عندما تستسلم التكنولوجيات القديمة إلى الأفكار الإبداعية الجديدة تزدهر المنافسة ويزيد الابتكار وينمو الاقتصاد ويستفيد المستهلكون. في عام 1942، أشار جوزيف شومبيتر إلى هذا على أنه "عاصفة الدمار الإبداعي"، واعتبره بمثابة محرك التقدم التكنولوجي والاقتصادي المستدام.
وعلى أي حال، تعترض الكثير من الأشياء طريق مثل هذا الدمار الإبداعي. يمكن لبعض الشركات على نحو خاص ضمان معاملة تفضيلية في الأسواق، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد بعيد إلى علاقاتها السياسية. وقد تعاني الشركات الإنتاجية الجديدة في مثل هذا العالم كي تستطيع استبعاد الشركات القائمة ذات العلاقات السياسية من المنافسة، ما يؤدي إلى دينامية منخفضة في الأعمال ومستويات ابتكار أقل.
نحاول في دراستنا فهم مدى اتساع مثل هذه العلاقات السياسية وكيفية تأثيرها على دينامية الشركات والمنافسة في السوق والابتكار والإنتاجية الكلية للاقتصاد.
ونقوم بدراسة شركات إيطالية وموظفيها للإجابة عن هذه الأسئلة. حللنا بيانات متاحة حديثاً من مكتب الضمان الاجتماعي الإيطالي حول تاريخ الشركات والعمالة لجميع العاملين في القطاع الخاص في الفترة التي تتراوح بين 1993 و2014. وقمنا بمطابقة هذه البيانات مع السجل الوطني لسياسيين محليين، وهو عبارة عن مجموعة بيانات تشمل ملايين الملاحظات حول السياسيين على مستوى البلديات والقرى والأقاليم، إضافة إلى بيانات الانتخابات المحلية. يُسمح للسياسيين المحليين في إيطاليا بالعمل في القطاع الخاص أثناء فترة توليهم لمناصبهم السياسية، مثل عملهم كمحافظين أو أعضاء في مجلس الدولة أو غير ذلك. نعتبر شركة ما ذات علاقة سياسية في مرحلة من الوقت إذا قامت الشركة بتوظيف أحد السياسيين في ذلك الوقت. وللوصول إلى فهم أفضل لأداء هذه الشركات، نقوم بمطابقة هذه البيانات حول الشركات والسياسيين مع بيانات الميزانية العمومية للشركات وبيانات براءات الاختراع من "المكتب الأوروبي للبراءات" (European Patent Office). وتسمح لنا طبيعة هذه البيانات باستكشاف كيفية تأثير العلاقات السياسية على الشركات والمشهد العام للاقتصاد.
ويعتبر التركيز على السياسيين المحليين، على مستوى البلديات والقرى والأقاليم، ميزة مهمة لتحليلنا لأن العلاقات على المستوى المحلي متفشية على نحو كبير ويصعب كشفها في العادة. وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع السياسيون المحليون بصلاحيات واسعة، حيث يستأثرون بالسلطة على تقديم الخدمات والسلع العامة المحلية والمسؤولية عنها، والسلطة الإدارية على إصدار مختلف التصاريح والتراخيص، وهم مسؤولون عن معظم الأعباء الإدارية التي تواجهها الشركات الخاصة في إيطاليا.
وبالمجمل، وجدنا أنّ توظيف السياسيين المحليين يعتبر ممارسة شائعة، خصوصاً بين الشركات الكبيرة أو القديمة أو كليهما. وتمثل الشركات ذات العلاقات السياسية نسبة الثلث من إجمالي العمالة في مختلف القطاعات.
ووجدنا أنه كلما زاد تنظيم القطاع، تزيد العلاقات السياسية في ذلك القطاع، وهو ما ينسجم مع ما قد تتوقعه. فعلى سبيل المثال، تواجه قطاعات الخدمة العامة والأدوية والمال والاتصالات مستويات عالية من التنظيم والبيروقراطية، وتشهد الشركات الخاصة في هذه القطاعات ارتفاع معدل العلاقات السياسية.
كيف تؤثر هذه العلاقات السياسية على المنافسة؟ بينما قد يحاول منافسون جدد تجاوز قائد السوق بمنتجات جديدة وابتكارات تكنولوجية، إلا أنّ القائد يعتمد في أحوال كثيرة على استراتيجيات دفاعية مختلفة للحفاظ على مركزه السوقي. ويمكن أن تشمل هذه الاستراتيجيات الدفاعية إقامة علاقات سياسية. وفي تحليلنا، وجدنا دليلاً قوياً يدعم هذه المفارقة في القيادة. وفيما يتعلق بمنافسيهم المباشرين، يكون قادة السوق أكثر ميلاً لامتلاك علاقات سياسية، وأقل ميلاً للابتكار، حسب مقياس كمية براءات الاختراع والاستثمار في رأس المال غير المادي وجودتها.
ومع ذلك، تعتبر الشركات ذات العلاقات السياسية أكثر ميلاً للبقاء في السوق والنمو من حيث حجم الإيرادات والعمالة. وتكون هذه الميزات أكبر كلما زادت قوة السياسي الذي تقوم الشركة بتوظيفه. وعلى أي حال، يتبين لنا أنّ هذا النمو في الحجم لا يرافقه نمو خاص في إنتاجية الشركة.
ومن المنطقي أن نسأل فيما إذا كانت العلاقات السياسية تتسبب فعلاً في هذه الديناميات. ولتقصي ذلك، فنحن نستفيد من حقيقة أنّ بعض الانتخابات المحلية يتم حسمها بهامش ضئيل جداً (على سبيل المثال توزيع بنسبة 49%-51%). من المحتمل في هذه الانتخابات أن تكون النتيجة قد ذهبت لصالح أي من الطرفين، فالأمر أشبه بتقليب عملة معدنية. وبالتالي، يمكننا مقارنة نتائج الشركات ذات العلاقات السياسية بعد الانتخابات بناء على مكانة السياسي الذي توظفه فيما إذا كان عضواً في الحزب الفائز أم لا. ويتبين لنا أنّ الفروقات كبيرة في نتائج ما بعد الانتخابات بين الشركات الفائزة هامشياً والخاسرة هامشياً. تنمو الشركات الموجودة على الجانب الفائز بشكل أكبر من ناحية الحجم، ولكن ليس من ناحية الإنتاجية.
وتنسجم هذه النتائج مع النظرة التي تقول إنّ العلاقات السياسية من شأنها أن تساعد الشركات في تقرير الاحتكاكات في سوق معينة أو منع المنافسة، في مقابل مساعدتها على تعزيز الإنتاجية والآفاق التكنولوجية.
كما يتم مشاركة بعض الفوائد التي تجنيها هذه الشركات مع السياسيين الذين تقوم بتوظيفهم. يحصل السياسيون الموظفون على علاوات كبيرة على الأجور مقارنة مع زملائهم في العمل، ولا يمكن أن تعزى هذه العلاوات إلى سماتهم الشخصية. ومن غير المستغرب أنّ هذه العلاوات تزداد مع الرتبة السياسية لذلك السياسي.
وعلى المستوى الإجمالي، تميل العلاقات السياسية إلى الارتباط بديناميات أسوأ للقطاع، بدخول أعداد أقل من الشركات إلى السوق وقلة توزيع الموارد من الشركات الأقل إلى الأكثر إنتاجية وقلة النمو وانخفاض الإنتاجية. ويشير ذلك إلى أنّ آثار العلاقات السياسية على مستوى الشركة تتجاوز الآثار على الشركات المرتبطة وقد تنطوي على تكاليف اجتماعية كبيرة. ويمكن أن تعيق العلاقات السياسية عملية النمو من خلال خفض الابتكار والتوزيع في بيئة يكون فيها مسار الشركة إلى النجاح مرهوناً بالنظام السياسي.
وما يتبين من دراستنا هو أنّ أثر العلاقات السياسية يتجاوز الفوائد الخاصة للشركات المرتبطة. وبينما من شأن هذه العلاقات أن تخفف من احتكاكات معينة في السوق، مثل القيود التنظيمية أو العبء البيروقراطي، وأن تقدم بعض الفوائد للشركات المرتبطة، إلا أنّ إعطاء الشركات القائمة ميزة قوية على الشركات القادمة قد يجعل تأثير الشركات القائمة المؤذي على المنافسة في السوق والدمار الإبداعي يتفوق على الفوائد الخاصة بالشركة.
وبينما يمكن ألا يتفاجأ المرء كثيراً من كشفنا لهذه النتائج بشكل كبير في بيانات حول إيطاليا، وهي بلد لديها سوابق مع الفساد، بما في ذلك تحقيق "ماني بوليتى" الشهير، إلا أنّ نتائجنا يمكن أيضاً أن تسلط بعض الضوء على دينامية الأعمال المتراجعة في الولايات المتحدة وفي أوروبا، حيث زاد التركز السوقي وارتفع الإنفاق على حشد التأييد السياسي إلى مستويات قياسية. ويشير بحثنا إلى أنه عندما تجني الشركات مكاسب من خلال العلاقات السياسية، تعاني شركات أخرى ويعاني الاقتصاد على نحو عام.