي تحدث فعلياً بشكل متكرر.

وتذكر عالمة الاجتماع لواندا إيفانز كيف يواجه العمال السود في صناعة الخطوط الجوية الإقصاء والعزلة من الطيارين والمضيفين والعملاء البيض طوال الوقت. كما قد تنطوي التفاعلات ضمن أماكن العمل هذه في بعض الأحيان على تعامل غير مريح مدفوع بالصور النمطية العنصرية الصريحة؛ وقد يتسبب هذا في بعض الحالات المتطرفة إلى حرمان العمال السود من الترقية أو من المزايا الأخرى. ويتحمل العمال السود عبء محاولة دحض القوالب النمطية والمضي ضمن بيئات العمل المعادية نفسها من دون دعم مؤسسي حاسم في ظل عدم وجود سياسات واضحة مصممة للتصدي لهذه الأنواع من الحالات. ولا يساعد الضغط من أجل "التنوع الفكري" بين فرق الإدارة العليا البيضاء الموظفين السود على مواجهة بيئة عمل عدوانية بشكل صريح.

أما الأمر الأخير المتصل بتقصير المؤسسات بحق العمال السود فيتمثل في توجيههم إلى أعمال أقل أماناً وظيفياً وأهمية، (مثل أقسام القطاع العام أو الموارد البشرية). ويحدث ذلك في العديد من الحالات لقيام مدراء التوظيف باتخاذ قرارات حول نوع العمال الذين يبدون "مناسبين" لأنواع معينة من الوظائف، وغالباً ما تكون هذه التقييمات قريبة إلى حد كبير من القوالب النمطية العنصرية، إذ يُنظر إلى الرجال السود تقليدياً على أنهم يفتقرون إلى "المهارات الشخصية" المهمة جداً للوظائف الإدارية (مثل الشعبية والحافز). ويمكن لهذه التصورات أن تبرر بعد ذلك حرمان الرجال السود من الوصول إلى تلك المناصب، ما يجعل تمثيلهم في الوظائف ذات المستويات العالية من السلطة والمكانة أقل. وتكون النتيجة النهائية فصلاً عرقياً من الناحية التنظيمية داخل الشركة مع تمثيل العمال السود بصورة مفرطة في مواقع تقدم فرص نمو أو تطور ضئيلة. وإضافة إلى ذلك، غالباً ما تكون هذه الوظائف الأكثر عرضة لتقليص الأعداد فيها، ما يجعل المؤسسات تخسر العمال السود الموجودين لديها بالفعل.

ولكن يمكن للمؤسسات القيام بما هو أفضل من ذلك، ويتمثل الجانب المشرق في أنّ الأبحاث تقدم رؤية تجاه بعض أكثر الطرق فعالية للتحسن.

يساعد تركيز الشركات بشكل صريح على معالجة التمييز العنصري والجنساني – بدلاً من كلمة "التنوع" الرنانة الفضفاضة – على تحقيق تقدم أفضل نحو تحقيق التنوع العرقي الفعلي. ففي إحدى الدراسات التي شملت أكثر من 700 شركة من القطاع الخاص، كانت الشركات التي حققت أكبر تقدم نحو تغيير القوى العاملة لديها تلك التي طلبت من مدراءها إظهار تطورات ملحوظة فيما يتعلق بالعرق والجنس. وعندما تحاسب المؤسسات مدراءها حيال جهود المؤسسة لتحسين التنوع العرقي والجنسي، ستحقق نتائج أفضل مقارنة بتلك التي تعتمد على برامج التدريب المتنوعة أو برامج التوجيه الرسمية. وتواجه المؤسسات من دون هذه المبادرات المستهدفة خطر تقديم التنوع بطرق لا تساعد على الحد من التمييز ضد الموظفين السود.

وعندما يتم تحفيز المدراء ليكونوا مسؤولين عن جهود مكافحة التمييز، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفادي خسارة التنوع خلال تسريح الموظفين الجماعي. ويزداد صحة ذلك على وجه الخصوص في حال لم يكن مطلوباً من المدراء التركيز على مناصب أو سنين وظيفية معينة عند إجراء عمليات التسريح. وبالنظر إلى ميل العمال السود للحضور بنسب أكبر في الوظائف الأكثر قابلية للاستغناء عنها، يجد أستاذ علم الاجتماع ألكسندرا كاليف أنه إذا تم دفع المدراء للامتثال للالتزامات التنظيمية الخاصة بمكافحة التمييز، سيجدون طرقاً أفضل تجهيزاً لموازنة عمليات التسريح مع التركيز على الحفاظ على درجة ما من التنوع العرقي.

وعلاوة على ذلك، تؤكد أستاذة السلوك التنظيمي هيرمينيا إيبارا أنّ رعاية العمال عبر الخطوط الجنسانية والعرقية تفيد المجموعات الأقل تمثيلاً مقارنة بالتوجيه. ويعني الإرشاد ببساطة للإجابة عن الأسئلة وتقديم التوجيه، لكن تحدث الرعاية عندما يكون لدى أحد الأشخاص مناصرين ومؤيدين يتكلمون بنشاط عنهم ويدافعون عنهم. وبالنسبة للعمال السود، يمكن أن يساعد وجود جهات راعية رفيعة المستوى داخل المؤسسات على تجنب هذا النوع من الفصل الداخلي الذي يجعلهم ناقصي التمثيل في أدوار ذات تأثير كبير.

ويجب على المؤسسات أن تتجاوز نهج "الإضافة المحدودة" لجلب المزيد من العمال الملونين، إذ كشف تقرير صادر عام 2018 من لين إن دوت أورغ (LeanIn.org) وماكنزي أنه لدى "الوحيدون" – الممثلون الوحيدون لمجموعة عرقية – معدلات أعلى من عدم الثقة والشك والخوف حول أهداف المؤسسة ودوافعها وقدرتها على دعم أناس مثلهم. وأظهر نفس التقرير أنه بالنسبة للنساء، فإنّ كون المرء "وحيداً" يرتبط أيضاً بارتفاع معدلات التحرش الجنسي. ويمكن للشركات أن توقف تقصيرها بحق العمال السود من خلال توظيف نسبة جيدة منهم، خصوصاً في مستويات النخبة عالية الأداء، حيث يمكن لذلك أن يعطي تأثيراً كبيراً. وتظهر الأبحاث أنه عندما تكون النساء أكثر تمثيلاً في مجالس إدارة الشركات وفي المراتب الإدارية المتوسطة، تتحسن ظروف باقي النساء في المؤسسة. وقد تحدث ظاهرة مماثلة عندما تحتل النساء السود مراكز رفيعة المستوى داخل الشركات. وتعتبر هذه التأثيرات الجانبية سبباً مقنعاً لحث مؤسستك على توظيف النساء السود وحتى ترقيتهم أيضاً.

تحتاج المؤسسات إلى إعادة النظر في أفضل السبل للاستفادة من العمال السود الذين يجلبون تجارب وخلفيات ونقاط قوة مختلفة. ولا يكفي النظر إلى حقيقة استمرار التفاوتات العنصرية، بل يجب بذل الجهود اللازمة لحل هذه القضايا. ولا يزال هناك عمل يجب القيام به في هذا المجال، لكن توضح لنا الأبحاث بأنه أمر ممكن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي