فكرة أن تصرفاتك في العمل تساهم في تحسين المجتمع، بالمساعدة في حماية البيئة أو القضاء على الفقر أو تعزيز العدالة الاجتماعية، هي فكرة ملهمة. وتشير البحوث الحديثة إلى أنها يمكن أن تكون محفزاً قوياً أيضاً. في الواقع، لقد شكلت مجموعة من الدراسات تحدياً للرؤية السائدة في الماضي حول الدور الذي تلعبه الحوافز المالية بوصفها الوسيلة المستخدمة في تحفيز الموظفين، حيث أظهرت تلك الدراسات أن ربط عمل الأشخاص بقضايا اجتماعية يمكن أن يحفزهم بطرق تتجاوز الرواتب أو المكافآت. إذ يرغب الموظفون في أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم أشخاص صالحون ويعملون لصالح المؤسسات التي تساهم في العالم بشكل إيجابي. وبالتالي عندما تنهض تصرفاتهم بقضية اجتماعية، قد يعملون بجد ولساعات أطول وحتى بمقابل أقل.
تحفيز القوة العاملة
لا عجب إذن أنه عندما يسعى القادة إلى تحفيز قوتهم العاملة من خلال اتباع سلوكيات "تحقق النفع للطرفين"، بمعنى أنها تعود بالنفع على كل من المجتمع والنتائج المالية للشركة، يفترض الكثيرون أنه من الأفضل صياغة مطالبهم باستخدام مصطلحات مؤيدة للمجتمع. وسواء كان الأمر يتعلق بتشجيع الموظفين على استخدام قدر أقل من الطاقة في العمل أو دفع سائقي توصيل الطلبات إلى تقليل الوقت الذي تكون فيه سياراتهم غير مستغلَّة، فإن عبارة مثل "ساعِد في الحفاظ على الموارد الحيوية للكوكب" ستبدو أكثر تحفيزاً من "ساعِد في الحفاظ على الموارد الحيوية لشركتنا".
ولكن هل هذا صحيح فعلاً؟ بالطبع، فالتفسيرات المنطقية لتغيير السلوك لا يبدو أنها قويمة أو جذابة كالتفسيرات المؤيدة للمجتمع. ولكنها تشير بوضوح شديد إلى أن دوافع المؤسسة حقيقية. فإذا كنت تزعم أنك مدفوع برغبتك في تحسين المجتمع، قد يتساءل موظفوك ما إذا كان هذا صحيحاً فعلاً، بينما إذا قدمت تفسيرات بسيطة ومنطقية، فمن غير المرجح أن يشككوا فيها. وهذا جعلنا نتساءل: هل من الأفضل تحفيز الموظفين من خلال إلهامهم بهدف مؤيد للمجتمع، أم بذكر أسباب مملة ولكنها تخلق شعوراً صادقاً لتغيير سلوكهم؟
في بحث سيُنشر قريباً بحثنا في هذه القضية من خلال دراسة إحدى مبادرات التغيير في جامعة كبيرة، وما وجدناه يتحدى الفكر السائد.
تضمنت المبادرة إقناع الموظفين بالتخطيط لطلبات اللوازم المكتبية وتنسيقها بحيث يصل كل طلب إلى قيمة لا تقل عن 50 دولاراً، وهي ممارسة نشير إليها باسم "التجميع". وقد كانت هذه هي الفرصة التي تتلهف معظم المؤسسات إليها: إيجاد طريقة لخفض كل من التكاليف والبصمة البيئية. ولكن كان يتعين على القادة اكتشاف الطريقة التي سيوضحون بها السبب وراء أنهم يريدون من الموظفين تغيير سلوكهم. هل ينبغي لهم تعظيم الفوائد الاجتماعية والبيئية؟ أم وفورات التكاليف النفعية؟ أم كلاهما؟
صممنا تجربة ميدانية لمعرفة ذلك. اخترنا موظفين عشوائياً لنعرض عليهم إما رسالة مؤيدة للمجتمع (الحد من التلوث) وإما رسالة نفعية (خفض التكاليف) وإما رسالة تحمل دافعاً مختلطاً (الحد من التلوث وخفض التكاليف) عند الاهتمام بعملية التجميع في كل مرة يدخلون فيها إلى نظام المشتريات بالمؤسسة. ثم قيّمنا التغييرات في سلوك الموظفين من خلال مقارنة الأشهر الستة التي سبقت الدراسة بالأشهر الستة التي أجرينا فيها التجربة والتي شملت 10,169 عملية شراء في 556 من مكاتب الجامعة.
ما أثار دهشتنا هو أن الرسالة المؤيدة للمجتمع كانت في الواقع هي الرسالة الأقل فاعلية في تغيير سلوكيات الموظفين، بينما كانت الرسالة النفعية هي الأكثر فاعلية. وقد كان للرسالة التي تحمل دافعاً مختلطاً تأثيرات أقل وضوحاً، ولكنها كانت في المنتصف بين الرسالتين. تتناقض هذه النتيجة بشكل صارخ مع فكرة أنه عندما تكون المؤسسات في حالة شك، ينبغي لها الترويج لإسهاماتها في الاستدامة البيئية والأهداف الأخرى المؤيدة للمجتمع.
اهتمام المؤسسة بتحقيق الوفورات يبدو صادقاً للموظفين
لفهم سبب حصولنا على هذه النتائج، أجرينا تجارب استقصائية إضافية مع مجموعة منفصلة من الأشخاص، حيث وصفنا مفهوم التجميع ثم عرضنا على إحدى المجموعات الدافع المؤيد للمجتمع وعلى المجموعة الأخرى الدافع النفعي، تماماً كما حدث في التجربة الميدانية. ثم سألنا الجميع عن رأيهم في المؤسسة بالنظر إلى دوافعها المعلنة حول عملية التجميع، وما إذا كانوا سيميلون إلى إجراء هذه العملية إذا عملوا في هذه المؤسسة. ووجدنا أنه عندما تقدم المؤسسات تفسيرات اجتماعية منطقية لسلوك ما يعزز نتائجها المالية أيضاً، ينظر الأشخاص إلى المؤسسة على أنها أقل صدقاً، ويتساءلون عما إذا كان كبار المدراء يفصحون عما يبالون به حقاً، حيث إن عرض رسالة توضح اهتمام المؤسسة بتحقيق وفورات في التكاليف قد لا يستحضر الإلهام أو يخدم هدفاً عميقاً، ولكنه يبدو حقيقياً وصادقاً في نظر الموظفين. وقد اتضح أن الظهور بمظهر حقيقي وصادق أمر مهم. نجد أن الأشخاص يكونون أكثر استعداداً لتغيير سلوكياتهم عندما يؤمنون أن الدوافع التي تزعمها المؤسسة هي دوافعها الحقيقية بالفعل.
هذا لا يعني أن الرسائل المؤيدة للمجتمع سيئة، ولكن لها العديد من المزايا خارج نطاق عملنا. بإضافة هدف مؤيد للمجتمع أوسع نطاقاً ومعنى للعمل يمكن إلهام الموظفين وتعزيز شعورهم بالانتماء وتعميق التزامهم تجاه المؤسسة. حتى في سياق تجاربنا الاستقصائية، لاحظنا ما للرسائل المؤيدة للمجتمع من قوة في اندماج الموظفين، ولكن فقط عندما ينظر إليها الموظفون على أنها صادقة. نعتقد أنه في الكثير من السياقات المؤسسية، ستُقابَل فكرة وجود دافع اجتماعي محض بالتشكيك. وهذا مهم لأن السياقات "التي يتحقق فيها النفع للطرفين" والتي تحقق فيها المؤسسات الكثير من المكاسب المالية من السلوكيات المؤيدة للمجتمع، قد تكون هي السياقات نفسها التي ينبغي فيها للقادة أن يكونوا أكثر حذراً من تعظيم دوافعهم المؤيدة للمجتمع. يبدو أنه لا يُنظر إلى الدوافع المؤيدة للمجتمع على أنها صادقة وحقيقية وفعالة في تغيير السلوكيات في سياقات معينة فقط إلا إذا تصرفت المؤسسات بطرق تتسق مع القيم المؤيدة للمجتمع باستمرار، حتى إذا كانت مكلفة على سبيل المثال.
لهذه النتائج آثار مباشرة ويُرجح أن تكون كبيرة بالنسبة إلى المؤسسات التي تسعى إلى النهوض بمجموعة واسعة من الأنشطة التي يمكن تبريرها على أسس اجتماعية ونفعية، سواء كان بإمكانها تبرير التنوع بناء على العدالة الاجتماعية أو الأداء، أو لتحسين ظروف العمل في مصانع الموردين مع الدعوة إلى التصرفات الأخلاقية أو الحد من المخاطر.
القيم الاجتماعية لديها القدرة على الإلهام وتحفيز الآخرين تحت ظروف معينة، ولكن في العديد من السياقات المؤسسية قد يكون الاعتراف بالمخاوف المتعلقة بتحقيق النتائج المالية أكثر فاعلية حقاً. وفي الدراسة التي عرضناها كان ذلك يعني تشجيع القادة على قول "نهتم بالحد من التكاليف"، وهذا لا يُعد إعلاناً فجاً ولكن يُنظر إليه على أنه صادق وحقيقي.