يقول زميلك أمراً عند اجتماعكما معاً، ثم يتصرف بشكل مخالف له لاحقاً. يمر من جانبك في الردهة دون أن يلقي عليك السلام، ويتحدث عنك من وراء ظهرك في الاجتماعات. لكن عندما تطلب منه التحدث عن الموضوع، يتجنب ذلك ويقول بأنّ كل شيء على ما يرام، وبأنّ المشكلة هي من بنات أفكارك، ما يزيد من توترك، إذ أنه من المحبط جداً العمل مع شخص يتصرف بشكل سلبي. هل عليك معالجة السلوك بشكل مباشر، أم محاولة تجاهله؟ كيف يمكنك معرفة السبب الجوهري وراء هذه التصرفات عندما يدّعى زميلك في العمل أنّ كل شيء على ما يرام بينكما؟
ما يقوله الخبراء
يُعتبر من الشائع قيام زملاء العمل أحياناً بالتصرف بشكل عدواني سلبي ضد بعضهم البعض، سواء أكان الأمر متصلاً بقضايا حساسة بشكل خاص أو عندما يشعرون أنهم لا يستطيعون المواجهة مباشرة. تقول إيمي جين سو، المديرة التنفيذية لشركة "أون ذا روم" (Own the Room): "كلنا قمنا، في فترة من فترات حياتنا، بهذا التصرف، إلا أنّ الاستمرار في القيام بهذا السلوك لفترة أطول وطوال الوقت قضية مختلفة". تقول بدورها آني ماكي (Annie McKee)، مؤسسة معهد القيادة في "تيليوس" (Teleos) والمؤلفة المشاركة لكتاب "القيادة الأساسية" (Primal Leadership): "إنها تلك الفئة التي غالباً ما تفعل كل شيء للوصول إلى ما تريد، بما في ذلك الكذب. عليك في هذه الحالات اتخاذ الاحتياطات اللازمة لكي تتمكن أنت، وحتى زميلك هذا، من إتمام عملكما بالشكل المناسب". وإليك فيما يلي بعض النصائح الكفيلة بمساعدتك على مواجهة هذه المواقف.
لا تدعه يوقع بك
عندما يدّعي زميلك قيامك بشيء ما، أو يتهمك بالإفراط في ردة فعلك، سيكون من المنطقي أن تغضب وتتخذ ردة فعل دفاعية. إلا أنّه لا يُعتبر أسلوب "محاربة النار بالنار" الأسلوب الأمثل هنا لمواجهة هكذا سلوك. تقول ماكي: "عليك هنا بذل قصارى جهدك للمحافظة على هدوئك". وتضيف سو: "ربما يرغب ذاك الشخص في أن يقودك للجنون كي يتمكن من إلقاء اللوم عليك، ويؤدي ذلك بدوره إلى التخفيف من القلق الذي يشعر به. سيؤدي ردك بطريقة عاطفية إلى شعورك وظهورك بمظهر الأحمق. عليك هنا اغتنام الفرصة وتتصرف بشكل هادئ".
فكر في السبب الذي دفعه للقيام بذلك
لا يتصرف الأشخاص هكذا في العادة لأنهم سيئون بالضرورة، بل يمكن لأنهم لا يعرفون طرق تواصل أفضل، أو لخوفهم من الدخول في نزاع. تقول ماكي: "يكون السلوك السلبي العدواني في كثير من الأحيان وسيلتهم في الحصول على ما يريدون من دون خوض صراع حقيقي وصحي". تضيف سو: "هناك أيضاً أنانية داخلية إلى حد ما فيهم، حيث يفترضون خطأً بأنّ على الآخرين معرفة ما يشعرون به وبأنّ احتياجاتهم وتفضيلاتهم أكثر أهمية من البقية. عليك محاولة تفهّم ذلك، لكن لا تحاول تشخيص جميع مشاكل زميلك. انظر إلى المشكلة الحالية فحسب وانظر إليها على أنها تعبير غير منتج عن عواطف ليس بقادر على التعبير عنها بشكل إيجابي".
سيطر على الجزء المتصل بك
هناك احتمال لا بأس به أن يكون هناك جزء من اللوم عليك. يتوجب عليك أيضاً أن تسأل نفسك إذا كانت هناك أمور تقوم بها تتسبب في تصرفاته هذه أو تقوده إلى أن يكون سلبياً وعدوانياً ضدك. تقول سو: "اعرف جانبك من القصة وانظر إذا قمت بسلوك حفّزه على هكذا تصرفات. فكر إذا قمت بتصرف تسبب في ردة الفعل هذه. يمكن لنا الوقوع في هذا الفخ عبر المماطلة في تنفيذ أمر ما أو الرغبة في تجنب شيء ما، وهو ما يؤدي إلى شعور الآخرين بمشاعر سلبية".
ركز على أساس المشكلة، لا طريقة توصيلها إليك
لن يكون القيام بهذا الأمر سهلاً، لكل حاول معرفة الوضع من وجهة نظر زميلك. ما الفكرة أو وجهة النظر التي يحاول إيصالها إليك بتصرفه السيء هذا؟ تقول ماكي: "حلل الموقف الذي يحاول الشخص إيصاله إليك. هل يعتقد أنّ طريقتك في إدارة المشروع غير ناجحة؟ هل هو معارض لأهداف فريقك؟". أما سو فتضيف: "لا يحب جميع الأشخاص، أو حتى لا يعرفون كيفية، التعبير عن رأيهم علنا أو تقديم نقاش بنّاء. إذا تمكّنت من التركيز على قلب المشكلة ومعرفة السبب بدل معالجة الأعراض، ستتمكن من معالجة المشكلة الفعلية".
إدراك جوهر القضية
بمجرد أن تصبح هادئاً وقادراً على المشاركة في محادثة مثمرة، عليك العودة والتواصل مع ذاك الشخص. عليك قول شيء على غرار: "لقد طرحت نقطة جيدة آخر مرة تواصلنا فيها، وإليك ما فهمته من مداخلتك". سيساعدهم هذا على الحديث عن جوهر مخاوفهم. تقول ماكي، "إذا تمكنت من التواصل الجيد معهم، سيكون لديك فرصة أفضل لتحويل طاقتهم لصالحك. عليك القيام بذلك عبر الحديث عن حقائق، لا المشاعر". لا تستمع أو تُصغي إلى الجزء السام من كلامه، بل فكر في قرارة نفسك بأنّ سبب تصرفهم هذا هو رغبتهم في أن تستمتع لهم فقط".
انتبه لكلامك
تقول ماكي: "بغض النظر عمّا تريد قوله، عليك عدم اتهام الشخص بأنه سلبي أو عدواني نظراً لأن ذلك الاتهام ربما يتسبب في الإضرار بقضيتك". أما سو فتوافقها الرأي وتضيف: "قولك هذا للشخص سيزيد الأمور سوءاً وسيضعه في موقف دفاعي ويجعله أكثر غضباً. عليك ألا تحكم عليه أو تضعه ضمن إطار ثابت". بدلاً من ذلك، تقترح ماكي إعادة سرد مدى التأثير الذي خلّفته بعض التفاعلات السابقة وشرح ما سببته لك وربما للآخرين. كما يمكنك، إذا كان ذلك ممكناً، شرح أنّ ذاك السلوك يتسبب في أمر معاكس للغاية المرجوة، مثل تحقيق أهداف الفريق".
تعامل وفق الحقائق والأرقام
تقول سو: "عليك ألا تتعامل مع هذا الوضع لوحدك. لا مانع من التواصل مع آخرين والتحالف مع أشخاص يؤيدون رأيك في أنك لا تتجنى عليه. لكن تأكد من وضع إطار لمناقشاتك لتكون بشكل محاولة لتحسين العلاقة بشكل بناء، لا بشكل نميمة أو التحدث عن زميلك من وراء ظهره. عليك طرح أسئلة مثل: (كنت أتساءل كيف رأيت تعليق سوزان. كيف تفسره؟)"
تعيين المبادئ التوجيهية للجميع
يمكنك أيضاً مساعدة الآخرين في التوصل إلى حل طويل الأمد. تقول ماكي: "يمكنكم كفريق العمل على بناء معايير صحية، حيث يمكنكم الموافقة على التعبير دائماً عن الأمور التي تصيبكم بالإحباط ووضع نموذج تفاعلات صادق ومباشر للجميع. يمكنكم أيضاً محاسبة أنفسكم والتأكد من قيامكم ذلك بالشكل الأمثل. في حال كان زميلك المتسبب بالمشاكل يميل إلى تجاهل الاتفاقات، يمكنك أن تحدد في الاجتماعات المهام الموكلة بشكل شخصي والمواعد النهائية لها، وهو ما يحدد خارطة عمل واضحة للجميع. حتى أسوأ الأشخاص يمكنه أن يخضع لضغوط الأقران الإيجابية والمحاسبة ويتصرف بشكل صحيح".
اطلب المساعدة في الحالات القصوى
عندما يحاول أحد زملائك باستمرار تقويض سلطتك أو منعك من القيام بعملك، وعندما يؤكد مراقبون خارجيون ذلك، عليك محاولة اتخاذ تصرف مختلف. تقول ماكي: "إذا كان لديكما نفس المدير، فقد تكون قادراً على طلب المساعدة، حيث يمكنك القول لرئيسك مثلاً: (لقد لاحظ كثيرون سلوكاً معيناً يجري حالياً، وأريد أن أتحدث عن كيفية تأثيره في قدرتي على القيام بعملي). لكن عليك هنا القيام بذلك بحذر شديد، فقد يكون لدى مديرك نظرة مختلفة عن الشخص، وربما لا يرى نفس السلوكيات، أو يرغب في تجنب الصراع وعدم رؤية ذلك".
احمي نفسك
تقول سو: "إذا كانت لديك التزامات عليك الوفاء بها في عملك، فتأكد من أنك تفي بها وبالمواعيد النهائية. قم بنسخ الآخرين ضمن رسائل البريد الإلكتروني الهامة، ولا تدع هذا الشخص يتحدث باسمك أو يمثّلك في الاجتماعات. وبعد الاجتماع والاتفاق على الخطوات المقبلة عليك تتبع خطوات العمل التالية". أما ماكي فتقترح بدورها الاحتفاظ بسجلات تتبّع تلك السلوكيات المحددة بحيث يكون لديك أمثلة إذا لزم الأمر نظراً لأنه من الصعب مجادلة الوقائع. كما توصي بمحاولة تجنب العمل مع الشخص وإبقاء حد أدنى من الاتصال معه. كما تُفضّل أيضاً محاولة إشراك زميل ثالث معكما وهو ما يؤدي إلى التقليل من تلك العدوانية. ربما لا تكون قادرا على إنهاء عدوانية ذلك الشخص، لكن على الأقل يمكنك التحكم بها بالقدر الممكن.
مبادئ عليك تذكرها
عليك القيام بالتالي:
- فهم لماذا يتصرف الناس عادة بهذه الطريقة، حيث قد يكون السبب ربما عدم تلبية احتياجاتهم.
- التركيز على الرسالة التي يحاول زميلك إيصالها، حتى لو كانت بطريقة سيئة.
- التراجع خطوة وسؤال نفسك إن كنت تساهم في هذه المشكلة بطريقة أو بأُخرى.
لا تقم بالتالي:
- فقدان هدوئك، بل عليك معالجة قضية الأعمال الأساسية بتروي وباستخدام الحقائق.
- اتهام الشخص بالتصرف السلبي، فذلك سيزيد الطين البلة ويعقد الأمور.
- افتراض قدرتك على تغيير سلوك زميلك.
دراسة الحالة رقم 1: اجعل زميلك في العمل عرضة للمحاسبة
كانت إحدى زميلات عمل محمد فاضل (تم تغيير الأسماء والتفاصيل) تصعّب الحياة عليه في مكان عملهما المشترك ضمن مكتب توجيه الطلاب في ثانوية عامة. يقول عن ذلك: "كانت في العادة توافق على خطة العمل في الاجتماع، ثم تقوم بتخريبها لاحقاً عبر عدم المتابعة. أما سارة، زميلته في العمل، فقد دافعت عن نفسها بقول أشياء مثل، "لا أتذكر الأمور هكذا، أو لا أعتقد بأننا أنهينا الخطة". حاول محمد الحديث معها حول "سوء الفهم" هذا، لكنها كانت تمنعه دائماً، حيث تبرر ذلك بانشغالها أو عدم وجود وقت كاف لها للحديث.
عندما أخبر محمد رئيسه جميل عن سارة، وأن مشروعاً معينا لم يُنجز بسبب هذه الديناميكية الغريبة، قال جميل بأنه لاحظ النمط أيضاً. بالتالي عملا معاً على وضع خطة لجعل سارة أكثر عرضة للمحاسبة، قال محمد: "اتفقنا على أنه سيطلب علناً من المتطوعين تدوين الملاحظات على كل اجتماع، وتوثيق من سيكون مسؤولاً عن إنجاز كل مهمة ومتى". وكان محمد أول المتطوعين.
لقد نجحت الطريقة. بعد أن أرسل محمد قائمة المهام، لم تتمكن سارة من إبداء الأعذار، وكانت عرضة للمحاسبة أمام كل من حضر الاجتماع. لم يمانع محمد بدوره بالعمل الإضافي، حيث يعلّق على الأمر قائلاً: "كان الجهد الإضافي الذي أبذله أقل من الوقت الذي كنت أقضيه في متابعة زملائي في العمل ومحاولة إكمال المهام الناقصة لهم. لقد ساعدت في الواقع جميع من في قسمنا، حيث باتوا أكثر إنتاجية. كان علينا القيام بذلك منذ فترة طويلة".
دراسة الحالة رقم 2: الحصول على المساعدة عاجلاً لا آجلاً
اعتاد جيمس أرمسترونغ، وهو مستشار تسويق رقمي في "رومان بليندز دايركت" (Roman Blinds Direct)، إدارة فريق مؤلف من 8 أشخاص في وكالة التسويق الرقمي، وكان قد حصل على ترقيته قبل ثلاثة أشهر من انضمام إحدى مرؤوسيه إليه، وتدعى فيوليت والتي لم تكن سعيدة تماماً بحصولها عليه كرئيس لها. يتذكر جيمس: "كانت أفضل أداء وأكثر كفاءة، وكنا نعمل معاً بشكل متناغم كزملاء". كان سعيداً بوجودها في المجموعة.
لسوء الحظ، أصبح من الصعب جداً إدارة أداء فيوليت، حيث لم تكن تتواصل معه ما لم تكن هناك ضرورة مطلقة، ولم تعد تشارك بنشاط في الدورات التدريبية التي قدمها، وكانت تحاول إبراز نقاط الضعف في مبادراته. يضيف: "اغتنمت كل فرصة لتوضح أنها لا تقدّر مدخلاتي".
قرر جيمس معالجة قضيتها بعد أن شعر بالصدمة والفزع من موقفها والتعامل معها كأي عضو آخر في الفريق من خلال التواصل بشكل مباشر وواضح معها. بدأ ذلك من خلال سؤالها في اجتماعاتهما الفردية عمّا إذا كان هناك شيء خاطئ، لكنها أجابت بالنفي، واستمر السلوك ذاته. بالتالي حاول دعوتها إلى الخارج لتناول القهوة لمعرفة إذا كان قد قام بإهانتها من دون علمه أو إذا كانت تريد إدارة الموضوع بطريقة مختلفة. اعترفت بأنّ هناك "صدمة شخصية"، لكنها أنهت المحادثة عند تلك النقطة واستمرت في التعامل معه بذات الأسلوب. وسمع من موظفين آخرين وصفها له بأنه "كسول وغير مجد".
يقول جيمس: "آخر شيء أردته هو رفع القضية إلى المراتب الأعلى والإضرار بسيرة فيوليت المهنية. فهي في نهاية المطاف عضو في فريقي وأرغب في حمايتها. كان علي التواصل مع مديري في بداية الأمر. عندما قررت لاحقاً التواصل معه حولها، أشار إلى أنّ السبب ينبع في فشلي بإدارة أعضاء فريقي".
في غضون عام، غادر كل من جيمس وفوليت طوعاً الوكالة، حيث لم يكن أي منهما سعيداً بالظروف. يقول جيمس بأنه لو عاد به الزمن ثانية، لكان تحدث مع مديره في فترة أقرب، وأبقى على سجل أفضل لأداء فيوليت السام. وفي حال لم يكن لديها أي تحسينات جذرية، كان ليطردها من دون تردد.