الشركات الناشئة بحاجة إلى الرشاقة والسير في الاتجاه الصحيح

17 دقيقة
أسرار الشركات الناشئة
غالباً ما يُنظرُ إلى الاستراتيجية وريادة الأعمال بوصفهما قطبين متعاكسين. فالاستراتيجية بنظر البعض هي عبارة عن انتهاج مسار معرّف بمنتهى الوضوح، ومحدّد سلفاً بطريقة منهجية، من خلال تطبيق مجموعة منتقاة بعناية من الأنشطة. أمّا ريادة الأعمال، فهي النموذج المثالي للانتهازية، والذي يتطلّب من الشركات أن تستمر في السير في اتجاهات جديدة، بحسب المعلومات الواردة، وبما يواكب التحوّلات السريعة الحاصلة في الأسواق. ومع ذلك فإنّ الاثنتين بحاجة ماسّة إلى بعضهما البعض. فالاستراتيجية دون الروح الريادية تتحوّل إلى نوع من التخطيط المركزي. أمّا ريادة الأعمال التي تفتقر إلى الاستراتيجية فهي تقود إلى الفوضى. فما هي أسرار الشركات الناشئة بهذا الصدد؟
ثمّة فكرة لا يتمكّن العديد من روّاد الأعمال من استيعابها، ألا وهي أن الاستراتيجية الفعّالة لا تقمع السلوك الريادي بل على العكس من ذلك هي تشجّعه، من خلال رسم الحدود التي يجب أن يحصل الابتكار والتجريب ضمنها. لكنّ المدراء التنفيذيين الذين يريدون لشركاتهم الراسخة أن تتمتّع بروح أكثر ريادية غالباً ما لا يستوعبون بالكامل كيف يمكن للابتكار أن يتقوّض نتيجة لتطبيق نموذج عمليات المراحل والبوّابات، وغيرها من الأدوات التي تلجأ إليها الشركات الكبرى من أجل إدارة مبادرات النمو الاستراتيجي.
أمّا في واقع الأمر، فإنّ الجمع بين المقاربة التي تتّبعها الشركات الناشئة الرشيقة والتي تتبع هرمية القاعدة إلى القمة (Bottom-Up Approach)، وتوجّه الإدارة الاستراتيجية هرمية القمة إلى القاعدة (Top-Down Orientation)، وتحقيق التكامل بين هاتين المقاربتين، يظل أمراً صعباً للغاية. فهل هناك من طريقة للحصول على أفضل ما يقدّمه هذان النموذجان؟
الإجابة هي نعم، والحل هو عبارة عن شيء اسمّيه أنا عملية الاستراتيجية الرشيقة (Lean Strategy Process)، والتي تحمي الشركات من التبعات السلبية للمقاربتين المتطرّفتين: التخطيط الصارم والتجريب غير المقيّد.

وقد انبثق هذا المفهوم كنتيجة لأكثر من 20 سنة قضيتها في دراسة الشركات الريادية والشركات الكبيرة والعمل معها. فضمن هذا الإطار، تضمن الاستراتيجية وجود توجّه إجمالي وهي تكفل التواؤم في العمل. وهي بمثابة الغربال الذي يجب أن تمرّ عبره الأفكار الجديدة المُبتكرة، وهي المقياس المُستخدم لتقويم مدى نجاح التجارب المطبّقة لاختبار هذه الأفكار. فالاستراتيجية تسمح –لا بل تشجّع– الموظفين العاملين في الميدان على الخطوط الأمامية على أن يكونوا مُبدعين، وهي تضمن في الوقت ذاته تناغمهم مع بقيّة زملائهم في المؤسسة وعدم سعيهم إلا وراء الفرص التي تستحق العمل عليها.

التحدّي الذي يواجه رائد الأعمال

يُعرِّف هوارد ستيفنسون (Howard H. Stevenson) من كلية هارفارد للأعمال ريادة الأعمال بأنّها «السعي وراء الفرص دون إيلاء الاعتبار للموارد الموجودة حالياً تحت السيطرة». ويسلّط هذا التعريف الضوء على التحدّي الأساسي الذي يواجه روّاد الأعمال: فهم جميعاً يعانون من نقص في المال، والمواهب، وحقوق الملكية الفكرية، والقدرة على التوزيع، وهكذا دواليك. ورغم أنّ الحل يكمن جزئياً في الحصول على موارد إضافية خارجية، إلا أنّ التحدّي الداخلي يكمن في حُسْنِ توجيه الموارد التي تمتلكها الشركة الناشئة، والمحافظة عليها، واستعمالها بطريقة حكيمة. وهذا بالضبط هو المعنى الفعلي للاستراتيجية. وعليه فإنّ أهم نصيحة يمكن أن نقدّمها إلى أي شخص يبني شركة ناشئة هي التالية: اعرف ما الذي «لا يجب» أن تقوم به. والاستراتيجية تساعدك في تحديد ذلك.

يحتاج روّاد الأعمال، وأكثر بكثير من قادة الشركات الراسخة، إلى إدراك المبادئ الأساسية التالية:

تكلفة فرصة القيام بالأمر (أ) تعني بأنّك لا تستطيع أيضاً أن تقوم بالأمر (ب). في الشركة الناشئة التي تعاني من شحّ أو نقص في الموارد، تكون الخيارات متعارضة أو متنافية. فإذا ما كلّفت مهندسي البرمجيات بالعمل على تصميم منتج معيّن وفقاً لاحتياجات زبون جديد، فإنّك ستؤخّر إطلاق النسخة 2.0 من المنتج لمدّة ثلاثة أشهر. ومهما حاولت أن تجرّب فإنكّ لن تتغلّب على هذه المشكلة.

نصائح لبناة الشركات الناشئة

كلّ خيار من الخيارات يخلق مساراً متميّزاً يقود إلى نتيجة مختلفة وتبعات غير متوقعة. وهذا هو السبب الذي يجعلك ببساطة غير قادر على فعل (أ) الآن و(ب) لاحقاً – لأنّ من شبه المؤكّد أن تكون الظروف قد تغيّرت. فالمنافسون سيكونون قد أطلقوا النسخة 2.0 الخاصّة بهم. وسيكون المورّدون الأساسيون قد وقّعوا عقوداً كرّسوا بموجبها كلّ القدرات المتاحة لديهم لصالح الآخرين. كما أنّ نظرة الزبائن المُحتملين إلى الخدمة ستكون قد تأثّرت بتجربتهم مع النسخة التي أطلقها المنافسون. والموظف الذي كان يمكن أن يؤدّي دوراً محورياً في إنجاز المهمّة (ب) سيكون قد غادر الشركة. فكل خيار هو عبارة عن رفض لا يمكن التراجع عنه لشيء آخر.

القرارات مترابطة فيما بينها وتعتمد على بعضها البعض. إذا كان جون من قسم التسويق يعمل على إنجاز المهمّة (أ)، فإنّ لذلك تبعات على بيتر من قسم تطوير المنتجات، والعكس صحيح. وبالتالي فإنّ أي شركة ناشئة تحتاج إلى ضمان ألا يعطي الناس وقتهم، وهو المورد الأكثر ندرة، لإنجاز المهام التي تُعتبر أساسية وحرجة للمؤسسة بأكملها، وليس لقسم واحد فقط فيها.

تخضع الوحدات التشغيلية في الشركة الراسخة إلى العديد من القيود المؤسسية، مثل تموضع العلامة التجارية للشركة، ووجود فريق مبيعات مشترك، وهكذا دواليك. وتُسْهِمُ هذه القيود المفروضة في ضمان الاتساق بين المبادرات والابتكارات. أمّا الشركة الناشئة الجديدة، فتفتقر إلى الحدود المؤسسية الواضحة؛ فالعالم بأكمله هو المحارة التي تقبع فيها. وهذا الأمر يزيد من أهمية لجوء روّاد الأعمال إلى رسم الحدود الواضحة.

الاختبارات السوقية البسيطة ليست مفيدة دائماً. تحتفي فئة الشركات الناشئة الرشيقة بقابلية التكيّف والرشاقة الموجودة لديها من خلال إجراء الاختبارات السريعة. وقد تكون هذه الطريقة فعّالة من أجل الابتكار المتدرّج، ومن أجل إدخال تعديلات طفيفة تحسّن مدى تطابق منتج معيّن مع احتياجات السوق، لكنّ بعض الأفكار لا يمكن تقويمها بواسطة سلسلة تجارب سريعة ورخيصة. ورغم أنّ بعض المفاهيم تحتاج إلى استثمارات من نمط «كل شيء أو لا شيء»، مثل إطلاق شركة فيدرال إكسبرس (Federal Express)، إلا أنّ العديد من هذه المفاهيم تتطلّب نفقات كبيرة يجب أن تدفع مباشرة ومنذ البداية.

غالباً ما تحتاج الابتكارات التي تقود إلى طرح منتجات وخدمات جديدة بالفعل وغير مسبوقة في السوق، مثل أفران صهر الفولاذ الصغيرة، والسيارات الكهربائية، إلى بناء أنظمة كاملة وإلى استثمارات طويلة الأجل. وفي حين أنّ معدّلات تبنّي الابتكارات تتسارع (مثل تمكّن موقع فيسبوك من الوصول إلى 100 مليون مستخدم خلال أربع سنوات فقط، في حين حقّق واتساب (WhatsApp) هذا الرقم خلال عامين)، إلا أنّ بعض الشركات لن تنضج إلا بوتيرة أبطأ. فقد يحتاج الزبائن إلى بعض الوقت لتقدير قيمة منتج جديد، أو قد يحتاج المورّدون إلى العمل على مسار هابط لمنحنى الأسعار أو التجربة حتى يقدّموا المطلوب بسعر معقول. فشركات مثل مؤسسات الرعاية المسؤولة (المعروفة باسم (Accountable Care Organizations) في قطاع الرعاية الصحية، وكذلك بطاريات الليثيوم التي تصنعها شركة تيسلا (Tesla) لم تكن لتبصر النور أبداً، لو كان المطلوب منها هو أن تُثبت نجاحها الفوري.

