ملخص: أظهر تقرير جديد صادر عن معهد ماكنزي العالمي أن نمو الإنتاجية في الولايات المتحدة قد تباطأ في السنوات الخمس عشرة الماضية ليصل معدل النمو السنوي إلى 1.4% (مقارنة بالمعدلات البالغة 2.2% التي كان يتم تحقيقها لفترة طويلة منذ عام 1948). وأظهر أيضاً أن هناك اختلافات مذهلة في الإنتاجية بين الشركات الرائدة والشركات المتأخرة في كل قطاع، وهذه الفجوة آخذة في الاتساع. تتبع الشركات الأكثر إنتاجية، في مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية، دليلاً إرشادياً يضم هذه العناصر الأربعة: 1) تحصل على قيمة من الرقمنة، 2) تستثمر في الأشياء غير الملموسة (مثل البحث والتطوير أو قدرات قوة العمل)، 3) تبني قوة عمل جاهزة للمستقبل، 4) تعتمد نهجاً قائماً على الأنظمة. إذا اتبعت المزيد من الشركات هذا الدليل الإرشادي وجعلت معدل نمو الإنتاجية في الولايات المتحدة أقرب إلى 2.2%، فقد يؤدي ذلك إلى إضافة 10 تريليونات دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي التراكمي بحلول عام 2030.
كان التحسن في إنتاجية العمالة هو المحرك للقوة الاقتصادية الأميركية والازدهار منذ الحرب العالمية الثانية. ولكن في السنوات الخمس عشرة الماضية، تراجع نمو الإنتاجية بمتوسط 1.4% فقط سنوياً مقارنة بالمعدلات البالغة 2.2% التي كان يتم تحقيقها لفترة طويلة منذ عام 1948.
هذه الفروق الصغيرة تتراكم؛ إذا تمكنت الولايات المتحدة من العودة إلى المعدلات السابقة التي كانت تحققها لفترة طويلة، فقد يؤدي ذلك إلى إضافة 10 تريليونات دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي التراكمي بحلول عام 2030. والفوائد المتحققة من الإنتاجية ستساعد البلاد على مواجهة التحديات الطويلة الأجل مثل الدَّين الوطني الذي يلوح في الأفق وبرامج الاستحقاق التي تعاني نقصاً في التمويل والتحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.
يجب أن تضطلع الشركات بدور بارز في رفع الإنتاجية. وقد أظهر بحثنا أن هناك اختلافات مذهلة في الإنتاجية بين الشركات الرائدة والشركات المتأخرة في كل قطاع. يُعد قطاع التصنيع مثالاً قوياً على ذلك؛ إذ تزيد إنتاجية الشركات الرائدة على إنتاجية الشركات المتأخرة بـ 5.4 أضعاف. وقد وثَّق الباحثون الأكاديميون توجهات مماثلة في الخدمات، وخاصة مجال المعلومات والاتصالات، وهي تُظهِر تفاوتات كبيرة بين الشركات الرائدة وبقية الشركات.
وهذه التفاوتات في الإنتاجية داخل القطاعات آخذة في الزيادة. أظهر بحثنا أن الفجوة في قطاع التصنيع كانت أكثر اتساعاً بنسبة 25% في عام 2019 مما كانت عليه في عام 1989. ويقترح بعض المحللين أن هذه الفجوة الآخذة في الاتساع هي نتيجة النمو المتسارع فيما بين الشركات الرائدة الذي يترافق مع وجود ركود فيما بين بقية الشركات. وهذا مشجع؛ فهو يشير إلى أنه إذا تمكنت الشركات المتأخرة من اللحاق بركب الشركات الرائدة، فيمكن للولايات المتحدة أن تعيد معدل نمو الإنتاجية إلى مستوياته السابقة.
تشير هذه الفجوات في الإنتاجية أيضاً إلى أنه يمكن للشركات رفع سقف طموحاتها. وتظهر نتيجة اتباع مبدأ "تحقيق المزيد بموارد أقل" أو "تحقيق المزيد بالموارد نفسها" في بيانات إيرادات الشركات في شكل هوامش ربح أعلى ونمو أقوى في الإيرادات. وإجمالاً، تؤدي هذه التحسينات في الأداء إلى تغييرات في الإنتاجية على مستوى الاقتصاد.
دروس مستفادة من أكثر الشركات إنتاجية
بالنسبة لقادة الشركات الذين يتطلعون إلى رفع مستوى الأداء، هناك أشياء يمكن تعلمها من ملاحظة ما تفعله الشركات الأكثر إنتاجية. عادة ما تكون هذه الشركات الرائدة أكبر من غيرها (ولكن ليس دائماً، كما سنناقش أدناه). وهي موجودة في معظم القطاعات والمناطق الجغرافية.
القاسم المشترك بينها هو دليل إرشادي يحتوي على العناصر الأربعة التالية:
تحصل على قيمة من الرقمنة
أظهر بحثنا وجود علاقة قوية بين نمو إنتاجية القطاعات ومستوى الرقمنة فيها، من عام 1989 إلى عام 2019. ووجد باحثون آخرون علاقة مشابهة بين إنتاجية الشركة والرقمنة؛ فقد كانت الشركات الرائدة أكثر قدرة على الابتكار من الناحية التكنولوجية مقارنة بنظيراتها.
ومع ذلك، فإن شركات كثيرة من التي تستثمر في التكنولوجيا لا تتمتع بفوائدها. فقد أظهرت بحوث شركة ماكنزي أن الشركات عادة ما تحصل على نحو 25% إلى 30% فقط من القيمة المتوقعة لعمليات التحول الرقمي التي تجريها. ويُعزى جزء كبير من هذا النقص إلى عدم تحديث استراتيجية الشركة ونموذج أعمالها بشكل صحيح للاستفادة من مواطن القوة الرقمية الجديدة.
تضع الشركات الرائدة أهدافاً تجارية جريئة مرتكزة على التكنولوجيا. وتعيد تشكيل هياكلها التنظيمية لرقمنة عملياتها وجني فوائد التكنولوجيا، بدلاً من تعزيز طرق العمل الحالية. وتعزز المساءلة عن النتائج في جميع أقسامها.
تستثمر في الأشياء غير الملموسة
تذهب الشركات الرائدة إلى ما هو أبعد من الاستثمارات في التكنولوجيا وتراهن أيضاً على الأشياء التكميلية غير الملموسة مثل البحث والتطوير والملكية الفكرية وقدرات قوة عملها. أظهر بحثنا أن الشركات الرائدة تستثمر في الأشياء غير الملموسة بقدر أكبر بـ 2.6 مرات مقارنة بالشركات الأخرى.
بالنسبة للعديد من هذه الشركات، من المهم للغاية اعتماد منظور طويل الأجل. من المحتمل أن تؤدي هذه الاستثمارات إلى إنشاء "منحنى جيه" (J-curve) للإنتاجية، حيث تكون الفوائد المبكرة المتحققة من الاستثمارات صغيرة، ولكنها تتضاعف بسرعة مع مرور الوقت لخلق قيمة كبيرة على المدى الطويل.
تبني قوة عمل جاهزة للمستقبل
تبذل الشركات الرائدة أيضاً قصارى جهدها لتأمين المواهب الماهرة التي تحتاج إليها لتحقيق أقصى استفادة من التكنولوجيا، عن طريق إما جذب أفضل المواهب وإما الاستثمار داخلياً في مهارات الموظفين.
كل من المواهب في الخطوط الأمامية والمسؤولين التنفيذيين البارعين في مجال التكنولوجيا ضروريان لإعادة تشكيل الشركات المعقدة بنجاح. إذ ينتصر القادة في حرب المواهب من خلال الإقرار بقيمة تجربة الموظف، والاستثمار في برامج التدريب في أثناء العمل، وتوسيع نطاق السياسات التي تسهّل على الأمهات والآباء والعاملين المتقدمين في السن البقاء ضمن القوى العاملة.
تعتمد نهجاً قائماً على الأنظمة
عادة ما تفكر الشركات الرائدة في الأنظمة، حيث تبحث عن فرص لدخول أسواق جديدة أو التعاون بطريقة إبداعية مع أصحاب المصلحة.
عادة ما تكون الشركات العالية الأداء أكثر ارتباطاً بسلاسل القيمة العالمية، ما يتيح لها الوصول إلى الأسواق العالمية والأفكار والمواهب. وتتعاون مع الموردين والعملاء لتشكيل بيئة عمل جديدة تستفيد من التأثيرات التكتلية وتخلق قيمة مشتركة. كما تبحث عن فرص للتعاون على نحو أوثق مع نظيراتها في القطاع العام للتعامل مع التحديات ذات الصلة بالمواهب الماهرة والبنية التحتية المادية.
قصة نمو شركة دوت فودز
يمكن للشركات من جميع الأحجام والأشكال تطبيق هذه الدروس. يُعد العديد من الشركات الرائدة جزءاً مما نسميه "اقتصاد التيتانيوم" (Titanium Economy): شركات التكنولوجيا الصناعية الصغيرة التي غالباً ما تكون مملوكة للقطاع الخاص وهي من بين أسرع الشركات نمواً وأكثرها ربحية في الولايات المتحدة الأميركية. غالباً ما توجد هذه الشركات في مدن أصغر، وأحياناً حتى في مناطق ريفية، وفي مجموعة متنوعة من القطاعات.
لنأخذ شركة دوت فودز (Dot Foods) مثالاً، وهي موزع خدمات الطعام ومقرها في مدينة ماونت ستيرلينغ بولاية إلينوي، ويبلغ عدد موظفيها 2,006. بالنسبة إلى شركة دوت فودز، يبدأ كل شيء بالموظف. أخبرنا الرئيس التنفيذي جو تريسي: "حجمنا تخطى التوقعات وكنا بحاجة إلى 500 موظف تقريباً".
لجذب موظفين جدد، أعادت دوت فودز كتابة جداول المناوبة بطرق تمنح الموظفين مزيداً من المرونة لأخذ إجازة. واستثمرت الشركة في الأتمتة للقيام بالوظائف التي لا يرغب أحد في القيام بها، مثل وضع صناديق الطعام في المجمدة في أثناء المناوبة المسائية. استعانت الشركة بالتكنولوجيا في جميع مراحل العملية واستثمرت وقتاً في تعليم الموظفين المهارات اللازمة لتشغيل المعدات. وعملت على دمج الخدمات اللوجستية مع التحليلات المحوسبة المتقدمة، بحيث يستلم العملاء المنتجات التي يريدونها في أسرع وقت ممكن. واستحوذت على شركة شوب هيرو (ShopHero) لتمنح لعملائها منصة تجارة إلكترونية مخصصة وذات علامة تجارية محلية ومليئة بمقاطع فيديو وصور. تُعد دوت فودز الآن أكبر موزعي خدمات الطعام في البلاد، حيث تسلّم أكثر من 125 ألف منتج من ألف مورِّد إلى جميع الولايات الخمسين.
قصة نمو شركة دوت فودز تُعد نموذجاً لشركات اقتصاد التيتانيوم، ولدى الشركات الأخرى فرصة كبيرة للحاق بركب تلك الشركات. تشير بيانات حديثة إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أقل إنتاجية في المتوسط من الشركات الكبيرة. ولكن في بعض القطاعات التي يمكن فيها تقديم منتجات أو خدمات متخصصة بأسعار أعلى، يمكن للشركات الصغيرة أن تكون منتجة بقدر الشركات المنافسة الأكبر حجماً. وهذه البيانات يجب أن تكون مشجِّعة لقادة الشركات الذين يتطلعون إلى تحسين أعمالهم.
لا يحدد مصير الشركة حجمها ولا قطاعها. من المؤكد أنه لا يمكن لأصحاب متاجر البقالة الاستمتاع في غمضة عين بهوامش ربح صانعي البرمجيات. ولكن يمكن لجميع الشركات تقريباً زيادة إنتاجيتها لتصبح مقاربة لإنتاجية الشركات الرائدة.
أخيراً، يجب أن تحقق التغييرات في استراتيجية الشركة وإدارتها مكاسب في الإنتاجية لازمة للعودة إلى المعدلات التي كانت قائمة لفترة طويلة والحصول على جائزة العشرة تريليونات دولار. يجب أن تؤدي الفجوة في الإنتاجية إلى تحفيز القادة على رفع سقف طموحاتهم. والآن، أصبح من الواضح أيضاً أن العمل الذي يقومون به سيُحدث في نهاية المطاف فرقاً كبيراً في ازدهار البلاد ورفاهها.