منذ الاختبارات التجريبية المبكرة لنموذج الرعاية الصحية المنزلية في الولايات المتحدة منذ أكثر من 20 عاماً، شغل الوعد بعلاج المرضى في منازلهم بدلاً من الإقامة في المستشفى، فكر مقدمي الرعاية الصحية، لكن دون حدوث شيء ملموس.
تُعد هذه البرامج التي تقدم الرعاية للمرضى الذين يعانون من أمراض حادة مثل التهاب الرئة، والتهاب النسيج الخلوي، وتفاقم فشل القلب الاحتقاني، ومرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD)، من بين الابتكارات التي خضعت لكثير من البحوث في مجال الرعاية الصحية. وقد أظهرت البحوث آثاراً إيجابية متباينة، على نحو واضح، في معدل الوفيات، والنتائج السريرية، ومعدلات إعادة دخول المستشفى، بالإضافة إلى التكلفة. على سبيل المثال، أظهر تحليل ميتا، الذي أُجري عام 2012 على 61 تجربة عشوائية خاضعة للمراقبة، أن المرضى الذين يتلقون رعاية صحية منزلية، الذين كان يُتوقع وفاتهم خلال أقل من 6 أشهر، انخفض معدل الوفيات بينهم بنسبة 19% مقارنة بالمرضى في المستشفيات. كما أظهرت دراسة أخرى أن المعدل انخفض بنسبة 38%، وقد أعطى مقدمو الرعاية والمرضى أنفسهم برامج الرعاية المنزلية درجات عالية. لكن على الرغم من الحماس لهذه البرامج، فإن مستوى نجاحها كان يرتفع ببطء في الولايات المتحدة. وداخل منظومة الرعاية الصحية في مستشفى ماونت سيناي في نيويورك، توضح تجربتنا أسباب حدوث ذلك.
اقرأ ايضاً: برنامج "جايزنجر" للرعاية الصحية المنزلية يقلل التكاليف ويحسن النتائج العلاجية
كثيراً ما حرصنا على أخذ زمام المبادرة في التعامل مع التوجهات الكبرى في قطاع الرعاية الصحية عن طريق تحويل تركيزنا من الإقامة في المستشفى إلى الرعاية الوقائية والإسعافية والمنزلية. ولدعم هذه الأهداف، أطلقنا في عام 2014 الفريق المتنقل لرعاية المرضى المصابين بأمراض حادة (MACT)، وهو برنامج تجريبي لتقديم الرعاية الصحية للمرضى المصابين بأمراض حادة، الذي يحاكي الخدمات التي سيحصلون عليها في المستشفى، ولكن داخل منازلهم. وقد عالج الفريق أكثر من 750 مريضاً، ويشكل الآن أساس نوع الخدمة الجديدة المسماة بـ "رعاية مستشفى ماونت سيناي المنزلية" (Mount Sinai at Home)، الذي يقدم أيضاً خدمات التأهيل المنزلي والملاحظة والرعاية الأولية.
برنامج رعاية مستشفى "ماونت سيناي" المنزلي
يُعد برنامج رعاية مستشفى ماونت سيناي المنزلية مختلفاً عن الرعاية المنزلية العادية، تلك الخدمة المعهودة والشائعة بشكل أكبر، التي غالباً ما توصف بأنها خدمة ممرض زائر توفر معالجات للحالات غير الحادة مثل معالجة الجروح وإدارة رعاية الأمراض المزمنة. في برنامجنا، نعالج المرضى المصابين بأمراض حادة، الذين دون البرنامج ستتطلب حالاتهم الدخول إلى المستشفى. ونعمل على تزويدهم بمجموعة من الخدمات المتكاملة التي يمكن أن تشمل الزيارات اليومية من الممرضات والأطباء والأخصائيين الاجتماعيين، والعلاج عن طريق الوريد، والإمداد بالأوكسجين، والتصوير بالأشعة السينية، والعلاج الطبيعي. ويجد بحثنا أن المرضى الذين يتلقون رعاية صحية منزلية يصابون بمضاعفات أقل ويحتاجون إلى إعادة دخول المستشفى بمعدل أقل أيضاً، كما أنهم يقيّمون تجربتهم مع الرعاية الصحية بدرجات أعلى.
اقرأ ايضاً: الرعاية الصحية الافتراضية يمكن أن توفر على أميركا المليارات سنوياً
إن البروتوكولات لدينا تسمح لنا بتوفير الرعاية الصحية المنزلية بأمان لمجموعة من الحالات الخاصة، بما في ذلك التهاب الرئة المكتسب من المجتمع، وفشل القلب الاحتقاني، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، والتهاب النسيج الخلوي، والجفاف. وتكون إحالة المرضى إلى البرنامج إما من قبل أطباء الرعاية الأولية أو يجري تسجيلهم فيه بعد زيارة قسم الطوارئ. وبمجرد عودتهم إلى المنزل، فإنهم يتلقون مجموعة من الخدمات، وهي زيارات شخصية من مقدمي الرعاية، وزيارات عن طريق الفيديو، ومراقبة مستمرة. تنطوي إحدى أولى الخطوات على زيارة من الممرض إلى المريض في المنزل ووضع جهاز لوحي متصل بشاشة لمراقبة ضغط الدم، ما يسمح للمريض بإرسال نتيجة قياس ضغط الدم أثناء التحدث إلى الممرض عن بعد. ولكن إدارة الرعاية المنزلية المتواصلة للمرضى الذين يتعرضون لحالات حرجة، تتطلب جعل الخدمات متاحة على مدار 24 ساعة في اليوم. لذلك، لدينا أطباء مناوبون على مدار الساعة، ونتعاون مع مسعفي المجتمع بصورة مباشرة، الذين يمكن إرسالهم إلى منزل المريض في أي وقت. ولنقل إن الساعة تشير إلى الثانية صباحاً والمريض ليس على ما يرام، حينها، نرسل مسعفاً على الفور، حيث يمكنه إعداد اتصال فيديو مع الطبيب؛ الذي يراعي قوانين خصوصية المريض. بعد ذلك، وبالتشاور مع الطبيب، يوفر المسعف العلاج، أو يُنقل المريض إلى المستشفى إذا لزم الأمر.
مواجهة التحديات
بطبيعة الحال، لا يخلو إعداد وإدارة برنامج متخصص في الرعاية الصحية المنزلية من التحديات، إذ يُطرح عديد من الأسئلة، من قبيل: كيف يمكنك حساب تكلفة الرعاية؟ وكيف تضمن تسديد التكاليف؟ كيف يمكنك رفع مستوى مبادرتك؟ وكيف يمكنك معالجة العوائق التنظيمية؟ على سبيل المثال، في ولاية نيويورك، حيث مكان وجودنا، تُنظم زيارات الممرضين المنزلية على نحو منفصل عن المستشفيات، لذلك عقدنا شراكة مع وكالة صحة منزلية لخدمات التمريض لدينا.
تشمل التحديات الأخرى الحصول على الخدمات الصحيحة للمريض الصحيح في الوقت الصحيح، وقد بذلنا كثيراً من الجهد فيما يتعلق بتسليم أنابيب الأوكسجين على سبيل المثال. هنا في نيويورك، يمكنك طلب البيتزا والطعام الصيني إلى المنزل في منتصف الليل، ولكن لا يمكنك طلب أنابيب الأوكسجين خارج ساعات العمل. لذلك، احتجنا إلى أن يُعيد الموردون النظر في نموذج تسليمها.
وسيواجه كل نظام صحي مجموعة من العقبات الخاصة به، وهذا يتوقف إلى حد كبير على هيكلية النظام والسياق التنظيمي للولاية التي يعمل النظام فيها. ولكن لكل نظام نقاط قوة خاصة به يعمل على تقديمها، في حالتنا على سبيل المثال، يُعد برنامج الأطباء الزائرين في مستشفى ماونت سيناي، الذي تأسس عام 1995 لتوفير الرعاية للبالغين العاجزين أو كبار السن أو المرضى الملازمين لمنازلهم (وهو الآن جزء من برنامج رعاية مستشفى ماونت سيناي المنزلية) قد ساعد في تمهيد الطريق. وربما يكون لدى مؤسسات أخرى نقاط قوة مختلفة يمكنها تسخيرها. على سبيل المثال، بعض المستشفيات لديه بالفعل وكالات للرعاية الصحية المنزلية الخاصة بها، بينما نحن لا نملك تلك الوكالات.
ويُعد التحدي الرئيس لوضع برنامج الرعاية الصحية المنزلية الذي يواجهنا جميعاً في الولايات المتحدة هو التحدي المالي، إذ إن نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة هو ببساطة ليس ضليعاً في إعداد نموذج دفع لنمط جديد كلياً من الرعاية. في خارج أميركا، تُعد برامج الرعاية الصحية المنزلية أكثر شيوعاً، وذلك مثل أستراليا، أما إيطاليا فلديها برنامج قوي على وجه الخصوص. ولكن تلك الدول لديها نظم المُسدد الأوحد، حيث تغطي وكالة أو إدارة حكومية واحدة معظم تكاليف الرعاية الصحية إن لم يكن أكملها.
في الولايات المتحدة، استُعمل نموذج برنامج الرعاية الصحية المنزلية على نحو أكثر فاعلية ضمن شبكة شؤون المحاربين القدامى، الذي يعادل أساساً نظام المُسدد الأوحد بالنسبة إلى المستفيدين منها. إن النظم الصحية التي تدمج بين المستشفيات وخطط التأمين تكون لها الفرصة نفسها، ولكن تلك النظم الشبيهة لنا، لا يجب أن تأخذ مساراً آخر. لذلك، ولتمكين شركات التأمين الخاصة من أجل تغطية تكاليف برنامج الرعاية الصحية المنزلية، شكّلنا مشروعاً مشتركاً مع مؤسسة "كونتيسا هيلث" (Contessa Health) لتسهيل وضع عقود مع برامج التأمين الصحي ومسددين آخرين.
يُعد أكبر حاجز من جانب تغطية التكاليف هو برنامج "ميديكير" (Medicare)، إذ بينما لا يُعد برنامجنا خاصاً بصحة المسنين فقط، فإن عديداً من الحالات التي يمكننا رعايتها، مثل التهاب الرئة، أكثر احتمالاً لأن تُسفر عن دخول المستشفى للمرضى من كبار السن. أما برنامج ميديكير فسيكون مسؤولاً عن غالبية المرضى المؤهلين للرعاية الصحية المنزلية.
إن انطلاق الفريق المتنقل لرعاية المرضى المصابين بأمراض حادة تطور مباشرة نتيجة حصوله على منحة قدرها 9.6 ملايين دولار تلقيناها من خلال حصولنا على جائزة الابتكار في مجال الرعاية الصحية من الإدارة العامة لبرنامج ميديكير ومراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية (Centers for Medicare and Medicaid Services) والتي تعرف اختصاراً (CMS). وفي وقت لاحق، اقترحنا على برنامج ميديكير نظام دفع لبرنامج الرعاية الصحية المنزلية، وفي شهر سبتمبر/أيلول 2017 تمت الموافقة على نموذج الدفع الخاص بنا من قبل لجنة ميديكير الاستشارية التقنية لنماذج السداد الخاصة بالرعاية الطبية، وهي التي توصي بالعمل على نماذج الدفع إلى وكالة مراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية. ولكن الأخيرة نفسها عليها الآن اتخاذ إجراء بشأن هذا الاقتراح.
اقرأ ايضاً: كيف يحسّن نظام الرعاية الصحية عن بعد الرعاية في المناطق الريفية؟
لقد شهدنا مزايا هائلة في تقديم الرعاية المتمحورة حول المريض في منزله، وذلك للمرضى المصابين بأمراض حادة، ويُعدّ برنامج رعاية مستشفى ماونت سيناي المنزلية بمثابة حجر الزاوية لالتزامنا بصحة المرضى وتحمل المسؤولية كاملة تجاه احتياجاتهم. هذا هو نوع الرعاية الطبية الذي نعتقد أنه سيكون ضرورياً في القرن المقبل، ونأمل في أن توافق وكالة مراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية على الاقتراح، وتفتح السبل أمام نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة لتوسيع نطاق نموذج الرعاية الصحية المنزلية على مستوى أميركا.
اقرأ أيضاً: هل يمكن تخفيض تكلفة التداوي في المستشفيات بتقديم خدمات الرعاية الأولية المنزلية؟