ما هي أنماط القيادة الشائعة في الشركات العائلية الخليجية وكيف تتعامل معها الأجيال الناشئة؟

6 دقيقة
الشركات العائلية الخليجية
shutterstock.com/iamguru

تسهم الشركات العائلية بنحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة مجلس التعاون الخليجي، وتوظف أكثر من 80% من القوى العاملة في المنطقة، بحسب بيانات شركة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC). وفي حين أثّرت حالات الانكماش الاقتصادي الناجمة عن جائحة كوفيد-19 على العديد من الشركات في الشرق الأوسط، فقد سجلت 65% من الشركات العائلية في الخليج نمواً في عام 2023، ما يعكس مرونتها ورشاقتها وقدرتها على التكيّف مع الصعوبات والتأقلم مع المستجدات. ولا يدل ذلك سوى على مكانة هذه الشركات في البنية الأساسية وهيكلية اقتصادات المنطقة.

ويكمن جوهر نجاح هذه الشركات في عنصر أساسي من عناصر القيادة، وهو الإجراءات والعمليات التي تثمر تناغماً بين أفراد العائلة والموظفين من خارجها للعمل معاً نحو تحقيق أهداف الشركة.

إن هذه القوة القيادية الخفية توحد العائلات وتوجه الشركات عبر الأجيال، ما يؤدي إلى إنشاء ميزة تنافسية فريدة للشركات العائلية. تعمل الشركات العائلية الناجحة على مواءمة دوافع الموظفين من خلال استخدام أسلوب قيادة يجمع بين الاحتياجات والأهداف والتوقعات الفردية مع ضمان استدامة الشركة. من الأمثلة على ذلك، رئيس مجلس إدارة مجموعة كانو الإماراتية، إحدى أكبر الشركات العائلية وأقدمها في المنطقة، مشعل كانو، الذي قاد الشركة نحو تحقيق مستوى أعلى من الاحترافية على الرغم من التحديات التي فرضتها هذه التغييرات على علاقته مع أفراد عائلته.

لإجراء مزيد من البحث حول القيادة في الشركات العائلية، تعاون الاتحاد العالمي لمشروع ستيب (STEP Project Global Consortium) مع كرسي الشيخ سعود بن خالد بن خالد القاسمي للشركات العائلية في الجامعة الأميركية في الشارقة وشركة بيت عائلة الأعمال (The Business Family House)، وأجروا استطلاعاً شمل عدداً كبيراً من قادة الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي، وكان الهدف الأساسي هو فهم طبيعة أساليب القيادة المتّبعة في الشركات العائلية في هذه الدول.

كشفت نتائج هذا البحث عن انتشار النمط القيادي السلطوي (Authoritarian) أكثر بين الرؤساء التنفيذيين للشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي مقارنة بنظرائهم في أوروبا وأميركا؛ إذ يُظهر استقلالية القادة وإدارتهم الشركات العائلية من خلال السيطرة الحازمة على عملية صناعة القرار وتطبيق قواعد صارمة وتحديد أهداف هذه الشركات.

كيف يمكننا تفسير سيطرة نمط القيادة السلطوية؟ 

  • التأثيرات الثقافية وأبناء جيل الطفرة. يمكن أن تُعزى هيمنة الأسلوب السلطوي الملحوظ في الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى الأعراف الثقافية الأبوية السائدة، التي تُحدد الأدوار والمسؤوليات بناءً على جنس الشخص (رجل أو امرأة)، والمتأصلة بعمق في هذا المجتمع والثقافة الخليجية، حيث يتولى رب العائلة مسؤولية رفاهة الأسرة والعمل، في حين يُبدي بقية أفراد العائلة (ذكوراً وإناثاً) قدراً كبيراً من الاحترام والثقة في قراراته.
  • التنمية الاقتصادية وأبناء جيل الطفرة. اقترنت الثقافة الأبوية مع مسؤولية قيادة التنمية الإقليمية من خلال إنشاء نموذج اقتصادي جديد. تطلب ذلك من أفراد هذا الجيل السيطرة الكاملة والتوجيه الواضح لتحديد الرؤى وتقديم ملاحظات بنّاءة لإشراك مؤسساتهم وبلدانهم في بيئات متنوعة ومتعددة الثقافات لتحقيق أهدافهم ووحدة العائلة، وبالتالي فإن القيادة السلطوية في الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي تعكس الأعراف الثقافية وثقل المسؤولية الملقاة على عاتق قادة الجيل الأول.
  • انتقال القيادة بين الأجيال. في خضم التأثيرات الثقافية، تشهد الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي تغييرات في القيادة. إن ظهور أجيال جديدة من القادة، التي تضم جيل إكس وجيل الألفية، يؤدي إلى حدوث تغييرات عبر الأدوار المختلفة، وتحديداً في العائلة والشركات والملكية. نشأ كل من أفراد جيل إكس وجيل الألفية في ظروف ثقافية ومؤسسية وسياسية مختلفة عن الظروف التي نشأ فيها آباؤهم من أبناء جيل الطفرة. نتيجة لذلك، يجلب هؤلاء القادة الشباب الناشئون أنماط قيادة بديلة للشركات العائلية، ويشمل ذلك الأنماط الكاريزمية والتحويلية.