فكرة مقالة أسرار الشركات الناشئة

لا بل أكثر من ذلك، قد تفشل الاختبارات السريعة للمفاضلة بين (أ) و(ب)، والتي تحاول قياس الخيارات المفضّلة لدى الزبائن، في التقاط الأثر البعيد المدى لمختلف البدائل على سمعة العلامة التجارية وعلى سلوك الشراء لدى الزبائن. كما أنّ هذه الاختبارات قد تكون مفرطة في تركيزها على الاستعمال الأوّلي. وفي بعض الأحيان، قد تكون الجاذبية الفورية للمنتج لدى الزبائن المستهدفين أمراً سريع الزوال: فقد يشعر المستخدمون بالتعب من الطبيعة الجديدة للمنتج، أو قد يجدون، كما هو الحال مع زبائن غروبون (Groupon)، بأنّ الاستعمال المتكرّر للمنتج هو أمر غير مجدٍ اقتصادياً. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل الشركات المتخصّصة بتصنيع السلع الاستهلاكية المعلّبة والمغلّفة تتوخّى الحذر عند التمييز بين مرحلة الاختبارات ومرحلة الاستعمال المتكرّر.

كيف يمكن للاستراتيجية أن تساعد

في عالم تحكمه المبادئ التي نناقشها هنا، تُعتبرُ الاستراتيجية التي تعبّر عن التوجّه الإجمالي للشركة أمراً لا غنى عنه. فهي تساعد روّاد الأعمال على فعل أربعة أشياء:

اختيار فرصة قابلة للحياة والنجاح

يمكن للتحليل الاستراتيجي الصارم أن يميّز بين الأسواق التي تَعِدُ بنجاح دائم، والأسواق التي لا تعطي إلا وهماً بعوائد هائلة، وإن كانت فورية. وقد فشلت شركات جديدة كثيرة لأنّها اتّجهت نحو النوع الثاني من الأسواق. والمثال النموذجي لذلك هو الشركة التي تواجه عوائق منخفضة أمام دخولها إلى السوق. ولنأخذ مثال شركة غروبون من جديد. فنموذجها المُبتكر القائم على قسائم التخفيض الموزّعة على الإنترنت، والتي تخصّ متاجر التجزئة وشركات الخدمة المحلية، أسهم في توليد المبيعات بسرعة. ولسوء الحظ، فإنّ أي سيّدة وأمّها كانتا قادرتين على إطلاق موقع مشابه، وهذا ما حصل بالفعل. وبالتالي تبيّن بأنّ الطلب على الخدمة كان مؤقتاً، ولم يتمكّن أيٌّ كان من تحقيق المال في هذا النوع من الأعمال.

نعم، يمكن لرائد أعمال معيّن أن يحقق خبطة سريعة ناجحة من خلال إنشاء شركة من هذا النوع ومن ثم بيعها إلى زبون استراتيجي (أو أحمق). ومن الأمثلة الكلاسيكية على ذلك شركة مينيتونكا (Minnetonka)، والتي طرحت في السوق سلسلة من الابتكارات – من الصابون السائل سوفت سوب (Softsoap) إلى مضخّة معجون الأسنان – لم تكن محميّة من التقليد. ومع ذلك، وبما أنّ هذه الشركة كانت أوّل من خاض غمار هذا المجال، فقد تمكّنت من النمو بسرعة قبل أن تُباع إلى عدّة شركات راسخة، حيث اشترت كولغيت – بالموليف (Colgate-Palmolive) القسم المتخصّص بالصابون السائل؛ في حين اشترت يونيليفر (Unilever) خطوط المنتجات الأخرى. لكنّ هذا النموذج التجاري لازال يعكس خياراً استراتيجياً: فإدراك رائد الأعمال لحقيقة أنّ الشركة لا يمكن أن تكون مستدامة، تجعله يقوم بكل ما هو ممكن للتقليل من الالتزامات البعيدة المدى إلى الحد الأدنى، وزيادة هوامش الأرباح والمبيعات إلى الحد الأقصى، مع البحث في الوقت ذاته عن طريقة للتخارج.

ثمّة خطوة خاطئة أخرى تتمثّل في دخول سوق كبير ومتنام دون إجراء تحليل لمعرفة ما إذا كانت الشركة قادرة على بناء ميزة تنافسية مستدامة فيها. فشركات مثل بيست باي (Best Buy) وخط منتجات دمى باربي (Barbie) التي تصنعها شركة ماتيل (Mattel)، وإيباي (eBay)، ومجموعة أخرى غيرها من الشركات دخلت الصين ظنّاً منها أن بوسع أيٍّ كان أن يجني المال هناك، في حين أن نصيبها من تلك الخطوة كان الفشل. وبالتالي قد يكون من الحكمة الأكبر بمكان السعي وراء عدّة فرص أصغر وأقل خطورة يمكنها معاً أن تخلق شركة ناجحة على المدى البعيد.

إنّ إجراء الشركة الناشئة لدراسة استراتيجية أوّلية فاحصة يمكن أن يوفّر عليها المضي في المسار الخاطئ: وهو مسار يمكن التثبّت منه أصلاً من خلال إجراء اختبار في السوق لمنتج قابل للحياة بالحدّ الأدنى لكنه من غير المرجّح أن يدعم الشركة على المدى البعيد. ففي إيليت (Eleet)، وهي شركة ناشئة تعمل انطلاقاً من مدينة بروفيدنس في ولاية رود آيلاند الأمريكية، طوّر المؤسّسون (وأحدهم هو ابني أنا) في بادئ الأمر ثمانية سيناريوهات محتملة لاستعمال مفهومها (سواء القائمة على التعامل بين الشركة وشركات أخرى أو على التعامل بين الشركة والزبائن مباشرة). وكان مفهوم هذه الشركة يقوم على تأمين سائقين ليقودوا سيّارتك نيابة عنك. ومقابل بضعة مئات آلاف الدولارات، كان يمكن للفريق إجراء اختبار سريع لبعض سيناريوهات الاستعمال هذه. ولكن حتّى قبل أن يجرّب المؤسسون ولو سيناريواً واحداً، أجروا تحليلاً للأسواق المستهدفة، واكتشفوا بأن النموذج القائم على التعاون مع الشركات سيكون هو الأكثر استدامة. ونتيجة لذلك، فقد نحّوا جانباً النماذج القائمة على التعاون مع الزبائن مباشرة، وأجروا عوضاً عن ذلك اختبارات أظهرت وجود عدد كبير من المستخدمين من الشركات التي ستؤمّن هذه الخدمة لموظفيها عوضاً عن خدمة سيّارة الأجرة الفاخرة مع سائق. وهم حالياً في المراحل الأولى من محاولة بناء هذه الشركة. (يجب أن أشير هنا إلى أنّني قد قدّمت المشورة لشركة إيليت وعدد من الشركات الأخرى المذكورة في هذه المقالة، أو استثمرت فيها، أو كنت عضواً في مجلس إدارتها).

التركيز الدائم على الجائزة التي ستحصدها

تحاول الشركات الناشئة التي تفتقر إلى الحدود الاستراتيجية الواضحة فعل أشياء تفوق طاقتها وتجعلها تنتشر بطريقة تشتت قواها. وبما أنّها تُخفقُ في تركيز مواردها المتاحة، فإنّها لا تستطيع تحقيق الفوز في أيّ سوق. فقد نجحت صوفيا أمورسو (Sophia Amoruso)، مؤسِّسَة شركة ناستي غال (Nasty Gal)، في بادئ الأمر، في تأسيس شركة متخصّصة بإعادة بيع الملابس العتيقة الطراز على موقع إيباي. ثمّ نوّعت أعمالها واقتحمت عدداً من الأنشطة الجديدة، مثل بيع الملابس التي تحمل العلامة التجارية لأحد المصمّمين؛ وإصدار مجلّة؛ ونشر كتاب سيرة ذاتية (Girl Boss#)، والقيام بجولات ترويجية للتعريف بالكتب؛ ومتاجر التجزئة؛ ومواقع الانترنت الدولية؛ وبعض المنتجات التي تحمل علامات تجارية مثل الأحذية، وملابس البحر، والثياب الداخلية، والسلع المنزلية. وعندما شعرت بوفرة الفرص، حاولت تجريب عدد من الأفكار لترى أيّاً منها سينجح. لكن مع غياب التركيز، تعثّر الموظفون ببعضهم البعض، وأخذوا يتنافسون على الموارد – بما في ذلك التنافس على الاهتمام من أمورسو نفسها – الأمر الذي أدّى إلى حصول ركود في النمو. وقد تنحّت عن منصب الرئيسة التنفيذية للشركة في يناير/ كانون الثاني 2015.

وعلى المنوال ذاته، غالباً ما تتجاوب الشركات الناشئة الجديدة – التي تجد نفسها مدفوعة بالحاجة إلى توليد الأموال النقدية لتأمين رواتب الموظفين – مع كل طلب يأتي إلى قسم المبيعات، حتّى لو لم يكن الزبون جزءاً من الشريحة المُستهدفة. ففي المرحلة التي كانت فيها بيسيس (Picis)، وهي شركة متخصّصة بأنظمة المعلومات في مجال الرعاية الصحية، لا تزال شركة ناشئة، حاولت أن تعمل في سوقين، ألا وهما غرف العمليات ووحدات العناية المشدّدة، حيث فازت بطلبيات في كلا هاتين الشريحتين من السوق، لكنّها واجهت معاناة في زيادة أعمالها في كلا هاتين الشريحتين. وبعد أن قرّرت التركيز على غرف العمليات (واستحوذت على شركة أخرى في هذا الصدد)، تمكّنت من زيادة حصّتها السوقية ومن بناء مركز مستدام لها في السوق.

ضمان التواؤم والانسجام بين جميع أجزاء المؤسسة

في الشركات الناشئة المتناهية الصغر، قد يكون من الممكن تنسيق الأنشطة من خلال التفاعل الشخصي اليومي. أمّا في الشركات الأكبر حجماً، فإنّ إدارة المشروع أو وجود نظام بيروقراطي منظّم يمكن أن يساعد نوعاً ما في هذه العملية، لكن الاستراتيجية فقط هي ما يسمح للقائد بأن يمكّن موظفيه ويقوّيهم، ويساعد، في الوقت ذاته، في تحاشي تكرار الجهود، ومحاولة اتّباع أجندات متضاربة. ويمكن للاستراتيجية المصاغة بأسلوب واضح أن تضمن بأن يكون كل جانب من جوانب المؤسسة – مثل نمط الموظفين الذين يجري تعيينهم، ونظام التعويضات ومقاييس المكافآت المطبّقة، ونظام المعلوماتية المُستخدم – مُصمّماً بطريقة دعم القيمة المُميّزة التي تقدّمها الشركة إلى الزبائن.

فقد حالت الاستراتيجية الواضحة دون استمرار موظفي شركة موزي لين للبرمجيات (Muzzy Lane Software)، المتخصّصة بالألعاب التعليمية، من العمل وفق مبدأ مصنّف العمل بالأجرة (work-for-hire)، والذي كان لا يؤدّي إلا إلى إنتاج ألعاب لمرّة واحدة. وقد كان ذلك مصدراً هاماً للتمويل: فالعقد الواحد كان يغطّي ولبضعة أشهر الأموال النقدية التي تحتاج إليها الشركة حاجة ماسّة. لكنّ الشركة أدركت بأنّ تركيزها الحقيقي يجب أن يكون على شركات النشر المتخصّصة بالقطاع التعليمي، وبما أنّها كانت قد صمّمت منصّة برمجية أساسية تسمح لهذه الشركات بأن تطوّر المحتوى الخاص بها عليها، فقد احتاجت إلى تحسين مجموعة أدوات التأليف التي تمتلكها. وبالتالي فإن توجيه المطوّرين لمحاولة تعديل لعبة معيّنة بحسب حاجة الزبون كان يبطئ النشاط الأساسي. وبناءً على ذلك عملت الشركة بنشاط على إثناء الموظفين عن العمل على هذا النوع من المشاريع.

قدّم الالتزامات الضرورية

بعد أن تقرّر الشركات ما هي الفرص التي تريد السعي وراءها، يتعيّن عليها أن توظّف الاستثمارات المطلوبة للنجاح. ومن الواضح بأنّ إجراء الاختبارات هو أمر ضروري من أجل التقليل من المخاطر إلى الحدّ الأدنى، وتحقيق القدر الأقصى من القيمة من كل استثمار. ولكن كما ناقشنا من قبل، في الكثير من الأحيان قد تكون هناك حاجة إلى القيام باستثمار معيّن، مثل بناء مستشفى في منطقة جديدة، دون ضمان العوائد أو القدرة على إجراء الاختبارات على مراحل. وفي أمثال تلك الحالات، من الضروري جدّاً إجراء تحليل حذر قبل المضي قدماً. وبطبيعة الحال، فإنّ الاستثمار يجب أن يكون ملائماً من الناحية الاستراتيجية.

الجمع بين الاستراتيجية المتأنية والاستراتيجية الناشئة

إذا كان الهدف من الاستراتيجية هو معالجة التحدّي الذي يواجه رائد الأعمال، فإنّ هذه الاستراتيجية يجب أن تتبنّى أيضاً تقنيات ذات طابع ريادي. فريادة الأعمال – وهي عبارة عن تجريب محلّي مدعوم – تسمح للشركة باستكشاف الابتكارات الصحيحة ومواصلة إدخال التعديلات الضرورية عليها لجعلها أنسب للسوق. وهي ضرورية بغضّ النظر عن حجم الشركة أو عن القطاع الذي تنشط فيه. وإليكم الطريقة التي تسمح لكم بإدماج الروح الرياديّة بفعالية ضمن المقاربات الاستراتيجية:

الرؤية

تبدأ عملية الاستراتيجية الرشيقة بوضع رؤية المؤسسة أو غايتها النهائية، أي بالأحرى علّة وجودها وسببه، لأنّ هذا هو الجانب الوحيد من الاستراتيجية الذي ربما يجب أن يظل قائماً في أي حال من الأحوال. والرؤية يجب أن تكون جذّابة وتدبّ الحماسة في النفوس. وقد تكون أيضاً مليئة بالطموح بل وحتّى غير قابلة للتحقّق. فرؤية شركة مايكروسوفت (Microsoft) الأصلية، على سبيل المثال، كانت "وضع كمبيوتر شخصي على كلّ مكتب". أمّا شركة بن آند جيريز (Ben & Jerry’s)، فكانت تعمل جاهدة، وبقيادة مؤسسيها، على «صنع أفضل بوظة في العالم، وتحقيق التغيير التقدّمي في العالم، وتقديم تعويضات عادلة للموظفين والمساهمين في الشركة على حدّ سواء».

الاستراتيجية المتأنية

إنّ تحقيق الرؤية التي تتّسم بروح ريادية يستدعي اتفاق كبار المدراء التنفيذيين على استراتيجية متأنّية يجب أن تُصاغ باشتراك جميع من هم في المؤسسة، بناءً على التقويم الصارم لمكامن القوّة والضعف الحالية في الشركة، ومواردها وقدراتها الداخلية، والفرص والتهديدات الخارجية. وسوف تعمل الاستراتيجية المتأنية على تحديد موضع الشركة ضمن السوق العريض، حيث يمكن للشركة أن تستعمل قدراتها المميّزة لتلبّي احتياجات الزبائن بطريقة لا يمكن لمنافس آخر أن يضاهيها.

وبرأيي أنا، فإنّ العناصر الأساسية الثلاثة لأي استراتيجية هي الهدف، ونطاق العمل، والميزة التنافسية. (صحيح أنّني سأتجنّب الخوض في التفاصيل هنا، ولكن يمكنكم الاطلاع عليها في مقال نشرته في عدد شهر أبريل/ نيسان 2008 من مجلّة هارفارد بزنس.

عملية الاستراتيجية الرشيقة

ريفيو بالتعاون مع مايكل روكستاد بعنوان "هل بوسعك أن تقول ما هي استراتيجيتك؟"). ودعونا نراجع بإيجاز كيف تنطبق هذه المفاهيم الثلاثة على الشركات الناشئة الجديدة.

الهدف

هو تعبير عن هدف الشركة على المدى القصير، وهو يعرّف النجاح بحسب ما يراه قائد الشركة الناشئة. فإذا كان هدف هذا القائد هو إدراج الشركة في البورصة خلال ثلاث سنوات، فإنّ تبعات ذلك ستختلف جذرياً عن تبعات بناء شركة مستدامة سوف يكون هو نفسه من يقودها بعد خمس سنوات، أو بيع الشركة إلى مشتر استراتيجي بعد أن تكون قد استقرت. وفي حالة كلّ هدف من هذه الأهداف، يجب أن تحدّد الاستراتيجية أيضاً ما هي المقاييس التي ستزيد من القيمة السوقية للشركة إلى الحدّ الأقصى عندما يتحقق ذلك الهدف. فإذا كان الهدف هو الاكتتاب العام الأولي، على سبيل المثال، فإنّ المقاييس يجب أن تشمل (س) مليون زبون جديد، و(ع)% كحصّة من عمليات التجزئة على الإنترنت، وأن تكون النسخة 3.0 من البرنامج قد رُكِّبت لدى (ص) زبون أساسي جديد، وهكذا دواليك.

نطاق العمل

لعلّ نطاق العمل هو أهمّ دليل استراتيجي، فهو يحدّد "المجال الذي نعمل فيه"، ويرسم الحدود حول ما ستفعله الشركة الناشئة وما لن تفعله. فقد طوّرت شركة ساوث ويست أيرلاينز (Southwest)، على سبيل المثال، استراتيجيتها الأصلية كشركة طيران منخفضة التكلفة ضمن نطاق عمل معرّف بوضوح. وقد اتخذت قراراً بعدم منافسة الشركات الرئيسة منافسة لصيقة في المطارات الكبيرة، أو في الخطوط التي تستغرق الرحلة عليها أكثر من ساعتين. بل ركّزت ساوث ويست، عوضاً عن ذلك، على بناء شبكة مهيمنة من الرحلات القصيرة بين المطارات الثانوية. وبما أنّ أحد العناصر الأساسية للاستراتيجية كان قائماً على فكرة أن تكون الأسعار المنخفضة بسيطة وشفافة، فإنّ الشركة لم تكرّس أي جهود للمبادرات المعقّدة في مجال إدارة الدخل (Yield-Management) التي كانت ستسمح لساوث ويست بتقاضي الحد الأقصى من الأسعار من الزبائن.

الميزة التنافسية

تحتاج أيّ شركة ناشئة إلى امتلاك تصوّر واضح عن الكيفية التي ستسمح لها بالفوز – أي لماذا سيشتري الزبائن منتجاتها عوضاً عن شراء منتجات المنافسين. وهذه الميزة يجب أن تساعد الشركة في تلبية حاجة أساسية للزبون، ومن الناحية المثالية، يجب أن تلبّي حاجة فورية تقضّ مضجع الزبون. ويمكن تلخيصها على شكل قائمة من الميزات التي تُعتبرُ أفضل من الميزات التي يقدّمها المنافسون، والتي قد تقرّ، إن لم تكن ستحتفي حتّى، بالجوانب الخاصّة بالمنتج أو الخدمة، اللذين سيكون أداؤهما أقل من المطلوب. وبالتالي فإنّ القيمة المُميّزة المقترحة من الشركة يجب أن تكون العنصر الذي يضمن التناغم بين أنشطة الشركة وأن تحدّد شكل التجارب المستقبلية.

تمثّلت إحدى الميزات الرئيسة لشركة ساوث ويست، على سبيل المثال، في سرعة إتمام رحلات الطائرات بالاتجاهين، ممّا ساعد الشركة على الاستفادة القصوى من أصولها، والمحافظة على انخفاض الأسعار. وقد اختارت الشركة عدم تقديم الوجبات على متن الرحلات، لأنّ فعل ذلك كان سيزيد من التكاليف، ومن سرعة إتمام رحلات الطائرات بالاتجاهين. وعندما كان الزبائن يشتكون من عدم توفّر الوجبات، كان موظفو خدمة الزبائن يتجاوبون بتقديم رسائل خطّية مهذّبة تفسّر للركّاب كيف أن إضافة خدمة الوجبات سترفع أسعار التذاكر.

الاستراتيجية الناشئة

في معرض تطبيق الاستراتيجية، يتّخذ المدراء وعلى المستويات كافّة في أيّ مؤسسة عدداً هائلاً من القرارات كلّ يوم. ويؤدّي مجموع هذه الخيارات المستقلّة كلّها تدريجياً إلى حصول تبدّل في موضع الشركة، وهو يحدّد الشكل الدقيق الذي تتّخذه الاستراتيجية مع مرور الوقت. وهذا هو البعد الناشئ للاستراتيجية.

يُتَّخذُ العديد من القرارات المتعلّقة بالجوانب الميدانية، مثل أزمنة مغادرة الرحلات في ساوث ويست، بطريقة روتينية، وقد لا تحتاج هذه القرارات إلى أي تفكير حتّى. أمّا بعض القرارات الأخرى، مثل استبقاء طائرة عند البوّابة انتظاراً لزبائن قادمين على متن رحلات أخرى متأخّرة، فيحتاج إلى محاكمة عقلية من قبل الشخص المعني، ويجب أن يكون مستنداً إلى استراتيجية الشركة. أمّا البعض الآخر من القرارات، فهو عبارة عن تنويعات واعية تسعى إلى تحسين منتج حالي أو ممارسة حالية. فقد كانت إحدى الابتكارات الإضافية التي اقترحها موظفو ساوث ويست هي خدمة بزنس سيليكت (Business Select) والتي كانت تقوم على منح المسافرين مشروباً مجّانياً وإمكانية دخول الطائرة في وقت أبكر مقابل مبلغ إضافي بسيط من المال. وبما أنّ هذه الخدمة لم تكن لتؤدّي إلى أيّ تأخير على البّوابات، فقد وافقت الشركة على تقديمها.

وهنا تماماً نجد بأنّ مفهوم الاستراتيجية كغربال حاضر بقوّة. فعندما يعمل الموظفون في عموم أنحاء أيّ شركة على تحديد ماهية التجارب التي يجب أن يقوموا بها، فإنّهم يضعون فرضيات ويختبرونها بهدف تحديد كيفية تحسين التموضع الاستراتيجي، من خلال تحديد حالات عدم التطابق أو الفجوات أو الفرص الحالية والمتعلّقة بمدى تناسب المنتج أو الخدمة مع السوق. وبالتالي، فإنّ النشاط الريادي في المستويات الدنيا للمؤسسة هو أمر غير عشوائي. فعلى سبيل المثال، عوضاً عن تطوير خوارزمية برمجية معقّدة لإدارة العائد، كما فعلت شركات الطيران الأخرى، ركّز فريق المعلوماتية في ساوث ويست على الابتكارات في مجال الخدمة الذاتية للزبائن، والتي يمكن أن تقدّم بتكلفة منخفضة وعلى الأنظمة الحاسوبية الشخصية للزبائن. وعلى المنوال ذاته، وضع الموظفون العاملون على الخطوط الأمامية للشركة إجراءات ركوب الطائرة في ساوث ويست (وهي عبارة عن لوحات مرقّمة بأرقام مميّزة مخصّصة لعملية ركوب الطائرة عند بوّابة ساوث ويست)، الأمر الذي أسهم في سرعة إتمام رحلات الطائرات بالاتجاهين، وهي السمة التي تتميّز بها الشركة.

بعد أن يكون قد جرى طرح الابتكار، يعاود الفلتر الاستراتيجي الظهور على الساحة مجدّداً. حيث يتعيّن على الشركة الناشئة الآن أن تجري تقويماً لنتائج التجربة لتقرّر ما إذا كانت ستنهي العمل بها، أم ستستمرّ بها، أم أنّها ستعدّلها (وهو قرار ستترتّب عليه تبعات وعواقب ذات تأثير دائم). فدون وجود توجّه عريض، قد يجري استنتاج خلاصات خاطئة من النتائج. فخلال معركة بريطانيا (Battle of Britain)، على سبيل المثال، وهو الاسم الذي أعطي لعملية الدفاع عن بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، رسمت التقارير التي أعقبت المعركة صورة عن الأجزاء التي تعرّضت للتخريب من طائرات سبيت فايرز البريطانية جرّاء هجوم النازيين عليها. وكان الهدف من ذلك هو تحديد أجزاء الطائرات التي كانت بحاجة إلى تصفيح – أي حتى تكون شعلة مضيئة قد أشارت إلى أنّها ليست الأجزاء الأكثر هشاشة. ووفقاً لجميع الاحتمالات، كانت الأجزاء التي لم تكن قد تضرّرت من الطائرات العائدة هي الأكثر إشكالية، بما أنّ الضربات التي أصابت تلك الأجزاء كانت تعني بأن الطائرات لم تعد أبداً.

توفّر الاستراتيجية إطاراً لتفسير ردود الأفعال والآراء الواردة من السوق. فدون وجود منظور استراتيجي واضح، لن تكون المؤسسة قادرة على أن تتعلّم من التجارب. فإذا كانت محصّلة الابتكار ببساطة هي اتخاذ القرار بعدم المضي في هذا الاتجاه، فإنّ كلّ المعلومات والمهارات التي استخدمت خلال ذلك سوف تضيع. ولكن إذا ما حاولت الشركة أن تتعمّق بمنتهى الحذر لتعرف أين سارت الأمور على ما يُرام وأين لم تسر على ما يُرام – وأي الفرضيات تمّ التثبّت منه وأيّها ثبت بطلانه – فهي ستكون قادرة على تعديل الاستراتيجية بحكمة. فقد كانت الاستراتيجية الأصلية لموقع انستغرام هي تطوير تطبيق خاص للهاتف المحمول باسم بوربن (Burbn) «يمكّن الأصدقاء من تسجيل دخولهم إلى الأماكن ووضع الخطط (للدخول إلى مواقع معيّنة مستقبلاً)، وكسب النقاط مقابل قضاء الوقت مع الأصدقاء، ونشر الصور، وغير ذلك الكثير». وعندما تفاعل المستخدمون بطريقة سلبية مع تطبيق هاتفي يمكنه فعل كل هذه الأشياء، لم يقم مؤسسو الشركة بالتخلّص منه. بل قرّروا التركيز على النجاح في جانب واحد فقط. وعندما لاحظوا بأنّ المستخدمين قد نشروا الكثير من الصور، قضوا ثمانية أسابيع في تطوير تطبيق أفضل لمشاركة الصور مع الآخرين، وطرح النسخة التجريبية منه. وما حدث بعد ذلك غني عن البيان.

تحاول الشركة الناشئة التجاوب مع التغيّرات البيئية ونتائج التجارب، من خلال تبنّي قدرات داخلية جديدة. وإذا اقتضت الضرورة، فهي تنقّح الاستراتيجية المتأنّية الأصلية وتعيد النظر فيها. وعندئذ تبدأ العملية من الصفر مجدّداً. وبالتالي من الصحيح القول بأنّ الشركات تتطوّر نتيجة للخيارات الجزئية التي تتّخذ كلّ يوم. لكنّ ذلك لا يعني ضمناً بأنّ الاستراتيجية لا تنبثق إلا بعد وقوع الواقعة. وإنّما في كلّ لحظة من الزمن يجب أن يكون هناك اتفاق واضح على العوائق التي تفرضها الاستراتيجية الحالية، حتّى لو حصل تحوّل في تلك الاستراتيجية.

تطور الشركات الناشئة

كانت شركة نوفينتيف (Nuventive)، المتخصّصة بالتكنولوجيا التعليمية، تمتلك مجموعة من المنتجات لتقويم أداء المؤسسات والطلاب وتحسينه. ولكن نظراً لمحدودية إيراداتها، اضطرت إلى اختيار الاستثمار بطريقة مركّزة. وكما تبيّن لاحقاً، فإنّ تركيز الشركة تغيّر مع مرور السنوات بما أنّ الفرص السوقية كانت قوية بداية وما لبثت أن ضعفت، وبما أنّ الجاذبية النسبية لخطوط المنتجات شهدت تحوّلاً. ومع ذلك، وفي كلّ لحظة من الزمن، كانت الاستراتيجية تُوضِحُ لجميع من في الشركة أيّ المنتجات تحظى بالأولوية، وأيّ الأفكار المُبتكرة ستستولي أولاً على الموارد النادرة للشركة (أي مطوّري البرمجيات). أمّا المنتجات الأخرى، فقد حظيت بالدعم الذي يكفيها للبقاء على قيد الحياة. وبالتالي فإن نوفينتيف كانت مرنة بما يكفي لكي تتأقلم مع السوق المتغيّرة، لكنّها كانت أيضاً استراتيجية بما يكفي لكي تقدّم النتائج التي تتناسب مع أفضل الفرص المتاحة.

تُعتبرُ الاستراتيجية أكثر أهمّية بالنسبة لروّاد الأعمال حتّى من الشركات الراسخة. ومع ذلك، فإن الطرق الرشيقة في الابتكار تنطوي أيضاً على الكثير من القيمة. فهذان الأمران ليسا متناقضين أو متضاربين؛ وإنّما يمكن القول بأنّ تحقيق التناغم بينهما، من خلال عملية الاستراتيجية الرشيقة، يحمل بارقة أمل لروّاد الأعمال في أيّ مؤسسة، مهما كان حجمها، لكي تصبح رشيقة، ولكي تكون فعّالة في مجال الابتكار.

تحتاج أيّ مؤسسة تعاني من القيود المفروضة على مواردها إلى استراتيجية تعرّف حدودها. فتحديد ما يقع داخل هذه الحدود وما يقع خارجها يضمن بألا تكون عمليات التجريب فضفاضة، وبأن يجري التشجيع على التجريب ضمن تلك الحدود من أجل اكتشاف أسرار الشركات الناشئة بطريقة صحيحة. وهي تساعد الشركات على تحديد مدى جاذبية النماذج التجارية المُحتملة على المدى البعيد، أو حجم المساحة السوقية المتاحة، قبل اختبار جدواها الاقتصادية. ومن خلال الجمع بين الاستراتيجية والتجريب بهذا الأسلوب، يمكن لكلّ الشركات أن تزيد من احتمالات تحقيق النجاح الدائم.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي