عندما انتقلت ثناء إلى مدينة جديدة لتولي وظيفة في شركة شعرت بحماسة كبيرة للانضمام إليها، فوجئت بمواجهة تحديات في تكوين صداقات وعلاقات إيجابية مع زملائها. وبعد بضعة أشهر اكتشفت السبب؛ لقد كان معلومات مغلوطة نقلها شخص ما من شركتها السابقة لزميلها الجديد تشي بأنها كانت تحاول دفع الآخرين إلى أداء عملها نيابة عنها.

يمكن أن تشكل الشائعات في مكان العمل مشكلة ذات عواقب وخيمة، مثل الموقف الذي مرت به ثناء. نميل بطبيعتنا إلى الانحياز السلبي القوي؛ فجميعنا تقريباً نهتم بالمعلومات السلبية أكثر من اهتمامنا بالمعلومات الإيجابية. على سبيل المثال، فكر في آخر مرة نشرت فيها شيئاً على فيسبوك، وتلقيت العديد من التعليقات الإيجابية باستثناء تعليق سلبي واحد، ما التعليق الذي ركزت عليه دون البقية؟ أليس هو التعليق السلبي؟

نتفاعل بالطريقة نفسها مع المعلومات المتعلقة بالآخرين. لقد أثبت البحث الذي أجراه الأستاذ بجامعة ستانفورد، روب ويلر، أننا نأخذ الشائعات السلبية عن الآخرين على محمل الجد، بل ونعدها معلومات مفيدة يمكن أن تحمينا.  نتيجة لذلك، إذا نشر شخص ما شائعات كاذبة عنك، يصبح من الصعب في الواقع التخلص من السمعة السيئة التي أدت إليها. يمكن لهذه التجربة أن تضر بآفاق حياتك المهنية، ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى ضغوط شخصية كبيرة وتوتر عاطفي شديد.

إذاً ما الخطوات التي يمكنك اتخاذها إذا مررت بهذه التجربة؟ يعتقد البعض أنك ستحمي نفسك إذا كنت زميلاً لطيفاً ومحترماً. هذا صحيح في معظم الحالات، وقد أثبتت الأبحاث أن اللطف والاحترام يؤديان إلى نتائج مهنية رائعة لك ولمؤسستك، لكن هذا لا يضمن لك عدم تعرضك للشائعات الكاذبة، ويمكن أن تكون عرضة للغيرة أو الحسد من الآخرين.

إذا تعرضت لشائعات مؤذية في مكان العمل، فعليك استخدام مهارات الذكاء العاطفي للتعامل مع الموقف بطريقة تمنع تدهوره، ومن الناحية المثالية، العمل على تحسينه إن أمكن.

1) نظِّم مشاعرك السلبية

قد لا تسيطر على المواقف التي تواجهها، ولكن بمقدورك السيطرة على ما يمكنك فعله حيال استجابتك لها. غالباً ما يستجيب العديد للمواقف التي يواجهون فيها شائعات سلبية تمسّهم بمشاعر الرعب أو الغضب أو القلق أو حتى العجز، وعندما تكون الشائعات كاذبة على وجه الخصوص، كما في حالة ثناء، تشعر أنك محاصر في موقف غير عادل. ولكن الاستسلام لهذه المشاعر السلبية القوية يمكن أن يؤدي إلى فقدان الحافز وقد تصبح عرضة للآثار السلبية للتوتر أو الغضب. يقول مدير مركز ييل للذكاء العاطفي، مارك براكيت، إن التوقف قليلاً والابتعاد عن هذه المواقف المشحونة وتحديد عواطفك وتصنيفها بوعي يمكن أن يكون مفيداً جداً في إدارتها. يمكنك استخدام استراتيجيات التهدئة التي تناسبك لإدارة المشاعر السلبية؛ مثل التنفس أو اليقظة الذهنية أو الانفصال عن العمل أو ممارسة التمارين الرياضية أو المشي. امنح نفسك وقتاً لتهدأ وتستعيد رباطة جأشك، فمن المحتمل أنك ستتمكن من ابتكار حل بنّاء وأكثر إيجابية للمشكلة بمجرد أن تستقر مشاعرك.

2) وسِّع منظورك

الغرض من قضاء بعض الوقت في تهدئة نفسك هو مساعدتك على استعادة منظور متوازن. يقول الرئيس التنفيذي لمعهد تلكس، يوهان برلين، إن هذه المواقف تبدو غير عادلة، لذلك تشعر بالعجز ويمكن أن تغفل عن الصورة الكبيرة. قد يكون رد فعلك القتال أو الانغلاق على نفسك، وبعبارة أخرى، ستشعر بالغضب أو الاكتئاب أو العار. من المهم في هذه اللحظات التراجع والتفكير فيما يعنيه النجاح بالنسبة لك؛ هل يعني الفوز؟ أم أنه يعني استعادة ذلك الشعور بالقوة والثقة؟” تُظهر الأبحاث أن المشاعر السلبية، مثل التوتر أو الشعور بالإحباط، ترتبط بمنظور أضيق وميل نحو التركيز المفرط على الذات، أي بعبارة أخرى، يصبح إدراكك للواقع مشوهاً. ندرك جميعاً أننا لا نكون في أفضل حالاتنا عندما نشعر بالضيق، لذلك من الضروري التحرر من العقلية السلبية أو المتشائمة لإيجاد حل مثمر.

3) مارس التعاطف الذاتي، وحتى التسامح

يوصي برلين قائلاً: “خلال تلك اللحظات الصعبة، قد تشعر أنك محاصر في مكان مظلم لا يمكنك الخروج منه، ولكن ممارسة التسامح والتعاطف الذاتي، مهما بدت دلالة مثل هذه المصطلحات لطيفة أو ضعيفة، يمكن أن تكون في الواقع فعالة جداً”. تدعم الأبحاث فكرة أنك عندما تغفر لشخص ما، فإن الشخص الذي يستفيد أكثر هو أنت، فالغفران يمكن أن يساعدك على التقدم وتحسين رفاهتك وصحتك ويجلب لك شعوراً بالخفة والإيجابية عموماً.

في حالة ثناء، فقد ساعدتها القدرة على التسامح وحتى الشعور بالتعاطف مع الشخص الذي نشر الشائعات عنها على التخلص من مشاعرها السلبية، ونتيجة لذلك، استعادت الدافع والحماس اللازمين لإثبات نفسها على الرغم من استمرار الشائعات المتداولة عنها.  لقد تمكّنت من ابتكار أساليب إبداعية جديدة لتطوير علاقاتها وإظهار تفانيها في وظيفتها في مكان عملها الجديد. يقول برلين: “بالطبع، من الصعب أن تشعر بالإيجابية عندما تكون منزعجاً جداً. في هذا الصدد، يمكن أن تكون تمارين اليوغا والتنفس والتأمل مفيدة جداً ويمكن أن تساعدك على استعادة توازنك حتى تكون مستعداً لبداية جديدة”.

4) افصل نفسك عن الموقف

من المهم أن تدرك أن الموقف الذي تواجهه لا يعكس بالضرورة شخصيتك. يشير الأستاذ المساعد في كلية الإدارة بجامعة ييل، مايكل كراوس، إلى أهمية فصل نفسك عن الموقف، ويقول: “أهم جانب يجب أن يدركه من يتعامل مع مثل هذه السلوكيات السلبية هو أنها لا تتعلق به غالباً، بل هي في الواقع سلوك لفرد متوتر وقلق بشأن مكانته داخل المؤسسة. يهاجم هؤلاء الأشخاص الآخرين وينشرون الشائعات عنهم وينتقدونهم في محاولة لحماية احترامهم الذاتي الهش، وهم مستعدون لتدميرك كي يظهروا أفضل قليلاً بالمقارنة”.

مع ذلك، عليك أن تكون صادقاً مع نفسك بشأن تصرفاتك وسلوكك. يقول ويلر موضحاً: “هناك حالات قد يستحق فيها الأفراد التعرض للإشاعات السلبية، لكنهم لا ينظرون إلى هذا الأمر على هذا النحو”. لذلك من المهم التحقق مما إذا كان هناك بعض الحقيقة في الشائعات.

5) فكر في كيفية الرد على الشائعات

إذا كنت تعرف من يقف وراء الشائعات، يقترح ويلر تقديم وجهة نظرك إلى هذا الشخص حتى لو وجدت فعل ذلك صعباً أو محرجاً. إذا شرحت بصدق وجهة نظرك حول الشائعة والألم الشخصي الذي سببته لك، فقد تتمكن من تغيير وجهة نظر هذا الشخص. مجدداً، من المهم فصل نفسك عن الموقف والتحكم في عواطفك في هذه الحالة. يقول ويلر: “من المهم التعامل مع هذا الشخص بطريقة متعاطفة وغير تصادمية كي تتمكن من كسب تعاطفه، لذلك من المهم أن تبقى هادئاً ومتزناً عندما تتحدث إليه”.

تواصلت ثناء مع زملائها في مكان عملها السابق لمعرفة من أين يمكن أن تأتي هذه الشائعات، لكنها لم تتمكن من تحديد مصدرها. في مثل هذه الحالات، يقترح ويلر طلب المساعدة من الأصدقاء أو المعارف الموثوقين الذين يمكنهم تقديم وجهة نظرك إلى الآخرين بأمانة وشفافية عالية لمواجهة الشائعات.

6) تحلَّ بالصبر

تذكر أن الوقت يمكن أن يكون حليفاً قوياً في مثل هذه المواقف. يقول كراوس مُقدماً النصيحة: “إذا كنت ضحية للشائعات، فعليك التفكير على المدى الطويل. لديك سمعة مبنية على قدر كبير من العمل والتفاعلات مع العديد من زملاء العمل، وعلى الرغم من أن حادثة مؤذية صغيرة قد تضرك على المدى القصير، لكن عملك سيتحدث عن نفسه على المدى الطويل”. من جانبه يقترح ويلر أيضاً الحفاظ على مستوى عالٍ من الأداء والتصرف بنزاهة عالية والسماح لأفعالك بإظهار قيمتك والتحدث نيابة عنك.

7) ركِّز على الجوانب الإيجابية في حياتك

بينما تميل عقولنا إلى التركيز على الأحداث السلبية، فقد أظهرت الأبحاث أيضاً أننا نواجه أحداثاً إيجابية أكثر 3 مرات من الأحداث السلبية كل يوم. هناك العديد من الأشياء الإيجابية التي تحدث يومياً في حياتنا المهنية أو الشخصية. قد تستمتع بما تفعله في العمل مثلاً، أو تقدِّر دخلك الثابت أو قيم مؤسستك أو مزاياها، وقد تستمد السعادة على الصعيد الشخصي من عائلتك أو هواياتك أو رياضتك أو خدمة المجتمع. عندما نقدِّر تجاربنا الإيجابية ونتذوقها، فإننا نحصل على المزيد من المتعة والرضا منها، وتخصيص بعض الوقت للاستمتاع والشعور بالامتنان لما يحدث في حياتنا يساعدنا على الصمود في وجه التحديات. على سبيل المثال، استمدت ثناء السعادة والقوة لمواجهة تحدياتها الأخرى من خلال تخصيص ساعات طويلة كل أسبوع لنشاط خدمة المجتمع.

8) تذكَّر أنك لست وحدك

الجانب الأكثر صعوبة في أي تجربة صعبة نمر بها هو الشعور أنك تواجهها وحدك. يقول كراوس إن سلوك نشر الشائعات يمكن أن يكون مزمناً ومنتشراً على نطاق واسع في أنحاء المؤسسة، وبالتالي من المحتمل أن يواجه زملاء آخرون شيئاً مشابهاً، ما يوفر فرصة لتشكيل تحالفات محتملة مع الزملاء الذين يتعاملون مع القضية نفسها. اكتشفت ثناء لاحقاً أن مؤسستها الجديدة تعاني بالفعل مشكلة خطيرة في مناخها الثقافي، إذ أظهر استقصاء لمناخ مكان العمل أن معظم الموظفين كانوا ساخطين للغاية على القيادة وغير راضين بصورة عامة. بعبارة أخرى، كانت سياسات بيئة العمل التي وجدت ثناء نفسها فيها انعكاساً لقضية مؤسساتية أكبر بكثير.

من الصعب حقاً أن تكون موضوعاً لشائعة سلبية في مكان العمل، خاصة إذا كانت الشائعة لا أساس لها من الصحة. لا تملك السيطرة دائماً على ما يقوله الآخرون عنك، ولكن يمكنك التحكم في كيفية استجابتك لمثل هذه المواقف.