كيف تتعامل الأجيال الناشئة مع مسؤوليات قيادة الشركات العائلية؟

يحاول القادة أصحاب الكاريزما (Charismatic Leadership) إلهام كل من أفراد العائلة والموظفين وتحفيزهم نحو هدف مشترك، في المقابل يركز القادة التحويليون (Transformational Leadership) على تغيير رؤية المؤسسة والتزام العائلة بها، ما يدفعهم نحو آفاق جديدة من التطور.

من الأمثلة على القيادة الكاريزمية المدير العام لشركة بترجي فارما (Batterjee Pharma)، الذي تناولته الدراسة والمؤسس المشارك لشركة أوميت (Aumet)، محمد مازن بترجي، فهو ينتمي إلى الجيل إكس وصُنّف من بين أفضل 100 قائد في مجال الرعاية الصحية في عام 2023. إذ يتضمن أسلوبه القيادي التواضع والمشاركة الوجدانية والتعاطف والشفافية.

يُبدي جيل الألفية، الذي بدأ رحلته نحو القيادة، التزاماً أكبر بإدخال تغييرات ذات رؤية مرتبطة بالتحديات العالمية مع الحفاظ على القيم التقليدية للعائلة. أحد الأمثلة على القيادة التحويلية هو مدير تطوير الأعمال في مجموعة بن زقر، رشيد بن زقر، الذي يدرك أنه على الرغم من تشجيع الأجيال السابقة لأفراد العائلة الشباب على الانضمام إلى الشركة العائلية، فإن ثمة قيمة قوية لأداء عملهم بالطريقة نفسها التي اتبعتها الأجيال السابقة للحفاظ على الإرث. يشير رشيد بن زقر إلى أنه قد يرغب في فعل الأشياء بطريقة مختلفة، لكنه يدرك أهمية بناء السمعة والمصداقية لتعزيز قدرته على تنفيذ الأمور بطريقته الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، فهو لا يريد أن يقع في فخ الجيل الجديد؛ إذ يُنظر غالباً إلى أفراد العائلة الجدد على أنهم مبتكرون متهورون يريدون تغيير كل شيء بين عشية وضحاها دون وجود خطة واضحة.

تتأثر أنماط القيادتين الكاريزمية والتحويلية بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها دول الخليج. صاغ الجيل، الذي نشأ في عائلات ميسورة الحال وتعرّف إلى عالم تسوده العولمة وتلقى تعليماً رفيع المستوى ويحترم التقاليد ويمتلك وعياً متزايداً لأهمية الاستدامة، رؤيته للقيادة في ظل واقع اقتصادي واجتماعي جديد.

ما هي التحديات التي تبرز في المشهد الاقتصادي والاجتماعي الحالي؟

تحديات القيادة في الشركات العائلية. نظراً للتركيبة السكانية الفريدة للعائلات في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتميز بوجود عائلات كبيرة ومتعددة الفروع والأجيال، فإن وجود 3 أجيال من أفراد العائلة الذين يشتركون في قيادة الأعمال يُعد أمراً شائعاً. وسط هذا المشهد القيادي، يحافظ أبناء جيل الطفرة على دورهم القيادي في صناعة القرار، لكن بسبب تقدمهم في السن، فإنهم يتحولون تدريجياً نحو تقليص دورهم في اتخاذ القرارات الإدارية اليومية. تقدّم القادة من جيل إكس في مسيرتهم نحو المناصب القيادية الكاملة من خلال تولي المسؤوليات الإدارية. في الوقت نفسه، بدأ قادة جيل الألفية رحلتهم داخل الشركات العائلية، ما يمثل المرحلة الأولى للاعتراف بإسهاماتهم المحتملة في الشركات العائلية. تُشكل عملية انتقال القيادة عبر الأجيال في الشركات العائلية فرصاً وتحديات للمشاركين في هذه العملية، إذ يمر أبناء جيل الطفرة حالياً بمنعطف مفصلي، فيجدون أنفسهم مضطرين إلى التحول من أدوارهم الحالية نحو تقليل مستوى المشاركة في العمليات اليومية ضمن الشركات العائلية. يتضمن هذا التحول معالجة 3 مسائل مهمة:

  1. ضرورة مواءمة رغبة الجيل الحالي بالتقاعد مع استعداد الجيل التالي لتسلم القيادة من أجل اتخاذ القرار حول كيفية نقل القيادة وموعدها، ويحصل ذلك من خلال نقل الخبرات والمهارات عبر المرافقة والتوجيه، بالإضافة إلى الاستعداد النفسي وإعطاء فترة كافية للقائد الشاب للتأقلم مع أدواره الجديدة
  2. ضرورة التعامل بمهارة مع المسائل التنظيمية ومسائل الحوكمة، مثل التخطيط للتصرف في الأملاك وهياكل الحوكمة، وبالتالي تحديد كيفية نقل القيادة.
  3. ضرورة إعداد الجيل التالي من أفراد الشركات العائلية من خلال التحضير الدقيق بعناية وتحديد عملية تطوير الأجيال القادمة.

من جهة أخرى، يواجه جيل إكس، الذي يتوسط جيلي طفرة المواليد وجيل الألفية، فترات من التحول الاقتصادي الكبير، ما يجبره على مواجهة تحديين في القيادة:

  1. يواجه القادة من الجيل إكس ضرورة رسم رؤى واستراتيجيات جديدة للحفاظ على استدامة شركاتهم العائلية وتنميتها في ظل تغيّر اللوائح القانونية ودخول تقنيات حديثة وفتح أسواق جديدة وزيادة المنافسة العالمية، وذلك لقيادة شركاتهم العائلية خلال فترات التغيير في المنطقة.
  2. مع وجود هذه الرؤى الجديدة للشركات العائلية، يجب على قادة الجيل إكس ترسيخ شرعيتهم وتعزيز مصداقيتهم أمام جيل طفرة المواليد لكسب ثقتهم. في الوقت نفسه، يجب عليهم ترويج رؤيتهم المبتكرة بين أفراد العائلة والموظفين من خارج العائلة ودمج تطلعات جيل الألفية الذي سيتولى زمام الأمور في المستقبل.
  • يضفي جيل الألفية مزيجاً من المثالية والمسؤولية الاجتماعية على الشركات، فبحسب دراسة أجرتها شركة كون كوميونيكيشنز (Cone Communications)، يعتقد 94% من جيل الألفية أنه يجب على الشركات معالجة القضايا الاجتماعية والبيئية، وأبدى 87% منهم استعدادهم لشراء منتج لأن الشركة دافعت عن قضية تهمهم. لكن هذا الجيل يواجه تحديين رئيسيين:
    1. لا تقتصر أولويات هذا الجيل على مجرد النجاح الاقتصادي، بل تشمل التزاماً راسخاً بالتأثيرات الاجتماعية والبيئية. على الرغم من ذلك، فإنهم يواجهون التحدي المتمثل في ترجمة هذه القيم إلى نموذج شركة عائلية مستدام من شأنه أن يلبي أهداف المساهمين الاقتصادية ويضمن استمرارية النجاحات الاقتصادية.
    2. على غرار أسلافهم، يواجه قادة جيل الألفية ضرورة بناء الثقة والمصداقية في النهج الجديد القائم على الرؤية المستقبلية والاستدامة لممارسة الأعمال التجارية.

ما هي عوامل التنوع التي تسهم في نجاح عملية انتقال القيادة بين الأجيال في الشركات العائلية الخليجية؟

  • التنوع السكاني. نظراً لحجم العائلة في منطقة الخليج العربي، يجب على الشركات العائلية أن تتحول من النموذج الذي يعتمد على قائد واحد إلى نموذج أكثر تشاركية، بحيث يمكن لأعضاء الشركة العائلية أن يشغلوا مناصب رئيسية مختلفة. يمكن أن تستفيد الشركات العائلية من أنماط القيادة المختلفة من خلال دمج القادة المختلفين عبر هياكل الملكية والإدارة والعائلة.
  • التنوع الثقافي. على الرغم من حفاظ الشركات العائلية على القيم والمعتقدات التي تشكّل هويتها، فإن الاستفادة من القادة من أجيال مختلفة يعزز قدرة هذه الشركات على مواجهة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. يمكن أن يؤدي إشراك قادة الجيل الجديد في عملية صناعة القرار، من خلال عضوية مجالس الإدارة واللجان والهيئات، إلى تبادل مهم ومفيد للأساليب ووجهات النظر، ما يسهم في الاستفادة من نقاط القوة الشاملة لأساليب القيادة المتاحة لدى قادة الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي.
  • التنوع التعليمي. من الواضح ازدياد تعقيد القطاعات الصناعية والاقتصادية في ظل التطورات التكنولوجية وتبادل الأفكار، لذلك، يمكن أن يسهم إشراك الأجيال المختلفة في الشركات العائلية في إثراء الشركات بكفاءات ومهارات ومعارف متنوعة.
  • التنوع المعرفي. تُعد إتاحة الفرصة للقادة المحتملين لتولي المناصب الرئيسية عبر هيكل الشركة العائلية عاملاً مهماً يمنح الشركة تنوعاً في أساليب التفكير وطرق حل المشكلات.

يُعد مشهد القيادة في الشركات العائلية الخليجية متنوعاً وفي طور التحول. وقد طوّر كل جيل نمطه القيادي بناءً على الحقبة التاريخية التي نشأ فيها أفراد العائلة والأدوار التي مارسوها. ويواجه كل جيل تحدياته القيادية الخاصة التي يجب عليه التصدي لها.

إن إدارة تنوع أنماط القيادة قد تكون معقدة، كما هي الحال في الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي. على الرغم من ذلك، فإن إدارة هذا المزيج بطريقة فعالة يمكن أن يولّد مزايا تنافسية ونتائج أفضل، ولا سيما في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم. لتعزيز نجاح الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي، يمكن الاستفادة بطريقة استراتيجية وفعالة من نقاط القوة في أنماط القيادة المختلفة داخل العائلة لتحقيق تطلعاتها بالنجاح على المدى الطويل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي