إذا كنتَ تمتلك شركة عائلية أو تدير إحداها، فأنت تعلم أنّ تقديم السلع أو الخدمات للمستهلكين هو مجرد دور واحد فقط من الأدوار العديدة التي تؤديها شركتك في المجتمع. إذ تُعنى شركتك، على سبيل المثال لا الحصر، بالتوظيف وتحمل المسؤوليات، إضافة إلى أنها محور المجتمع. وأنت تؤدي هذه الأدوار لمجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، متضمنين المستهلكين والموردين والمؤسسات الخيرية وغيرهم، في سياق التنظيم الاجتماعي، المعروف أيضاً باسم "العقد الاجتماعي"، الذي من المحتمل أن يكون في خضم أعمق عملية تحول منذ القرن الثامن عشر.
بسبب أن الافتراضات السابقة حول الهدف من الشركة موضع تساؤل، نجد في الوقت نفسه أن التوازن بين الحكومة والشركات الخاصة والقطاع الخيري في حالة تغير مستمر. في ظل هذه البيئة المعقدة، ينبغي عليك أنتَ وشركتك العائلية مراعاة ما يلي: ما هو فهمك للعقد الاجتماعي اليوم؟ كيف ستتناول كل دور من أدوارك في المجتمع مع تطورها في المستقبل؟
هل الأفضلية لأصحاب المصلحة أم للمساهمين؟
أصدرت جمعية "بزنس راوند تيبل" (Business Roundtable) في آب/أغسطس 2019 نموذجاً جديداً للشركات، عبر مذكرة بعنوان "بيان حول هدف الشركات". وقد أعلنتْ الأطراف التي وقعت المذكرة - وهم الرؤساء التنفيذيون لبعض الشركات الأكثر نفوذاً في العالم، مثل جيف بيزوس الرئيس التنفيذي لشركة "أمازون" (Amazon)، ولاري فينك الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك" (BlackRock)، وجيمي دايمون الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان تشيس" (JP Morgan Chase) - أنها سوف "تلتزم بقيادة شركاتها لخدمة أصحاب المصلحة جميعاً، من مستهلكين وموظفين وموردين ومجتمعات ومساهمين". ويوضح البيان أن "هذه المبادئ المحدّثة تعكس التزام مجتمع الأعمال الراسخ بمواصلة الدفع قدماً من أجل تعزيز اقتصاد يخدم الأميركيين جميعاً". من الجدير بالذكر أنّ ما نص عليه البيان لا يُنكر أهمية المساهمين، لكنه يوسع نطاق المسؤولية، وهذا ما أضافه "أصحاب المصلحة جميعهم لهم أهميتهم لدينا، ونحن نلتزم بتقديم قيمة لهم جميعاً من أجل ضمان تحقيق النجاح المستقبلي لشركاتنا ومجتمعاتنا وبلدنا".
لا شك أنّ هذا البيان يتقاطع مع ما تُفكّر فيه الأجيال الشابة، التي تميل أكثر إلى البحث عن التوافق بين قيمها وسلوك الشركات. لكن، ليس واضحاً كيف سوف يجري تحقيق ذلك التوافق، ولا كيف يجري الحكم في النهاية بالنجاح أو بالفشل على المدى الطويل. في المقابل، لم ينج البيان من منتقديه، وكان أبرزهم وارن بافيت، الذي رفض مبادئ البيان، وبقي ثابتاً على رأيه بأن الهدف من الشركات ينبغي أن يتمحور حول ربح المساهمين قبل كل شيء. يستند نموذج أفضلية المساهمين هذا إلى رأسمالية السوق الحر، ذلك بإيماءة ضمنية إلى "اليد الخفية" التي تحل مكان الحكومة عادة. يُحدد بافيت تناقضاً بارزاً لنظرية أصحاب المصلحة، ويقول "يستنكر العديد من مدراء الشركات التوزيع الحكومي لأموال دافعي الضرائب، لكنهم يتبنون بحماس توزيعهم الخاص لأموال المساهمين".
هذان مثالان على الآراء المتضاربة للدور - أو الأدوار لنكون أكثر دقة - الذي تؤديه الشركات في المجتمع. والأهم من ذلك، يتطرق هذا الجدل إلى السؤال المحوري حول كيف ينبغي للمجتمع أن يُهيكل نفسه استناداً إلى أصل نظرية "العقد الاجتماعي".
تطور نظرية العقد الاجتماعي
نشأت نظرية "العقد الاجتماعي" في اليونان القديمة، ووصلت ذروتها في القرنين السابع عشر والثامن عشر، مع سعي الفلاسفة إلى فهم كيف يمكن للمجتمع ضمان السلامة من الفوضوية باعتبارها "الحالة الطبيعة". وشكّلتْ المفاهيم التأسيسية مثل "الحقوق الطبيعية" و"الإرادة العامة" جوهر النظرية حول كيف سيكون الأفراد جميعاً في حال أفضل إذا تخلى كل فرد منهم عن بعض الحرية لصالح نظام يوفر السلامة للجميع. لا ينبغي على المرء، خصوصاً اليوم، تجاهل حقيقة أننا ما زلنا نحاول فهم هذا التوازن بين الحرية والسلامة، هذا بصفتنا أفراداً نشكل المجتمع. ولاحِظ، أنه في الاحتمالات كلها، سوف يختار كل شخص منا مبادئ الحرية والإنصاف إذا وجدنا أنفسنا تحت "حجاب الجهل" فلا نعلم ما هو الموقع الذي نحن فيه داخل ذلك المجتمع، أي هل نحن أغنياء أم فقراء، أو هل نحن مرضى أم أصحاء؟
في جوهر العقد الاجتماعي في أي مجتمع، وعلى نحو ما أقر به بافيت عام 2019، هناك دور للحكومة بصفتها الفيصل والجهة التي تخصص الموارد. يجري هذا النقاش اليوم كنتيجة للاضطرابات والاحتجاجات المجتمعية، والمستويات غير المسبوقة من عدم المساواة، والزعزعة التكنولوجية والصناعية، وانخفاض معدلات الضرائب على مر التاريخ، والتغير على مستوى الأجيال. وقد أعلن بعض قادة الشركات، بمن فيهم بعض أصحاب الشركات العائلية والورثة البارزين، والمعروفين باسم "الأثرياء الوطنيين"، على الملأ، حول اعتقادهم أن ذلك التوازن ليس مثالياً، وينبغي دعم دور الحكومة من خلال فرض ضرائب مرتفعة، خصوصاً على الأغنياء الذين كسبوا الكثير خلال العقود القليلة الماضية. قاد أعضاء آخرون، من العائلات التي تمتلك شركات، تطوير الاستثمار المؤثر والمشاريع الاجتماعية، التي جرى تمويلها غالباً بعد بيع الشركة كلها أو جزء منها، وإدارتها عن طريق مكتب العائلة. كان أصحاب الشركات العائلية في الماضي يُوصون غالباً بتمويل الأعمال الخيرية بعد وفاتهم، لكنهم اليوم أصبحوا ينخرطون بفاعلية في العمل الخيري من خلال مؤسساتهم العائلية، والعمل الخيري النشط، وهم لا يزالون على قيد الحياة. يختار الكثيرون أيضاً مواءمة مهمة شركاتهم مع القيم العائلية، إلى جانب التركيز على التأثير في المجتمع.
ينطوي واقع الأمر على أنّ الشركات العائلية قد أدركتْ منذ فترة طويلة أن لديها أصحاب مصلحة متعددون. وتُظهر حالة الفشل الذريع في بوسطن، حيث احتج الآلاف من الموظفين والمستهلكين على القرارات التي اتخذها أصحاب الشركات العائلية، مدى قوة توقعات المستهلكين والمجتمع بالنسبة إلى الشركات العائلية. وبصفتك قائد شركة عائلية، ينبغي أن تسأل نفسك وعائلتك الأسئلة التالية: ما هو فهمك للعقد الاجتماعي اليوم، أي عام 2020؟ كيف تنظر العائلة وأصحاب المصلحة الآخرون إلى الأدوار المتعددة لشركتك العائلية في المجتمع؟ ما هو التوازن السليم للجهات الثلاث، أي الحكومة والشركات الخاصة والقطاع الخيري؟ هل يبقى هدف "دفع ضرائب أقل" مهماً بالنسبة إلى عائلتك عند رؤيته ضمن سياق أوسع؟
بينما تفكر أنت وعائلتك في هذه الأسئلة، تذكّر أن مستقبل كل من شركتك العائلية والمجتمع كله على المحك.