تتمركز المجتمعات الريفية غالباً وسط أراض واسعة بعيدة ومعزولة، وهي السمة البارزة لجزء كبير من الولايات المتحدة، ولكن تلك الأماكن البعيدة ذاتها يمكن أن تصعّب على الناس إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية. فكيف يمكن تحسين الرعاية الصحية في المناطق الريفية؟
نظام "إنترماونتن" لتحسين الرعاية الصحية في المناطق الريفية
يلبي نظام إنترماونتن للرعاية الصحية الاحتياجات الملحة للأشخاص الذين يقطنون تلك المناطق الريفية من خلال تقديم خدمات الرعاية الصحية عن بعد، وذلك باستخدام تقنيات سمعية بصرية آمنة لربط مقدمي الرعاية الصحية في مرافق طبية أصغر مع متخصصين في مستشفيات كبيرة، والنتائج التي شهدناها تحمل إمكانيات مبشّرة للمجتمعات الريفية في جميع أنحاء أميركا.
إن المرضى غالباً يبعدون في تلك المناطق مئات الكيلومترات عن خدمات الرعاية الصحية التي يحتاجونها، أما الطواقم الطبية في المستشفيات المحلية هناك بعددها القليل وميزانياتها المحدودة لا تضم عادة أخصائيين في مجال رعاية الأطفال حديثي الولادة وأخصائيين في مجال الأعصاب والقلب، وحتى عندما يكون هناك أطباء بتلك الاختصاصات، غالباً ما يكون عددهم قليلاً جداً لضمان تغطية حاجات الرعاية المستمرة.
فيُنقَل المرضى في أغلب الأوقات إلى مراكز رعاية بعيدة جداً لتلقي رعاية متخصصة، فضلاً عن أنّ مقدمي الرعاية المحليين لا يحصلون على فرصة للتعلم من الأطباء الأخصائيين والمتمرسين حول رعاية المرضى الذين يعانون من حالات صحية حرجة. ولا تجد في بعض الأحيان عاملين في مجال الخدمات الاجتماعية ومعالجة الأزمات النفسية ومديري الرعاية الصحية للأمراض المزمنة ضمن المجتمعات الصغيرة النائية تلك، الأمر الذي يتطلب من المرضى السفر لساعات لتلقي الرعاية الأولية لصحتهم النفسية والجسدية.
اقرأ أيضاً: هل يمكن تخفيض تكلفة التداوي في المستشفيات بتقديم خدمات الرعاية الأولية المنزلية؟
تعمل خدمات الرعاية الصحية عن بعد على التعامل مع تلك الحالات لتطال المنفعة الجميع، إذ يتلقى المريض علاجاً متخصصاً محلياً دون التعرض لخطر إضافي يتمثل في نقله إلى مستشفى أكبر ودون تحمل عبء تكاليف ذلك. وتحتفظ المستشفيات المحلية بالإيرادات التي تُعتبر ضرورية لمواصلة تقديم الخدمات ورفع مستواها، كما يحصل أفراد المجتمع المحلي على رعاية أفضل قائمة على أفضل الممارسات المستندة إلى الدلائل، فأصبحت الرعاية الصحية في تلك المناطق أفضل بوجه عام.
يدير نظام "إنترماونتن" 24 مستشفى و160 عيادة في ولايتي "يوتا" و"أيداهو"، حيث يغطي مساحة تقدر بمساحة إيطاليا تقريباً، ولكن عمليات المركز التابع لنظامنا "كونّكت كير برو" للرعاية الصحية (Connect Care Pro) يزود 40 خدمة من خدمات الرعاية الصحية عن بعد في 7 ولايات غربية، وذلك إلى العديد من المرافق الطبية غير التابعة لإدارة نظام "إنترماونتن". لدينا مركز للرعاية الصحية عن بعد في "سولت ليك سيتي" في ولاية "يوتا" يقدم خدماته على مدار 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع بطاقم طبي يعمل بدوام كامل، بالإضافة إلى نحو 500 مقدم رعاية صحية مناوب؛ تضم اختصاصاتهم طائفة واسعة من التخصصات الطبية.
وقد حرصنا على أن تكون الشاشات في غرف المرضى عبر نظامنا الصحي والمستشفيات التابعة لنا، في المناطق الريفية والحضرية على السواء، مزودة بكاميرات تتيح لنا تقديم خدمات الرعاية الصحية عن بعد، وتتضمن مستشفياتنا عربات مزودة بكاميرات أيضاً يمكن إدخالها إلى غرف المرضى حسب الحاجة. إذ يمكن للمتخصصين المتصلين على نظام الرعاية عن بعد التواصل مباشرة مع المرضى ومقدمي الرعاية المحليين وتلقي معلومات محدثة ومتزامنة للحالات المرضية.
منافع الرعاية الصحية عن بعد
تُعتبر المنافع الصحية التي يتلقاها المرضى كبيرة جداً، فقد ولد طفل مؤخراً في منطقة ريفية يعاني من وجود ثقب في رئته وتلقى الرعاية الصحية عن بعد بالاستعانة بنظام "إنترماونتن" الذي يوفر خدماته على مدار الساعة وعند الطلب. تلقى الطفل رعاية مركزة بإشراف طبيب استشاري حيث أتاح له ذلك البقاء في المستشفى الذي ولد فيه عوضاً عن إحالته إلى وحدة العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة (NICU) في أحد مستشفيات الرعاية الثالثة (المستوى المتقدم) التابعة لنظام إنترماونتن. لقد تجنب الوالدان بذلك نقل طفلهم بواسطة الهليكوبتر التي قد تصل كلفتها إلى أكثر من 18 ألف دولار، وكانا قادرين على البقاء في منطقتهما محاطين بنظام الدعم والرعاية الخاص بطفلهما، عوضاً عن الاضطرار إلى السفر لمدة تستغرق 7 ساعات ذهاباً وإياباً لمسافة تتجاوز أكثر من 600 كيلومتر في كل مرة أرادا فيها رؤيته في وحدة العناية المركزة. أما المستشفى الريفي فقد كان المعنيون فيه قادرين على الاحتفاظ بإيرادات الرعاية، الأمر الذي من شأنه أن يبقيه مستمراً بتقديم خدماته من الناحية الاقتصادية.
اقرأ أيضاً: نموذج مبتكر للرعاية الصحية المنزلية من مستشفى ماونت سيناي
تُعد المنافع جلية أيضاً بالنسبة إلى الرعاية الصحية بوجه عام، فقد شهدنا انخفاضاً ملحوظاً في الدخول إلى غرفة الطوارئ والخضوع للرعاية الطارئة للحالات التي يمكن تفادي فيها ذلك بين المرضى الذين استعانوا بهذه الخدمة. وأفاد 62% من المرضى الذين استعانوا بمركز "كونّكت كير" التابع لـ "إنترماونتن" أنهم لولا وجود تلك الخدمة لكانوا مضطرين للدخول إلى غرف الطوارئ أو عيادات رعاية الحالات الطارئة. وباعتبار قطاع الرعاية الصحية يتجه نحو النموذج القائم على القيمة الذي يكافئ مزودي الرعاية على تحقيق نتائج أفضل وبتكلفة أقل، وبعيداً عن نموذج أجور الخدمات القائم على دفع مبالغ مالية بعد حساب حجم الخدمات المقدمة، تسمح الرعاية الصحية عن بعد الاستخدام الأمثل للموارد لتقديم رعاية صحية عالية الجودة بأقل تكلفة ممكنة.
وقد ساهم أيضاً عملنا في "كونكت كير برو" في انخفاض معدل الوفيات ومدة الإقامة في وحدات العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة، وتقليص الوقت المستغرق بين وصول مريض السكتة الدماغية أو القلبية إلى قسم الطوارئ والبدء بالعملية، وكذلك تقليص وقت تقييم حالة المرضى الذين يعانون من أزمة نفسية، وتجنب نقل المرضى غير الضروري والمكلف لكل من الأطفال حديثي الولادة والمرضى الذين بحاجة إلى رعاية مركزة. ومع إمكانية الوصول إلى أحدث وأفضل الممارسات ومعايير الرعاية الصحية، يعزز مركز كونّكت كير برو أيضاً توحيد معايير الرعاية ويقدم سبيلاً إلى التعلم المستمر لمقدمي الرعاية الصحية.
وقد أقيمت دراسة حديثة لبرنامج الرعاية الصحية عن بعد للأطفال حديثي الولادة في نظام إنترماونتن، والتي بدأت في عام 2012، انعكاس الإنعاش بمساعدة الفيديو على نقل الأطفال حديثي الولادة من 8 مستشفيات محلية إلى وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة في مراكز علاج الصدمات ذات المستوى الثالث، وكانت النتائج أنّ تلك الخدمة أسفرت عن انخفاض في احتمال نقل الأطفال حديثي الولادة بنسبة 29.4%، والتي تعادل 67 إحالة أقل سنوياً، وقدرت الدراسة أيضاً تحقيق وفورات نحو 1.2 مليون دولار للأسر المعنية.
من أجل المساعدة على توفير المزيد من المنافع من هذا القبيل، يوسع "إنترماونتن" نطاق عمل "كونّكت كير برو" بإضافة خدمات الاستشاراة من خلال الفيديو للرعاية الصحية الأولية والرعاية المتخصصة. ونتوقع أنّ يفضي هذا إلى تجربة محسنة للمريض عن طريق الحد من عبء السفر لزيارات الطبيب الروتينية وتمكين المتخصصين في المساعدة على تشخيص الحالات الطبية المختلفة، ونظن أنّ ذلك سيساعدنا أيضاً على إشراك ما يقرب من 30% من جيل الألفية الذين لا يتمكنون من الوصول إلى مقدمي الرعاية الصحية الأولية.
نموذج المستشفى الرقمي
ركز نموذج المستشفى الرقمي الذي أنشأناه ونطوره على تحديد المجالات التي نشعر بأننا يمكن أن نكون فاعلين بقوة فيها من منطلق السلامة والجودة وإمكانية الوصول والتكلفة والخبرة، وبعد أن يتم تحديد تلك الأهداف وتمحيصها، نعمل على موائمة الفرق الطبية ووسائل التكنولوجيا والبيانات الجيدة من أجل تحقيق تلك الأهداف. إذ يتيح لنا هذا إشاعة أفضل الممارسات بسرعة بغض النظر عن قرب المسافة عن المناطق الحضرية، وبالتالي، يتلقى مرضانا نتائج متسقة عالية الجودة أياً كانت المسافة الجغرافية التي تفصلنا عنهم.
اقرأ أيضاً: الرعاية الصحية الافتراضية يمكن أن توفر على أميركا المليارات سنوياً
يساعد هذا النموذج أيضاً المرافق الطبية الأصغر على تلبية المعايير الاتحادية، مثل البرامج الطبية للإشراف التي تهدف إلى ضمان الاستخدام الملائم للمضادات الحيوية، إذ أنّ نقص الموارد وصعوبة الوصول إلى المتخصصين في الأمراض المعدية والصيادلة ومحللي البيانات يجعل هذا الشرط لا يمكن تطبيقه بنجاح إلى حد ما بالنسبة إلى المرافق الطبية الصغيرة. ولكن نظام الرعاية الصحية عن بعد لا يجعل برامج الإشراف على المضادات الحيوية أمراً ممكناً فحسب، بل ويجعلها أكثر كفاءة وميسورة التكلفة وقابلة للقياس بين مجموعة واسعة من مزودي الخدمات الطبية والمستشفيات.
من الجدير بالذكر أنّ نظام الرعاية الصحية عن بعد ليس موجه فقط إلى المجتمعات الريفية، إذ يمكن أيضاً الاستعانة به لمساعدة المرضى في المناطق الحضرية الذين يواجهون قيوداً من حيث وسائل النقل أو الوقت أو الحركة على الوصول إلى طائفة كاملة من التخصصات. ولكن أحد التحديات أمام الارتقاء بخدمات الرعاية الصحية عن بعد لتحسينها على مستوى الولايات المتحدة هو أنه على الرغم من مزاياها العديدة وتوفيرها للتكاليف، إلا أنّ سياسات الدفع ذات الصلة ونماذج المبالغ المستردة تمنع مزودي الرعاية الصحية في كثير من الأحيان من استلام الدفعات مقابل الرعاية عن بعد. لذلك على الرغم من المنفعة الكبيرة التي يتلقاها المرضى والأسر والمستشفيات المحلية والمجتمعات المحيطة بها، بالإضافة إلى مقدمي الرعاية أنفسهم، تُترك نظم الرعاية الصحية المتكاملة والواسعة النطاق لتغطية التكاليف بمفردها.
ويُعتبر نظام إنترماونتن في وضع أفضل من ناحية تصدينا لهذا التحدي مقارنة بالعديد من النظم الصحية، لأننا نتعامل مع مخاطر مالية لحوالي 42% من المرضى الذين نعالجهم، وهي نسبة أعلى بكثير من معظم المستشفيات والأنظمة الصحية الأخرى، ويرجع ذلك أساساً إلى حقيقة أنّ لدينا خطتنا الصحية الخاصة في ولايتي "يوتا" و"أيداهو"، التي تضم حوالي 900 ألف عضو. وتُعتبر خدمات الرعاية الصحية عن بعد منطقية وحكيمة وذلك من المنظور الطبي والمالي على حد سواء، حتى مع وجود مخاطر مالية، لأنّ الوفورات في التكلفة لا تذهب إلى طرف ثالث متمثل في شركات التأمين، وبالنسبة إلى أولئك المرضى خارج نسبة 42% فإننا نستوعب التكلفة في كثير من الأحيان. ولكن على عكس العديد من نظم الرعاية الصحية الكبيرة، فإنّ نظم الإدارة والحوكمة لدينا تقبل بتلك الإيرادات الضائعة من أجل توفير الخدمات التي يستفيد منها الكثير من الناس.
إنّ سياسات الدفع ونماذج المبالغ المستردة بحاجة إلى مواكبة هذا التقدم الكبير في مجال تكنولوجيا الرعاية الصحية وتقديمها، والتي تعمل بشكل أفضل بنظام الدفع المسبق، أو من خلال رسم التأمين الصحي الفردي الموحد، أي وضع نموذج جديد للسداد مقابل سيناريو أجور الخدمات المتناسبة مع حجمها. هناك محادثات تدور في واشنطن العاصمة حول تحقيق التكافؤ فيما يتعلق بنظم السداد، حيث إنّ مقدمي الرعاية الصحية سيتم الدفع لهم مقابل الزيارة الرقمية بقدر تلك الشخصية، ولكن حتى الآن، فإنّ تغطية تكاليف خدمات الرعاية الصحية عن بعد مقتصرة فقط على الحكومة الاتحادية وجهات أخرى مموِلة.
وتماشياً مع تقليدنا الخاص لتحليل البيانات الهادفة إلى تحسين الرعاية الصحية في المناطق الريفية، فإننا نعمل في نظام "إنترماونتن" على توثيق نتائج مبادراتنا في الرعاية الصحية عن بعد وسوف نشاركها على نطاق واسع مع تطورها، ترقبونا!
اقرأ أيضاً: برنامج "جايزنجر" للرعاية الصحية المنزلية يقلل التكاليف ويحسن النتائج العلاجية