عندما تعيّنون الرؤساء التنفيذيين في مناصبهم، ركّزوا على شخصياتهم

10 دقائق
السلوك الشخصي

السلوك الشخصي يمكن أن ينبئكم أي من القادة قد يشذ عن الصراط المستقيم.

في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، اعتُقِل كارلوس غصن رئيس مجلس إدارة شركة نيسان بعد ترجّله من طائرة الشركة التي كانت قد حطت للتو في طوكيو. وجهت إليه السلطات اليابانية تهماً جنائية تتعلق بمجموعة من قضايا سوء السلوك المالي في شركة نيسان، بما في ذلك اختلاس مبلغ 5 ملايين دولار والتكتم على ما يقرب من 80 مليون دولار كان قد حصل عليها كتعويضات على مدار ثماني سنوات.

بالنسبة لغصن الذي كان قد أنقذ نيسان من الإفلاس بعد تولّيه لقيادتها في 1999، كان ذلك سقوطاً مدوّياً. كان قد انضم إلى صفوف الشركة من خارج أروقتها علماً أنه يحمل الجنسيات البرازيلية والفرنسية واللبنانية، لكنه تحوّل إلى أحد أبرز قادة الشركات في اليابان وأصبح يكنّى "السيد حلّال المشاكل" في أوساط عامة الناس الذين كانوا ينظرون إليه نظرة إعجاب شديد حيث كان يُحتفى به في كتب القصص المصورة اليابانية المشهورة باسم "مانغا"، في حين حصل الرجل على وسام الإمبراطور أكيهيتو. وبعد اعتقال غصن، قال إن المزاعم "لا أساس لها من الصحة ولا تقوم على أي دليل ملموس"، وأنها من اختلاق غرمائه في نيسان. ومع ذلك، وعوضاً عن أن يخضع غصن للمحاكمة، استأجر فرقة قوات خاصة لتخفيه ضمن صندوق آلة موسيقية وتقلّه في طائرة خاصة إلى لبنان، الذي يعيش فيه اليوم هارباً من وجه العدالة.

كانت ملحمة غصن صادمة. فكيف كان لأي إنسان أن يتوقع حصولها؟ في الحقيقة، كانت ثمة إشارات تنبئ بما حصل لاحقاً.

في 2014 و2016، أقام غصن حفلتي عيد ميلاد باذختين في قصر فرساي لنفسه ولزوجته، ربما بأموال الشركة. وكان هو وعائلته يمتلكان يختاً يبلغ طوله 120 قدماً، وشققاً فاخرة في كل من طوكيو، وباريس، وريو دي جانيرو، وأمستردام، وبيروت، ونيويورك. كما استثمر في معاصر لصنع المشروبات وفي الأعمال الفنية المعاصرة. ورغم أن غصن كان قد حصل على حزمة مكافآت تعادل أربعة أضعاف الحزمة التي حصل عليها نظيره في تويوتا، إلا أنه أمضى معظم فترة ولايته في نيسان متذمراً من أنه لا يحصل على الأجر المستحق.

يجب أن تكون هذه السلوكيات – أي التبذير، والتركيز على المكاسب المالية الشخصية، والاستخفاف بالقواعد مثل سياسات الصرف في الشركة –إشارات تحذيرية يتوجب على مجالس الإدارة التقاطها والالتفات إليها. في سلسلة من الدراسات على مدار العقد الماضي، سعيت أنا وزملائي إلى تحديد السلوكيات الواقعة خارج نطاق الوظيفة والتي يمكن أن تشكل نذيراً لمدى ميل التنفيذيين إلى الوقوع في فخ الزلات الأخلاقية. تمكّنا من خلال هذا العمل من تحديد خصلتين – النزعة المادية والميل إلى انتهاك القواعد – يرتبطان بأنشطة التداول المثيرة للشبهات، وارتكاب الأخطاء في التقارير المالية، والمجازفة المفرطة. كما ابتدعنا طرقاً مستجدة لتحديد التنفيذيين الذين يُظهِرون هذه السلوكيات.

دراسة الحياة الشخصية للرؤساء التنفيذيين هي طريقة غير معهودة للحيلولة دون حصول احتيال. فعندما تبحث مجالس الإدارة، والجهات الرقابية، والمستثمرون عن طرق للحد من السلوك غير الأخلاقي، فإن تركيزهم ينصبّ عادة على إصلاح النظام العام، مثل القوانين، والتشريعات، وأقسام الامتثال الكبيرة والحاصلة على تمويل ضخم، وزيادة مستوى الإشراف، وآليات الإبلاغ مثل الخطوط الساخنة لمن يبلغون عن المخالفات. تتطابق هذه المقاربة المعيارية مع النظرية الاقتصادية التي تُعامِل الأفراد على أنهم كائنات عقلانية ستتجاوب بطريقة متشابهة مع الحوافز والقواعد.

يقترح بحثي السير في مسار مختلف يقوم على افتراض أن شخصيات القادة لها دور كبير في تحديد الطريقة التي يتصرفون بها، وأن أفعالهم في حياتهم الخاصة يمكن أن تؤثر على السلوك المؤسسي. وإذا ما صح هذا الكلام، فإن على مجالس الإدارة، وخصوصاً عندما تكون في طور تعيين رؤساء تنفيذيين، أن تدرس شخصية المرشح، مع التأكيد على ما إذا كان يُبدي علامات على نزعة مادية أو إذا ما كان لديه تاريخ من انتهاك للقواعد. أما تجاهل هذه الإشارات، وتنصيب قائد تثير حياته بعيداً عن المكتب الشبهات، فإنهما يعرّضان الشركات لمخاطر غير ضرورية.

في الصفحات التالية، أشرح أولاً كيف تطور بحثي، والنتائج المحددة التي توصّلت إليها. ثم أناقش المضامين العملية لذلك بالنسبة للجهات الرقابية ومجالس إدارات الشركات الكبرى المعنية بدراسة أوضاع كبار التنفيذيين وانتقائهم.

في الشركات التي يقودها تنفيذيون مبذّرون في نفقاتهم الشخصية، وجدنا قدراً أكبر من الاحتيال وأخطاء غير مقصودة أكثر في التقارير.

التدقيق في السلوك الشخصي

تعود جذور هذا البحث إلى 20 سنة خلت. فقد كنت طالبة دراسات عليا خلال حقبة فضائح الشركات في العقد الأول من الألفية الجديدة، بما في ذلك الفضائح التي لطخت سمعة كل من "إنرون"، و"وورلد كوم"، و"تايكو". وبعد ذلك بفترة قصيرة، تجاوبت الولايات المتحدة مع هذا الوضع من خلال إصدار قانون ساربينز أوكسلي (Sarbanes-Oxley Act) الذي زاد من مستوى إشراف الجهات الرقابية ومجالس الإدارة على الشركات. ومع ذلك، وبعد مرور بضع سنوات فقط، ظهرت إلى حيّز الوجود سلسلة من الفضائح في كل من "ويلز فارغو" (Wells Fargo) و"كانتري وايد" (Countrywide) وغيرهما من الشركات. كانت الشركات تستثمر الموارد في الضوابط الداخلية، في حين كانت الجهات الرقابية تعتمد على قوانين جديدة لتعزيز عمليات الإشراف، لكن أياً من هذين الإجراءين لم يتمكن من القضاء على المخالفات الآثمة. وهنا بدأتُ أتساءل: عوضاً عن التركيز على الأنظمة والضوابط، هل يجب أن نصبّ اهتمامنا وتركيزنا الأكبر على الأشخاص الذين يقودون هذه الشركات؟

بينما كانت هذه الأحداث تحصل، كان الباحثون يبدؤون في إيلاء اهتمام أكبر للطريقة التي يمكن بها للمدراء الأفراد التأثير على أداء شركة من الشركات. وقد اكتسب هذا الرأي زخماً بعد نشر ورقة بحثية بارزة في عام 2003 من تأليف ماريان برتراند وأنطوانيت شوار، اللتين ذهبتا في ورقتهما إلى أن التنفيذيين يتمتعون بأساليب شخصية تؤثر على قراراتهم الأساسية وأداء الشركة، وإلى أن هذه الأساليب تستمر معهم حتى عندما يتنقلون من شركة إلى أخرى. وبدأ الباحثون الآخرون بدراسة المجازفة لدى الرؤساء التنفيذيين وسلوكياتهم النرجسية وتأثيراتها على عملية صنع القرار وأداء الشركة.

وعلى هذه الخلفية، انضممت إلى زميلين هما روبرت ديفيدسون وآبي سميث لاستكشاف أساليب حياة الرؤساء التنفيذيين الذين قادوا شركات عصفت بها الفضائح. وقد خطر في بالنا أن الاستهلاك الفاضح والصارخ قد يكون مرتبطاً بسوء سلوك. فعلى سبيل المثال، كان الرئيس التنفيذي لشركة "تايكو" دينيس كوزلوسكي قد أنفق 6 آلاف دولار لشراء ستارة حمام و15 ألف دولار لاقتناء حامل مظلات في شقة في نيويورك؛ وقد وُجّهت إليه لاحقاً 22 تهمة جنائية، وأمضى ست سنوات ونصف السنة خلف القضبان. كما بدأتُ أنا وزملائي بالتفكير في مدى ميل الناس إلى الالتزام بالقواعد أو خرقها. وفي دراسة تعود إلى عام 2007، توصّل الاقتصاديان راي فيسمان وإدوارد ميغيل إلى أن مسؤولي الأمم المتحدة الذين تلقوا أكبر عدد من مخالفات الوقوف الممنوع في مدينة نيويورك كانوا ينحدرون عادة من الدول التي تسجّل أعلى مستويات الفساد. وتساءلنا ما إذا كان لدى التنفيذيين الميالين إلى ارتكاب الفضائح نزعة مشابهة إلى ارتكاب جنح بسيطة مثل تجاهل قوانين السير البسيطة. لذلك شرعت أنا وزملائي في تقصّي سلوك انتهاك القواعد والإنفاق ذي النزعة المادية بين صفوف الرؤساء التنفيذيين.

انتهاك القواعد. وجد الباحثون في علم الجرائم أن الأشخاص الذين يخرقون أبسط القواعد حتى، يبعثون برسالة ضمنية مفادها أنهم لا يؤمنون أن القيود تنطبق عليهم. وبمساعدة من محققين خاصين تقصّينا أنا وزملائي السجلات القانونية لأكثر من ألف تنفيذي أميركي في عدة قطاعات، فوجدنا أن 18% من الرؤساء التنفيذيين اقترنت أسماؤهم بانتهاكات تراوحت ما بين مخالفات مرورية بسيطة، والقيادة تحت تأثير الكحول، وإقلاق راحة الآخرين، وجرائم المخدرات، والسلوك الطائش، والعنف المنزلي، والاعتداء الجنسي.

فحصنا أولاً ما إذا كان خرق هؤلاء القادة المنتمين إلى صفوف الإدارة العليا للقواعد مرتبطاً بالنتائج النهائية المختلفة لشركاتهم. وانطلقنا من أول سؤال يفرضه الحدس: هل الإبلاغ عن الاحتيال أرجح في شركة ما إذا كان لرئيسها التنفيذي سجل إجرامي؟ هل الرئيس التنفيذي (أو الرئيس التنفيذي للشؤون المالية) أكثر ميلاً إلى الضلوع شخصياً في الاحتيال إذا كان لديه سجل إجرامي؟ لم نتفاجأ عندما توصّلنا إلى أن الإجابة عن هذين السؤالين هي نعم. وعندما قارنّا بين مجموعتين من الشركات – تلك التي حصل فيها احتيال، وتلك التي لم يحصل فيها احتيال لكنها خلافاً لذلك كانت مشابهة لشركات المجموعة الأولى – وجدنا أنه إذا كان سجل الرئيس التنفيذي يحتوي على مخالفة إجرامية، فإن الشركة كانت أكثر ميلاً بمرتين إلى أن تكون ضالعة في الاحتيال، بينما كان الرئيس التنفيذي أكثر ميلاً بسبعة أضعاف إلى أن يكون من بين مرتكبي الجريمة. وعلاوة على ما سبق، حتى ارتكاب الرئيس التنفيذي لانتهاكات بسيطة (مثل المخالفات المرورية) يحصل بنسب أعلى بكثير في الشركات التي عانت من الاحتيال مقارنة بتلك التي لم تشهد أي احتيال.

رغم أن هذه النتائج مذهلة، إلا أننا كنا نعلم أن الاحتيال نادر الحدوث. فهل سنلاحظ النمط ذاته في حالة الأشكال الأوسع انتشاراً لسوء السلوك في الشركات؟ لكي نجيب عن هذا السؤال، قررنا دراسة ما إذا كان التنفيذيون الذين لديهم مخالفات إجرامية سابقة أكثر ميلاً أيضاً إلى الانخراط في صفقات مجزية للتداول من الداخل (أو ما يسمى تداول المطلعين)، وهي عمليات ليست غير قانونية بالضرورة لكن نتائجها الهائلة وتوقيتها الممتاز تشير إلى أن المتداوِل ربما يكون قد استفاد بطريقة غير منصفة. وجدنا أن التنفيذيين ذوي السوابق الإجرامية (بما في ذلك التهم الخطيرة والمخالفات المرورية البسيطة) كسبوا أرباحاً أعلى بكثير من عمليات بيع أسهم شركاتهم وشرائها مقارنة بالتنفيذيين الذين لم تكن لديهم مخالفات سابقة، وقد كانت أرباح عمليات التداول هذه تتناسب طردياً مع درجة شدة المخالفة.

استقصينا بعد ذلك ما إذا كانت آليات الحوكمة القوية في الشركة – مثل السياسات التي تحظر التداول خلال فترات زمنية معيّنة، والانفتاح على الخضوع للتدقيق من كبريات المؤسسات الاستثمارية، واستقلالية مجلس الإدارة – قادرة على ردع أنشطة التداول هذه. وجدنا أن هذه الآليات أسهمت في تخفيض أرباح التنفيذيين الذين كانت لديهم مخالفات مرورية، لكن تأثيرها لم يكن يُذكَر على التنفيذيين الذين كانوا قد ارتكبوا جرائم خطيرة. يبدو، إذن، أن آليات الحوكمة وأنظمة الضبط الرسمية لن تكون قادرة على الأغلب على كبح جماح الأشخاص الأسوأ سلوكاً. وهذا خبر مُحبِط لمجالس الإدارة والجهات الناظمة التي ترغب في وضع حد لعمليات التداول الانتهازية من الداخل وغير ذلك من السلوكيات غير المرغوبة.

النزعة المادية. كنا مهتمين بدراسة النزعات المادية لدى الرؤساء التنفيذيين. والنزعة المادية، كما نعرّفها، لا تتبدّى ظاهرياً بالضرورة بحيازة العديد من الممتلكات أو حتى حيازة الفاخر منها؛ وإنما تشمل إبداء الحماس الشديد لجمع الثروة والفخامة بغضّ النظر عن تكلفتها بالنسبة للآخرين.

ينطوي تحديد وجود نزعة مادية لدى الرؤساء التنفيذيين على تحدّيات لأن معظمهم يمتلك الكثير من الأصول. لكن ثمة طريقة متاحة للبحث عن هذه النزعة وتتمثل في تحديد ما إذا كانت ممتلكات الشخص زائدة عن اللزوم مقارنة بممتلكات الأقران والجيران. وبعد تدقيق متأن أجريناه، اخترنا ثلاثة سلوكيات تتعلق بالاستحواذ وتدل على نزعة مادية، وهي سلوكيات يمكن الحصول على بيانات بشأنها. تمثّلت هذه السلوكيات في امتلاك منزل خاص تبلغ قيمته ما يعادل ضعفي السعر الوسيط للمنزل في المنطقة؛ وحيازة سيارة يقترب سعرها من 75 ألف دولار (يمثل ثمناً باهظاً جداً لسيارة فارهة وقت إجراء دراستنا)؛ وامتلاك قارب يزيد طوله على 25 قدماً. وفي عيّنتنا من الرؤساء التنفيذيين، كان لدى 58% منهم واحداً أو أكثر من هذه الممتلكات الدالة على المادية، وبالتالي كان يجوز تصنيفهم على أن لديهم نزعة مادية؛ وقد صنّفنا البقية الذين تبلغ نسبتهم 42% على أنهم حريصون مالياً.

بحثنا أولاً عن مدى وجود رابط بين الاحتيال والرؤساء التنفيذيين الماديين، واكتشفنا أن ثمة رابطاً بين الأمرين. لاحظنا وجود ضعف تدريجي في بيئة الضبط في الشركات التي يقودها تنفيذيون مُسرِفون في الإنفاق. وبالتحديد، لاحظنا استعمالاً أكبر للحوافز المستندة إلى الأسهم (وهذا الشيء يمكن أن يشجع المدراء على تضليل أسواق المال من خلال تضخيم الأداء المُعلن)، وتعيينات أكثر لرؤساء تنفيذيين للشؤون المالية يتصفون بالمادية، ومراقبة أقل تشدداً من مجلس الإدارة، واحتمالاً أكبر لوجود ضعف في الضوابط الداخلية. أسهمت هذه الظروف جميعها في إيجاد بيئة زاد فيها احتمال تقديم تقارير احتيالية – ووجدنا قدراً أكبر من الاحتيال (من جانب التنفيذيين الآخرين غير الرئيس التنفيذي) وأخطاء غير مقصودة أكثر في التقارير.

في المرحلة التالية، ركّزنا انتباهنا على المصارف التي يسهّل نموذجها التجاري قياس سلوكيات المجازفة. وفي عيّنة تضم 300 مصرف، وجدنا أن المصارف التي يديرها رؤساء تنفيذيون ماديون تضم أنظمة متراخية نوعاً ما لإدارة المخاطر، وبالتالي فقد واجهت خطراً أكبر بتسجيل أداء سيء جداً مقارنة بالمصارف التي يقودها رؤساء تنفيذيون مقتّرون. وعلاوة على ما سبق، وجدنا أن الرؤساء التنفيذيين ذوي النزعة المادية أسهموا أيضاً في تدهور ثقافة مؤسساتهم الأمر الذي قاد الموظفين إلى استغلال أكبر لفرص التداول بناء على المعلومات الداخلية خلال الأزمة المالية بين العامين 2007 و2009. بيد أن الشركات التي كانت خاضعة لإدارة رؤساء تنفيذيين ماديين حققت عوائد أعلى مقارنة بالشركات التي أدارها رؤساء تنفيذيون حريصون مالياً.

في دراسة أخرى، راجعنا تأثير النزعة المادية لدى كبار التنفيذيين على أداء شركاتهم في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات. وتوصّلنا إلى أن الشركات التي يديرها قادة ماديون حصلت على علامات أدنى من الوكالات المتخصصة في تصنيف المؤسسات بحسب أدائها في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات مقارنة بتلك التي يتزعمها قادة حريصون مالياً (نتيجة لقلة العطاء الخيري، مثلاً، أو بسبب انتشار الملوثات الضارة في المجتمع). وهذه النتيجة التي خلصنا إليها متوافقة مع الدراسات الأخرى التي تُظهر أن الناس الماديين لا يُبدون اهتماماً كبيراً بعافية الآخرين وبسلامة البيئة.

الاستجابة للبحث

عندما أتحدث مع التنفيذيين، وأعضاء مجالس الإدارة، والمستثمرين حول هذا العمل، فإن رد فعلهم ينم عادة عن مفاجأة. في البداية، يتعجب بعض الناس من قدرة الباحثين الأكاديميين على الحصول على معلومات حول التاريخ الإجرامي للرؤساء التنفيذيين وممتلكاتهم الشخصية. (لكنني أخبرهم أن المحققين الخاصين في الولايات المتحدة يستطيعون الاطلاع بطريقة قانونية على العديد من السجلات العامة ذات الصلة).

بالنسبة لأعضاء مجالس الإدارة والآخرين المعنيين بقرارات التعاقب الوظيفي، غالباً ما تدفعهم نتائجنا إلى تأمّل حجم العناية الواجبة التي يبذلونها عادة ودرجة الاستقصاء والتحري اللذين ينجزونهما. فرغم أنهم قد يطلبون إجراء تدقيق في خلفيات المرشحين الخارجيين (وهذا يشمل أحياناً بحثاً في السجلات القانونية)، إلا أنهم نادراً ما يُقدِمون على هذه الخطوة في حالة المرشحين الداخليين الساعين إلى الحصول على ترقية لتولي منصب ضمن صفوف الإدارة التنفيذية العليا، كما عبّر أحد الأشخاص الذين تحدّثنا إليهم عن الأمر قائلاً: "نحن لا ننظر إلى هذه المسائل حتى. لا نهتم بما يفعله الشخص خارج وظيفته، وربما يجب علينا فعل ذلك".

ثمة أشخاص آخرون يقولون عندما يطّلعون على نتائج بحثنا إنها متوافقة مع ما سمعوه أو قرأوه عن بعض الرؤساء التنفيذيين البارزين. فعلى سبيل المثال، كان ستيف جوبز مشهوراً بانتهاك القواعد التي كان يعتبرها مصدر إزعاج، فقد رفض أن يضع لوحة أرقام على سيارته، وفي مقرّات آبل الرئيسية كان في أحيان كثيرة يركن سيارته في المواقف المخصصة للسائقين من ذوي الإعاقة. ورغم أن جوبز لم يُتَّهم بارتكاب أي سوء سلوك على مستوى الشركة، إلا أن آبل تورطت في فضيحة تمثلت في إعطاء تاريخ أسبق لخيارات أسهمه. وثمة مثال آخر يشمل إليزابيث هولمز التي أسست شركة "ثيرانوس" (Theranos) وأدينت مؤخراً بتهمة الاحتيال على المستثمرين في شركتها الفاشلة المتخصصة بإجراء اختبارات الدم. وفي أثناء محاكمتها (عندما قيل إنها كانت تعيش في عقار تبلغ قيمته 135 مليون دولار)، اقترح الادعاء العام أن عيش حياة باذخة كان أحد الدوافع وراء سلوكها الإجرامي.

كان تجاوب الجهات الرقابية مع بحثنا إيجابياً حيث أبدت اهتمامها به. وفي 2016، أمضيت عاماً كاملاً وأنا أعمل في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية التي عيّنتني جزئياً بسبب هذه الدراسات. فالهيئة تعتقد أن حجم خسائر المستثمرين يرتبط غالباً بطول المدة التي يُمارس فيها سوء السلوك دون أن ينتبه إليه أحد، لذلك فإن مصلحتها تقتضي كشف الاحتيال في أبكر وقت ممكن. ولكي تحقق الهيئة هذا الهدف، فإنها تأمل بتحسين قدرتها على التنبؤ بالأماكن التي يمكن أن يحصل فيها احتيال عوضاً عن الاكتفاء بانتظار اكتشاف حدوثه. ويشمل جزء من هذه الجهود استعمال النمذجة المالية لتحديد الشركات التي تتضمن تقاريرها المالية عناصر مشابهة لتلك التي وردت في حالات الاحتيال السابقة. وبالتالي فإن إضافة السلوك القيادي أو مؤشرات الإنذار خارج العمل كأداة إضافية للتنبؤ هي فكرة واعدة، لكن الجهات الناظمة تمضي في هذا الاتجاه بشكل حذر بسبب المخاوف المتعلقة بالخصوصية أو غيرها من المسائل الأخلاقية.

في هذه الأثناء، يستمر البحث. في 2021، نشرتُ أنا وزميلان لي ورقة علمية تناولت تأثيرات الحوافز على الأشخاص الذين يُبلِغُون عن المخالفات في الشركات. وقد وجدنا أنه وخلافاً لمزاعم المنتقدين، فإن المكافآت التي تدفعها بعض الحكومات (بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة) لمن يُبلغون عن المخالفات تساعد في فضح الاحتيال، دون تسجل أي زيادة في المزاعم التي لا أساس لها من الصحة. وفي دراسة استقصائية أخرى، ما زلتُ أبحث عن طرق جديدة للتمييز بين الرؤساء التنفيذيين ذوي النزعة المادية وأولئك المقتّرين أو الحريصين مالياً. ومن الجدير طرح السؤال التالي: هل يجب أن نأخذ بحسباننا الطريقة التي تعوض بها الأعمال الخيرية الشخصية للرئيس التنفيذي مشترياته من السلع الفاخرة، وهل يمكن لهذا السلوك الخيري أن يشكل ثقلاً مقابلاً للنزعة المادية في الميزان؟

مع تطوّر عملي ومضيّه قدماً، آمل أن أقدّم إجابات أوضح عن هذه الأسئلة. ولكن في الوقت الحاضر، دعوني أقول بوضوح أن على مجالس الإدارة عدم رفض المرشحين لشغل منصب الرئيس التنفيذي ببساطة لأنهم قد حصلوا على مخالفة سرعة زائدة، أو اشتروا منزلاً بسعر باهظ جداً. لكن أعضاء مجالس الإدارة يجب أن يأخذوا هذه الإشارات التحذيرية بالحسبان، وتحديداً إذا كانت هناك مخالفة قانونية قد حصلت مؤخراً أو تكررت. فالبيانات تشير إلى أن الخطر أكبر من أن يتم تجاهله.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي