كيف توائم الشركات الذكية إطار عملها مع طبيعة التحديات؟

20 دقيقة
إدارة المخاطر
ريتشارد دروري/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: غالباً ما يُنظر إلى إدارة المخاطر على أنها مشكلة امتثال يمكن معالجتها من خلال وضع الكثير من القواعد والحرص على تقيد الموظفين الصارم بها. العديد من هذه القواعد منطقي بالطبع ويقلل بعض المخاطر التي يمكن أن تضر الشركة بشدة، لكن إدارة المخاطر المستندة إلى القواعد وحدها لم تكن لتقلل احتمال وقوع بعض الكوارث أو تخفف أثرها، مثل حادثة تسرب النفط من منصة ديب ووتر هورايزون في خليج المكسيك، كما لم تمنع انهيار العديد من المؤسسات المالية خلال أزمة الائتمان في عامي 2007 و2008.

في هذه المقالة، يقدم المؤلفان، روبرت كابلان وأنيت مايكس، تصنيفاً للمخاطر يتيح للمسؤولين التنفيذيين فهم الفروق النوعية بين أنواع مختلفة من المخاطر التي تواجهها المؤسسات: أولاً، المخاطر التي يمكن الوقاية منها، وتنشأ من داخل المؤسسة ويمكن التحكم بها ويجب التخلص منها أو تجنبها. على سبيل المثال، المخاطر الناجمة عن أفعال الموظفين والمدراء المحظورة أو اللاأخلاقية أو غير الملائمة ومخاطر تعطل العمليات التشغيلية الروتينية. ثانياً، مخاطر الاستراتيجية؛ المخاطر التي تتقبل الشركة تحملها بهدف توليد عوائد عالية من استراتيجيتها. وأخيراً، المخاطر الخارجية التي تنشأ من أحداث لا علاقة للشركة بها ولا يمكنها التأثير فيها أو التحكم بها، وتشمل الكوارث الطبيعية والسياسية والتحولات الكبرى في الاقتصاد الكلي. لجميع هذه المخاطر على اختلاف فئاتها عواقب وخيمة على استراتيجية الشركة وحتى على بقائها.

يجب على الشركات تكييف عمليات إدارة المخاطر فيها وفقاً لفئات المخاطر المختلفة هذه؛ فالنهج المستند إلى القواعد فعال لإدارة المخاطر التي يمكن الوقاية منها، في حين تتطلب معالجة مخاطر الاستراتيجية نهجاً مختلفاً يعتمد في جوهره على مناقشات مفتوحة وصريحة حولها، بينما يمكن للشركات الاستعانة بأدوات مثل ألعاب الحرب وتحليل السيناريوهات للتنبؤ بالمخاطر الخارجية الرئيسية وتخفيف تأثيرها.

تعهد توني هايوارد عندما أصبح الرئيس التنفيذي لشركة بي بي (BP) عام 2007 بوضع السلامة على رأس أولوياته، ومن القواعد الجديدة التي وضعها إلزام جميع الموظفين بتغطية فناجين القهوة في أثناء المشي والامتناع عن إرسال الرسائل النصية في أثناء القيادة. بعد 3 سنوات، وتحت إشراف هايوارد، انفجرت منصة ديب ووتر هورايزون (Deepwater Horizon) لاستخراج النفط في خليج المكسيك، ما سبب واحدة من أسوأ الكوارث التي تسبب بها الإنسان على مر التاريخ. وفقاً للجنة تحقيق أميركية، نجمت الكارثة عن الإخفاقات الإدارية التي شلّت “قدرة الأفراد المعنيين على تحديد المخاطر التي واجهوها وتقييمها والإبلاغ عنها ومعالجتها كما يجب”.

تعكس قصة هايوارد مشكلة شائعة؛ على الرغم من كل الخطابات الرنانة حول إدارة المخاطر والأموال المستثمرة فيها، غالباً ما يُنظر إليها على أنها قضية امتثال فقط يمكن معالجتها من خلال وضع الكثير من القواعد وضمان تقيد الموظفين الصارم بها. العديد من هذه القواعد منطقي بالطبع ويقلل بعض المخاطر التي يمكن أن تضر الشركة بشدة، لكن إدارة المخاطر المستندة إلى القواعد وحدها لم تكن لتقلل احتمال وقوع بعض الكوارث أو تخفف أثرها، مثل حادثة تسرب النفط من منصة ديب ووتر هورايزون في خليج المكسيك، كما لم تمنع انهيار العديد من المؤسسات المالية خلال أزمة الائتمان في عامي 2007 و2008.

نقدم في هذه المقالة تصنيفاً جديداً للمخاطر يتيح للمسؤولين التنفيذيين تحديد المخاطر التي يمكن إدارتها بفعالية باستخدام نموذج يستند إلى القواعد والمخاطر التي تحتاج إلى مناهج بديلة. ندرس في هذه المقالة الصعوبات التي يواجهها كل من الأفراد والمؤسسات وتعوق إجراء مناقشات مفتوحة وبناءة حول إدارة المخاطر المرتبطة بالخيارات الاستراتيجية، ونناقش ضرورة أن ترسخ الشركات هذه المناقشات في صياغة استراتيجيتها وعمليات تنفيذها. ثم نختتم بالنظر في كيفية تحديد المؤسسات للمخاطر التي لا يمكن تجنبها والاستعداد لها والتي تأتي من خارج استراتيجيتها وعملياتها.

إدارة المخاطر: القواعد أم الحوار؟

تتمثل الخطوة الأولى لإنشاء نظام فعال لإدارة المخاطر في فهم الفروق النوعية بين فئات المخاطر التي تواجهها المؤسسات. يُظهر بحثنا الميداني أن المخاطر تندرج في 3 فئات، لجميع هذه المخاطر على اختلاف فئاتها عواقب وخيمة على استراتيجية الشركة وحتى على بقائها.

الفئة الأولى: المخاطر التي يمكن الوقاية منها

هي المخاطر الداخلية التي تنشأ من داخل المؤسسة ويمكن السيطرة عليها ويجب التخلص منها أو تجنبها. على سبيل المثال، المخاطر الناجمة عن أفعال الموظفين والمدراء المحظورة أو غير القانونية أو اللاأخلاقية أو غير الملائمة ومخاطر تعطل العمليات التشغيلية الروتينية. بالطبع، يجب أن يكون لدى الشركات مجال للتسامح مع بعض العيوب أو الأخطاء التي لا تسبب أضراراً جسيمة للمؤسسة والتي سيكون تجنبها كلياً مكلفاً جداً، ولكن يجب أن تسعى الشركات عموماً إلى التخلص من هذه المخاطر لأن تحملها لا يعود عليها بفوائد استراتيجية. على سبيل المثال، قد يحقق التاجر أو الموظف المحتال الذي يقدم رشوة لمسؤول محلي بعض الأرباح القصيرة الأجل للشركة، ولكن هذه التصرفات ستقلل من قيمة الشركة وسمعتها بمرور الوقت.

تحديد المخاطر التي يمكن الوقاية منها وإدارتها

لا يمكن للشركات التنبؤ بكل الظروف أو تضارب المصالح الذي قد يواجهه الموظف. الفئة الأولى:

يمكن إدارة هذه الفئة على أفضل وجه من خلال الوقاية الدائمة التي تنطوي على مراقبة العمليات التشغيلية وتوجيه الأفراد لمواءمة سلوكياتهم وقراراتهم مع المعايير المطلوبة. نظراً إلى توافر الكثير من المؤلفات بالفعل حول نهج الامتثال المستند إلى القواعد، يمكن للقراء المهتمين الاطلاع على المزيد من المعلومات عبر الرابط الجانبي بدلاً من مناقشة أفضل الممارسات بالتفصيل هنا.

الفئة الثانية: مخاطر الاستراتيجية

تتقبل الشركة تحمل بعض المخاطر لتحقيق عوائد عالية من استراتيجيتها. على سبيل المثال، يتحمل البنك مخاطر الائتمان عندما يقرض المال؛ وتتحمل شركات كثيرة المخاطر من خلال تنفيذ أنشطة البحث والتطوير.

تختلف مخاطر الاستراتيجية كلياً عن المخاطر التي يمكن الوقاية منها لأنها ليست سيئة دائماً وقد تكون مرغوبة في بعض الحالات، وتتطلب الاستراتيجية التي يُتوقع أن تكون عوائدها مرتفعة عموماً أن تتحمل الشركة مخاطر كبيرة، لكن إدارة هذه المخاطر هي العامل الرئيسي لجني المكاسب المحتملة. خذ مثلاً شركة بي بي التي تحملت مخاطر عالية تمثلت في الحفر على عمق عدة كيلومترات تحت سطح البحر في خليج المكسيك بسبب القيمة العالية للنفط والغاز الذي كانت تأمل في استخراجه.

لا يمكن إدارة مخاطر الاستراتيجية من خلال نموذج تحكم يستند إلى القواعد، إذ تحتاج الشركة في هذه الحالة إلى نظام لإدارة المخاطر مصمم لتقليل احتمالية تحقق المخاطر المفترضة فعلياً وتحسين قدرة الشركة على إدارة أحداث المخاطر أو احتوائها في حال وقوعها. لا يعوق مثل هذا النظام الشركات عن تنفيذ مشاريع استثمارية محفوفة بالمخاطر؛ بل على العكس، سيمكّنها من تنفيذ مشاريع استثمارية ذات مخاطر وعوائد أعلى مقارنة بمنافسيها الذين يعتمدون نظاماً أقل فعالية لإدارة مخاطر.

الفئة الثالثة: المخاطر الخارجية

تنشأ بعض المخاطر من أحداث خارج الشركة لا يمكنها التأثير فيها أو التحكم بها، وتشمل الكوارث الطبيعية والسياسية والتحولات الكبرى في الاقتصاد الكلي. تتطلب مواجهة هذه المخاطر نهجاً مختلفاً أيضاً؛ نظراً إلى عدم قدرة الشركات على منع مثل هذه الأحداث، يجب أن تركز إدارتها للمخاطر على تحديد ماهيتها (عادة ما تتضح بعد فوات الأوان) وتخفيف تأثيرها.

يجب على الشركات تكييف عمليات إدارة المخاطر فيها وفقاً لهذه الفئات المختلفة. في حين أن النهج المستند إلى الامتثال للقواعد فعال لإدارة المخاطر التي يمكن الوقاية منها، لكنه غير مناسب إجمالاً لمواجهة مخاطر الاستراتيجية أو المخاطر الخارجية التي يتطلب كل منها نهجاً مختلفاً يعتمد في جوهره على مناقشات مفتوحة وصريحة حول المخاطر. ومع ذلك، يمثل تنفيذ هذا النهج تحدياً؛ أظهرت الأبحاث السلوكية والتنظيمية المكثفة أن الأفراد لديهم تحيزات معرفية قوية تعوقهم عن التفكير في المخاطر ومناقشتها في الوقت المناسب.

لماذا يصعب التحدث عن المخاطر

كشفت دراسات متعددة أن الناس يبالغون في تقدير قدرتهم على التأثير في الأحداث التي تحكمها في الواقع الصدفة أو العشوائية في المقام الأول. نبدي لثقة مفرطة في دقة توقعاتنا وتقييماتنا للمخاطر، بينما نضيّق منظورنا إلى حد كبير في تقييمنا لنطاق النتائج التي قد تحدث.

وبالإضافة إلى ذلك، نبني تقديراتنا على الأدلة المتاحة بسرعة وسهولة على الرغم من معرفة أن وضع توقعات خطية استناداً إلى بيانات حديثة محفوف بالمخاطر عند التعامل مع مستقبل متغير يسوده عدم اليقين. وغالباً ما يعقّد الانحياز التأكيدي هذه المشكلة، حيث يدفعنا إلى تفضيل المعلومات التي تدعم مواقفنا (النجاحات عادة) وتجنب المعلومات التي تتعارض معها (حالات الفشل عادة). علاوة على ذلك، عندما تحيد الأحداث عن توقعاتنا، نميل إلى تكثيف الالتزام بالقواعد، واستثمار المزيد من الموارد على نحو غير منطقي في مسار العمل الفاشل، وبالتالي إهدار المزيد من الأموال التي كان يمكن استثمارها بطرق أفضل.

كما تعوق التحيزات التنظيمية قدرتنا على مناقشة المخاطر والفشل. على وجه الخصوص، غالباً ما تقع الفرق التي تعمل في ظل ظروف غير مؤكدة في مزلق التفكير الجماعي؛ بمجرد أن يكتسب مسار عمل معين التأييد داخل الفريق، يميل الأفراد المعارضون إلى كبت اعتراضاتهم حتى لو كانوا على حق ويتبعون رأي الأغلبية، ويصبح التفكير الجماعي أوضح إذا كان قائد الفريق مدير متعجرفاً أو مفرط الثقة ويريد تجنب أي خلاف أو تأخير أو تحدٍ لصلاحياته.

تفسر هذه التحيزات الفردية والتنظيمية معاً سبب تجاهل العديد من الشركات للتهديدات غير الواضحة أو إساءة فهمها، ونتيجة لذلك، وبدلاً من تقليل المخاطر، تحتضن الشركات في الواقع المخاطر من خلال تطبيع الممارسات المنحرفة، حيث تتعلم تحمل الإخفاقات والعيوب التي تبدو صغيرة وتتعامل مع علامات الإنذار المبكر بصفتها إنذارات كاذبة لا علامات على خطر وشيك.

يجب أن تتصدى عمليات إدارة المخاطر الفعالة لهذه التحيزات؛ يقول كبير مهندسي الأنظمة في أحد أقسام الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأميركية، مختبر الدفع النفاث (JPL)، جينتري لي، إن تقليل المخاطر عمل مؤلم يحاول البشر تجنبه بسبب طبيعتهم التي تنفر من احتمال الفشل. الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء – ناسا علماء الصواريخ في فرق مشروع مختبر الدفع النفاث هم من أفضل خريجي جامعات النخبة، والكثير منهم لم يعرف الفشل يوماً في الدراسة أو العمل. تمثل التحدي الأكبر الذي واجهه لي في أثناء ترسيخ ثقافة المخاطر الجديدة في مختبر الدفع النفاث في مساعدة فرق المشروع على النظر في المشكلات المحتملة التي يمكن أن تطرأ على تصاميمها الرائعة ومناقشتها بسهولة دون توتر.

لن تساعد القواعد التي تنص على ما يجب فعله أو عدم فعله في إدارة مخاطر الاستراتيجية والمخاطر الخارجية، بل في الواقع يكون لها تأثير معاكس عادة، لأنها تشجع عقلية “قائمة المراجعة” التي تعوق طرح الأسئلة والتحديات والمناقشة. تتطلب إدارة مخاطر الاستراتيجية والمخاطر الخارجية مناهج مختلفة جداً، ونبدأ فيما يلي النظر في كيفية تحديد مخاطر الاستراتيجية وتخفيفها.

إدارة مخاطر الاستراتيجية

وجدنا 3 مناهج متميزة لإدارة مخاطر الاستراتيجية في الدراسة التي أجريت على مدار السنوات العشر الماضية؛ يعتمد اختيار النموذج المناسب لكل شركة إلى حد كبير على السياق الذي تعمل فيه، ويتطلب كل نهج بنية تنظيمية وأدواراً مختلفة تماماً لإدارة المخاطر، ولكن المناهج الثلاثة جميعها تشجع الموظفين على تحدي الافتراضات الحالية ومناقشة معلومات المخاطر. تتعارض نتائجنا التي تؤكد عدم توفر نهج واحد يلائم الجميع مع جهود السلطات التنظيمية والجمعيات المهنية الساعية إلى وضع معايير موحدة لممارسات وظيفة إدارة المخاطر.

نهج الخبراء المستقلين

تواجه بعض المؤسسات، لا سيما التي تتجاوز حدود الأفكار التقليدية لتحفيز الابتكار التكنولوجي مثل مختبر الدفع النفاث، مخاطر جوهرية عالية لأنها تنفذ مشاريع طويلة ومعقدة ومكلفة بطبيعتها، ولكن نظراً إلى أن الكثير من المخاطر ينشأ من التعامل مع قوانين الطبيعة المعروفة، فالمخاطر تتغير ببطء مع مرور الوقت. يمكن لمثل هذه المؤسسات التعامل بفعالية مع إدارة المخاطر على مستوى المشاريع الفردية.

على سبيل المثال، أنشأ مختبر الدفع النفاث مجلساً لمراجعة المخاطر مكوناً من خبراء تقنيين مستقلين يتمثل دورهم في التشكيك في خيارات التصميم وتقييمات المخاطر وقرارات تخفيف المخاطر التي يتخذها مهندسو المشروع. يحرص الخبراء على إجراء تقييمات المخاطر دورياً عبر دورة تطوير المنتج. وبالنظر إلى أن المخاطر لا تتغير كثيراً بمرور الوقت، لا يحتاج مجلس المراجعة إلى الاجتماع سوى مرة أو مرتين فقط في السنة، ويلتقون كل 3 أشهر مع قائد المشروع للمراجعة والتنسيق.

تتسم اجتماعات مجلس مراجعة المخاطر بأنها جدية ومكثفة، وتخلق ما يدعوه جينتري لي بـ “ثقافة المواجهة الفكرية”. يوضح عضو مجلس المراجعة كريس لويكي أجواء الاجتماعات بقوله: “ننخرط في نقاشات محتدمة ونتحدى وجهات نظر كل منا ونوجه انتقادات قاسية لكل ما يحدث”. يرى مهندسو المشروع عملهم في هذه العملية من منظور آخر، ويضيف لويكي في هذا الصدد إن هذه الاجتماعات تتيح للمهندسين رؤية الصورة الأكبر”.

لا تهدف الاجتماعات، سواء كانت بناءة أو تصادمية، إلى منع فريق المشروع من متابعة العمل على مهامه وتصميماته الطموحة المبتكرة، لكنها تجبر المهندسين على التفكير مسبقاً في كيفية شرح قرارات التصميم وتبريرها والتحقق من تمعنهم بما يكفي في الإخفاقات والعيوب المحتملة. يطرح أعضاء مجلس المراجعة وجهة نظر معارضة ويعملون على موازنة الثقة المفرطة الطبيعية للمهندسين، ما يساعد على تجنب تصعيد الالتزام بالمشاريع التي تنطوي على مستويات غير مقبولة من المخاطر.

إدارة المخاطر عملية مؤلمة يحاول البشر تجنبها بسبب طبيعتهم التي تنفر من احتمال الفشل.

لا يكتفي مجلس مراجعة المخاطر في مختبر الدفع النفاث بتشجيع النقاش القوي حول مخاطر المشروع فحسب، بل يتمتع أيضاً بصلاحيات لتقرير الميزانيات؛ فهو يحدد احتياطيات التكلفة والوقت اللازمين لكل مكون من مكونات المشروع وفقاً لدرجة الابتكار فيه. على سبيل المثال، قد يتطلب توسيع مهمة فضائية قائمة مسبقاً تخصيص احتياطي مالي بنسبة 10% إلى 20%، في حين أن تصميم مهمة جديدة كلياً لم تُختبر بعد، مثل إرسال مهمة إلى كوكب غير مستكشف، قد يتطلب احتياطي طوارئ أكبر يتراوح من 50 إلى 75%. تضمن الاحتياطيات قدرة فريق المشروع على توفير المال والوقت اللازمين في حال ظهور مشكلات لا يمكن تجنبها وحلها مع ضمان بقاء تاريخ الإطلاق كما هو. يأخذ مختبر الدفع النفاث هذه التقديرات على محمل الجد ويؤجل المشاريع أو يلغيها إذا كانت الأموال غير كافية لتغطية الاحتياطيات الموصى بها.

نهج الميسرين

يعمل العديد من المؤسسات مثل مرافق الطاقة والمياه التقليدية في بيئات تكنولوجية وسوقية مستقرة يكون طلب العملاء فيها قابلاً للتنبؤ نسبياً. تنبع المخاطر في هذه الحالات غالباً من الخيارات التشغيلية التي تبدو غير ذات صلة في مؤسسة معقدة، حيث تتراكم هذه المخاطر تدريجياً ويمكن أن تظل مخفية فترة طويلة.

نظراً لعدم وجود مجموعة محددة من الموظفين الذين يمتلكون المعرفة والخبرة لإدارة المخاطر على المستوى التشغيلي عبر أقسام متنوعة، يمكن للشركات إنشاء مجموعة إدارة مخاطر مركزية صغيرة نسبياً تعمل على جمع المعلومات المتعلقة بالمخاطر من مدراء التشغيل. وبذلك يزداد وعي المدراء بالمخاطر التي تتحملها المؤسسة في جميع أنحائها وتتوفر لصانعي القرار صورة كاملة لطبيعة المخاطر في الشركة.

اقرأ أيضاً: لماذا ينبغي لكل موظف المشاركة في إدارة المخاطر؟

لاحظنا هذا النموذج في شركة الكهرباء الكندية؛ هايدرو ون (Hydro One)؛ يدير الرئيس التنفيذي للمخاطر جون فريزر، بدعم صريح من الرئيس التنفيذي للشركة عشرات ورش العمل سنوياً حيث يحدد الموظفون من جميع المستويات والأقسام المخاطر الرئيسية التي يرون أنها تهدد الأهداف الاستراتيجية للشركة ويصنفونها حسب الأولوية. ويستخدم الموظفون تقنية التصويت السري لتقييم كل خطر على مقياس من 1 إلى 5، يأخذ في اعتباره تأثير الخطر واحتمالية حدوثه وفعالية الضوابط الحالية، تُناقش التصنيفات في ورش العمل ويُتاح المجال للموظفين للتعبير عن تصوراتهم للمخاطر ومناقشتها. تتبنى المجموعة في النهاية منظوراً مشتركاً يُوثق على مخطط تمثيل مرئي للمخاطر، وتوصي بخطط العمل وتعين مشرفاً يتابع كل خطر رئيسي.

تعزز شركة هايدرو ون المساءلة من خلال ربط تخصيص رأس المال وقرارات وضع الميزانية بالمخاطر المحددة؛ إذ تُخصص مئات الملايين من الدولارات خلال عملية تخطيط رأس المال على مستوى الشركة مع إعطاء الأولوية للمشاريع التي تخفف المخاطر بفعالية وكفاءة، وتعتمد مجموعة المخاطر على الخبراء الفنيين لفحص خطط الاستثمار وتقييمات المخاطر التي يقدمها المهندسون المباشرون ولتوفير إشراف الخبراء المستقلين على عملية تخصيص الموارد. يتعين على المدراء المباشرين الدفاع عن مقترحاتهم في الاجتماع السنوي لتخصيص رأس المال أمام أقرانهم وكبار المسؤولين التنفيذيين، ويهدف المدراء إلى تأمين التمويل لمشاريعهم من خلال عملية تخطيط رأس المال القائمة على المخاطر، ولتحقيق ذلك يجب أن يتعلموا التغلب على تحيزهم لإخفاء المخاطر المرتبطة بمجالات مسؤوليتهم أو تقليلها.

نهج الخبراء المدمجين

يشكل قطاع الخدمات المالية تحدياً فريداً بسبب طبيعة أسواق الأصول المتقلبة والعواقب المحتملة للقرارات التي يتخذها التجار اللامركزيون ومدراء الاستثمار، إذ يمكن أن يتغير الملف التعريفي للمخاطر في بنك استثماري إلى حد كبير نتيجة صفقة واحدة أو حركة كبيرة واحدة في السوق. تتطلب إدارة المخاطر بالنسبة لمثل هذه الشركات حضور خبراء مدمجين داخل المؤسسة لمراقبة الملف التعريفي للمخاطر التجارية وتعديله باستمرار والتعاون مع المدراء المباشرين الذين تولد أنشطتهم أفكاراً وابتكارات ومخاطر جديدة يمكن أن تعود بنتائج وفوائد إيجابية على الشركة إذا أُديرت بفعالية.

يتمثل خطر دمج مدراء المخاطر داخل التنظيم الرأسي في أن يتبنوا عقلية قادة وحدة الأعمال ويتحولوا إلى صانعين للصفقات لا مشككين فيها.

تبنى بنك جيه بي مورغان الخاص (JP Morgan Private Bank) هذا النموذج عام 2007 مع بداية الأزمة المالية العالمية؛ يقدم مدراء المخاطر المدمجون داخل التنظيم الرأسي للبنك تقاريرهم إلى المسؤولين التنفيذيين المباشرين وقسم إدارة المخاطر المركزي المستقل معاً، ويتيح الاتصال المباشر مع المدراء المباشرين لمدراء المخاطر المتمرسين في السوق طرح أسئلة استقصائية تتحدى افتراضات مدراء المحافظ الاستثمارية التي يعتمدون عليها في اتخاذ القرارات وتجبرهم على النظر في سيناريوهات مختلفة. يقيّم مدراء المخاطر تأثير التداولات المقترحة على مخاطر المحفظة الاستثمارية بأكملها، في الظروف العادية أو في أوقات الضغط الكبير عندما تتكثف العلاقة الترابطية بين عائدات الأصول بمختلف فئاتها. يوضح مدير المخاطر في بنك جيه بي مورغان، غريغوري زيكاريف أن مدراء المحافظ يقترحون 3 صفقات تداول، وقد يشير نموذج المخاطر إلى أنها جميعها تزيد المخاطر نفسها. ويضيف أنه في معظم الحالات، لا يتفق مدير المحفظة مع التقييم فيعملان معاً لتعديل الصفقات أو تغييرها.

يتمثل الخطر الرئيسي لدمج مدراء المخاطر داخل التنظيم الرأسي في انسجامهم مع الدائرة الداخلية لفريق قيادة وحدة الأعمال وتحولهم إلى صانعي صفقات وتخليهم عن دورهم في تقييم مخاطر الصفقات والتشكيك بنجاحها، تقع مسؤولية منع ذلك على عاتق كبير مسؤولي المخاطر في الشركة، وفي النهاية على الرئيس التنفيذي الذي يحدد مسار ثقافة المخاطر في الشركة.

تجنب مزلق تجزئة المخاطر

حتى لو كان لدى المدراء نظام إدارة للمخاطر يشجع على إجراء مناقشات غنية حولها، لا يزال أمامهم مواجهة المزلق السلوكي المعرفي الثاني. غالباً ما يكون الكثير من المخاطر الاستراتيجية وبعض المخاطر الخارجية متوقعاً ومألوفاً أيضاً، لذلك تميل الشركات إلى تصنيفها وتقسيمها بناءً على الأقسام الوظيفية في الشركة تحديداً. على سبيل المثال، تدير البنوك عادة ما تسميه “مخاطر الائتمان” و”مخاطر السوق” و”المخاطر التشغيلية” في مجموعات منفصلة، وتقسّم شركات أخرى المخاطر إلى فئات لإدارتها، مثل “مخاطر العلامة التجارية” و”مخاطر السمعة” و”مخاطر سلسلة التوريد” و”مخاطر الموارد البشرية” و”مخاطر تكنولوجيا المعلومات” و”المخاطر المالية”.

تشتت مثل هذه الأقسام المؤسسية المنعزلة المعلومات الضرورية لإدارة المخاطر بفعالية والمسؤولية عنها، وتعوق مناقشة طرق تفاعل المخاطر المختلفة وفهمها. يجب ألا تقتصر مناقشات المخاطر الفعالة على تحدي وجهات النظر المختلفة ومناقشتها فحسب، بل يجب أن تكون تكاملية أيضاً، إذ يمكن أن تتعطل الأعمال التجارية مثلاً بسبب مجموعة من المخاطر الصغيرة التي يعزز بعضها بعضاً بطرق غير متوقعة إذا حدثت معاً.

يمكن للمدراء تطوير منظور المخاطر على مستوى الشركة من خلال ترسيخ مناقشتها في التخطيط الاستراتيجي، وهي العملية التكاملية الوحيدة التي تمتلكها بالفعل معظم الشركات ذات الإدارة المحكمة. على سبيل المثال، تبدأ شركة إنفوسيس (Infosys) الهندية لخدمات تكنولوجيا المعلومات مناقشات المخاطر من بطاقة قياس الأداء المتوازن بصفتها أداتها الإدارية لتتبع تقدم استراتيجيتها ومشاركتها. يقول الرئيس التنفيذي للمخاطر في الشركة، إم دي رانغاناث: “نناقش المخاطر التي ينبغي لنا التركيز عليها، ثم نضيق تركيزنا تدريجياً ليقتصر على المخاطر التي تؤثر مباشرة على أهداف الأعمال المحددة في بطاقة قياس أداء الشركة”.

حددت إنفوسيس في أثناء بناء بطاقة قياس الأداء المتوازن “العلاقات المتنامية مع العملاء” هدفاً رئيسياً، واختارت مقاييس التقدم التي تضمنت على سبيل المثال عدد العملاء العالميين الذين تزيد فواتيرهم السنوية عن 50 مليون دولار والنسبة المئوية للزيادة السنوية في الإيرادات من كبار العملاء. أدركت الإدارة من خلال النظر إلى الهدف ومقاييس الأداء معاً أن استراتيجيتها خلقت عامل خطورة جديداً؛ تخلف العميل عن دفع فواتيره. في الواقع، لم يكن تخلف عميل واحد عن السداد ليعرض استراتيجية الشركة للخطر عندما كانت أعمال إنفوسيس تعتمد على العديد من العملاء الصغار، لكن تخلف عميل واحد تزيد فواتيره عن 50 مليون دولار سيمثل نكسة كبيرة للشركة. بدأت إنفوسيس مراقبة معدل مقايضة التقصير الائتماني (التخلف عن السداد) لجميع عملائها الكبار بصفته مؤشراً رئيسياً لاحتمالية التخلف عن السداد؛ عندما يرتفع المعدل تسرّع إنفوسيس تحصيل الذمم المدينة أو تطلب مدفوعات مرحلية لتقليل احتمالية التخلف عن السداد أو تأثيره.

لنأخذ على سبيل المثال فرع شركة فولكس فاغن الألمانية في البرازيل، فولكس فاغن دو برازيل (Volkswagen do Brasil)؛ تبدأ وحدة إدارة المخاطر فيها مناقشاتها حول المخاطر انطلاقاً من مخطط استراتيجية الشركة، فتحدد لكل هدف فيه أحداث الخطر التي قد تؤدي إلى عجز الشركة عن تحقيقه. بعد ذلك، ينشئ الفريق بطاقة أحداث المخاطر لكل خطر محدد ضمن المخطط تحتوي على توصيف التأثيرات العملية للحدث في عمليات الشركة، بالإضافة إلى احتمالية حدوثه ومؤشراته الرئيسية والإجراءات المحتملة لتخفيف آثاره، وتحدد من يتحمل المسؤولية الأساسية لإدارة كل خطر محدد.

ثم يقدم فريق المخاطر ملخصاً مكثفاً لنتائجه وتقييماته إلى الإدارة العليا.

إلى جانب وضع عملية منهجية لتحديد مخاطر الاستراتيجية وتخفيفها، تحتاج الشركات أيضاً إلى بنية تنظيمية للإشراف على المخاطر. تستخدم إنفوسيس بنية تنظيمية مزدوجة؛ فريق المخاطر المركزي الذي يحدد مخاطر الاستراتيجية العامة ويضع السياسة المركزية، والفرق الوظيفية المتخصصة التي تصمم السياسات والضوابط وتراقبها بالتشاور مع فرق العمل المحلية. تتمتع الفرق اللامركزية بالصلاحيات والخبرة لمساعدة خطوط الأعمال في الاستجابة للتهديدات والتغييرات في عناصر مخاطرها، وإبلاغ فريق المخاطر المركزي عن الاستثناءات فقط للمراجعة. على سبيل المثال، إذا أراد مدير علاقات العملاء منح فترة ائتمان أطول لشركة تحمل معايير مخاطر ائتمانية عالية، يمكن لمدير المخاطر إبلاغ الفريق المركزي بالحالة لمراجعتها.

توضح هذه الأمثلة أن حجم قسم المخاطر ونطاقه لا يتحددان بحجم المؤسسة. خذ مثلاً شركة هايدرو ون، وهي شركة كبيرة، إذ لديها فريق مخاطر صغير نسبياً تتمثل مهمته في رفع الوعي بالمخاطر وتوضيحها في جميع أنحاء الشركة، وتقديم المشورة للفريق التنفيذي بشأن كيفية تخصيص الموارد على أساس المخاطر. على النقيض من ذلك، تحتاج الشركات أو الوحدات الصغيرة نسبياً، مثل مختبر الدفع النفاث أو بنك جيه بي مورغان الخاص، إلى مجالس مراجعة متعددة على مستوى المشروع أو فرق من مدراء المخاطر المدمجين الذين يتمتعون بالخبرة في المجال لتقييم مخاطر قرارات الأعمال. وتحتاج إنفوسيس، وهي شركة كبيرة ذات نطاق تشغيلي واستراتيجي واسع، إلى قسم وظيفي مركزي قوي لإدارة المخاطر بالإضافة إلى مدراء مخاطر منتشرين في أنحاء الشركة لدعم قرارات الأعمال المحلية وتسهيل تبادل المعلومات مع مجموعة المخاطر المركزية.

إدارة المخاطر الخارجية التي لا يمكن السيطرة عليها

الفئة الثالثة من المخاطر هي المخاطر الخارجية التي لا يمكن عادةً تقليلها أو تجنبها بالأساليب المتبعة في إدارة المخاطر التي يمكن الوقاية منها ومخاطر الاستراتيجية. تقع المخاطر الخارجية إلى حد كبير خارج سيطرة الشركة، لذلك أن تركز الشركات على تحديدها وتقييم تأثيرها المحتمل ومعرفة أفضل السبل لتخفيفه في حال حدوثها.

يمكن توقع بعض أحداث المخاطر الخارجية بدرجة كافية في بعض الحالات بحيث يمكن للمدراء التعامل معها كما يتعاملون مع مخاطر الاستراتيجية. على سبيل المثال، حددت إنفوسيس في أثناء فترة التباطؤ الاقتصادي عقب الأزمة المالية العالمية خطراً جديداً يتعلق بهدفها المتمثل في تطوير قوة عمل عالمية: زيادة القوانين الحمائية التي يمكن أن تؤدي إلى فرض قيود صارمة على تأشيرات العمل والتصاريح للمواطنين الأجانب في العديد من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث كانت لشركة إنفوسيس ارتباطات كبيرة مع العملاء. على الرغم من أن التشريعات الحمائية تشكل من الناحية الفنية خطراً خارجياً لأنها خارجة عن سيطرة الشركة، فقد تعاملت إنفوسيس معها على أنها مخاطر استراتيجية وأنشأت لها بطاقة أحداث المخاطر تضمنت مؤشراً جديداً للمخاطر؛ عدد موظفيها أصحاب الجنسيات المزدوجة أو الذين لديهم بالفعل تصاريح عمل في بلدان خارج الهند ونسبتهم. أدركت الشركة أن استراتيجيتها العالمية قد تتعرض للخطر إذا انخفض هذا الرقم بسبب دوران الموظفين، لذلك وضعت إنفوسيس سياساتٍ للتوظيف والاستبقاء تخفف عواقب هذا الخطر الخارجي في حال وقوعه.

ومع ذلك، تتطلب معظم أحداث المخاطر الخارجية نهجاً تحليلياً مختلفاً، لأن احتمالية حدوثها منخفضة جداً أو لأن المدراء يواجهون صعوبة في التنبؤ بها في أثناء عمليات الاستراتيجية المعتادة. حددنا عدة مصادر مختلفة للمخاطر الخارجية:

  • الكوارث الطبيعية والاقتصادية ذات التأثير المباشر. يمكن التنبؤ بهذه المخاطر عموماً على الرغم من عدم القدرة على التنبؤ بتوقيتها أحياناً (سيحدث زلزال كبير يوماً ما في كاليفورنيا، لكن لا أحد يعرف أين سيضرب ومتى بالضبط). هناك إشارات تحذيرية لهذه المخاطر تساعد على التنبؤ بها، ولكنها ضعيفة نسبياً. تشمل الأمثلة على هذه المخاطر الكوارث الطبيعية، مثل ثوران البركان الآيسلندي عام 2010 الذي أغلق المجال الجوي الأوروبي أسبوعاً كاملاً، والكوارث الاقتصادية مثل انفجار فقاعة أسعار الأصول الرئيسية. عادة ما تكون آثار هذه المخاطر عندما تحدث شديدة وفورية، كما رأينا في الاضطراب الناجم عن زلزال اليابان عام 2011 والتسونامي الذي أعقبه.
  • التغيرات الجيوسياسية والبيئية ذات التأثير الطويل الأجل. وتشمل هذه التغيرات التحولات السياسية مثل التغييرات الرئيسية في السياسة والانقلابات والثورات والحروب؛ والتغيرات البيئية الطويلة الأجل مثل الاحتباس الحراري؛ واستنزاف الموارد الطبيعية الحيوية مثل المياه العذبة.
  • مخاطر تنافسية ذات تأثير متوسط الأجل. تشمل هذه المخاطر ظهور تقنيات مزعزعة (مثل الإنترنت والهواتف الذكية والباركود) والتحركات الاستراتيجية الكبيرة التي تنفذها الجهات الفاعلة في القطاع (مثل دخول أمازون إلى قطاع تجارة الكتب بالتجزئة وآبل إلى قطاعات الهواتف المحمولة والإلكترونيات الاستهلاكية).

تستخدم الشركات مناهج تحليلية مختلفة لكل مصدر من مصادر المخاطر الخارجية.

اختبارات القدرة على تحمل الضغط لمخاطر الطرف

يساعد اختبار الضغط الشركات على تقييم تأثير التغييرات الرئيسية في واحد أو اثنين من المتغيرات المحددة التي ستكون آثارها كبيرة ومباشرة، على الرغم من أنه لا يمكن التنبؤ بتوقيت حدوثها بدقة. تستخدم شركات الخدمات المالية اختبارات القدرة على تحمل الضغط لتقييم تأثير حدث ما على مراكز التداول والاستثمارات، مثل ارتفاع أسعار النفط 3 مرات أو التقلبات الكبيرة في أسعار الصرف أو أسعار الفائدة أو تخلف مؤسسة كبرى أو دولة ذات سيادة عن سداد ديونها.

ومع ذلك، تعتمد فوائد اختبار الضغط بشدة على دقة الافتراضات حول درجة تغير المتغير المعني، علماً أن هذه الافتراضات قد تكون متحيزة في حد ذاتها. على سبيل المثال، افترضت اختبارات القدرة على تحمل الضغط لمخاطر الطرف (tail-risk) للعديد من البنوك في الفترة بين عامي 2007-2008 أن أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث هو توقف ارتفاع أسعار المساكن في الولايات المتحدة وثباتها فترة من الزمن، بينما لم يفكر إلا عدد قليل جداً من الشركات في اختبار ما سيحدث إذا بدأت الأسعار في الانخفاض، وذلك خير مثال على الميل إلى تثبيت التقديرات بناءً على البيانات الحديثة والمتاحة بسهولة. بعبارة أخرى، استندت غالبية الشركات إلى الأسعار الحديثة للمساكن في الولايات المتحدة التي بقيت على حالها دون انخفاض عام على مدى عدة عقود لتقديم تقييمات متفائلة جداً لسوق العقارات.

تخطيط التصورات

هذه الأداة مناسبة للتحليل بعيد الأجل الذي يمتد عادة 5-10 سنوات. تحليل السيناريو الذي طورته في الأصل شركة شل أويل (Shell Oil) في الستينيات هو عملية منهجية لتحديد النطاق المحتمل المعقول للسيناريوهات المستقبلية. ينظر المشاركون في القوى السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية والتنظيمية والبيئية ويحددون عدداً من المتغيرات التي سيكون لها التأثير الأكبر على الشركة، وهي عادة 4 متغيرات. يعتمد بعض الشركات صراحة على مجالسها الاستشارية لتستفيد من خبراتها لاكتساب رؤى حول الاتجاهات المهمة التي تتجاوز نطاق التركيز اليومي للشركة والقطاع، والتي يجب أن تأخذها في الاعتبار عند تطوير سيناريوهاتها.

يقدر المشاركون القيم القصوى والدنيا المتوقعة على مدى 5- 10 سنوات لكل متغير من المتغيرات المحددة، حيث يفضي الجمع بين القيم القصوى لبرامج التشغيل الأربعة إلى 16 سيناريو. يبدو نصف السيناريوهات غير منطقي ويُحذف من الدراسة، ثم يقيم المشاركون أداء استراتيجية شركتهم في السيناريوهات المتبقية. إذا رأى المدراء أن استراتيجيتهم تستند إلى حد كبير إلى وجهة نظر متفائلة عموماً، يمكنهم تعديلها لتتكيف مع السيناريوهات المتشائمة أو يضعون خططاً لطريقة تغيير استراتيجيتهم إذا أظهرت المؤشرات المبكرة تزايد احتمال وقوع أحداث غير مواتية.

ألعاب الحرب

تعمل ألعاب الحرب على تقييم قابلية الشركة للتأثر أمام التقنيات المزعزعة أو التغييرات في استراتيجيات المنافسين. في لعبة الحرب، تكلف الشركة 3 أو 4 فرق بمهمة وضع استراتيجيات أو إجراءات معقولة على المدى القريب قد يعتمدها المنافسون الحاليون أو المحتملون خلال العام أو العامين المقبلين، أي أن الأفق الزمني لألعاب الحرب أقصر منه لتحليل السيناريو. ثم تجتمع الفرق لدراسة كيف يمكن للمنافسين الأذكياء مهاجمة استراتيجية الشركة. تساعد هذه العملية في مواجهة تحيز القادة لتجاهل الأدلة التي تتعارض مع معتقداتهم الحالية، بما فيها احتمال اتخاذ المنافسين إجراءات من شأنها زعزعة استراتيجية الشركة.

يعتمد نجاح الشركة في مواجهة الأزمات على جدية المسؤولين التنفيذيين في إدارة المخاطر بأوقات الازدهار التي لا تلوح في أفقها أي مخاطر محتملة.

لا يمكن للشركات بالطبع التحكم باحتمالات أحداث المخاطر التي حددتها بطرقٍ مثل اختبار مخاطر الطرف وتخطيط التصورات وألعاب الحرب، ولكن يمكن للمدراء اتخاذ إجراءات محددة لتخفيف تأثيرها. بالنظر إلى أن المخاطر الأخلاقية لا تنشأ بسبب الأحداث التي لا يمكن الوقاية منها، يمكن للشركات استخدام التأمين أو التحوط لتخفيف بعض المخاطر، مثلما تفعل شركة الطيران عندما تحمي نفسها من الزيادات الحادة في أسعار الوقود باستخدام المشتقات المالية. وهناك خيار آخر يتمثل في إجراء الشركات استثمارات مقدماً لتجنب الزيادات الكبيرة وغير المتوقعة في التكاليف مستقبلاً؛ على سبيل المثال، يمكن للشركة المصنعة التي تمتلك مرافق حيوية في المناطق المعرضة للزلازل اختيار استثمار أموال إضافية في عمليات بناء منشآتها لتعزيز قدرتها على الصمود في وجه الزلازل الشديدة. ويمكن للشركات المعرضة لمخاطر مختلفة ولكن قابلة للمقارنة أن تتعاون لتخفيف حدتها؛ على سبيل المثال، تُعد مراكز بيانات تكنولوجيا المعلومات التابعة لإحدى جامعات ولاية نورث كارولاينا عرضة لمخاطر الأعاصير، بينما ستكون مراكز البيانات في جامعة مماثلة تقع على صدع سان أندرياس في كاليفورنيا عرضة لخطر الزلازل. فرصة حدوث كلتا الكارثتين في نفس اليوم ضئيلة جداً، وبالتالي يمكن للجامعتين التعاون معاً لتخفيف مخاطرهما عن طريق إنشاء كل منهما نسخة احتياطية عن نظام الأخرى كل ليلة.

تحدي القيادة

تختلف إدارة المخاطر كثيراً عن إدارة الاستراتيجية؛ تركز إدارة المخاطر على التهديدات السلبية والفشل على النقيض من إدارة الاستراتيجية التي تركز على الفرص والنجاحات، وهي تتعارض تماماً مع ثقافة “الممكن” المتفائلة التي تحاول معظم فرق القيادة تعزيزها عند تنفيذ الاستراتيجية. في الواقع، يحجم العديد من القادة عن التفكير في مخاطر المستقبل، إذ يترددون في استثمار الوقت والمال مسبقاً لتجنب مشكلة مستقبلية غير مؤكدة قد تحدث مفترضين أن قادة المستقبل سيتعاملون معها. بالإضافة إلى ذلك، ينطوي تخفيف المخاطر عادة على توزيع الموارد وتنويع الاستثمارات، الأمر الذي يتعارض مع التركيز المكثف للموارد في الاستراتيجية الناجحة، وقد يجد المدراء صعوبة أو تناقضاً في ثقافتهم عند دعم العمليات التي تكشف المخاطر الكامنة في الاستراتيجيات التي شاركوا في صياغتها.

ولهذه الأسباب جميعها، تحتاج غالبية الشركات إلى قسم وظيفي منفصل للتعامل مع الاستراتيجية وإدارة المخاطر الخارجية كل على حدة. يختلف حجم قسم إدارة المخاطر من شركة إلى أخرى بالطبع، ولكن يجب على الفريق رفع التقارير مباشرة إلى فريق القيادة العليا. في الواقع، المسؤولية الأهم لقسم إدارة المخاطر هي بلا شك تنمية علاقة وثيقة مع القيادة العليا؛ إذ تعتمد قدرة الشركة على مواجهة التحديات إلى حد كبير على مدى جدية المسؤولين التنفيذيين في التعامل مع قسم إدارة المخاطر حتى خلال الأوقات العادية التي قد لا تكون فيها المخاطر واضحة.

كان ذلك ما ميز البنوك التي فشلت في الأزمة المالية عن التي نجت منها. تعاملت الشركات الفاشلة مع إدارة المخاطر على أنها وظيفة امتثال لا وسيلة لحماية الشركة من الخسائر، وكان تواصل مدراء المخاطر مع الإدارات العليا ومجالس الإدارة محدوداً. علاوة على ذلك، تجاهل المسؤولون التنفيذيون مراراً وتكراراً تحذيرات مدراء المخاطر بشأن المراكز الاستثمارية المرتفعة المخاطر والعالية التركيز. على النقيض من ذلك، كانت لدى كل من شركتي غولدمان ساكس وجيه بي مورغان تشيس اللتين صمدتا في وجه الأزمة المالية أقسام داخلية قوية لإدارة المخاطر وفرق قيادة تمتعت بفهم عميق للمخاطر المختلفة التي تواجهها االشركتان وكيفية إدارتها. قال لنا الرئيس التنفيذي للمخاطر في جيه بي مورغان تشيس، باري زوبرو، إنه على الرغم من عمله في منصب الرئيس التنفيذي للمخاطر رسمياً، كانت المسؤولية النهائية لإدارة المخاطر داخل الشركة تقع على عاتق الرئيس التنفيذي جيمي دايمون.

إدارة المخاطر عمل غير بديهي يتعارض مع العديد من التحيزات الفردية والتنظيمية، ويمكن للقوانين وقواعد الامتثال تخفيف بعض المخاطر الوشيكة، لكنها ليست كافية للتعامل مع أنواعها كافة. تتطلب إدارة المخاطر الفعالة والميسورة التكلفة من المدراء إجراء دراسة منهجية على فئات المخاطر المتعددة التي يواجهونها كي يتمكنوا من تطوير العمليات المناسبة لكل منها، وهذه العمليات ستحيد تحيزاتهم الإدارية المتمثلة في النظر إلى العالم حسبما يرغبون في رؤيته بدلاً من النظر إلى واقعه الحالي أو المحتمل.

ملاحظة المحررين: كشفت شركة جيه بي مورغان، التي سُلط الضوء على ممارساتها في إدارة المخاطر في هذه المقالة، عن خسائر تداول كبيرة في إحدى وحداتها. يقدم المؤلفان ملاحظاتهما على هذا التحول في الأحداث ضمن عملهما في مركز إنسايت التابع لهارفارد بزنس ريفيو حول إدارة السلوك المحفوف بالمخاطر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .