ملخص: قد يشعر الكثيرون منا بتذبذب إحساسهم بالسلطة والنفوذ في العمل، وذلك بتغيُّر مقدارهما من آنٍ لآخر وتبدل مواعيد ممارستهما ونوعية الأشخاص الذين نتعامل معهم. وقد يؤدي هذا إلى ازدياد شعورنا بالتوتر على نحو مفاجئ وتراجع شعورنا بالرفاهة. ولمعالجة هذا الأمر، احرص على تنفيذ الاستراتيجيات التالية لجعل اختلال موازين القوة أكثر قابلية للإدارة. أولاً: احرص على تنظيم مهماتك، بحيث تجمّع الأنشطة ذات المستويات المتماثلة من السلطة والنفوذ معاً. ثانياً: ضع روتيناً محدداً لعملك، واحرص على وضع "تيمة موحَّدة" للأيام ذات الأنشطة المتماثلة. ثالثاً: اعمل على إنشاء هوية تتجاوز الأدوار الوظيفية حتى تتمكن من استيعاب مختلف مستويات السلطة والنفوذ. رابعاً، وأخيراً: اعمل بجدية على إدارة رفاهتك الشخصية.
أجاب معظمنا عن السؤال التالي مرات لا تُحصى: "ما هو عملك؟". وإذا كنت مثل معظم الأشخاص، فسترد على الأرجح بشيء مثل: "مدير المشاريع" أو "اختصاصي دعم تكنولوجيا المعلومات" أو "نائب رئيس الشركة لشؤون المبيعات".
لكن المسميات الوظيفية ليست جملاً فعلية، بل هي جمل اسمية. وعلى الرغم من أنها قد تشي بشيء عن مكانتك الرسمية في التراتبية الهرمية بمؤسستك، فإنها لا تعكس بالضرورة مدى إحساسك بالسلطة والنفوذ في العمل، يوماً بعد يوم ومن لحظة إلى أخرى.
ولك أن تنظر مثلاً إلى المقتطَفَيْن التاليين المأخوذين من شخصين مختلفين في شبكة علاقاتنا الشخصية والمهنية، سالي وفريد، اللذين يعبران فيهما عن إحساسهما بالسلطة والنفوذ في وظيفتيهما.
"أحدِّد المواعيد النهائية للمشاريع وأشرف على الفرق المختصة بتنفيذها، وأكتب تقارير دورية بالمنجزات، وأعتمد قرارات التمويل... وأحاول الإجابة عن أي تساؤلات قد يطرحها الموظفون المختصون أو تقديم المشورة لِمَنْ يبحثون عنها، بمن في ذلك رئيس قسم الشؤون الهندسية. لديّ الكثير من المسؤوليات وغالباً ما أشعر بالسلطة والنفوذ". ــــــــ سالي
"أحاول لملمة أعمال المكتب. وأحرص على إرسال رسائل البريد الإلكتروني وتعليق اللافتات. لكن يبدو لي أن كل ما أفعله يضيع هباءً. وأضطر في النهاية إلى تحمُّل أخطاء الجميع... وعندما لا أكون في المكتب، فعادة ما أكون في طريقي لتنظيم فعاليات التواصل مع العملاء المحتملين في مدن غريبة عليّ. ولطالما سهرت الليالي أحاول إرسال الدعوات إلى أشخاص لا أعرفهم، لأتفاجأ بحضور 5 أشخاص فقط. وكثيراً ما أرّقني القلق في بعض الأمسيات وأنا أراقب الأبواب على أمل أن يزداد عدد الحاضرين! ولكم شعرتُ بالحرج آنذاك. أشعر في تلك اللحظات بالضعف والعجز". ــــــــ فريد
ربما استنبطتَ من التجربتين الموضحتين أعلاه أن سالي مسؤولة تنفيذية تمتلك الكثير من السلطة والنفوذ، في حين أن فريد يشغل منصباً دون المستوى. غير أنك ستتفاجأ إذا عرفت أن المسمى الوظيفي الرسمي لسالي هو "مساعدة إدارية"، في حين أن المسمى الوظيفي الرسمي لفريد هو "نائب رئيس الشركة والمدير الإداري لفرع الشركة في أميركا الشمالية".
فلماذا يتباين إحساس كلٍّ من سالي وفريد حيال إحساسهما بالسلطة والنفوذ بطريقة لا تعكس مسمياتهما الوظيفية؟ وما أهمية هذا الأمر؟ أثبتت أبحاثنا أن إحساس المرء بالسلطة والنفوذ في العمل قد يختلف كلياً وجزئياً عن مستوى السلطة والنفوذ الذي يمنحه إياه مسماه الوظيفي. كما لاحظنا أن إحساس المرء بالسلطة والنفوذ قد يتعرّض للتذبذب بصورة يومية. الأهم من ذلك أن هذا التذبذب قد يتسبب في تراجع الشعور بالرفاهة.
كيف يؤدي تغيُّر الإحساس بالسلطة والنفوذ إلى الشعور بالتوتر؟
تبدو خبرات العمل التي أشار إليها كلٌ من سالي وفريد غير متوافقة بالمرة مع منصبيهما الرسميين، لكنها تبدو في الوقت ذاته مألوفة للكثيرين منّا. وتعكس على وجه التحديد الفارق بين السلطة المخولة بموجب المنصب الوظيفي من جهة والشعور الذاتي بالسلطة والنفوذ من جهة أخرى. إذ تمنح السلطة المخولة بموجب المنصب الوظيفي صاحبها القدرة على التحكم في الموارد المهمة (كتعيين الموظفين وفصلهم من العمل، وتخصيص الميزانيات، وإدارة المرؤوسين، وما إلى ذلك) وعادةً ما تنعكس على المسمى الوظيفي للفرد ومركزه في المخطط التنظيمي للمؤسسة. من ناحية أخرى، فإن الشعور الذاتي بالسلطة والنفوذ يعبّر عن فهم الفرد الداخلي لحدود سلطته ونفوذه الشخصيين فيما يتعلق بتعامله مع الآخرين.
ويمكن تشبيه المسميات الوظيفية وغيرها من مؤشرات السلطة المخولة بموجب المنصب الوظيفي باللقطات السريعة التي تكشف عن المرحلة المهنية للموظف أكثر مما تكشف عن خبراته الذاتية اليومية. وغالباً ما يتعرّض الموظفون لموجات متقلبة من الخبرات التي تنطوي على مجموعة واسعة من المشاعر المتعلقة بإحساسهم الذاتي بالسلطة والنفوذ. ويعتبر تذبذب الحالات النفسية نتيجة ارتفاع وانخفاض الإحساس بالسلطة والنفوذ (أو العكس) من الأمور الشائعة نسبياً في المواقف اليومية. على سبيل المثال: قد تمر علينا أيام في حياتنا الأكاديمية ننشر فيها مقالاً بمجلة "هارفارد بزنس ريفيو" وفي اليوم نفسه يرفض محرر إحدى المجلات الأكاديمية ومراجعوها مشروعاً بحثياً أنفقنا فيه سنوات من عمرنا.
وقد حاولنا في الآونة الأخيرة التوصل إلى فهم أدق لكيفية تأثير تذبذب الإحساس بالسلطة والنفوذ على رفاهة الموظفين في العمل. وتوصلنا من خلال 4 دراسات إلى أن هذه التجربة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بانخفاض الشعور بالرفاهة. على سبيل المثال: كانت لدينا في إحدى الدراسات عينة تتألف من 616 طالباً جامعياً يخضعون لمحاكاة مؤسسية على الكمبيوتر تتضمن مقادير مختلفة من تذبذب الإحساس بالسلطة والنفوذ. ولاحظنا أنه كلما ازداد اضطرار المشاركين للمراوحة بين عقلية الإحساس بمستويات عالية ومنخفضة من السلطة والنفوذ، ازدادت احتمالات إفادتهم بتعرضهم للشعور بالضغوط النفسية. وسألنا 100 موظف في دراسة أخرى عن خبراتهم اليومية على مدى 10 أيام. وكان الموظفون يعبّرون عن إحساسهم المتصوَّر بالسلطة والنفوذ عدة مرات في اليوم الواحد، مشيرين كذلك إلى مدى إحساسهم بالضغط النفسي وعدد الأعراض الجسدية (كالصداع أو إجهاد العين، على سبيل المثال لا الحصر) التي يشعرون بها. ووجدنا أنه كلما ازداد تذبذب إحساس الموظفين بالسلطة والنفوذ على مدار اليوم، ازداد شعورهم بالضغط النفسي والأعراض الجسدية التي أفادوا بشعورهم بها في وقت لاحق من اليوم.
تشير هذه النتائج إلى أن الضغوط النفسية في العمل قد ترتبط بما نفعله وبمدى إحساسنا بالسلطة والنفوذ أو العجز المكتسب مما نفعله في العمل، أكثر من ارتباطها بمناصبنا الوظيفية الفعلية في العمل. لماذا يحدث ذلك؟
يتمثل أحد التفسيرات المحتملة في أن الوظيفة هي في الواقع مجموعة ديناميكية من الأدوار، كل منها مرتبط بمجموعة معينة من المسؤوليات المحددة وأساليب التصرف. وعندما تبدو هذه السلوكات غير متوافق بعضها مع بعض، أو عندما يكون مقدار الوقت المتاح للمرء لإنجاز كل متطلبات دوره الوظيفي غير كافٍ، فغالباً ما يعاني الموظفون الشعور بالتوتر وغيره من التداعيات الدالة على تراجع مستوى الرفاهة. وتتباين التوقعات السلوكية المطلوبة من أصحاب الأدوار الوظيفية الذين يتذبذب إحساسهم بالسلطة والنفوذ ارتفاعاً وانخفاضاً، كما تتباين طرق تفكيرهم بصورة ملموسة على مدار اليوم، ما يخلق توترات وظيفية قد يصعب التعامل معها بنجاح إذا كنت تتنقل باستمرار بين الأمرين.
على سبيل المثال: غالباً ما يُتوقع من الموظفين المجردين من أي سلطة وظيفية أن يتصفوا بالاستكانة والهدوء، وأن يلتمسوا توجيهات زملائهم الأعلى منهم، وأن يتجنبوا محاولة زعزعة الأمور. من ناحية أخرى، غالباً ما يُتوقع من الموظفين ذوي السلطة والنفوذ أن يتصفوا بالحزم والشدة، إضافة إلى القدرة على التحكم في الموقف وفرض إرادتهم على الآخرين. وإذا كانت وظيفتك تتطلب منك التحلي بالأمرين معاً، فقد تشعر بالضغط النفسي لأنك (والآخرين في مؤسستك) تتوقع تضارب هذه المشاعر. وهذا هو ما توصلت إليه دراساتنا بالضبط: الموظفون الذين يتذبذب إحساسهم بالسلطة والنفوذ عانوا الشعور بالضغط النفسي أكثر من غيرهم نتيجة تذبذب سلطتهم ونفوذهم ارتفاعاً وانخفاضاً بصورة متضاربة في أدوارهم الوظيفية، وهو ما يرتبط بدوره بزيادة الضغوط النفسية والجسدية.
استراتيجيات لتقليل حدة تذبذب الإحساس بالسلطة والنفوذ
لحسن الحظ، هناك طرق لمعالجة التداعيات السلبية لهذه التقلبات العاطفية. ونقدّم فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي ستساعدك على تقليل حدة تذبذب السلطة والنفوذ في حياتك الخاصة والتعامل مع التذبذب الحتمي الذي قد تواجهه يومياً في الإحساس بالسلطة والنفوذ.
1- احرص على تنظيم مهماتك
اعمل على مراجعة جدول مواعيدك من الأسبوع الماضي لتحديد أنواع الخبرات (من اجتماعات ومهمات، وما إلى ذلك) التي دفعتك للشعور بأنك أكثر أو أقل سلطةً ونفوذاً. وحاول في المستقبل تنظيم جدول مواعيد مهماتك في مجموعات محددة وفقاً لمدى قدرتها على إشعارك بالسلطة والنفوذ.
على سبيل المثال: احرص على تجميع مهمات، مثل تقديم المشورة لأحد مرؤوسيك أو الاجتماع به، في اليوم نفسه من الأسبوع إن أمكن. وبالمثل، احرص على تجميع المهمات التي قد تجعلك تشعر بأنك غير مهم ومسلوب السلطة والنفوذ، مثل طلب المساعدة أو التحدث إلى رئيسك في العمل. قد لا تستطيع التحكم في مشغولياتك، ولكنك ستستطيع على الأرجح التحكم في وقت حدوث تجارب معينة خلال أسبوع أو يوم العمل، ويجب أن تستفيد من المرونة الممنوحة لك لتنظيم جدول مواعيدك لتقليل حدة تذبذب إحساسك بالسلطة والنفوذ.
2- ضع روتيناً محدداً لعملك
توصلنا من خلال إحدى دراساتنا إلى أن أضرار تذبذب الإحساس بالسلطة والنفوذ تزداد حدةً عندما يعمل الموظفون في مهمات جديدة وغير مألوفة، على عكس عملهم في مهمات روتينية. لذا ننصح بأن تؤدي عملك بطريقة تراعي الاتساق والتكرار قدر الإمكان. ولك أن تنظر مثلاً إلى جاك دورسي، الرئيس التنفيذي لـ "تويتر"، فهو يستخدم أسلوب "الأيام ذات التيمة الموحَّدة"، حيث يكرّس كل يوم لمجال واحد من عمله (فيوم الاثنين مخصَّص لاجتماعات الإدارة، ويوم الثلاثاء مخصَّص لتطوير المنتجات، إلخ). ويساعده هذا الأسلوب على التركيز على المهمة الأساسية التي بين يديه ويسمح له بالتعامل مع المقاطعات بشكل أكثر فاعلية.
وهناك الكثير من الطرق الأخرى لوضع روتين محدد في العمل، كالوصول إلى العمل ومغادرته في الوقت نفسه كل يوم أو تخصيص أول 15 دقيقة للتخطيط ليومك أو المواظبة على أخذ فترات راحة منتظمة. ولا يؤدي وضع روتين محدد إلى زيادة القدرة على التنبؤ بمسار عملك فحسب، بل يسهل عليك أيضاً التنقل بين الأدوار الوظيفية المتعددة التي يتعين عليك أداؤها في عملك.
3- اعمل على إنشاء هوية تتجاوز الأدوار الوظيفية
يتسبب تذبذب الإحساس بالسلطة والنفوذ في تدمير شعورنا بالرفاهة، جزئياً لأنه يولّد حالة من التنافر المعرفي. لكن يمكنك الخروج من هذه الحالة عن طريق إنشاء هوية تتجاوز الأدوار الوظيفية وتؤكّد أهمية كلا النوعين من السلطة والنفوذ باعتبارهما جزأين ضروريين من شخصيتك.
وبدلاً من التفكير من منطلق أنك "رئيس" أو "مرؤوس"، حاول أن تستوعب الفروق الدقيقة المرتبطة بشخصيتك كفرد "قادر على حل المشكلات" أو "توطيد العلاقات" أو "عنصر أساسي في إحداث التغيير". وسيساعدك دمج مختلف شخصياتك العملية متعددة المستويات السلطوية في هوية واحدة تتجاوز دورك الوظيفي على عدم التعرّض لتجربة التعامل بعقليات متباينة ومتضاربة. واعلم أن ظروف عملك اليومي لن تتغير مطلقاً، فحاول قبولها كما هي بدلاً من مقاومتها.
4- اعمل بجدية على إدارة رفاهتك الشخصية
بقدر ما نرغب في تجنب تذبذب الإحساس بالسلطة والنفوذ والضغوط النفسية المرتبطة به في العمل، فلا مفر من تذبذبه إلى حدٍّ ما. ولحسن الحظ، هناك عدد من الخطوات المتنوعة التي يمكن للموظفين اتخاذها، مثل تمارين الكتابة التعبيرية والمشاركة الاجتماعية وأخذ فترات راحة من العمل لمدد قصيرة وممارسة تمارين اليقظة الذهنية، على سبيل المثال لا الحصر. والأهم من ذلك، أن كل هذه الإجراءات سهلة ورخيصة التكلفة (أو مجانية) ويمكن اتخاذها في أي مكان تقريباً.
وقد مرّ الكثير من الموظفين، بمن فيهم نحن شخصياً، بحالة من التقلبات العاطفية خلال العام الماضي بعد أن تسببت جائحة "كوفيد-19" في تغيُّر ديناميات السلطة والنفوذ وتفاقم حدة التوتر المرتبط بالعمل على نحو غير مسبوق. ومن المهم أن يدرك جميع الموظفين في النهاية أن التوتر الناجم عن تذبذب الإحساس بالسلطة والنفوذ أمر طبيعي وأن الجميع سيشعر بهذا التذبذب في مرحلة أو أخرى. لذلك، عندما يراودك الإحساس بهذا التذبذب، فلا بأس في أن ترفق بنفسك وتستخدم بعض الاستراتيجيات التي نوصي بها. ونحن جميعاً نستحق القليل من التعاطف الذاتي الإضافي هذه الأيام، حتى عندما يتعلق الأمر بإدارة مشاعرنا اليومية المتولّدة عن تذبذب إحساسنا بالسلطة والنفوذ.