كيف يتمكن الزوجان العاملان من أداء مهامهما الوظيفية أثناء أزمة فيروس كورونا؟

6 دقائق
الزوجان العاملان وأزمة كورونا

بعد أكثر من شهرين على بدء تطبيق الإغلاق العام في الصين نظراً إلى تفشي فيروس كورونا، ومع بدء تخفيف القيود المفروضة، ظهر رقم جديد مذهل، فقد ارتفع معدل الطلاق في مدينة شيان بمقاطعة شنشي. وفي حين أن عدد حالات الطلاق في إيطاليا لم يتوفر بعد، إلا أن النكات كثُرت حول هذا الأمر. وقال أحد أقربائي الإيطاليين ساخراً: "بعد هذه الأزمة، إما سيُرزق الزوجان بطفل ثالث وإما سيتطلقان"، حيث إن فرنسا، حيثما أعيش أنا وزوجي، تبعت إيطاليا في تطبيق إغلاق عام لفترة غير محددة. وبعد 4 أيام من تطبيق الإغلاق العام، فهمتُ لماذا قال ذلك.

الزوجان العاملان وأزمة كورونا

من خلال عملي في إجراء البحوث حول الزوجين العاملين، رأيت كيف يمكنهما النجاح في كل من الحياة المهنية والحياة الزوجية على الرغم من انشغالهما بالكثير من الأعمال. ولكن الآن الملايين من الأزواج العاملين، مثلي أنا وزوجي، في جميع أنحاء العالم وجدوا أنفسهم في موقف كان منذ شهر لا يمكن تصوره ويحاولون خوض غماره دون خارطة طريق لترشدهم، فقد أُجبروا على العمل بدوام كامل من المنزل. وكان على الكثير منهم أيضاً الاعتناء بالأطفال كامل اليوم بمساعدة قليلة أو معدومة بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي الصارمة.

اقرأ أيضاً: كيف نضمن الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية للناس في خضم أزمة عالمية

العمل نفسه أصبح أكثر إثارة للتوتر من المعتاد، فقد انتقلنا من العمل وجهاً لوجه إلى العمل عبر الإنترنت والشركات تكافح لخدمة العملاء، حتى أن أماننا الوظيفي نفسه أصبح موضع شك، وبالتالي فقد أصبح العمل يسبب لنا ما يكفي من الإحباط والقلق في المنزل. والآن المنزل هو المكان الذي يتعين علينا أن نتعامل فيه مع هذه التحديات. ونظراً إلى عدم وجود تقسيم واضح للعمل فيما بين المهام الوظيفية والأعمال المنزلية، يواجه الزوجان العاملان مجموعة من التحديات الجديدة وغير المألوفة: إذ كيف يمكن للزوجين العمل على نحو منتج في المكان ذاته؟ مَن سيستخدم المكتب المنزلي، ومتى؟ كيف يمكننا تجنب الوقوع في فخ العمل الإضافي والإصابة بالإنهاك الشديد، وهو أمر منتشر بين العاملين من المنزل؟ كيف يمكننا التعامل مع عادات الطرف الآخر المزعجة قليلاً التي بعدما أصبحنا نقضي الوقت بأكمله معاً أصبحت فجأة مثار خلاف؟ وبالنسبة إلى الزوجين العاملين، كيف يمكن إبقاء الأطفال مشغولين مع الحفاظ على دراستهم من المنزل، دون وجود أصدقاء أو أجداد أو مقدمي خدمات رعاية الأطفال بأجر لمساعدتنا في ذلك؟

معظم النصائح التي أحصل عليها رداً على تلك الأسئلة تشير إلى أن الزوجين بحاجة إلى التركيز على الجوانب العملية: ضعوا جدولاً ليومكم. لا تعملوا أبداً على طاولة المطبخ. أغلقوا باب غرفة المكتب في المنزل. قسّموا الأعمال المنزلية. تحدثوا مع مدرائكم. تناوبوا على رعاية الأطفال والعمل. خذوا قسطاً من الراحة على فترات منتظمة. لا تحرموا أنفسكم من النوم. استفيدوا من التكنولوجيا.
لهذه الجوانب العملية أهمية واضحة، ولتحقيقها سيحتاج جميع الأزواج، وبالطبع جميع العاملين، إلى إجراء تعديلات كبيرة وجادة. ولكن من خلال قضاء 6 سنوات في إجراء البحوث تعلمتُ أن ما يحدد الأزواج الذين سينفصلون بعد انتهاء الأزمة والأزواج الذين ستتوطد علاقتهم الزوجية، لا يتعلق بكيفية تعاملهم مع الجوانب العملية. فالأمر لا يتعلق بمَن سيكون شجاعاً ليخرج أثناء فترة تفشي الفيروس لشراء اللبن.

يشير بحثي، الذي أجريت فيه مقابلات مع أكثر من 100 من الأزواج، أن الأزواج الذين سيتجاوزون تلك الأزمة دون الإضرار بحياتهم المهنية والزوجية هم الذين يتناقشون ويتفقون على مبادئ محددة مع بداية الأزمة. ويجب أن تتضمن تلك النقاشات الأمور الأكثر أهمية بالنسبة إلى الزوجين وما الذي يريدان ويحتاجان إلى تحقيقه وما الذي يحتاجان إليه من بعضهما البعض وما الذي يجب عليهما تقديمه في المقابل. فتلك المبادئ المتفق عليها هي ما تأتي بالحلول العملية التي ينبغي للزوجين تبنيها بينما تنكشف الأزمة. "اتفاق الأزمة" هذا قائم على العقد المُبرم بين الزوجين الذي ذكرتُ في كتابي "الزواج الناجح" (Couples That Work) أن له أهمية بالغة لنجاح الزوجين العاملين. ولكن لا يمكن أن يضع الزوجان عقداً مرة واحدة فحسب، بل يجب أن يعدّلا الاتفاق في حال حدوث تغييرات كبيرة، خاصة عندما تقع الأزمات.

الاتفاق مع الشريك أثناء الأزمات

وضع اتفاق الأزمة لا يستغرق الكثير من الوقت. يمكنك وضعه اليوم مع شريك حياتك. أولاً، اقضِ بضع دقائق بمفردك لتدوين أفكارك حول كل سؤال من الأسئلة المذكورة أدناه. ضع أفقاً زمنياً يصل إلى 3 أشهر (في هذه المرحلة لا نعلم إلى متى سيستمر هذا الوضع ولكن هذه المدة من واقع تخميني المدروس وفقاً لتجربة الصين). بعد تدوين أفكارك وجمعها معاً شاركها مع شريك حياتك نقطة بنقطة واعملا معاً على إيجاد أرضية مشتركة. دوّنا ما اتفقتما عليه، فهذا ما سيجعل اتفاق الأزمة فعالاً ولتتمكنا من الرجوع إليه كل أسبوع للتأكد من أنكما على المسار الصحيح. ويمكن أيضاً النظر إلى هذا الاتفاق باعتباره أساساً لحل المشكلات العملية التي قد تواجهكما في المستقبل.

اقرأ أيضاً: كيف نجحت الإدارة الحكيمة للأزمة في نيوجيرسي في تخفيف الآثار السلبية لعاصفة ساندي؟

ما هو أكثر ما يهمك في تلك الفترة؟

الإجابة السهلة التي سنذكرها جميعاً هي: صحة أحبابي وسلامتهم. ولكن بالإضافة إلى ذلك، ما هي أهم ثلاثة أهداف ترغب في تحقيقها خلال هذه الفترة؟ هل هناك مشروع محدد في عملك ترغب في إتمامه؟ هل هناك علاقة ترغب في توطيدها؟ هل ترغب في استغلال الوقت الذي تقضيه في المنزل للتخطيط للانتقال إلى وظيفة أخرى؟ هل تعليم أطفالك في قمة اهتماماتك؟

يُعد فهم تلك الأهداف ومشاركتها مع شريك حياتك خطوة هامة سترشدك أثناء تقسيم وقتك. من المحتمل أن يكون معظمنا أقل إنتاجية في أي جانب من جوانب حياته خلال فترة الأزمة. ولكن تخيل أنك تنظر إلى الوراء بعد ثلاثة أشهر من الآن: ما هي المعايير التي ستستخدمها لمعرفة ما إذا كنت قد قضيت وقتك بحكمة؟

ما هي الأولوية النسبية لحياتك المهنية على مدار الشهور القادمة؟

إذا كان كلاكما يعمل من المنزل ولديه في الوقت نفسه التزامات أخرى مثل رعاية أطفال أو مسنين، ستحتاجان إلى تحديد أي من أعمالكما سيكون له الأولوية ومتى. هل بينكما اتفاق ثابت ينص على أن عمل أحدكما سيكون له الأولوية باستمرار؟ هل تحاول الحفاظ على المناصفة في تقسيم وقت العمل؟ أم أن في أسابيع محددة سيحتاج أحدكما نسبة أكبر من الوقت المخصص للعمل؟

يشير بحثي إلى أنه يمكن اتباع أي من هذه الترتيبات ولكن ما ينجح بشكل أفضل هو تحديد أي من الترتيبات ستتبعونها مسبقاً. فهذا سيمكّنكما من تقسيم ساعات العمل بينكما كل يوم بشكل منطقي. إذا تفهّمتما لماذا يجب أحياناً إعطاء الأولوية لعمل أحدكما، سيكون من السهل تقبُّل التضحيات التي يقدمها كلاكما لتمر هذه الفترة دون استياء أي طرف.

ما هي المبادئ التي ستطبقها لتربية أبنائك خلال هذه الفترة؟

تُعد هذه الأوقات استثنائية بالنسبة إلى الآباء العاملين، وبالتالي سنحتاج إلى تعديل المبادئ التي نلتزم بتطبيقها عادة. هل ستحتاج إلى تخفيف القيود التي تفرضها على قضاء الأطفال الوقت أمام شاشات الأجهزة المختلفة؟ ما مدى المشاركة التي تحتاج إليها في التعليم المنزلي لأبنائك؟ ما هي الجوانب الأكثر أهمية بالنسبة إليك في حياة أطفالك: الوقت الذي تقضونه خارج المنزل أم وقت القراءة أم الألعاب الرياضية أم المذاكرة؟ كيف ستتحدث عن الأزمة وكيف ستحتوي تخوفات أطفالك؟ إذا كنتما متفاهمين وتمكنتما من إبلاغ أطفالكما بتلك المبادئ المعدّلة بشكل واضح، فهذا سيجعل الحفاظ على الحدود (والسلام) في المنزل أسهل كثيراً.

ما الذي تحتاجون إليه من بعضكما البعض ليمر هذا الوقت بسلام؟

جميعنا نتوق إلى الحصول على الدعم، ولكن ما هو شكل الدعم الذي تريده؟ هل هو عاطفي أم عملي؟ هل تعلم أن عليك أن تخصص 15 دقيقة كل ليلة وأنت في كامل انتباهك لمراجعة ما حدث خلال اليوم؟ هل تحتاج إلى أن يؤدي شريك حياتك جزءاً من المهام التي عادة ما تتولى مسؤوليتها الكاملة؟ كيف يمكن لشريك حياتك أن يساعدك على الالتزام باتفاق الأزمة؟ على الأرجح ستختلف احتياجات كل منكما عن الآخر. ولكن التكيف مع احتياجات شريك حياتك يعبر عن النية الحسنة والحب، وهو ما نحتاج إليه لتجاوز هذه الأوقات العصيبة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للرؤساء التنفيذيين القيادة بإيثار في أوقات الأزمات؟

ما هي أكثر الأشياء التي تثير قلقك؟

الأزمة التي سببها تفشي فيروس كورونا وحقيقة أننا سنعمل من المنزل لفترة طويلة تثير قلق معظمنا. هل تقلق من فقدان وظيفتك؟ هل تفصل بين الوقت المخصص للعمل والوقت الذي تقضيه مع أطفالك؟ هل تقضي وقتاً مميزاً مع شريك حياتك؟ هل تشعر بالملل بسبب طول المكوث في المنزل؟ ماذا ستفعل إذا مَرِض أحدكما أو كلاكما بشدة؟ في أوقات الأزمات، ينزع الكثيرون إلى التحلي بالصلابة وإخفاء قلقهم. إلا أن هذا الأمر لا يجدي نفعاً فيما بين الزوجين، حيث إن فهم بواعث القلق الرئيسية لدى بعضنا البعض له أهمية بالغة لأنه يجعلنا أكثر اهتماماً وحساسية. وعندما نفهم مخاوف شريك حياتنا، حينها سنتخذ خطوات للتهدئة من روعه والتخفيف من حدة مخاوفه.

في مواجهة الأزمات غالباً ما نُبقي تركيزنا على المهام المطلوب إنجازها فوراً. قالت إحدى النساء اللاتي تحدثت معهن: "من السهل أن يجعلك مثل هذا الموقف تركز على إنجاز ما لديك من مهام عاجلة، ولكني أدركت أن ما نحتاج إليه حقاً هو وضع اتفاق جديد لتجاوز الأزمة". يؤيد بحثي هذا الكلام: فالزوجان الناجحان هما اللذين يعطيان الأولوية لما اتفقا عليه، وعندها فقط يمكنهما الانتقال إلى الجوانب العملية.

اقرأ أيضاً: كيف تقود فريقك بعد ذروة الأزمة؟

طالما أن المبادئ التي تعاهدتما عليها في اتفاق الأزمة الذي وضعتماه معاً هي الأساس المنطقي الذي تستند إليه الجوانب العملية، وطالما أن الحوار بينكما مستمر، سيتجاوز الزوجان العاملان أزمة كورونا بل وربما ستصبح العلاقة بينكما أقوى وحينها يجب عليكما وضع اتفاق جديد!

اقرأ أيضاً: كيف تعاملت الشركات الصينية مع أزمة كورونا والدروس المستفادة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي