لماذا يمكننا إدارة حياتنا المالية بالكامل مستخدمين عدداً قليلاً من تطبيقات الهواتف الذكية، وبضع بطاقات بلاستيكية، وشبكة أجهزة الصراف الآلي، في حين لا تزال تعتمد أغلب تفاعلاتنا مع نظام الرعاية الصحية على المكالمات الهاتفية والناسخات وأجهزة الفاكس وحتى الاستمارات متعدد الصفحات؟ ولماذا لا يزال تبادل معلومات الرعاية الصحية أمراً بالغ الصعوبة مقارنة بتبادل المعلومات المالية؟ إليكم كيفية التعامل مع بيانات العملاء في قطاع الصحة.
تعود أسباب ذلك إلى أن المصارف حلت بعض المشكلات الأساسية فيما يتعلق بالتواصل فيما بينها مقارنةً بقطاع الرعاية الصحية الذي لا يزال يعاني من ذلك. وكمدير لقسم المعلومات في شركة "بارتنرز هيلث كير" (Partnerts HealthCare) في بوسطن، ومؤخراً، كجزء من عملي في "سيرنر" (Cerner)، وهي مورد رئيس للسجلات الصحية الإلكترونية، فقد تتبعت هذا الصراع عن كثب منذ عقود. وتعتبر العوائق عديدة، من بينها عدم الاتفاق على طرق معيارية لتبادل المعلومات، والنظرة التقليدية التي ترى أن معلومات المريض ميزة تنافسية يجب حمايتها بشدة، فضلاً عن تعقيد نظام السداد بشكل لا يشجع على التشغيل البيني.
ويجب أن يعني اعتماد السجلات الصحية الإلكترونية على نطاق واسع نظراً لعدم حاجتنا لتكرار سرد تاريخنا الطبي لكل طبيب جديد نزوره، ومعرفة أي غرفة طوارئ ندخلها بأن لدينا حساسية من البنسلين حتى لو وصلنا إليها فاقدي الوعي، وحصولنا تلقائياً على إخطار مسبق بوجود تجربة سريرية تنطبق شروطها الصحية علينا.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم المستشفيات نتائج استبيان المرضى لتحسين الرعاية الصحية؟
ويمكن للمرضى الذين ينالون رعايتهم الصحية من نظام رعاية صحية واحد مزود بتقنية معلومات متقدمة، على غرار "كايزر برمانانتيه" (Kaiser Permanente) أو "إنترماونتن هيلثكير" (Intermountain Healthcare)، رؤية بعض هذه الفوائد في زمننا الحالي، لكن لا يزال البقية غير قادرين على ذلك، فالسجلات الطبية العامة وفحوصات الدم موجودة عند الطبيب، أما المعلومات المتصلة بجراحة الركبة أو العلاج الكيميائي فهي في المستشفى، في حين الصيدلية هي الجهة الوحيدة التي تعرف إن كنا أعدنا ملء وصفاتنا الطبية.
كيفية التعامل مع بيانات العملاء في قطاع الصحة بالاستناد إلى دروس القطاع المصرفي
فما الدروس التي يمكن أن نتعلمها من القطاع المصرفي للمساعدة في إدخال قدرات معالجة معلومات الرعاية الصحية إلى القرن الحادي والعشرين؟
الدرس الأول: يمكن لإنشاء تعاون على مستوى أولي معالجة طيف واسع من الاحتياجات
تقوم المصارف بنقل الأموال فيما بينها باستخدام نظام "سويفت" (SWIFT) وهو اختصار لـ "جمعية الاتصالات السلكية واللاسلكية المشتركة بين المصارف على مستوى العالم في الميدان المالي" الذي أنشأه 293 مصرفاً في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، ويستخدمه الآن أكثر من 11 ألف مصرف وشركات وساطة مالية وتداول أوراق مالية ومؤسسات أخرى تقوم كلها بدفع رسوم عضوية ورسم عن كل معاملة تجريها وفق ذاك النظام على أساس حجمها. وفي المقابل، تحصل على وسيلة سريع وآمنة لنقل التعليمات الخاصة بالمدفوعات والمعاملات الأخرى باستخدام نظام موحد يعطي رمزاً لكل مؤسسة ويسّلم أكثر من 34 مليون رسالة كل يوم.
اقرأ أيضاً: بناء ثقافة الشفافية في الرعاية الصحية
أما عن مشاركة المعلومات في قطاع الرعاية الصحية فهي أمر أكثر تعقيداً مقارنة بالقطاع المالي وذلك نظراً لأن طبيعة المعلومات التي تسعى الأطراف المعنية للحصول عليها فيما يتعلق برعاية المرضى أو الفوترة أو البحث السريري أو الصحة العامة متنوعة، إذ قد تكون بشكل قيم عددية وحقول بيانية ثابتة، وأيضاً قد تأخذ أشكالاً أخرى مثل الصور وتخطيط القلب والملاحظات النصية المكتوبة بخط اليد. وقد يثير ما سبق رعبنا إلى حد كبير، إلا أننا قادرون، كما هو الحال في الصناعة المصرفية، على إنجاز جزء كبير مما نحتاج إليه من خلال التركيز على القواسم المشتركة والأكثر كفاءة. وقد تشمل قائمة الأولويات مثلاً إخطار فريق الرعاية كلما تلقى المريض أي خدمات رعاية صحية، بغض النظر عن المزود أو الموقع، وأتمتة تبادل "التفويض المسبق" بين مقدمي الخدمات وشركات التأمين، والتأكد من معرفة جميع مقدمي الرعاية بتاريخ المريض فيما يتعلق بتعاطي المواد الأفيونية.
الدرس الثاني: ستنجح قابلية التشغيل البيني فقط عندما يستفيد المشاركون عملياً منها
يمكن لأعضاء "سويفت" استخدام النظام لاستقطاع النقود بسرعة من حسابات عملائهم، وهي قدرة تفيد جميع أفراد ذاك القطاع. لكن في الوقت نفسه، يحدد كل مصرف سياساته الخاصة بموعد وجوب السداد وتفاصيل الائتمان لكل حساب مصرفي بطريقة مختلفة عن الآخر، فضلاً عن أن لديه الوصاية الوحيدة على عملائه وأموالهم. فإذا كنت تستخدم جهاز صراف آلي لسحب 20 دولاراً من المصرف "أ" ولم يكن في رصيدك سوى 10 دولارات، لن يتمكن المصرف "أ" من سحب 10 دولارات من حسابك حتى لو كنت ترغب حقاً في ذلك. ويمكن، نظرياً، للمعرفة التي يحصلها عليها "المصرف أ" حول حسابك مساعدته في إقناعك بالتخلي عن المصرف "ب" والانتقال إليه، وهو أمر لا يؤثر كثيراً على المصرف "ب" بدوره.
وبالمثل، على الرغم من أن الوصول السهل إلى جميع المعلومات المتاحة عن مريض معين سيكون أفضل للمريض، إلا أن مقدمي الخدمات (حتى الآن) لا يرونه الأمر الأفضل لهم. لكن في الوقت نفسه، يقوم نظام العمل في مجال الرعاية الصحية بالكامل على نظام قائم على تقديم أقساط لقاء قيمة يتم تقديمها، حيث تتم مكافأة مقدمي الخدمات على تقديم رعاية عالية الجودة بتكلفة أقل والحفاظ على صحة مرضاهم. ومن المهم لمقدمي الخدمات في ظل نظام مثل هذا امتلاك أكبر كم ممكن من المعلومات عن وضع المريض مقارنةً بالاحتفاظ بسرية معلوماته. فقد يخاطر مقدم الخدمة بخسارة دفعات ذاك المريض المستقبلية إذا لم يكن لدى أطبائه صورة واضحة عن حالته الصحية العامة، أو إذا لم يتمكن المزود من إدارة رعاية المريض في الحالات المرضية المختلفة. بالتالي، تعتمد السلامة المالية لجميع مقدمي الخدمات على إمكانية الوصول إلى بيانات بعضهم البعض.
لكن تشكّل ما يحصل عليه مقدمو الخدمة لقاء القيمة التي يقدمونها لعملائهم حوالي ثلث دخلهم، وهي نسبة متواضعة أو قليلة لأغلبهم، الأمر الذي يجعل خسارة أي مقدم خدمة لمرضى أمراً ذي تأثير محدود إذ لا يمثّل إلا 2% من مجمل إيراداته. بالتالي لا يوجد حافز كبير لقيام تلك الجهات بتغيير أساليب عملها لجذب مرضى أكثر لكون الفائدة لن تتجاوز 1% في غالب الحالات.
ومن المرجح أن تزداد النسبة المئوية للإيرادات التي قد يخسرها مقدمو الخدمات مع اكتساب الناس المعرفة فيما يتعلق بالرعاية المعتمدة على القيمة. وفي حال حدوث ذلك، ستكون لمشاركة البيانات أثر أكبر في تسهيل حصول تلك الشركات على مشتركين أكثر، حيث سيسهّل انسياب المعلومات من عمل تلك الشركات وسيكون عملها أفضل. ولن يكونوا مدفوعين باحترام الإيثار لرفاهية المريض.
وبالعودة للحديث عن المرضى، قد يمكنهم المساعدة بدورهم في دفع مقدمي الخدمات تجاه تطوير حالة الأعمال هذه، كما يلاحظ ديفيد بلومنتال، رئيس صندوق الكومنولث (Commonwealth Fund). ويتطلب النص الوارد في "قانون علاج القرن الحادي والعشرين" (the 21st Century Cures Act) من مقدمي وموردي تقنية المعلومات الصحية تضمين واجهات برمجة التطبيقات المفتوحة (API) مع منتجاتهم. وواجهات برمجة التطبيقات المفتوحة هي السحر الذي يسمح لمجموعة من التطبيقات بأن تتحدث فيما بينها دون تدخل بشري. وبمجرد أن يبدأ المرضى في رؤية هذا السحر مطبقاً على بياناتهم الصحية، سيبحثون عن مقدمي خدمة يستخدمها جيداً - تماماً كما تتمتع المصارف التي تتمتع بأفضل تطبيقات الخلوي بميزة تنافسية.
الدرس الثالث: يجب أن يكون التشغيل المتداخل مدفوعاً بجهود على مستوى الصناعة
تحتاج الرعاية الصحية إلى نظام سويفت الخاص بها، بمعنى آخر، جهة واحدة تدعمها الصناعة بأكملها وتقوم بتطوير وتحسين حالات العمل المشترك، وتضع معايير البيانات والمعاملات، وتخصص التكاليف، وتراقب تقدم الصناعة، وتعالج أي حواجز قانونية أو تنظيمية، وتضع إجراءات للمشاركة.
قد تكون الصناعة على وشك الحصول على مؤسسة مثل هذه. ففي الولايات المتحدة، يتوقع "مكتب المنسق الوطني لتكنولوجيا المعلومات الصحية" تعيين منظمة للحوكمة في وقت ما من هذا الخريف لتكون "هيئة التنسيق المعترف بها" (RCE). وسيتمثّل نطاق عمل تلك الهيئة في الجمع بين أفراد قطاع الرعاية الصحية لإنشاء الآليات والاتفاقيات الفنية والتجارية والقانونية اللازمة لتحقيق تقدم كبير في التشغيل البيني للرعاية الصحية، حيث ستركز الهيئة على إنشاء "شبكة من الشبكات" تربط جهود تبادل المعلومات الصحية الحالية والمجزأة.
وتتناول هذه الخطوة بنداً آخر في قانون علاج القرن الحادي والعشرين، حيث ستكون المشاركة في هذه الهيئة طوعية كما هو الحال مع المشاركة في سويفت. وسيكون لدى الهيئة المقترحة وظيفة كبيرة، وقد يستغرق الأمر سنوات لمعرفة ما إذا كانت ستحقق المرجو منها، ولكن إنشاء هيئة مثل هذه ضروري لتحقق صناعة الرعاية الصحية مستوى التشغيل البيني الذي تحتاجه.
وعلى الرغم من مرور عقد من التقدم السريع في اعتماد السجلات الصحية الإلكترونية، لا يزال يتعين على صناعة الرعاية الصحية تعلّم الكثير من قدرات مشاركة البيانات في قطاعات أخرى مثل المصارف، لكنني أعتقد أن الجمع بين جهة حوكمة فاعلة وفوائد عملية مقنعة سيدفعنا نحو عالم تكون فيه إدارة معلوماتنا الصحية سهلة مثل إدارة مواردنا المالية.
وتعد قابلية التشغيل البيني في مجال الرعاية الصحية أولوية دائمة، لكن حتى الآن لم تتخذ هذه الصناعة سوى الإجراءات بشكل متقطع وأحياناً تحت الإكراه. وربما قد تساهم العوامل التقنية والعملية في نهاية المطاف في معرفة كيفية التعامل مع بيانات العملاء في قطاع الصحة.
اقرأ أيضاً: