عندما يصاب حاسوبك النقال بعطل، تستطيع عادة إيجاد حل للمشكلة على منتدى مستخدمي "آبل" أو "ديل" خلال دقائق معدودة. فمنذ البداية، أدركت الشركات التي تتعامل مع المستهلكين (B2C)، مثل هاتين الشركتين وغيرهما، قوة الشبكات الرقمية عبر الإنترنت في الإجابة عن أسئلة المستهلكين أو إيجاد حلول لمشكلاتهم. وكما يقول بيرنارد أورز، رئيس العمليات السابق لشركة "دانون" (Danone): "على الإنترنت، يجب أن تتحول العلامة التجارية إلى شخص ينصت لأسئلة الزبائن ويجيب عنها". فما هي أهمية الشبكات الرقمية بالنسبة للزبائن؟
في قطاع التعامل التجاري بين الشركات (B2B)، فالتجربة مختلفة اختلافاً جذرياً. فلطالما كانت الشركات مترددة في اتخاذ خطوة الانفتاح على شبكات الزبائن، واعتمدت على الطريقة التقليدية التي تتضمن الاهتمام بالعملاء المرتقبين والزبائن. إذا طرأت مشكلة ما على خلاط الإسمنت الصناعي الذي تمتلكه، فعادة يوجد أمامك خياران: إما قراءة كتيب التعليمات أو الاتصال بمندوب المبيعات.
لكن زبائن القطاع التجاري يتسمون بالحركة والتنقل وهم منخرطون بعمق في وسائل التواصل الاجتماعي ومتعلمون جيداً.
- نسبة 94% من المشترين في قطاع التعامل التجاري بين الشركات يجرون بحثاً عبر الإنترنت قبل أن يتخذوا قرارهم بالشراء.
- نسبة 97% من المشترين المحترفين يرون أن المحتوى الذي يصنعه المستخدمون، مثل مراجعة الأقران، ومناقشات المجموعات، أكثر جدارة بالثقة والمصداقية مقارنة بالمحتوى الذي تصنعه الشركة ذاتها.
لكن للأسف، عندما قررت بضع من شركات التعامل التجاري مع الشركات الاستجابة لهذه الحقيقة من خلال تبني استراتيجية شبكات الزبائن، فإنها لم تفعل شيئاً سوى أنها حذت حذو مثال ناجح لإحدى الشركات التي تتعامل مع المستهلكين (B2C). وقلما كان هذا الأسلوب ناجحاً.
فمثلاً، أرادت شركة أوروبية كبيرة تعمل في مجال التعبئة والتغليف أن تتواصل بشكل أكثر كفاءة مع قاعدة عملائها المؤلفة من 10 آلاف شركة. وقد حققت الشركة نجاحاً مقبولاً في التعامل مع 10% من الزبائن ذات الثقل التي تدر عليها 90% من الإيرادات. فقد عينت الشركة لشريحة الزبائن هذه، البالغ عددها 1,000 زبون، مدراء حسابات ومندوبي مبيعات يعكفون على الإجابة عن أسئلتهم، والرد على مكالماتهم. لكن طريقة الشركة في التعامل مع مئات الأسئلة التي وردت من الشركات الأصغر، البالغ عددها 9 آلاف شركة كانت أقل فاعلية، واعتمدت على قسم الأسئلة الشائعة في موقعها الإلكتروني، وعلى مندوبي مبيعات غارقين في الأعمال، لم يجيبوا عادة على المكالمات الواردة من هذه الشركات.
ولهذا، أنشأت الشركة مجتمعاً للدعم الذاتي خاصاً بالزبائن بغرض مواجهة هذه المعضلة. وبما أن الشركة كانت زبوناً بالفعل لدى موقع "سيلز فورس دوت كوم" (Salesforce.com)، فقد استخدمت الشركة السحابة المجتمعية لشركة "سيلز فورس" كموفر لمنصتها.
لكن لسوء الحظ، فشلت هذه المبادرة فشلاً ذريعاً: فلم يتجاوب أحد معها، وأغلقت الشركة هذه السحابة بعد وقت وجيز. لا يقع اللوم على شركة "سيلز فورس دوت كوم"، فهي لم تتوان عن تقديم الميزات القياسية مثل قسم الأسئلة الشائعة، والمنصات المخصصة لمنتديات المستخدمين، وإمكانية التكامل والاندماج مع الموقع الإلكتروني للشركة. لكن المشكلة كانت تكمن في النظام الذي لم يُصمم ليناسب المستخدمين ويلائمهم.
3 عوامل رئيسة لنجاح المنصات الرقمية للشركات
حسناً.. السؤال هنا هو: ما الذي كان يجدر بالشركة القيام به بدلاً من ذلك؟ يشير بحثنا بخصوص الأمثلة الناجحة لشبكات التعامل التجاري بين الشركات عبر الإنترنت باستخدام المنصات الرقمية إلى وجود 3 عوامل رئيسية للنجاح: السمعة، والتركيز على الموضوعات الشاملة، والتكامل المفتوح.
السمعة
إن السبب الحقيقي الذي يحث محترفي الشراء على المشاركة بنشاط في شبكة عبر الإنترنت هو حقيقة أن نشاطهم يبني سمعتهم في المجتمعات الأكبر. فمثلاً، لاحظت الشركة الألمانية العملاقة في مجال البرمجيات، "إس أية بي" (SAP)، زيادة كبيرة في أنشطة المستخدمين على شبكتها المجتمعية بعدما أدخلت خاصية نقاط السمعة. إذ تُمنح هذه النقاط من قبل الأقران باعتبارها تقديراً للمحتوى الجيد الذي يقدمه المساهم أو للآراء السديدة التي يبديها. لكن العامل الأهم تمثل في أن هذه النقاط لم يُنظر إليها كأوسمة "رقمية" ترمز إلى التفاعل، بل كانت تعني شيئاً قيماً للمستخدمين ولبيئة العمل المتكاملة. وكان لنقاط السمعة تأثير امتد خارج الشبكة المجتمعية حتى، حيث استخدمت هذه النقاط من قبل المستخدمين عندما قدموا طلبات توظيف تابعة لهذا القطاع.
التركيز على موضوعات شاملة
يجدر بشركات القطاع التجاري أن تكون واسعة الأفق والمنظور وشاملة في انتقائها للموضوعات المنشورة على مجتمعها عبر الإنترنت، وأن تذهب إلى نشر ما هو أشمل من منتجاتها الفعلية. خذ مثلاً شركة "في إم وير" (VMware)، وهي شركة تقدم برمجيات لخدمات للمنصات الافتراضية والحوسبة السحابية لأجهزة الحاسب والخوادم المتوافقة مع معايير شركة "آي بي إم". وأصبح مجتمعها عبر الإنترنت بمثابة قبلة لتبادل المعرفة بخصوص الوسائل الافتراضية، والآن تضم أكثر من مليوني مستخدم نشط. تمثلت استراتيجية "في إم وير" في السماح للمستخدمين بنشر موضوعات شاملة وواسعة المنظور، والتطرق إلى ما يتجاوز دائرة اهتمامات الشركة. يحتاج المستهلكون إلى أن يكونوا متحكمين في الموضوعات المنشورة، والنقاشات الجارية، ويجب على الشركة أن تتقبل هذا التنازل البسيط عن زمام التحكم.
التكامل المفتوح
فالشبكات الرقمية الناجحة في مجال التعامل التجاري بين الشركات لا تحاول أن تعمل بمفردها، في معزل عن غيرها، بل بالأحرى تسعى لتكون مفتوحة ومتكاملة مع غيرها من الشبكات. وتضرب شبكة "آي إم إكسيتشانج" (IMExchange)التابعة لهيئة النقل والمواصلات بالمملكة المتحدة مثالاً على ذلك. فقد عقدت شبكة "آي إم إكسيتشانج" شراكات مع العديد من الفاعليات، ومواقع التوظيف، والجمعيات من مختلف القطاعات التي تستخدم قاعدة بيانات الشبكة للأسئلة والأجوبة كمركز لتبادل المعلومات، مقربة بذلك قطاع النقل والمواصلات برمته معاً. وتعرض كل مؤسسة من المؤسسات الشريكة "بوابتها الأمامية" الخاصة على شبكة "آي إم إكسيتشانج" بالمظهر المميز الذي تريده المؤسسة، لكن هذه المنافذ جميعها متصلة فيما بينها داخلياً. وقد ساعدت حالة المكسب والنفع لكل الأطراف شبكة "آي إم إكسيتشانج" على تحقيق نمو شهري يقدر بـ 15% في منصة الأسئلة والأجوبة، فضلاً عن نمو قدره 23% في الأسئلة المجاب عنها، محققة بذلك معدل تفاعل شهرياً إجمالياً يبلغ 35% من قبل المستخدمين. وينبع ذلك الحس العميق بالانتماء إلى الشبكة لدى المستخدمين من حقيقة أنهم لا يعتبرون الشبكة شركة واحدة منعزلة، بل بالأحرى يرونها عنصراً متكاملاً يساعدهم في تطوير مسارهم المهني الخاص في قطاع النقل.
وفي نهاية الحديث عن أهمية الشبكات الرقمية بالنسبة للزبائن، يفضل زبائن القطاع التجاري، على غرار المستهلكين، البحث عن المنتجات والخدمات التي يبتاعونها قبل الشراء، وأن يعالجوا مشكلاتهم التقنية من خلال التشاور مع الأقران والتفاعل معهم. أما مورّدو القطاع التجاري، الذين لا يدركون هذه الحقيقة، فسيجدون زبائنهم يلجؤون سريعاً إلى منافسيهم الذين يضعون ذلك في اعتبارهم. ولا شك في أن استخدام نطاق الشبكات الرقمية سيمكن شركات القطاع التجاري من الاحتفاظ بالجيل الجديد من المشترين والمستخدمين ومن تقديم تجربة أفضل من حيث خدمة الزبائن.