كيف تحرص شركة “إل في إم آتش” على جعل الرفاهية أكثر استدامة؟

5 دقائق

غالباً ما تكون الشركات الأكثر دفاعاً عن القضايا البيئية والاجتماعية، هي تلك الشركات ذات العلامات المميزة الكبيرة والسوق الشاملة - تجار التجزئة المشهورين، عمالقة المنتجات الاستهلاكية، وشركات التقنية - والتي تحكي قصة جديدة للمستهلكين الذين يتزايد اهتمامهم بالاستدامة. ويبدو للوهلة الأولى أنّ شركات السلع الفاخرة لا تشعر بنفس الضغط، لكن العلامات المميزة الراقية تواجه أسئلة مهمة حول طريقة تأثير أعمالها في العالم. وليس بوسع هذه الشركات تجاهل الاستدامة.

تقدم إحدى الشركات الرائدة في مجال المنتجات الفاخرة، وهي شركة إل في إم تش (LVMH)، مثالاً رائعاً عن كيفية بناء برنامج قوي للاستدامة. الشركة عبارة عن مجموعة غير مركزية من العلامات المميزة الثمينة بقيمة 36 مليار يورو - يسمونها دور - تشمل منتجات الأزياء ومستحضرات التجميل والمجوهرات. ومن أجل فهم خطتها من أجل  الاستدامة بشكل أفضل، تحدثت مع سيلفي بينارد، رئيسة قسم البيئة في الشركة، ومع الرؤساء التنفيذيين لاثنتين من العلامات المميزة.

يقوم برنامج الشركة على إطار عمل يعرف باسم "لايف" (مبادرات إل في إم آتش للبيئة)، ويُعد هذا الإطار "العمود الفقري الاستراتيجي" لبرامج تعالج تسعة تحديات بيئية. وتركّز إل في إم آتش انتباهها على كامل دورة حياة المنتجات، بدءاً من سلسلة التوريد إلى التميز في الإنتاج وصولاً إلى تصميم منتجات أطول عمراً وقابلة للإصلاح. وأصبحت خطة "لايف" جزءاً من خطط الأعمال الاستراتيجية للعلامات المميزة، حيث تُفصّل كل منها الإجراءات والأهداف للسنوات الخمس المقبلة.

انطلاقاً من جهود الشركة، سنسلط الضوء على ثلاثة مجالات أرى فيها تأثيراً وابتكاراً كبيرين هي: إدارة الكربون والطاقة، بناء رابط مع العميل حول غاية العلامة المميزة، والعمل عن كثب مع الموردين. وسأناقش بعدها بعض التحديات التي تواجه شركة إل في إم آتش.

إدارة الكربون والطاقة

عملت إل في إم آتش منذ عام 2001 على دراسة بصمة الكربون في دورة الحياة لديها، مع التركيز على كبار مستهلكي الطاقة -المتاجر والتوزيع- والقضايا الخاصة بكل علامة مميزة، مثل تعبئة وتغليف المنتجات والرعاية الشخصية. لقد خفّضت الشركة بقوة من طلبها على الطاقة وزادت من استخدام الطاقة النظيفة. ومع حلول نهاية هذا العام، ستكون 100% من الكهرباء في مرافق شركة إل في إم آتش في فرنسا مستمدة من الطاقة المتجددة.

إحدى شركات المشروبات المشهورة، وهي علامة مميزة، حيث تباع منتجاتها في 120 بلد، عملت على الكثير من المشاريع الضخمة للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من معاملها. إذ انتقلت عملية تصنيع منتجاتها من استخدام النفط إلى الغاز، وذلك لتوليد الطاقة وأضافت أنظمة لاسترجاع الحرارة للاحتفاظ بالطاقة المُهدرة. اتخذت الشركة خياراً استراتيجياً للاستثمار في هذا المشروع مع أن الفترة التي يستغرقها تحقيق عائد منه أطول من المعتاد. وكان ذلك جزءاً من عملية إصلاح أوسع شملت أتمتة بعض عمليات الإنتاج، وهو ما أعطى الشركة بيانات أفضل وساعد على خفض استهلاك الطاقة والمياه. بالنتيجة، انخفضت انبعاثات الغازات الدفيئة في الشركة بنسبة 40%، وهو ما أكدته الشركة نفسها.

يُعتبر الجزء الأكثر ابتكاراً في استراتيجية الكربون ضمن شركة إل في إم آتش هو استخدام تمويل داخلي للكربون. ومع أنّ العشرات من الشركات الأكبر في العالم تستخدم "أسعار الظل" لنمذجة كيفية تأثير ضريبة الكربون على قراراتها الاستثمارية. إلا أنّ هناك في الواقع عدد قليل فقط من الشركات الكبرى التي تجمع مالاً حقيقياً من أقسامها أو علاماتها المميزة (كانت ديزني ومايكروسوفت من أوائل الرواد). وهنا يعتبر منهج إل في إم آتش فريداً من نوعه بعض الشيء. ففي حين كان الآخرون يجمعون الأموال داخلياً لإنشاء تمويل مركزي لمشاريع الحد من الكربون، تطلب شركة إل في إم آتش من كل علامة مميزة لديها دفع مبلغ 18.50 دولار عن كل طن من انبعاثات الكربون (سواء في الموقع أو من شبكة الكهرباء) لإنفاقها على الكفاءة والحد من الطاقة والطاقة النظيفة، أو لبحوث فهم انبعاثات الغازات الدفيئة الخاصة بتلك العلامة المميزة بشكل أفضل. وعلى غرار نظرائها من الشركات التي تفرض ضرائب على الكربون، أنشأت شركة إل في إم آتش حلقة إيجابية قوية من تخفيضات الانبعاثات. وبالمجمل، استثمرت إل في إم إتش حوالي 7.4 مليون دولار في السنة الأولى من البرنامج.

بناء العلامة المميزة والرابط مع العملاء

يملك قادة إل في إم آتش إيماناً قوياً بأنّ جيل الألفية يهتم بالاستدامة أكثر من الأجيال السابقة. لقد كان تركيز التسويق إلى وقت قريب منصباً بشكل رئيسي على صورة المنتج والعلامة المميزة. ولكن الناس ينظرون الآن إذا ما كنت تتحلى بالمسؤولية على الصعيدين الاجتماعي والبيئي معاً. إنّ الناس ينظرون إلى العلامات المميزة ويسألون عما تقدمه للصالح العالم. إن لم تفعل هذه الأمور، فأنت لست علامة مميزة عصرية.

إحدى الطرق التي تخبر بها الشركة عملاءها قصة أكثر استدامة تكون باستخدام "علامة الفراشة" وهي عبارة عن رمز (الأول من نوعه في صناعة المنتجات الفاخرة) يجعل الناس يميزون سريعاً العلامات التجارية الملتزمة بالاستدامة الاجتماعية والبيئية.

شراكات سلسلة التوريد

في الحديث عن إحدى شركات تصنيع المشروبات، التي ينصب تركيزها على الآثار البيئية والاجتماعية. فقدت هذه العلامة المميزة للشركة صلتها بمثل الحرفية والتواضع والجودة. وذلك بعد الأزمة المالية التي كانت تعاني منها. والعودة إلى المسار الصحيح، تطلب من الشركة القيام بتواصل أعمق مع المزارعين. فنوعية المحاصيل واهتمام المزارعين بها هي المفتاح لنجاح الأعمال التجارية. لهذا بدأت الشركة برنامجاً للعمل مع المزارعين على الاستدامة والجودة. وبالفعل، تمكنت الشركة بالتعاون مع المزارعين من تقليل النفايات والمدخلات الزراعية (مثل الأسمدة والمياه) للحصول على غلات أفضل، بالشكل الذي يقلل من البصمة الكلية.كما قامت شركات أخرى في إل في إم آتش، مثل علامة المجوهرات الشهيرة بولغاري، بتطبيق برامج لتعقب سلسلة التوريد للمدخلات الهامة التي لديها سجل من المشاكل المحتملة (مثل بعض المعادن والماس).

يمكننا القول من ناحية، أنّ لا شيء جديد أو شديد التطور في ما تفعله الشركة، فمعظم الشركات الكبيرة ذات سلاسل التوريد الزراعية، مثل كيلوغ (Kellogg) وجنرال ميلز (General Mills)، طورت برامج متطورة وقوية للموردين من أجل تحسين الغلال وخفض استخدام المياه وانبعاثات الغازات الدفيئة. وحتى في مجال المجوهرات، تستخدم شركات مثل تيفاني (Tiffany) برامج تعقب واسعة لتجنب المعادن القادمة من أماكن الصراعات والماس الملطخ بالدماء.

لكن هناك أشياء غير اعتيادية تقوم بها شركة إل في إم آتش. إذ سعت شركة المشروبات التابعة لشركة إل في إم آتش، توسيع مشاركة المزارعين في صناعة منتجات الشركة، ما سيمح للمزارعين الاستمتاع بالنتائج النهائية لعملهم. ربما يبدو ذلك بسيطاً، لكن هذا الأمر ليس اعتيادياً في مجال الأعمال.

التحديات

يتحدث تنفيذيو الاستدامة والتشغيل في إل في إم آتش بصراحة عن بعض التحديات التي يواجهونها. وكالمعتاد، تشكل الضغوط القصيرة الأجل على الأداء المالي مصدر قلق، كما أنّ التغيير يستغرق وقتاً. وفي هذا الخصوص، تقول سيلفي بينارد أنّ تغيير السلوك يستغرق بضع سنوات، وعليك الاستمرار على الدوام بالدفع برسالتك "وإيجاد اللحظة المناسبة" للعمل.

في جميع الأحوال، لا يجد الرؤساء التنفيذيون لهذه العلامات المميزة صعوبة كبيرة في المحافظة على تركيزهم على المدى الطويل بالأخذ بالاعتبار أنّ بعض العلامات المميزة عمرها ثلاثة قرون. مثلاً، يتوجب عليهم زراعة الأشجار اليوم للحصول على الخشب المناسب للبراميل بعد 150 عاماً من الآن. ولعل العقبة الأكبر تُعد عقبة وجودية: هل بإمكان السلع الفاخرة أن تكون مستدامة أصلاً؟ من ناحية، ربما لا، لأن هذه المنتجات في أصلها ليست حاجة إنسانية متأصلة. لكن في حين يستسهل خبراء الاستدامة التأكيد للناس أنّ "لا حاجة لأي من هذه المنتجات"، فإنّ هذا كلام أقل ما يمكن أن يُقال عنه أنه غير واقعي، ويؤدي غالباً إلى نتائج عكسية. حيث أنه لكل شخص تعريفات مختلفة لما يجعل الحياة مزدهرة. وبالنسبة للكثيرين يشمل هذا بعض الرغبات أو الأشياء التي توفر المتعة والجمال.

يتمثل التحدي، إذاً، بالتأكد من أنّ الاستدامة والجمال لا ينفصلان. تسير إل في إم آتش على الطريق الصحيح، فتتحدث عن الاستدامة باعتبارها جوهر التميز والجودة وصورة للعلامة المميزة، ومركزية في أسلوب عمل الشركة. كما تقول سيلفي بينارد، عندما "يأخذ مدير التسويق والمدير المالي ومدير الخدمات اللوجستية وغيرهم البيئة بالاعتبار عند اتخاذهم القرارات، ستكون الحياة جميلة".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي