استخدام التقنية لتحسين الرعاية الصحية في المناطق الريفية

4 دقائق
دور التقنية في تحسين الرعاية الصحية

يشكل تقديم الرعاية الصحية في المناطق الريفية تحدياً من نوع خاص متعلق بفكرة دور التقنية في تحسين الرعاية الصحية، فقد يتطلب الوصول إلى أقرب طبيب، بالنسبة لبعض المرضى، القيادة لمدة ثلاث ساعات. بل، وقد يعجز الأطباء عن إيجاد متخصص مناسب ضمن مسافة 100 ميل للحصول على استشارة ما. كما قد تعيق المسافات الطويلة إمكانية تطبيق أفضل الممارسات الطبية، وتنسيق خدمات الرعاية.

دور التقنية في تحسين الرعاية الصحية

لقد واجهنا هذا التحدي في "سانفورد هيلث" (Sanford Health)، وهو من أكبر أنظمة توفير الرعاية الصحية في المناطق الريفية، عن طريق الاستفادة من مجموعة من التقنيات لتقديم خدمات رعاية عالية الجودة إلى عينة سكانية يبلغ عددها مليوني شخص موزعين عبر 300 ألف ميل مربع في ولايتيّ داكوتا. إذ اعتمدنا منصة سجلات طبية إلكترونية واحدة، وحرصنا على تبني تقنيات الرعاية الصحية عن بعد، وطورنا أقساماً على نطاق المؤسسة، وكذلك التزمنا بشفافية تقديم البيانات.

منصة السجلات الطبية الإلكترونية

عمّمنا، حتى الآن، نظام السجلات الطبية الإلكترونية المتكامل على 45 مستشفى وأكثر من 300 عيادة. ويعد العامل الأساسي في نجاح النظام في تقديم الرعاية الصحية في المناطق الريفية هو قدرتنا على نشر أدوات مشتركة لدعم اتخاذ القرار عبر الشبكة بأكملها. وعلى سبيل المثال، حينما أردنا تحسين مستوى التحكم بارتفاع ضغط الدم عبر العينة السكانية كاملةً، طورنا أداة لدعم اتخاذ القرار لطاقم التمريض المقيم. فبغض النظر عن موقع المريض في النظام، سواء كان يتعالج عند طبيب عظام أو حساسية، إذا لوحظ ارتفاع ضغط دم مريض يتناول علاجاً لارتفاع ضغط الدم، فإن البرنامج سيوجه الممرضات للتأكد من متابعة المريض مع مقدم الرعاية الأولية. وبمتابعة المرضى الذين يعانون من ضغط الدم المرتفع، بغض النظر عن مكانهم في النظام، تتجاوز معدلات التحكم في ارتفاع ضغط الدم عند المرضى نسبة 90%.

اقرأ أيضاً: كيف ستبدو الرعاية الصحية عندما تصبح السماعات الذكية في كل مكان؟

وبالإضافة إلى ذلك، قمنا ببرمجة نظام السجلات الطبية الإلكترونية لدينا لإدماج توجيهات علاجية موحدة ومبنية على الدليل في مسار عمل كل مقدمي الرعاية الصحية، مما يقلل من التباين غير الضروري، ويتيح للممرضات العمل بما يتوافق مع إمكاناتهن. ويُوزَع نظام العلاج القياسي الخاص بارتفاع ضغط الدم، والمبني على النسخة الثامنة لتوجيهات اللجنة الوطنية المشتركة، على جميع مقدمي الرعاية الصحية، مما يوحد الأدوية المستخدمة والمواد التعليمية المقدمة ومواعيد المتابعة. وفي النهاية، انخفض الوقت اللازم للوصول إلى التحكم المثالي بارتفاع ضغط الدم من 110 أيام إلى 40 يوماً. وبذلك حُولت النسخ الورقية من التوجيهات التي كانت تغطيها الأتربة على الأرفف إلى بنود عمل متسقة تُقدَم من خلال السجلات الطبية الإلكترونية عند نقطة الرعاية لكل مريض وفي كل مرة وفي أي مكان ضمن النظام.

أقسام المؤسسة

لزيادة ضمان حصول المرضى في الأماكن النائية على الرعاية الأفضل والأكثر اتساقاً، شكّلنا فرقاً متعددة التخصصات تندرج ضمن اختصاص شامل واحد (مثل طب الأطفال)، أو ضمن مرض واحد (مثل سرطان الثدي) لتحديد معايير الرعاية. فعلى سبيل المثال، جمعنا أفضل الأطباء الذين يعالجون مرضى سرطان الثدي لدينا، بما في ذلك المتخصصون في علم الأورام والطب الإشعاعي والجراحة الترميمية وغيرها من المجالات، لوضع معايير للفحص الطبي، والعلاج، والجودة، وسلامة المريض، وتجربته. حدد هذا الفريق تصوير الثدي ثلاثي الأبعاد كمعيار للرعاية، وبناءً على ذلك، وضعنا الأولوية لتوفيره لجميع مرضى "سانفورد". وبالفعل، مع تطبيق تصوير الثدي ثلاثي الأبعاد، انخفضت نسبة الاستدعاء من قِبل المرضى، وزادت حالات اكتشاف السرطان.

اقرأ أيضاً: كيف ستتغير خدمات الرعاية الصحية عندما تبدأ الخوارزميات بتشخيص الأمراض؟

الرعاية الصحية عن بعد

يعد ربط المتخصصين بالمرضى في الأماكن النائية من أكبر تحديات تقديم الرعاية في المناطق الريفية. ففي "سانفورد"، هناك العديد من الأطباء الذين قضوا ساعات طويلة من عملهم في القيادة من مكان إلى آخر، لتقديم خدمات ميدانية في المجتمعات النائية. ولتحسين فرص الوصول إلى المستشفيات، يعمل الآن متخصصون في استشارات الرعاية الصحية عن بُعد مع مستشفيات الحالات الحرجة، ليتمكن المرضى من تلقي الرعاية قرب منازلهم، وليحصل الأطباء أيضاً على استشارة حول الأمراض المعدية مثلاً.

كما نستخدم أيضاً برامج الرعاية الصحية عن بُعد لتحسين مستوى الرعاية العاجلة. فعلى سبيل المثال، من خلال برنامج معالجة السكتة الدماغية عن بُعد، عندما يشك طبيب في المناطق الريفية بتعرض مريض ما لسكتة دماغية، يمكنه الاجتماع مباشرة، عن طريق الفيديو، مع طبيب أعصاب في "سانفورد" ليستشيره. وفي حالات السكتة الدماغية، على وجه التحديد، يعد إعطاء المريض دواء الجلطات قبل نقله إلى المستشفى مسألة ملحة من شأنها منع حدوث مضاعفات مرضية طويلة الأمد. وبدورنا، نعتقد أن برنامج معالجة السكتة الدماغية عن بعد شكّل الفارق بالنسبة لبعض المرضى بين حالة عجز وشفاء تام.

اقرأ أيضاً: التحولات المعلوماتية التي يحتاجها قطاع الرعاية الصحية

وعند تصميم هذه البرامج، فكرنا أولاً بالطريقة المثلى لتحسين الرعاية، وبعدها بدأنا التفكير بطريقة سداد التكاليف. إن نماذج الدفع لم تواكب بعد نظام الرعاية الصحية عن بُعد، ولكننا نعتقد أن المرضى سيكونون مستعدين للدفع مقابل هذه الخدمات، مما يساعدنا في تغطية التكاليف. إذ يضطر الكثير من المرضى في المناطق النائية إلى التغيب لوقت طويل عن العمل من أجل الوصول إلى مواقع عياداتنا. لهذا نعتقد أن العديد من المرضى يفضلون دفع 49 دولاراً مقابل زيارة عن طريق الفيديو لمتابعة تطورات مرض السكر مثلاً بدلاً من التغيب عن العمل أو المنزل لعدة ساعات لإجراء الزيارة شخصياً. ونعمل الآن على تمكين جميع مقدمي الرعاية الصحية لدينا من إجراء زيارات مجدولة عن طريق الفيديو لأي موعد مريض.

شفافية البيانات

وأخيراً، يأتي الحديث عن خطوة الشفافية. إذ قدمنا بيانات الجودة بشفافية مما يساعد على ظهور أفضل الممارسات في نظامنا، ويضمن حصول مرضانا على رعاية بالمستوى ذاته من الجودة سواء كانوا في مدينة "سيوكس فولز" في ولاية جنوب داكوتا (عدد السكان 175 ألف نسمة)، أو في مدينة "كانبي" في ولاية مينيسوتا (عدد السكان 1,700 نسمة). ولهذا، يستخدم أطباء الرعاية الأولية لدينا مقاييس مجربة توفرها مؤسسة "قياس المجتمع في مينيسوتا" (Minnesota Community Measurement) لقياس الجودة في إطار الرعاية الإسعافية وتقديم التقارير حولها، ويمكن لأي مقدم رعاية رؤية البيانات الخاصة بمقدم آخر. يلهم ضغط الأقران الناتج عن كل هذا الجميعَ لتقديم أفضل ما بوسعهم.

اقرأ أيضاً: كيف تغذي السجلات الطبية الإلكترونية الابتكار والإبداع في مجال الرعاية الصحية؟

وهناك أمر آخر مهم للغاية قمنا به، ويتمثل في أنه إذا أظهرت البيانات ممارسة فضلى طورتها إحدى المناطق وكانت ذات تأثير كبير وواضح على الجودة، يمكن أن تبدأ فوراً الجهود الساعية لمشاركة هذا النهج. فعلى سبيل المثال، وصلت إحدى عياداتنا عالية الأداء إلى هدف المبادرة، التي أطلقتها "الدائرة المستديرة الوطنية لمكافحة سرطان القولون والمستقيم" (National Colorectal Cancer Roundtable)، المتمثل في "الوصول إلى نسبة 80% بحلول عام 2018" فيما يتعلق بإجراء فحص للمرضى البالغين. وبناءً على ذلك، حددنا أفضل ممارسات هذه العيادة، مثل مسارات العمل المحسنة والخدمات الميدانية من خلال بوابة المرضى "ماي تشارت" والاحتفاء بأصحاب الأداء العالي، ونطبقها الآن في جميع العيادات. والآن، تجاوزت 10 من عياداتنا هدف الوصول إلى نسبة 80%، وقمنا بتحسين أداء مؤسستنا عموماً عن طريق فحص 14,200 مريض إضافي في العامين الماضيين.

وقد ساعدت هذه المبادرات المتعلقة بدور التقنية في تحسين الرعاية الصحية وغيرها على تطوير "سانفورد هيلث"، لتصبح نظاماً نموذجياً للرعاية في المناطق الريفية. لكنني، أعتقد أن الأساليب ذاتها قد تكون قيمة أيضاً لمقدمي الرعاية الصحية والمرضى في أُطر أخرى بما في ذلك أكثر أنظمة تقديم الرعاية تطوراً في البلاد.

اقرأ أيضاً: كيف تحدث التقنيات الجديدة نقلة في منظومة الرعاية الصحية في أفريقيا؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي