هل حان الوقت للسماح للموظفين بالعمل من أي مكان؟

5 دقائق

على الرغم من تراجع بعض من كبريات الشركات فيما يخص سياسات العمل عن بُعد في السنوات الأخيرة، تشير البيانات المتعلقة بالقوة العاملة في الولايات المتحدة إلى أن موجة العمل عن بُعد آخذة في الازدياد. وأفاد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" عام 2017 أن 43% من الموظفين الأميركيين أمضوا على الأقل بعض الوقت في العمل عن بُعد، فيما أشارت بيانات مكتب الإحصاء الأميركي الصادرة عام 2018 إلى أن 5.2% من الموظفين الأميركيين يعملون كلياً من منازلهم.

على الرغم من شيوع العمل من المنزل (WFH) نسبياً، فقد ظهر نوع جديد من العمل عن بُعد: العمل من أي مكان (WFA)، حيث يمكن للموظفين العيش والعمل في المكان الذي يفضلونه، عادة داخل بلد معين، وأحياناً في أي مكان في العالم تتوافر به إمكانية الاتصال بالإنترنت. وحيث بدأ العديد من الشركات في بحث السماح للموظفين بالعمل من أي مكان، فيمكن الاطلاع على البرامج المتطورة للعمل عن بُعد من شركات مثل "أكاماي" (Akamai) و"ساب" (SAP).

يقدر الموظفون خيار العمل عن بُعد، حتى إن دراسة أُجريت عام 2017 توصلت إلى أن العامل العادي على استعداد لقبول خفض أجره بنسبة 8% نظير إتاحة خيار العمل من المنزل.  وهذا يشير إلى أن الموظفين يعتبرون أن ثمة قيمة نقدية للمرونة التي تتيحها سياسة العمل من المنزل. وبالاستعانة بسياسة العمل من أي مكان، يضيف أصحاب العمل قيمة أكبر للموظفين من خلال إتاحة المرونة الجغرافية. وياله من فرق هائل بين الموظف الذي يعمل من المنزل ويستطيع اصطحاب أطفاله من المدرسة، أو قضاء ساعة الغداء في تمشية كلبه، وبين الموظف الذي يعمل من أي مكان ويستطيع القيام بكل هذه الأشياء علاوة على إمكانية البقاء بالقرب من والديه المسنين أو الانتقال إلى مكان منخفض التكلفة.

ومع ذلك، ومن واقع خبرتنا، غالباً ما يتسلل الشعور بالقلق إلى نفوس المدراء خشية أن يقل الجهد المبذول من جانب الموظف الذي يعمل عن بُعد أو أن يؤدي مهام أخرى في أثناء أدائه مهام العمل، ومن ثم يخلط بين المسؤوليات الشخصية ومسؤوليات العمل.  توجد أيضاً مخاوف من أن يؤدي السماح للموظفين بالعمل من أي مكان إلى إضعاف فرص التواصل والتعاون بين زملاء العمل وعرقلة سبل التعلم غير الرسمي الذي عادةً ما يتم في مقار العمل.

بيد أن إحدى الدراسات التي أجريت عام 2015 في إحدى وكالات السفر الصينية وجدت أن السماح لموظفي مركز الاتصالات بالعمل من المنزل أدى إلى زيادة إنتاجيتهم بمعدل 13%، على ما يبدو بسبب تقليص وقت الاستراحة والإجازات المرضية إضافة إلى توافر بيئة عمل أكثر راحة. وهذا الاستنتاج يثير السؤال التالي: هل يحق للموظفين في برنامج العمل من أي مكان الاستفادة أيضاً من الزيادات المماثلة في الإنتاجية؟

درسنا في ورقة عمل، قيد المراجعة حالياً، آثار برنامج العمل من أي مكان الذي طُبِّق عام 2012 على مسؤولي فحص براءات الاختراع في مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية (يو إس بي تي أو). وحللنا بيانات الإنتاجية لمسؤولي الفحص (وهم مجموعة من المتخصصين الحاصلين على أعلى الشهادات العلمية) الذين انتقلوا من ظروف العمل من المنزل ضمن برنامج العمل من أي مكان.

وتوصلنا إلى أن ناتج عمل مسؤولي الفحص زاد بنسبة 4.4% بعد الانضمام إلى برنامج العمل من أي مكان، دون حدوث زيادة كبيرة في إعادة الصياغة (إعادة كتابة قرارات براءات الاختراع بناء على طلب المخترعين). كما أثبتت الدراسة التحليلية التكميلية أيضاً عدم تضرر جودة براءات الاختراع (قياساً على الاستشهادات المضافة من قبل الفاحص). هذا وتمثل زيادة الإنتاجية بنسبة 4.4% ما يصل إلى 1.3 مليار دولار من القيمة السنوية المضافة إلى الاقتصاد الأميركي، بناء على متوسط النشاط الاقتصادي الناتج عن كل براءة اختراع إضافية معتمدة. (ومع أن ذلك ليس محور دراستنا، فإننا توصلنا أيضاً إلى وجود علاقة بين العمل من المنزل وزيادة الإنتاجية مقارنة بالعمل في مقار العمل الرسمية، بما يتوافق مع نتائج الدراسة السابقة).

ووجدنا أيضاً في الدراسات التحليلية التكميلية أن مسؤولي الفحص المنضمين إلى برنامج العمل من أي مكان انتقلوا، في المتوسط، إلى أماكن أرخص كثيراً من حيث تكاليف المعيشة، وهو ما يمكن اعتباره زيادة ملموسة في الراتب الحقيقي لهؤلاء الموظفين، دون تكبيد المؤسسة تكاليف إضافية.

ومن المثير للاهتمام أن مسؤولي الفحص الذين عملوا في الوظيفة فترة أطول (أي أولئك الذين أوشكوا على التقاعد) كانوا أكثر إقبالاً على الانتقال إلى المناطق الساحلية "الصديقة للمتقاعدين" في فلوريدا مقارنة بزملائهم الأقل منهم خبرة.  ومع أن هذه العلاقة ليست مؤكدة، فإنها تشير إلى أن تمكين الموظفين من العمل من أي مكان بوسعه تحقيق بعض مزايا إطالة العمر المهني لكل من الموظفين والمؤسسة، من خلال تشجيع كبار الموظفين المتميزين على البقاء ضمن القوة العاملة المنتجة فترة أطول.

لقد لاحظنا ازدياد إنتاجية الفاحص الذي يعمل من أي مكان في حال كان موجوداً في حدود 25 ميلاً عن مسؤولي فحص آخرين يعملون من أي مكان، شريطة عملهم في الوحدة التكنولوجية نفسها.  ولم يحقق الفاحصون المُجمّعون من وحدات مختلفة أي زيادات إضافية في الإنتاجية. يشير هذا الاستنتاج إلى أن العاملين المجتمعين جغرافياً الذين يعملون من أي مكان والذين يتشابه مضمون عملهم قد يستفيد بعضهم من بعض بصورة غير رسمية، على غرار الطريقة التي يتعلم بها زملاء العمل بعضهم من بعض من خلال التعاملات غير الرسمية في المقار الرسمية.

إذن، ما الذي يجب على المدراء أخذه بعين الاعتبار عند اضطلاعهم بمهمة وضع سياسات العمل من أي مكان وسياسات العمل عن بُعد بشكل عام؟ إليكم بعض التوصيات:

  • يجب على جهات العمل، التي تسمح للموظفين بالعمل عن بُعد، منح هؤلاء الموظفين استقلالية ومرونة حقيقيتين، بدلاً من محاولة إدارة كل التفاصيل الدقيقة في عملهم عن بُعد. حيث تشير نتائجنا الخاصة بالمقارنة بين الموظفين الذين يعملون من المنزل والموظفين الذين يعملون من أي مكان، إلى أن منح قدر أكبر من الاستقلالية يعزز إنتاجية الموظف بالفعل.
  • يجب على مدراء الموظفين الذين يعملون من أي مكان تكليفهم باستخدام مجموعة موحدة من الأدوات التكنولوجية. فقد توصلت دراستنا إلى أن مسؤولي الفحص المبتدئين الذين يعملون من أي مكان والذين يحتاجون إلى مزيد من الموافقات من مشرفيهم استطاعوا تحقيق زيادة إضافية في الإنتاجية بنسبة 3% عندما بدأ مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية تكليف مسؤولي الفحص باستخدام أدوات تقنية المعلومات التي يشيع استخدامها في الوكالة (مثل تطبيق الشبكة الافتراضية الخاصة "VPN" وتطبيقات المراسلة).
  • يجب على جهة العمل الاستفادة من أي تجمعات جغرافية لموظفيها الذين يعملون من أي مكان، لاسيما بين الموظفين الذين يؤدون أنواعاً متماثلة من العمل. وفي هذا السياق يعد توفير التمويل للاجتماعات الدورية غير الرسمية استثماراً صغيراً مقابل مقدار عظيم من التعليم للموظفين. يمكن للمدراء أيضاً عقد تلك الاجتماعات خارج مقر العمل في الأماكن التي تضم تجمعات كبيرة من الموظفين الذين يعملون من أي مكان، بحيث يستطيعون التواصل مع موظفي المقار الرسمية وتعريفهم على عالمهم.
  • استناداً إلى بحوثنا التي ركزت على الموظفين المتمرسين، يُفضّلُ إبقاء الموظفين حديثي التعيين في مقار العمل بالقرب من أقرانهم ذوي الخبرة فترة كافية من الوقت بغية الاستفادة من التعلم غير الرسمي الذي يحدث بشكل طبيعي في بيئة العمل التقليدية. هناك حاجة إلى إجراء بحوث إضافية لتحديد ما إذا كان بمقدور الموظفين حديثي التعيين جني المزايا الإنتاجية نفسها عند العمل من أي مكان مثل الموظفين المتمرسين الذين تعرضت لهم دراستنا.
  • أخيراً، فكر في نوع العمل نفسه. فقد وجدنا أن الانتقال إلى العمل من أي مكان غالباً ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية إذا كانت الوظيفة مستقلة تماماً، أي إنه يمكن للموظف أداء معظم واجبات الوظيفة بقدر بسيط من التنسيق أو بدون أي تنسيق مع زملاء العمل (كما هو الحال مع فاحصي براءات الاختراع). هناك حاجة إلى إجراء بحوث إضافية لتحديد الآثار الإنتاجية للعمل من أي مكان على الوظائف التي تتدنى فيها مستويات الاستقلالية.

وأهم النتائج التي خلص إليها بحثنا هي أن تطبيق سياسة العمل من أي مكان يمكن أن يفيد كلاً من الشركة والموظف إذا كانت بيئة العمل جاهزة للعمل عن بُعد، أي إذا كانت الوظيفة مستقلة إلى حد بعيد ويعرف الموظف كيفية أداء عمله جيداً. ما الوظائف الموجودة في شركتك التي قد تكون مناسبة تماماً لسياسة العمل من أي مكان؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي