الروبوتات بحاجة إلينا أكثر مما نحن بحاجة إليها

19 دقيقة
الروبوتات

سيكون الأشخاص، وليس الخوارزميات التي يبتكرونها، سبب نجاح معظم الشركات في مستقبلنا القائم على الذكاء الاصطناعي.

تخيّل محاولة العثور على صورة معينة داخل الأرشيف التاريخي للدوري الوطني لكرة القدم من بين مئات الآلاف من مقاطع الفيديو. يُنتج الموسم الواحد أكثر من 16,320 دقيقة (نحو 680 ساعة) من اللقطات المصورة من المباريات. وإذا أحصينا كل التغطيات الإعلامية لأحداث ما قبل المباريات والفواصل ما بين الأشواط والتغطيات الإعلامية لأحداث ما بعد المباريات وكل الفقرات التدريبية وكل المقابلات الإعلامية، فسنحصل على كميات لا حصر لها من اللقطات. كل هذا لموسم واحد فقط.

ولتسهيل الأمر على الموظفين الراغبين في صنع أفلام ومقاطع لأبرز اللقطات من بين كل هذه المواد، دخل اتحاد كرة القدم الأميركي في شراكة مع منصة أمازون ويب سيرفيسز في ديسمبر/كانون الأول 2019 لاستخدام الذكاء الاصطناعي في البحث عن محتوى الفيديو الخاص بالمباريات ووضع وسوم عليه. وقد استلزمت الخطوة الأولى من هذه العملية أن يعمل فريق إنشاء المحتوى في اتحاد كرة القدم الأميركي على تعليم الذكاء الاصطناعي ما يجب العثور عليه. حيث أنشأ الفريق وسوم البيانات الوصفية لكل لاعب وفريق وقميص وملعب، وغيرها من عناصر المحتوى التي يمكن التعرف عليها بصرياً، وأراد تحديدها ضمن مجموعة مقاطع الفيديو المملوكة للاتحاد. ثم مزج هذه الوسوم مع نظام "أمازون" الحالي للذكاء الاصطناعي المختص بالتعرف على الصور والذي دربته أمازون بالفعل باستخدام عشرات الملايين من الصور. كان الذكاء الاصطناعي قادراً على استخدام قواعد البيانات لوضع وسم على الصور ذات الصلة في مكتبة الفيديو، وكان فريق صناعة المحتوى قادراً على اعتماد كل وسم ببضع نقرات. وفي حين كان الموظفون يضطرون ذات يوم إلى البحث يدوياً عن كل مقطع فيديو والعثور عليه وقصه وتخزينه في ملف منفصل، ثم وضع وسم على الفيديو باستخدام البيانات الوصفية، فإن نظام أمازون للذكاء الاصطناعي أكمل معظم العملية أوتوماتيكياً.

في مقال سابق في هارفارد بزنس ريفيو تحت عنوان "البشر والذكاء الاصطناعي يوحدان جهودهما"، في العدد 16 يوليو/تموز - أغسطس/آب 2018، تحدثنا عن بعض المؤسسات الرائدة وكيف أنها تتحدى التوقعات التقليدية القائلة بأن التكنولوجيا ستجعل العنصر البشري غير ذي قيمة، حيث تعمل هذه المؤسسات على الاستفادة من قوة التعاون بين الإنسان والآلة لتحويل أعمالها وتحسين صافي أرباحها في النهاية. وها نحن الآن نرى الكثير من الشركات التي لا تكتفي فقط بالتفوق على منافسيها في مجال الابتكار باستخدام هذا المنهج، ولكنها تتجه بشكل أكثر حسماً نحو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تتمحور حول الإنسان وتطيح بطبيعة الابتكار ذاتها لتتوصّل إلى مفهوم مغاير تماماً لذلك الذي عرفناه على مدار العقد الماضي.

فكرة المقالة باختصار

الوضع

حرصت الشركات المبتكِرة على التوسع في استثماراتها في التكنولوجيا الرقمية الرئيسية، مثل الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، وتحقق هذه الشركات إيرادات بمعدل يصل إلى ضعف سرعة الشركات المتلكئة.

التفسير

يسهم النهج الذي يركز بشكل متزايد على الإنسان في التعامل مع الذكاء الاصطناعي في مساعدة الشركات الأكثر قدرة على التفكير الاستشرافي على إنشاء تكامل سلس بين الإنسان والآلة والقدرة على التكيف المرن.

النصيحة 

يمكن للشركات التي ترغب في اللحاق بالركب أن تستخدم إطار العمل الخماسي: يجب أن تركز على 5 عناصر في المشهد التكنولوجي، وهي: الذكاء، البيانات، الخبرة، البنية التنظيمية، الاستراتيجية، إضافة إلى البحث عن طرق لمزج هذه العناصر معاً بحيث تشكّل قاطرة للابتكار.

وفي حالة اتحاد كرة القدم الأميركي، على سبيل المثال، أدى الذكاء الاصطناعي إلى تسريع عملية التعرف على الصور، لكن النظام كان سيفشل حتماً دون تحديد الموظفين للبيانات التي يجب تحميلها ثم الموافقة عليها. ولم يلجأ اتحاد كرة القدم الأميركي ببساطة إلى إسناد مهمة صنع أفلام ومقاطع لأبرز اللقطات إلى الذكاء الاصطناعي، بل أسند هذه المهمة إلى خبراء صناعة المحتوى، لكنهم استطاعوا أداءها بشكل أسرع وأسهل بفضل قدرة الذكاء الاصطناعي الفريدة على فرز كميات هائلة من المعلومات بسرعة.

يعمل النهج الجديد الذي يركّز على الإنسان في التعامل مع الذكاء الاصطناعي على تغيير الافتراضات حول الركائز الأساسية للابتكار. وتعمل شركات، مثل إتسي (Etsy) وإل إل بين (L.L.Bean) وماكدونالدز وأوكادو (Ocado)، على إعادة تعريف كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي والأتمتة للربط بين مجموعة واسعة من تكنولوجيات وأنظمة المعلومات المتطورة التي تتيح القدرة على التكيف المرن والتكامل السلس بين الإنسان والآلة. (إفصاح: يتعامل العديد من الشركات المذكورة في هذه المقالة مع شركة أكسنتشر). وقد استثمرت هذه الشركات الرائدة في التكنولوجيا الرقمية بمعدلات غير مسبوقة استجابةً للتحديات التشغيلية الجديدة وتغيُّر طلبات العملاء بسرعة. وحرصت على زيادة استثماراتها بشكل كبير في الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي، وما شابه، ما أدى إلى تسريع تحقيقها للإيرادات بمعدل يصل إلى ضعف سرعة الشركات المتلكئة، وفقاً لاستقصاء أجرته شركة أكسنتشر عام 2019 بمشاركة أكثر من 8,300 شركة. وأثبتت دراسة ثانية شملت أكثر من 4,000 شركة عام 2021 أن أكثر الشركات حرصاً على تطبيق التكنولوجيا الرقمية، بنسبة 10% من كل الشركات، تتقدم بسرعة الصاروخ وتزداد إيراداتها بمعدل أسرع 5 مرات من الشركات المتلكئة.

وقد حولنا ما تعلمناه من هذا البحث إلى إرشادات يمكن لقادة الشركات استخدامها للمنافسة في عالم تدين فيه معظم الشركات بنجاحها للبشر، وليس الآلات. ويدعو إطار عملنا الخماسي الانتباه إلى 5 عناصر للمشهد التكنولوجي الناشئ: الذكاء، البيانات، الخبرة، البنية التنظيمية، الاستراتيجية. ويمكن أن يساعد كلاً من المسؤولين التنفيذيين التقنيين وغير التقنيين على فهم هذه العناصر بشكل أفضل ووضع تصور للطرق التي يمكن استخدامها ومزجها معاً بحيث تشكّل قاطرة للابتكار.

وسنستخدم في هذه المقالة إطار العمل الخماسي لسبر أغوار أمثلة للشركات التي نفذت عمليات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يشرف عليها الإنسان لحل المشكلات في مجالات التجارة الإلكترونية وتوصيل مواد البقالة عبر الإنترنت والروبوتات، وغيرها من المجالات ذات الصلة. ويمكنك أن تحذو حذوها من خلال حشد مهارات وخبرات موظفيك لإدارة الابتكار التكنولوجي في كل شيء، بدايةً من البحث والتطوير والعمليات، وصولاً إلى إدارة المواهب وتطوير نموذج العمل.

الذكاء

اجعل الذكاء الاصطناعي أكثر إنسانية وأقل اصطناعية

يعتبر الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي عنصرين مكملين لبعضهما. إذ لا تستطيع أي آلة مدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تضاهي السهولة والكفاءة التي يتعلم بها حتى أصغر إنسان، ويفهم بها الأشياء ويضعها في سياقها الصحيح. فإذا وقع منك شيء عن طريق الخطأ، فبمقدور طفل يبلغ من العمر عاماً واحداً يراك تحاول الإمساك به أن يعيده إليك. أمّا إذا رميته عن قصد، فسيتجاهله الطفل. بعبارة أخرى، حتى الأطفال الصغار جداً يفهمون أن الناس لديهم نوايا، وهي قدرة معرفية غير عادية يبدو أنها تتشكّل مسبقاً في الدماغ البشري.

ليس هذا فحسب. إذ يطوّر الأطفال حساً بديهياً يستطيع تمييز الحركات الفيزيائية منذ سن مبكرة جداً: فهم يتوقعون أن تتحرك الأشياء على طول مسارات سلسة وتستمر في التحرك، وتسقط عندما لا يتم دعمها. وقبل أن يكتسبوا اللغة، كانوا يميزون بين الكائنات الحية والجماد. وفي أثناء تعلم اللغة، يظهرون قدرة رائعة على التعميم انطلاقاً من أمثلة قليلة جداً، ويتمكنون من اختيار كلمات جديدة بعد سماعها مرة أو مرتين فقط. ويتعلمون المشي بمفردهم، من خلال التجربة والخطأ.

وعلى العكس من ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي فعل الكثير من الأشياء التي يجدها الناس مستحيلة أو يصعب فعلها، على الرغم من تمتعهم بالذكاء الطبيعي، كالتعرف على الأنماط بين كميات هائلة من البيانات وهزيمة أعظم الأبطال في الشطرنج وتشغيل عمليات التصنيع المعقدة والرد على العديد من المكالمات الواردة إلى مراكز خدمة العملاء في وقت واحد وتحليل الطقس وظروف التربة وصور الأقمار الصناعية لمساعدة المزارعين على زيادة غلة المحاصيل ومسح ملايين الصور على الإنترنت في سياق مكافحة استغلال الأطفال وكشف الاحتيال المالي وتوقع تفضيلات المستهلكين وتخصيص الإعلانات بما يناسب الجمهور المستهدف، وغير ذلك الكثير. والأهم من ذلك، أن الذكاء الاصطناعي مكّن البشر والآلات من العمل معاً بكفاءة. وعلى عكس أولئك الذين ينظرون إلى الأتمتة نظرة متشائمة، فإن هذا التعاون يخلق مجموعة من الوظائف الجديدة عالية القيمة.

على سبيل المثال: هناك شركة أوبتا (Obeta) الألمانية المتخصصة في بيع الأجهزة الإلكترونية بالجملة، حيث تتولى شركة ناب (Knapp) النمساوية للخدمات اللوجستية للمستودعات إدارة مستودعات شركة أوبتا، ويحرص عمالها البشر على تعليم الجيل الجديد من الروبوتات كيفية التعامل مع الأصناف ذات الأحجام المختلفة والملمس المختلف. حيث تستخدم الروبوتات أذرعاً صناعية ومقابض لاصقة وأنظمة رؤية عالية الدقة. وهي مجهزة أيضاً ببرمجيات ذكاء اصطناعي من شركة كوفاريانت (Covariant)، وهي شركة ناشئة يقع مقرها في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.

ولتدريب الروبوت، يضع موظفو شركة ناب أشياء غير مألوفة أمامه لكي يعرفوا ما إذا كان بإمكانه التكيف معها بنجاح. وإذا فشل، يمكنهم عندئذٍ تحديث فهمه لما يراه وتجربة أساليب مختلفة. وعندما ينجح في محاولاته، فإنه يحصل على إشارة مكافأة مبرمجة من قبل البشر لتعزيز عملية التعلم. وعندما تختلف مجموعة من وحدات التخزين تماماً عن المجموعات الأخرى، يعود الفريق إلى عملية التعلم بالإشراف، حيث يتم جمع الكثير من بيانات التدريب الجديدة ووسمها، كما يحدث مع أنظمة التعلم المُتعمّق.

وبفضل برنامج كوفاريانت برين (Covariant Brain)، تكتسب روبوتات ناب قدرات تصلح للأغراض العامة، بما في ذلك القدرة على الرؤية ثلاثية الأبعاد وفهم كيفية تحريك الأشياء والتعامل معها والقدرة على تخطيط الحركة في الوقت الحقيقي والقدرة على إتقان مهمة محدّدة بعد بضعة أمثلة تدريبية (التعلم ببضع دفعات من البيانات). تمكّنها هذه القدرات من أداء وظيفتها المتمثلة في اختيار الأصناف من صناديق التخزين وإضافتها إلى الطلبات الفردية للشحن، دون إخبارها بما يجب عليها فعله. إذ لا يتم تصنيف الأصناف مسبقاً في كثير من الحالات، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لأنظمة التغليف الصناعية، وهذا يعني أن الروبوتات تتعلم كيفية التعامل معها بصورة فورية. وهذه مهارة بالغة الأهمية عند التعامل مع الإلكترونيات، خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار أوجه العناية المختلفة المطلوبة للتعامل مع المصابيح الكهربائية والمواقد.

ويجب أن تعمل الروبوتات بمستوى عالٍ جداً من الدقة، حتى تحقق النجاح في البيئات التجارية. وكانت روبوتات ناب في السابق تتعامل بشكل موثوق مع حوالي 15% فقط من الأشياء، وباتت الروبوتات المدعومة ببرنامج كوفاريانت تتعامل الآن بشكل موثوق مع حوالي 95% من الأشياء. وتمتاز هذه الروبوتات بقدرتها على العمل بمعدلات أسرع من البشر، فهي تلتقط نحو 600 عنصر في الساعة مقابل 450 عنصراً للبشر. وعلى الرغم من ذلك، فلم تتسبب في تسريح أي موظفين في منشآت شركة أوبتا. فقد تم إعادة تدريب العمال البشر على فهم المزيد عن الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر، بدلاً من فقدان وظائفهم.

البيانات

احرص على إدارة المعلومات دون الاكتفاء بتكديسها فقط

مرّت شركة ماكدونالدز في عام 2018 بواحدة من أصعب الأزمات منذ عقود. فقد استخدم منافسوها خدمة التوصيل عبر الإنترنت في محاولة منهم للتخلُّص من هيمنتها على سوق الوجبات السريعة. وسرعان ما ابتكر قادة الشركة حلاً لتوصيل الطلبات عبر الإنترنت من خلال دخولها في شراكة عالمية مع شركة أوبر إيتس التي استطاعت عام 2019 إضافة 4 مليارات دولار إلى مبيعاتها السنوية. لكن كبار المسؤولين التنفيذيين كانوا يعلمون أن مستقبل الشركة على المدى البعيد يعتمد على إجراء تحوّل سريع وكامل لتصبح شركة معتمدة على البيانات. وكان هذا يعني تبني استراتيجية لإعادة هيكلة مطاعمها للاستفادة من أنظمة معالجة البيانات الضخمة والتكامل مع تكنولوجيا تعلم الآلة والتكنولوجيا المتنقلة لدعم طلبات العملاء الشخصية للغاية وتوصيلها حتى أبواب بيوتهم. ويمكن أن يساعد تحليل البيانات أيضاً على حساب كيفية تأثير العوامل الخارجية، كالطقس والفعاليات الرياضية الكبرى، على أنماط الطلب وقدرة المطاعم على خدمة العملاء. وكان جمع البيانات ومعالجتها أمراً مهماً لتطوير منتجات ومبادرات جديدة قادرة على تحقيق النجاح بصورة فورية. وقد حققت جهود التحوّل نتائج مالية حقيقية خلال عامين اثنين: فقد تفوق أداء ماكدونالدز على أداء الكثير من الشركات المدرجة على قائمة إس آند بي 500 (ستاندرد آند بورز). وما فعله قادة الشركة هو أنهم أدركوا أن البيانات كانت مصدراً لرأسمال قيّم وغير مستغلّ على النحو الأمثل، ويجب استغلاله بشكل استراتيجي.

ولإتقان استغلال البيانات الضخمة والصغيرة لتوليد قيمة من الذكاء الاصطناعي، يجب على المؤسسات أولاً إرساء قواعد بيانات راسخة. فغالباً ما يتم احتجاز بيانات العمل في المنصات القديمة الميدانية التي يعمل كلٌ منها بمعزل عن الآخر، ما يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على الموظفين الاستفادة من مختلف أنواع البيانات وتسخيرها من خلال مزجها معاً. وهذا يجعل من الصعب على المستخدمين في قطاع الأعمال العثور على المعلومات الصحيحة ومعالجتها للتوصل إلى القرارات المناسبة. ويتطلب إنشاء قواعد بيانات راسخة استقاء المعلومات من الصوامع القديمة المنعزلة، بحيث يمكن توحيدها وتخزينها على النحو الأمثل، وبحيث يمكن الوصول إليها وتحليلها بيسر وسهولة باستخدام أدوات جديدة، كل ذلك في السحابة الإلكترونية.

وهناك 3 إمكانات أساسية: هندسة البيانات الحديثة، حوكمة البيانات بمساعدة الذكاء الاصطناعي، نشر عقلية التحول الرقمي على نطاق واسع في البيانات.

  • هندسة البيانات الحديثة. يمكن استقاء البيانات من عدة مصادر داخلية وخارجية في قواعد البيانات الراسخة القائمة على السحابة الإلكترونية. حيث يتم تجميعها معاً في مجموعات بيانات منظمة وقابلة لإعادة الاستخدام، بحيث يمكن توظيفها في مجموعة متنوعة من الأغراض التحليلية. وتعتمد قواعد البيانات الجيدة على أطر عمل قادرة على استيعاب البيانات واستخراجها وتحويلها وتحميلها بطريقة تدعم مختلف أنواع البيانات. تتعامل هذه الأطر أيضاً مع قواعد توحيد معايير جمع المعلومات وتصنيفها وضمان جودتها وتسجيل البيانات الوصفية. بالإضافة إلى ذلك، فهي تتيح إمكانية اتباع نهج أسرع وقائم على نماذج محدّدة في استخدام البيانات، ما يسمح للمهندسين بالتطوير السريع لحالات الاستخدام التحليلية ومنتجات البيانات الجديدة.
  • حوكمة البيانات بمساعدة الذكاء الاصطناعي. توفر أدوات الذكاء الاصطناعي المستندة إلى السحابة إمكانات متقدمة ونطاقاً واسعاً يسمح بتنظيف البيانات المجمعة في السحابة الإلكترونية وتصنيفها وتأمينها أوتوماتيكياً عند استيعابها، ما يدعم جودة البيانات ودقتها ومعالجتها أخلاقياً بشكل أفضل.
  • نشر عقلية التحول الرقمي على نطاق واسع في البيانات. تتيح قواعد البيانات الحديثة إمكانية توزيع المزيد من البيانات بين عددٍ أكبر من الأيدي. فهي تجعل الوصول للبيانات سهلاً، وتجعل استخدامها في الوقت المناسب أمراً ميسوراً، مع إتاحة إمكانية تحليلها بطرق متعددة، مثل تحليلها من خلال الخدمة الذاتية والذكاء الاصطناعي والتحليل الذكي للأعمال وعلم البيانات. إذ يعمل أحدث الأدوات المستندة إلى السحابة الإلكترونية على نشر عقلية التحول الرقمي على نطاق واسع في البيانات وتمكين المزيد من الأشخاص في المؤسسة من العثور بسهولة على المعلومات ذات الصلة باحتياجات العمل المحددة والاستفادة منها.

وتسهم هذه القدرات الثلاث مجتمعة في مساعدة الشركات على التغلب على بعض المعوقات الأكثر شيوعاً التي تحول دون الاستفادة من القيمة الحقيقية للبيانات، كالمشكلات المتعلقة بإمكانية الوصول إليها ومصداقيتها وجاهزيتها للاستخدام والتوقيت المناسب لاستخدامها. فهي تمكّن الشركات من دمج الأصناف المستقاة من مجموعات البيانات الضخمة والصغيرة في الوقت الحقيقي بصورة فورية، وإنشاء تسلسل إداري مرن وتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتوصُّل إلى رؤى ثاقبة للعملاء والسوق والعمليات التشغيلية بطريقة يمكن الوصول إليها على نطاق واسع وتقدم نتائج ذات مغزى في قطاع الأعمال.

يتطلب إنشاء قواعد بيانات راسخة استقاء المعلومات من الصوامع القديمة المنعزلة، بحيث يمكن توحيدها وتخزينها على النحو الأمثل، وبحيث يمكن الوصول إليها وتحليلها بيسر وسهولة باستخدام أدوات جديدة، كل ذلك في السحابة الإلكترونية.

وفي ظل وجود قواعد بيانات راسخة، أي المزيد من البيانات من المزيد من المصادر التي تتم إدارتها بمساعدة الذكاء الاصطناعي ونشرها على نطاق واسع داخل مؤسستك، فلن تصبح غارقاً في البيانات، بل صار بمقدورك تعظيم أوجه الاستفادة منها. إذ يمكنك استخدامها بطرق فاعلة ودقيقة بشكل متزايد، ولكن ذلك سيتطلب مشاركة أكبر عدد ممكن من موظفيك، كما هي الحال مع الذكاء البشري الطبيعي.

الخبرة

أطلق العنان لمواهب موظفيك

تعمل شركة إتسي في السوق الإلكترونية عبر الإنترنت لبيع السلع القديمة والمصنوعات اليدوية، وترفع شعار "الحفاظ على النمط البشري للتجارة". وقد استلزم الأمر أن يضطلع البشر بمهمة تعليم محرك بحث الشركة كيفية التعرُّف على الأساس الجوهري وراء الكثير من قرارات الشراء، أي النمط الجمالي. فعند التفكير في شراء أحد الأصناف، لا ينظر عملاء شركة إتسي إلى تفاصيل من قبيل حجم المُنتَج وخامته وسعره وتقييماته، ولكنهم ينظرون أيضاً إلى جوانبه النمطية والجمالية.

وتعتبر شركة إتسي أن تصنيف الأصناف المعروضة للبيع حسب جوانبها النمطية أمراً صعباً بشكل خاص. إذ تُعدُّ معظم المنتجات الموجودة على موقعها إبداعات فريدة من نوعها. ويعكس الكثير منها أنماطاً متعددة أو لا يعكس نمطاً يمكن تحديده بوضوح على الإطلاق. وهناك ما يقرب من 50 مليون صنف معروض في كل الأوقات. وكانت أنظمة التوصيات المستندة إلى النمط تُفرِز في الماضي اقتراحات غير قابلة للتفسير حول منتجات محدّدة لمجموعات محدّدة من المتسوقين، ذلك لأن الذكاء الاصطناعي كان يفترض أن أي صنفين لا بد أن يكونا متشابهين في النمط إذا تم شراؤهما معاً بشكل متكرر من قبل مجموعة من العملاء المشتركين في المنطقة الجغرافية. ويستخدم منهج آخر سمات منخفضة المستوى، مثل اللون والخامات، لتصنيف الأصناف حسب النمط. ولم تتمكن كلتا الطريقتين من فهم كيفية تأثير النمط على قرارات الشراء.

ومَنْ أفضل من خبراء التجارة في شركة إتسي على دراسة قدرة الذكاء الاصطناعي على تحديد المفاهيم الذاتية للأنماط؟ واستناداً إلى تجربتهم، فقد طوروا 42 وسماً للأنماط استطاعت تلبية أذواق المشترين عبر 15 فئة، بدايةً من المجوهرات ووصولاً إلى الألعاب والمصنوعات اليدوية. كانت بعض الوسوم مألوفة في عالم الفن (الفن الحديث آرت نوڤو، الفن الزخرفي آرت ديكو). وكان بعضها الآخر يثير المشاعر (المرح والفكاهة، والإلهام). وقد وضع التجار قائمة من 130,000 صنف موزع عبر هذه الأنماط البالغ عددها 42 نمطاً.

ومن ثم استدار خبراء التكنولوجيا في شركة إتسي إلى المشترين الذين يميلون إلى استخدام مصطلحات ذات صلة بالنمط في عملياتهم البحثية من خلال كتابة أشياء، مثل بوفيه آرت ديكو (Art Deco Sideboard). وحرصت إتسي في كل عملية بحثية من هذا القبيل على تعيين اسم النمط المختار لكل صنف قام المستخدم بالنقر فوقه أو وضعه في قائمة "المنتجات المفضلة" أو اشتراه في أثناء هذا البحث. وبعد شهر واحد فقط من هذه الاستفسارات، تمكّنت الشركة من جمع قاعدة بيانات موسومة من 3 ملايين حالة لاختبار تصنيفات الأنماط على أساسها. ثم عمل مهندسو إتسي على تدريب شبكة عصبية على استخدام الإشارات النصية والمرئية للتمييز بشكل أفضل بين تلك التصنيفات لكل صنف. وكانت النتيجة حصول الشركة على تنبؤات نمطية لكافة الأصناف النشطة البالغ عددها 50 مليون صنف على موقع الشركة Etsy.com.

وقد ظهرت الفائدة الكبيرة لهذا الأسلوب عندما تفشت جائحة كوفيد-19 وانهارت سلاسل التوريد لدى تجار التجزئة على نطاق واسع. حيث لجأ الكثير من المشترين إلى شركة إتسي للحصول على مُنتَج كان الجميع في أمسِّ الحاجة إليه، ألا وهو الكمامات الطبية. فمن بين المنتجات الأكثر رواجاً ضمن هذه الفئة، كانت الكمامات الطبية المصممة خصيصاً بما يناسب الأذواق الجمالية للعملاء الذين يمكنهم تحديد التصميم الذي يبحثون عنه، من كمامات منقوشة بالرسومات المنقَّطة أو الزهور أو وجوه حيوانات، أو غيرها من أنواع الزخارف. وقد ارتفعت مبيعات الكمامات من الصفر تقريباً في مستهل أبريل/نيسان 2020 إلى نحو 740 مليون دولار في باقي أشهر العام. وتضاعفت إيرادات الشركة خلال هذه الفترة، وارتفعت قيمتها السوقية إلى 22 مليار دولار. وكان مفتاح السر يكمن في السماح للمشترين بالعثور على كمامة "تعبر عن أذواقهم وأنماطهم المفضَّلة" بحسب الرئيس التنفيذي لشركة إتسي، جوش سيلفرمان.

وسيطلق تعليم الآلة العنان للخبرات غير المستغلة في كثير من الأحيان والموجودة في مختلف أقسام مؤسستك، ما يسمح لقطاع أوسع بكثير من موظفيك باستخدام الذكاء الاصطناعي بطرق جديدة ومتطورة. ولأنه أمرٌ قابل للتخصيص وفقاً لوضع شركتك والقطاع الذي تعمل فيه، فإنه يمهد الطريق لتحقيق ابتكارات ومزايا حقيقية، لأنك ببساطة لم تعد تكتفي بمحاولة اللحاق بركب التكنولوجيا. ويعتبر تعليم الآلة مفيداً للغاية في سيناريوهات التعلم الخاضع للإشراف، خاصة عند وجود القليل من بيانات التدريب الموسومة، أو عدم وجودها على الإطلاق، على الرغم من أهميتها لخوارزميات تعلم الآلة، وهو ما يحدث في كثير من الأحيان لأن احتياجات قطاع العمل أو الشركة شديدة الخصوصية.

وللحصول على أكبر قيمة ممكنة من كلٍّ من الأنظمة وموظفي المعرفة، يجب على المؤسسات إعادة النظر في طريقة تفاعل غير المتخصصين والمتخصصين مع الآلات. ويمكنك البدء بإكساب الخبراء المختصين لديك معرفة عملية بالذكاء الاصطناعي حتى يتمكنوا من نقل خبراتهم بكفاءة إلى عمليات الشركة وتقنياتها. وسيؤهلهم الإلمام بأساسيات الذكاء الاصطناعي أيضاً لتطوير طرق إبداعية في تطبيقه على أعمال الشركة.

البنية التنظيمية

احرص على بناء أنظمة حية قابلة للتكيف

تتصف البنى التنظيمية القديمة بقيودها الشديدة، ما يرسّخ الحواجز الفاصلة بين خطوط الأعمال والمناطق الجغرافية وقنوات المبيعات والتخصصات. إذ تتصف بصرامتها وعجزها عن التكيف مع التكنولوجيا الذكية الحديثة أو استيعاب الاستراتيجيات الجديدة وظروف السوق المتغيّرة والفرص التشغيلية الجديدة. ويتسبب هذا في توقف الكثير من المشاريع الابتكارية للشركات.

وقد أدّت التحوّلات السريعة التي نشهدها اليوم، وهذا التيار الهادر من أدوات التكنولوجيا الحديثة، إلى بروز أهمية البنية التنظيمية لتكنولوجيا المعلومات واحتلالها مرتبة متقدمة. وبينما تفشل الشركات المتلكئة في اغتنام الفرصة للابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات، فإن قادة الشركات الرائدة يتبنون مجموعة واسعة من أدوات تكنولوجيا المعلومات الناشئة وينظمون عملها فيما نسميه الأنظمة الحية، لأنها بلا حدود وقابلة للتكيف وإنسانية في جوهرها.

ونعني بعبارة "بلا حدود" أنها قادرة على كسر الحواجز، داخل مكدس تكنولوجيا المعلومات، وبين الشركات التي تستخدم المنصات القائمة على السحابة الإلكترونية لتسخير تأثيرات الشبكة، وبين البشر والآلات، ما يمنح الشركات فرصاً غير محدودة لتحسين طريقة عملها. ونعني بعبارة "قابلة للتكيف" أن الأنظمة المدعومة بالتطورات الحاصلة في البيانات والتكنولوجيات الذكية تتكيف بسرعة مع التغيُّرات التي يشهدها قطاعا الأعمال والتكنولوجيا، ما يؤدي إلى تقليل مستويات المقاومة وتوسيع نطاق الابتكار والتعلم والقدرة على التحسن. وعندما نصف الأنظمة بأنها "إنسانية في جوهرها"، فإننا نعني أنها صُممت على غرار العقول والسلوكيات البشرية وقادرة على الاستماع والرؤية والتحدث والفهم بطرق تشبه الإنسان على نحو يفوق الأجيال السابقة من التكنولوجيا الذكية.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة إل إل بين المتخصصة في قطاع البيع بالتجزئة التي تأسست منذ 110 أعوام وتمتلك إرثاً كبيراً في مجال الملابس الكلاسيكية وملابس الرحلات والتخييم، وتشتهر بحرصها الشديد على رضا العملاء. وقد شهدت السنوات الأخيرة تزايد إقبال الشركة على التواصل مع العملاء عبر قنوات متعددة، من خلال المطبوعات والمحال التجارية والمواقع الإلكترونية والجوال والبريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى وجدت الشركة نفسها مقيدة بإرث أقل قيمة: نظام تكنولوجيا المعلومات المرهق الذي كان قيد الاستخدام جزئياً لمدة عقدين من الزمن.

ويتألف جزء كبير من النظام من حواسيب مركزية وخوادم موزعة ميدانياً. وقد دعمت المنصات المختلفة غير المربوطة معاً بنظام دقيق، كل قناة من قنوات العملاء المختلفة، وكلها كانت تعمل على تطبيقات منفصلة. وهكذا كان توفير تجربة عملاء سلسة عبر جميع القنوات أقرب إلى المستحيل. وبدلاً من التركيز على تقديم قيمة مضافة للعملاء، كان على موظفي تكنولوجيا المعلومات قضاء بعض الوقت في إدارة البنية التحتية.

في تلك الأثناء، كان 73% من المستهلكين الأميركيين يستخدمون قنوات متعددة للتسوق، وفقاً لبحث نُشر على موقع هارفارد بزنس ريفيو (HBR.org) (انظر "دراسة حول 46,000 متسوق تُظهر أن أعمال البيع بالتجزئة متعددة القنوات أكثر نجاحاً"، بقلم إيما سوبادجيفا وأوتبال دولاكيا وبيث بنجامين). أشار البحث أيضاً إلى أن المتسوقين متعددي القنوات ينفقون أموالاً أكثر مما ينفقه عملاء القناة الواحدة، بمتوسط 4% في كل رحلة إلى المتجر وبنسبة 10% عبر الإنترنت. علاوة على ذلك، كان المتسوقون متعددو القنوات أكثر ولاءً وأكثر إقبالاً على توصية أصدقائهم وأفراد أسرهم بتاجر التجزئة المفضل لديهم.

وللنجاح في المنافسة في عصر أمازون، احتاجت شركة إل إل بين إلى تزويد العملاء بتجربة التعامل مع قناة شاملة مُرضية لا يمكن لتجار التجزئة عبر الإنترنت محاكاتها. لذا، فقد لجأ تاجر التجزئة إلى فصل التطبيقات المرتبطة بالمهمات عن نظام تكنولوجيا المعلومات القديم ووضعها في منصة جوجل السحابية. ويمكن لفريق تكنولوجيا المعلومات الآن دمج البيانات من أنظمة متعددة والتعامل مع أحمال المواقع الإلكترونية بشكل أكثر كفاءة وتقديم ميزات جديدة للعملاء بشكل أسرع. ونظراً لأن البنية المستندة إلى السحابة الإلكترونية يتم تحسينها باستمرار في الخلفية، فإن مطوري برمجيات الواجهة الأمامية للشركة يقضون وقتاً أقل في إدارتها والمزيد من الوقت في استخدام البرمجيات المرنة لتجربة الميزات الجديدة وإطلاقها بمجرد جاهزيتها. وبفضل البنية الهيكلية للواجهة الأمامية المرنة الموجودة الآن في السحابة الإلكترونية، المنفصلة عن النظام القديم، يمكن للشركة زيادة السعة بسهولة وسرعة وبطريقة فاعلة من حيث التكلفة في فترات ذروة الشراء وتقليصها في أثناء فترات الهدوء. وتعتبر هذه القدرة على الاستجابة السريعة للظروف المتغيرة واحدة من أهم المزايا المترتبة على الأنظمة الحية.

ويتوقف الوصول إلى هذا المستقبل على الخيارات التي تتخذها مؤسستك فيما يخص الحزمة التكنولوجية المتبعة فيها. ويجب عليك الانتقال إلى مناهج أكثر تركيزاً على الإنسان في تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والأتمتة. ويمكنك البدء بتسريع الاستثمارات في التكنولوجيات الأساسية، مثل الحوسبة السحابية وتحليلات البيانات والتنقل الذكي للبيانات. ويمكنك إعادة النظر في أسلوبك في تطوير التطبيقات التكنولوجية للاستفادة من إمكانيات السحابة الإلكترونية والخدمات المصغرة والمرونة التي تتيحها. ويمكنك التركيز على إنشاء مكونات قابلة لإعادة الاستخدام وذات قيمة قصوى بدلاً من التركيز على المكونات ذات الحد الأدنى من الصلاحية. وستتمكن المؤسسات التي تدمج بنجاح بين استراتيجيات الأعمال والتكنولوجيا المُطبَّقة فيها من تطوير عروض فريدة من نوعها وذات مرونة غير مسبوقة.

الاستراتيجية

كل شركاتنا الآن شركات تكنولوجية

تعتبر شركة أوكادو أكبر تاجر تجزئة لبيع مواد البقالة عبر الإنترنت في العالم دون وجود متاجر فعلية، وتعمل لأكثر من عقدين من الزمان على تطوير بعض الإمكانات الأكثر تقدماً في العالم في مجال الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والروبوتات والتكنولوجيا السحابية وإنترنت الأشياء والمحاكاة والنمذجة، وهي ملكية فكرية لا تقدر بثمن تضم أكثر من 150 براءة اختراع، مع وجود مئات براءات الاختراع الأخرى في الانتظار.

وقد نجحت شركة أوكادو في تحقيق إنجازات ملموسة في مجال الملكية الفكرية لأن قطاع البقالة يعد إحدى أكثر بيئات العمل مشقةً بصورة يصعب تخيلها. إذ يعتبر أكبر مجالات البيع بالتجزئة في العالم، وهو أيضاً واحد من أكثر المجالات تعقيداً، فعلى عكس الكتب أو أسطوانات الـ "دي في دي" أو الكثير من السلع الأخرى، فإن منتجات البقالة لها فترات صلاحية متفاوتة وتستلزم تخزين المنتجات في درجات حرارة معينة. أضف كل هذه التعقيدات إلى تعقيدات البيع عبر الإنترنت، حيث يطلب العملاء المنتشرون في بلد بأكمله توصيل الطلبات بشكل دقيق وموثوق وبسعر مغرٍ، ما يؤدي إلى زيادة التحديات بشكل كبير.

ومنذ تأسيسها عام 2000، استطاعت شركة أوكادو تحقيق نمو هائل، فبعد أن كانت تتألّف من 3 أشخاص فقط يعملون في مكتب مكوّن من غرفة واحدة في لندن، أصبحت شركة ضخمة يعمل بها أكثر من 18,500 موظف يخدمون مئات الآلاف من العملاء في جميع أنحاء المملكة المتحدة. وتفخر مراكز تلبية طلبات العملاء التابعة لشركة أوكادو ببعض من أكثر تقنيات انتقاء البقالة تقدماً في العالم. ويبلغ حجم مركز تلبية طلبات العملاء النموذجي حجم ملعب كرة القدم. ويوجد به مئات الروبوتات التي تتواصل مع بعضها عبر شبكة الجيل الرابع وتدور حول شبكة معدنية من الألومنيوم مكوّنة من 3 طوابق تُعرف باسم الخلية.

وستتمكن المؤسسات التي تدمج بنجاح بين استراتيجيات الأعمال والتكنولوجيا المُطبَّقة فيها من تطوير عروض فريدة من نوعها وذات مرونة غير مسبوقة.

وباستخدام ‎تكنولوجيا "سوارم" (Swarm) التي تسمح بالتنسيق بين مجموعة من الروبوتات المستقلة بحيث تعمل معاً كمنظومة واحدة لإنجاز المهمات الموكلة إليها، فإن الروبوتات التي تبلغ حجم غسالة الأطباق تعمل بسرعة تقارب 9 أميال في الساعة، وترفع صناديق منتجات البقالة بمخالبها الميكانيكية. وتعمل إما على نقل الصناديق إلى موقع آخر (وفقاً لخوارزمية تستند إلى معدل تكرار شراء المنتج) أو إسقاطها في أنبوب لتصل إلى محطة التوصيل. ويوجد مركزان للتحكم يعمل بهما الموظفون في كل كل من مراكز تلبية طلبات العملاء، ويختص هذان المركزان بمراقبة الروبوتات والتأكد من عدم اصطدامها خلال تحركاتها المتقنة. ويؤدي الموظفون البشر أيضاً معظم العمل في محطات التوصيل، حيث يستعرضون طلبات العميل على الشاشة، ويختارون الأصناف المناسبة من صناديق المنتجات أمامهم، ويضعونها في أكياس التسوق التي وضعتها الروبوتات داخل صندوق آخر، ثم يتم إرسال صناديق المنتجات مرة أخرى إلى الشبكة لإعادة تعبئتها بالأصناف، بينما يتم توجيه الصناديق التي تحتوي على طلبات العملاء إلى رصيف الشحن. وبهذه الطريقة يمكن تنفيذ طلب يضم 50 صنفاً في أقل من 5 دقائق.

كان بإمكان شركة أوكادو أن تعتمد على أمجادها كمتجر بقالة ناجح عبر الإنترنت، لكنها اتخذت قراراً استراتيجياً بتوسيع خبرتها التكنولوجية إلى أبعد من ذلك. وفي عام 2015، أنشأت منصة أوكادو الذكية، وهي مزيج يجمع بين تلبية طلبات التجارة الإلكترونية الشاملة والخدمات اللوجستية وتكنولوجيا "سوارم" التي يستخدمها تجار التجزئة الآخرون في جميع أنحاء العالم لإدارة أعمال البقالة عبر الإنترنت. وتسمح لهم المنصة بتكرار نموذج أوكادو بشكل مربح وقابل للتوسع في مناطقهم.

وتعمل منصة أوكادو الذكية من خلال السحابة الإلكترونية وتوفر ميزات عديدة، مثل عرض المخزون في الوقت الحقيقي ومعالجة الطلبات في اللحظة الأخيرة والتوجيه الذكي لشاحنة توصيل الطلبات. ويمكن لتجار التجزئة أن يقدموا للعملاء إمكانية الوصول عبر الأجهزة المحمولة إلى مواقعهم من خلال تطبيق إلكتروني. وتوفر السحابة الإلكترونية لشركة أوكادو بنية مرنة قائمة على الفعاليات، بحيث تستجيب لارتفاع معدلات طلبات العملاء بطريقة فاعلة من حيث التكلفة. كما أنها تعزز أيضاً مرونة التطور. ويمكن لمهندسي أوكادو اختبار أية مبادرات جديدة دون الالتزام مسبقاً بالبنية التحتية، ويمكنهم الحصول على أفكار حول المفاهيم أو القدرات الإنتاجية في أقل من ساعة. ويمكن للشركة أيضاً دمج البيانات من مئات الخدمات المصغرة في بحيرة البيانات التي تدعم قدرات الذكاء الاصطناعي عبر البنية التحتية.

وقد حرص تجار التجزئة في مجال البقالة حول العالم على محاكاة هذا النموذج. إذ تخطط شركة كروغر على مدى السنوات العديدة المقبلة لبناء 20 مركزاً مؤتمتاً لتلبية طلبات العملاء بالتعاون مع شركة أوكادو. وتم اعتماد المنصة أيضاً من قِبَل شركة سوبيز (Sobeys) (حصرياً في كندا) وشركة آي سي أيه (ICA) (في السويد) وشركة غروب كازينو (Groupe Casino) (في فرنسا) وشركة بون برو (Bon Preu) (في إسبانيا) وشركة أيون (Aeon) (في اليابان). ويمكن تطبيق استراتيجية التكنولوجيا المتبعة في شركة أوكادو في أي قطاع. إذ تؤدي روبوتاتها المهمات الأساسية، كرفع المواد وتحريكها وفرزها، وهي مهمات مفيدة في الكثير من بيئات العمل. وسرعان ما ستتمكن الروبوتات من أداء المزيد من المهمات. فقد شرعت الشركة مؤخراً في تنفيذ مشروع لتطوير "الأيدي الناعمة" التي يمكنها التقاط أي شيء دقيق تقريباً (كالفاكهة الطازجة، مثلاً) دون إتلافه، وهي مهارة ستكون موضع ترحيب في الكثير من أماكن التصنيع.

ولم يستطع سوى عدد قليل من الشركات أن يمزج بين الاستراتيجية والتكنولوجيا بشكل شامل مثل أوكادو. ولم تكتفِ الشركة بمعرفة كيفية استخدام الأتمتة لتحسين عملياتها الخاصة، بل أتاحت المزايا الناتجة على نطاق واسع لغيرها من المؤسسات. وهكذا حوّلت الشركة نفسها إلى شركة متخصصة في بيع البقالة بالتجزئة وشركة متخصصة في التكنولوجيا، وعملت على تكييف استراتيجيتها ببراعة لتلبية الطلب بمفهومه المستجد في السوق.

وقد حذت شركات أخرى حذو شركة أوكادو، فطبّقت مناهج جديدة للذكاء والبيانات والخبرة والبنية التنظيمية ونسجتها في استراتيجيات مميزة ومتنوعة بحسب القطاعات التي تتنافس فيها هذه الشركات. إذ لا توجد استراتيجية واحدة تناسب الجميع. ويتطلب تبني الاستراتيجية المتكاملة للتكنولوجيا مراعاة بعدين متناقضين إلى حد ما: التفكير المسبق والسرعة. ويجب أن يتم ترتيب استثمارات التكنولوجيا بشكل منطقي ودقيق. لكن لا بد أيضاً من الأخذ في الحسبان مقولة "مَنْ يتردد كثيراً يضيع بين الأقدام".

وبعد النجاح الملموس للابتكار القائم على إطار العمل الخماسي الذي يتمحور حول الإنسان نفسه، ستتمثل المهمة في المضي قدماً بسرعة محسوبة. فقد دخلنا عصر المستقبل بسرعة أكبر بكثير مما كنا نتوقع، ويتطلب النجاح في هذه الحقبة التعقل والسرعة في إتقان المنهجيات الجديدة للابتكار التي بدأت للتو في الظهور. وقد لاحظنا حدوث ذلك في كل المجالات، بدايةً من توصيل البقالة، وصولاً إلى الوجبات السريعة، مروراً بتجارة التجزئة للمصنوعات اليدوية وحتى في دوري كرة القدم الأميركي. ويسهم الذكاء الاصطناعي في مساعدة الشركات على العمل بطرق لم يكن معظمنا يتخيلها، وسيستمر في أداء هذه المهمة، ولكن لن يتيسر له أداؤها إلا إذا عمل تحت سمع وبصر الإنسان نفسه. ويوفر إطار عملنا خريطة طريق واضحة للشركات المستعدة للبدء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي