يُعتبر داء السكري أحد الأمراض المزمنة الأكثر انتشاراً والأعلى كلفة: إذ يؤثر على ما يقدر بنحو 30.3 مليون شخص في الولايات المتحدة ويكلف مبلغاً صاعقاً يصل إلى 245 مليار دولار سنوياً للعلاج. وبالإضافة إلى ذلك، هناك 84.1 مليون شخص بالغ في الولايات المتحدة يعاني من ارتفاع مستوى السكر في الدم معرّض لخطر الإصابة بالنوع الثاني من الداء السكري. ومن المسلّم به على نطاق واسع أنّ الطريقة الأكثر فعالية لعلاج الأشخاص المؤهلين للإصابة بداء السكري قبل أن يتحولوا إلى مرضى سكري بشكل كامل هي الخضوع لبرامج الوقاية من داء السكري التي تتبع بروتوكولاً صادقت عليه مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها. ولكن لطالما تمثّل التحدي في هذا المضمار في جعل الناس يلتحقون بهذه البرامج في المقام الأول ومن ثم الالتزام بها بعد ذلك.
وحققت شركة أومادا هيلث (Omada Health)، وهي شركة للعلاج الرقمي تركز على الوقاية من الأمراض المزمنة المرتبطة بالسمنة، مثل الداء السكري من النوع الثاني، خطوات واسعة في تحقيق كل من الأمرين إذ تشرف على 120 ألف شخص مؤهلين للإصابة بداء السكري شاركوا في برنامجها. ويبين نجاحها إمكانات الخدمات الصحية الرقمية، ويمكن أن يكون نهجها بمثابة نموذج لتطبيق هذه الخدمات على الأمراض المزمنة الأُخرى. وقمنا بدراسة برنامج "أومادا" كجزء من مبادرتنا في كلية الطب بجامعة هارفارد لتحديد المعرفة وتبادلها فيما يتعلق بالنهج المبتكرة للتحديات الصحية الرئيسة التي يملك مقدمو الرعاية الأولية زمام المبادرة في علاجها.
تشمل برامج الوقاية من داء السكري بشكل نموذجي اجتماعات شخصية لمجموعة صغيرة من البالغين المؤهلين للإصابة بداء السكري، والذين يتحسنون بتوجيه من مدرب صحي من خلال نمط حياة يعتمد على اتباع نظام غذائي ونمط حياتي محدد. وعادة ما يتكون البرنامج من جلسات أسبوعية خلال الأشهر الأربعة الأولى. ثم يتلقى المشاركون دعماً شهرياً عن طريق لقاءات مع المدربين الصحيين لمدة 8 أشهر إضافية. وهناك عدد من المؤسسات، بما في ذلك جمعية الشبان المسيحيين، والرابطة الأميركية لمعلمي داء السكري، وتحالف الوقاية من داء السكري ومراقبته، التي توفر برامج الوقاية من داء السكري بشكل شخصي في مواقع مختلفة.
يتمثل أحد الحواجز التي تحول دون مشاركة الأشخاص المعرضين للإصابة بداء السكري ضمن هذه البرامج الشخصية في الوقت والنفقات المطلوبة للسفر إلى مقرات هذه البرامج وحضورها. وتصدت "أومادا" لهذه العقبات من خلال وضع منهج دراسي لمدة 16 أسبوعاً لتقديم المشورة السلوكية عبر الإنترنت يحتوي على وحدات دراسية عن التغذية والنشاط البدني واستراتيجيات الحد من الإجهاد. إذ تعاونت الشركة مع مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها وكانت واحدة من أول ثلاثة مقدمي خدمة رقمية اعترفت مؤسسة تحالف الوقاية من الداء السكري ومراقبته بأنها تلبي معاييرها القائمة على الأدلة.
يمكن استخلاص ثلاثة دروس حساسة من تجربة "أومادا":
اعتمد نهجاً حائزاً على المصادقة
بدل إنشاء طريقة وقاية جديدة، قرر مؤسسو أومادا شين دافي (Sean Duffy) وأدريان جيمس (Adrian James) بناء برنامج الشركة على أساس تدخل سريري أثبت جدواه: فأظهرت دراسة هامة عشوائية مراقبة عام 2002 فاعلية برامج الوقاية من داء السكري التي بينت أنّ برامج تغيير السلوك كانت أكثر فعالية من التدخل الدوائي بالنسبة للأشخاص المهيئين للإصابة بداء السكري. وبينما نجحت برامج الوقاية من داء السكري المعتمدة على اللقاءات الشخصية في الحد من مخاطر الإصابة بالأمراض وحدوثها، فقد أقرّ دافي وجيمس بوجود فرصة كبيرة لتحسين حجم برامج الوقاية من داء السكري وجعلها أكثر توفراً ومراعاة للنواحي الفردية من خلال استخدام التكنولوجيا. لقد أخذا أساساً كل مكون من عناصر برامج الوقاية من داء السكري القياسية، وقاما بتوصيلها رقمياً، واستمرا في إضافة عناصر إضافية.
صمم الخدمة وفق احتياجات المريض
صممت أومادا خدمتها بعناية لتوجيه المشاركين من خلال رحلة تفاعلية تم دمجها في حياتهم اليومية. كان هناك ثلاثة أهداف تصميمية: دمج المشاركين، وترك انطباع جيد عندهم، وجعل مشاركتهم في البرنامج أمراً يسيراً.
ولضمان ألا تختفي العلاقات والاتصالات المحفّزة في البرامج التقليدية للوقاية من داء السكري عندما تحل منصة رقمية محل عنصر الاجتماع الشخصي، جمعت أومادا المشاركين والمدربين الصحيين في مجموعات على أساس المكان الذي يعيشون فيه. على سبيل المثال، اجتمعت بعض الجماعات التي مقرها سان فرانسيسكو، من خلال المناقشات حول فريق كرة السلة غولدن ستيت ووريورز والفرص لتكون هذه النقاشات أكثر نشاطاً في المدينة. وترعى المنهجية القوية لهذه المجموعة شبكة اجتماعية تقدم آراء آنية ودعماً ومساءلة في الوقت ذاته.
يُعتبر من السهل على المشاركين أن يباشروا في البرنامج. وعندما يتأهلون للبرنامج وينضمون إليه، يتم منحهم إذن الولوج إلى منصة أومادا، وهي متاحة على الإنترنت وعبر تطبيق الهواتف الذكية. وهم يستخدمون هذه المنصة للحصول على المنهج الدراسي لمدة 16 أسبوعاً (مرحلة الأساس) ثم لمواصلة المشاركة لمدة 8 أشهر إضافية (مرحلة التركيز).
يحصل المشاركون في مرحلة التأسيس، على الدروس الأسبوعية، ويتواصلون مع مجموعتهم الافتراضية، التي يقودها مدرب صحي محترف متفرغ، ويعملون على نحو فردي مع المدرب للتصدي للتحديات الفردية.
ثم يواصلون خلال مرحلة التركيز الحصول على اتصال مع مدربهم الصحي وعلى الدروس الأسبوعية المصممة لتعزيز العادات التي أُدخلت في المنهج الدراسي الأولي. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم يحافظون على الاتصال مع مجموعتهم الأولية ويمكنهم التفاعل مع أشخاص في المجموعات الأُخرى أيضاً (لإتاحة مجموعة أوسع من الدعم والخبرات).
يُعتبر وزن المشاركين أحد المقاييس الرئيسية التي يتتبعها برنامج أومادا. (فقدان الوزن هو مؤشر مقياس مقبول سريرياً للحد من خطر الإصابة بمرض السكري). ويتلقى كل عضو في المجموعة صندوق ترحيب حالماً في البرنامج، والذي يحتوي على ميزان رقمي يتصل بالشبكات الخلوية ويقوم تلقائياً بإرسال أرقام الوزن اليومية إلى المدربين الصحيين وعلماء البيانات في أومادا، لمراقبة التقدم الذي يحرزه المشارك نحو هدف فقدان 5% إلى 7% من وزنه. ويرتبط الميزان دون الحاجة إلى شبكة لاسلكية منزلية، ولا يتطلب أي ضبط بعد إدخال البطارية، ما يجعل البرنامج أكثر سهولة للمشاركين من كبار السن أو ذوي الدخل المنخفض الذين لا يكون لديهم تدريب كاف على التكنولوجيا.
التركيز على النتائج
تهتم أومادا باستلام النتائج. ويسمح الميزان الرقمي للمدربين الصحيين وعلماء البيانات بالمعرفة الفورية فيما إذا كان المشاركون يقيسون وزنهم يومياً. وتشجع أومادا الأعضاء على اتباع روتين لقياس الوزن يومياً (على سبيل المثال، وزن أنفسهم مباشرة بعد الاستيقاظ صباحاً). يرفع هذا الأمر من مستوى الامتثال، ويسمح للمشاركين برؤية ما يحرزون من تقدم، ويمكّن موظفي أومادا من المراقبة عن كثب لأي تغييرات غير متوقعة في وزن المشاركين بحيث يتمكن المدربون الصحيون من التدخل إذا كان أحد المشاركين يحتاج إلى مزيد من التوجيه والدعم. على سبيل المثال، إذا لاحظ المدرب أنّ أحد المشاركين لا يفقد الوزن، يمكنه التحدث معه عن سبب ذلك ويمكنه اقتراح وصفات صحية مناسبة. ومن خلال جمع العديد من التدابير اليومية (بما في ذلك قياس الوزن، والتفاعل مع المدرب الصحي، وتسجيل الدخول، والتفاعل مع المجموعة) تتمكن أومادا من دراسة مشاركة الأعضاء وتخصيص النهج المناسبة لتلبية احتياجاتهم الفردية على نحو أفضل.
يتم الدفع لأومادا على أساس النتائج: أي على أساس عدد المشاركين الذين يقيسون وزنهم ثلاث مرات في الشهر كحد أدنى ويفقدون الوزن. ويوفر هذا الأمر للشركة حافزاً لتحسين عادات نمط حياة المشاركين ومنع الإصابة بداء السكري. ويعتقد قادة أومادا أنّ نموذج التسعير هذا يوضّح التزامهم بتحقيق النتائج الجيدة والعائد المناسب على استثمار شركائها (أصحاب العمل وشركات التأمين). وهي تشارك تقاريرها بشكل آني وتراكمي دون تحديد هوية الشخص صاحب العلاقة مع شركائها حتى يتمكنوا من رؤية التقدم كما تقوم بنشر بيانات نتائجها. وأشارت إحدى الدراسات إلى أنه بعد 16 أسبوعاً، خسر المشاركون في أومادا 4% إلى 5% من وزن أجسامهم كما حافظوا على وزنهم الجديد لمدة عامين بعد إكمال البرنامج، ما يقلل خطر إصابتهم بداء السكري.
ومن أجل المضي قدماً، ستسهل مبادرات الدفع والإصلاح الفيدرالية لتشجيع الفحص وتحديد الحالات المؤهلة للإصابة بداء السكري على مقدمي الرعاية الصحية إحالة المرضى المؤهلين للإصابة بداء السكري إلى برامج مثل أومادا. ويوفر برنامج الوقاية من داء السكري هذا نموذجاً لكيفية استخدام التدخلات الصحية الرقمية لمعالجة الظروف الأُخرى بطرق تحد من التكاليف وتحسّن مشاركة المرضى في رعايتهم وتخفف العبء الهائل للأمراض المزمنة في الولايات المتحدة.