بوسع المرء أن يناقش طبيعة الأنظمة المتبعة في تصنيف شركات العالم بحسب أكثرها قدرة على الابتكار، مثل الشركات الأكثر ابتكاراً لعام 2013، فالقائمة التي تصدرها "بوسطن كونسلتينغ جروب" (Boston Consulting Group)، والمتكلة اتكالاً رئيساً على المسوح التي تتطلب من كبار المدراء التنفيذيين تسمية الشركات التي يعتبرونها ابتكارية، يُخشى أن تقع فريسة لتأثير الهالة المملوكة للشركة، حيث يُفترض عموماً أن الشركات الناجحة بارعة في كل شيء. أما المقاربة الرياضية التي تتبعها قائمة مجلة "فوربس" (Forbes)، والتي تحسب "علاوة الابتكار" المدمجة ضمن سعر سهم الشركة، تخضع لتقلبات الأسواق ونزواتها. في حين تُؤخذ المقاربات القائمة على وجهات نظر هيئات التحرير في كل من قائمة "إم آي تي تكنولوجي ريفيو" (MIT Technology Review) وقائمة "فاست كومباني" (Fast Company) بالشهرة والضجة المثارة عموماً (هل تذكرون كيف منحت قائمة "فاست كومباني" لعام 2009 "فريق الحملة الإلكترونية للرئيس أوباما" لقب أكثر الشركات ابتكاراً؟).
ومع ذلك، إذا رغبت في استراحة مسلية ضمن اجتماعك المقبل مع موظفيك، فكل ما عليك فعله هو أن تطلب منهم تخمين من هي الشركات الثلاث التي وصلت إلى صفوف أعلى 50 شركة على هذه القوائم الأربع (وصلت 29 منها فقط قائمتين أو أكثر، و7 فقط موجودة في 3 قوائم أو أكثر). وبوسعك أيضاً إعطاء تلميحات تساعدهم في الإجابة، فاثنتان من الشركات الثلاث هي شركات تكنولوجية تقع على الساحل الغربي للولايات المتحدة وواحدة في آسيا.
الشركات العالمية في قوائم الابتكار
إذا كان فريقك مشابهاً للمجموعات التي عملت معها قبل عدة أشهر، فسيفترضون أن الشركات الأميركية هي مزيج من "جوجل"، و"آبل"، و"أمازون". لكن الغريب أن "آبل" لم تكن بين هذه الشركات الثلاث، حيث حلت في المرتبة 79 على قائمة "فوربس"، ويرجع ذلك أساساً إلى تذبذب سعر سهمها، وهذا يشير من وجهة نظر "فوربس" إلى غياب ثقة المستثمرين بقدرتها على الابتكار مستقبلاً.
ولكن إذا خمّن فريقك اسمي "جوجل" و"أمازون" سيكون محقاً في ذلك، لأن كلتا الشركتين تمكنتا من النجاح بفضل النماذج التجارية الجديدة التي أدخلتها الشركتان على أسواقهما. صحيح أن "جوجل" تشتهر بأنها محرك بحث على الإنترنت، لكن الذي أوصلها إلى مكانتها الآن هو قدرتها على اكتشاف طريقة ربط تكنولوجيا البحث الخاصة بها بنموذج للإعلانات يمكّن الشركات من ربط إعلاناتها ببنود محددة يبحث الناس عنها في "جوجل". كما أن نظام التشغيل المرن "أندرويد" الذي أطلقته الشركة في السنوات القليلة الماضية، والمختلف كلياً عن الأنظمة المغلقة والحصرية التي هيمنت على هذا القطاع تاريخياً، ساعد منافسين جدد مثل "سامسونج" (Samsung) الكورية و"زد تي إي" (ZTE) الصينية، في تقديم أجهزة ذات أسعار زهيدة وقادرة على أداء الكثير من الوظائف في الوقت نفسه.
أما "أمازون" فلا تزال أفضل مثال عالمي لشركة تجارية قادرة على الانتقال من ابتكار إلى آخر. إذ استطاع نموذجها الأساسي للبيع بالتجزئة، والمرتبط بسلسلة توريد افتراضية بالغة الكفاءة، قلب عالم البيع بالتجزئة رأساً على عقب. وأطلقت "أمازون" لاحقاً 3 نماذج تجارية متتالية. ويوفر لها نموذجها (برايم) القائم على الاشتراكات نحو مليار دولار من الإيرادات. وتتيح لها تقنية قراءة الكتب الإلكترونية "كيندل" (Kindle)، بيع أجهزة رخيصة الثمن وتحقيق الأرباح من بيع الكتب والمواد المقروءة عليها. أما خدمات "الحوسبة السحابية" (Cloud Computing) على موقع "أمازون" الإلكتروني، فقد مكّنت الشركة تحقيق مليارات الدولارات من خلال تحويل قدراتها التكنولوجية الداخلية إلى خدمات حوسبة سحابية قوية.
ولكن من الشركة الثالثة التي حلت على القوائم الأربع جميعها؟ يخمن البعض أنها "سامسونج" الكورية (التي حلت على 3 قوائم فقط)، أو "تويوتا" (Toyota) اليابانية (التي حلت على قائمتين وحسب)، أو "هواوي" (Huawei) الصينية، (والملفت أن هذه الشركة لم تحلّ على أي من هذه القوائم)؛ أو موقع "علي بابا" (Ali Baba)، (والذي يصدم أيضاً أنه لم يدرج في أي من هذه القوائم). طبعاً الشركة الثالثة كانت شركة صينية، ،هي شركة "تينسنت" (Tencent).
لا تزال شركة "تينسنت" غير معروفة نسبياً خارج قارة آسيا، غير أن هذا الوضع لن يستمر طويلاً إذا تواصل نموها الصاروخي. فالخدمات الأساسية التي تقدمها، وهي المراسلة الفورية والدردشة والرسائل النصية القصيرة المرسلة من الإنترنت، ليست بالخدمات الملفتة جداً. لكن النموذج التجاري الذي تتبعه الشركة في عملها يميزها عن معظم منافسيها. وعوضاً عن السعي إلى بناء قاعدة عريضة وواسعة من الجماهير وتحويلها إلى مصدر للإيرادات من الإعلانات، قدمت الشركة خدمات تدّر لها مليارات الدولارات من خلال العمليات المتناهية في الصغر، مثل فرض رسوم على المستهلكين لقاء تحديث شكل واجهة خدمة الدردشة. لكن مئات ملايين العمليات المتناهية في الصغر، وإذا تم تجميعها معاً، يصبح تأثيرها كبيراً، ما قد يؤدي إلى النمو الهائل في الشركة، حيث يستمد كبار عمالقة الإنترنت العالميين، مثل "بايدو" (Baidu)، و"جوجل"، و"فيسبوك" 80% على الأقل من إيراداتهم عبر الإعلانات. أما "تينسنت" فقد عكست الآية تماماً، إذ إنها تربح 80% من السبعة مليارات التي تكسبها في شكل إيرادات سنوية من خدمات القيمة المضافة.
أظهرت أبحاث شركة "إنوسايت" (Innosight)، أن الابتكار في النموذج التجاري هو المفتاح الأساسي لتحقيق النمو الصاروخي. يقول زميلي مارك جونسون (Mark Johnson)، في كتابه المعنون "السيطرة على الفضاء الأبيض: ابتكار نموذج الأعمال للابتكار والتجديد" (Seizing the White Space: Business Model Innovation for Growth and Renewal): "إن أكثر من نصف الشركات الحديثة نسبياً التي وصلت إلى قائمة "فوربس" لأفضل 500 شركة قبل ذكرى انطلاقتها الخامسة والعشرين، ومن ضمن هذه الشركات طبعاً "أمازون"، و"ستاربكس" (Starbucks)، و"آوتونيشن" (Autonation) كانت شركات اتبعت نموذج عمل مبتكر. حيث إنه من السهل أن يقع المرء أسير التكنولوجيا البراقة أو التسويق المقنع للغاية، ولكن إذا رغبت في تحديد عمالقة الغد، يجب الانتباه إلى الشركات الأكثر ابتكاراً لعام 2013 التي اكتشفت السر الأساسي المطلوب لخلق القيمة، والاستفادة منها، أو توفيرها بطريقة فريدة. فقد أثبت التاريخ أنها كانت أفضل رهان للنجاح على المدى الطويل".