عمل فريق من الباحثين الدوليين بقيادة توبياس أوتربرينغ، الذي يدرّس الآن في جامعة آرهوس، على تتبّع عمليات الشراء التي أنجزها الناس في متجر للأثاث المنزلي في مدينة سويدية متوسطة الحجم خلال إحدى عطلات نهاية الأسبوع. عندما كان موظف طويل القامة يتمتّع ببنية رياضية يقف على المدخل، كان المتسوّقون الذكور ينفقون قدراً أكبر من المعتاد من المال، وأكثر وسطياً ممّا كانت المتسوّقات الإناث تنفقنه. وكانت الخلاصة هي: الرجال يشترون أكثر من الرجال ذوي المظهر الرجولي.
بروفيسور أوتربرينغ، دافع عن بحثك العلمي
أوتربرينغ: يبدو أنّ حضور هذا الرجل ذي البنية الجسدية القويّة مرتدياً الزي الموحّد للمتجر حالما كان الناس يدخلون من الباب قد غيّر أسلوب تسوّق الرجال. فعندما كان واقفاً هناك، كان متوسط فاتورة المتسوّقين الذكور يبلغ 165 دولاراً – أي أكثر من ضعف متوسط إنفاق النساء الذي بلغ 72 دولاراً خلال تلك الفترة وأعلى بكثير ممّا أنفقه الرجال أو النساء عندما لم يكن هذا الرجل حاضراً، والذي بلغ 92 دولاراً للرجال و97 دولاراً للنساء. كما أنّ متوسط سعر القطعة الذي دفعه الرجال كان أعلى أيضاً وبلغ 18 دولاراً، في مقابل 10 دولارات عندما لم يكن ذاك الموظف واقفاً على الباب، وهذا كان أيضاً هو المبلغ ذاته الذي دفعته النساء ثمناً لأي قطعة في أي وقت من الأوقات.
وكنت أنا وزملائي الباحثين المشاركين في هذه الدراسة قد أجريناها بالتعاون مع قسم أبحاث الخدمات في جامعة كارلستاد. الملفت في الأمر هو أننا توصّلنا في بحث لاحق إلى أنّ التأثير كان أكبر من ذلك حتّى على الزبائن الذكور القصار القامة. ونحن نعتقد بأنّ ذلك يعود إلى أنّ الرجال الذين يتمتّعون ببنية جسدية قوية، والذين استعنّا بهم في التجربة، قد أطلقوا العنان لغريزة التنافس الذكورية الكلاسيكية لدى المشترين الذكور. نعلم بأنّ الرجال الطوال القامة ذوي المظهر الرياضي عادة ما يحالفهم نجاح أكبر في المجال الاقتصادي. لذلك نحن نعتقد بأنّه عندما رأى المتسوّقون ذلك الموظف شعروا بأنّه ينافسهم، فما كان منهم إلا أن تجاوبوا مع هذه الحالة ببعث إشارة عن مكانتهم من خلال إنفاق قدر أكبر من المال.
هارفارد بزنس ريفيو: وماذا عن الموظفات – أو الموظفين ذوي مظاهر الحضور الجسدي الأقل – ألن يستثيروا ردّ الفعل ذاته؟
كانت أبحاث سابقة قد أظهرت بأنّ الرجال أكثر ميلاً فعلياً إلى محاولة إثبات تفوّقهم عندما يكونون في حضرة نساء يتمتّعن بالجاذبية الجسدية. لكنّنا حاولنا عوضاً عن ذلك استكشاف السلوك التنافسي ضمن النوع الواحد. وقد كان هناك بطبيعة الحال موظفون آخرون موجودون في المتجر أثناء إجرائنا للتجربة الميدانية. لكنّنا لم نجرِ المقارنات إلا بين عمليات الشراء التي حصلت بحضور هذا الشخص الواقف على الباب وتلك التي حصلت أثناء غيابه. وقد ساورنا الشك بأنّ الموظفين الذكور الأصغر حجماً لن يتركوا الأثر ذاته ووجدنا أنّ هناك دعماً لهذه النظرية في سلسلة من الدراسات المخبرية اللاحقة. فالرجال الأقصر قامة، على ما يبدو، لا يوقظون هذا الحافز التطوّري الملحّ ذاته للتباهي.
لماذا لا تنفق النساء أيضاً مالاً أكثر في حضرة الرجل المهيمن جسدياً؟
إذا ما أخذنا الحس التطوّري بعين الاعتبار، فقد كان إظهار النساء لجمالهن وصحّتهن أكثر جدوى لهم من تسليط الضوء على مكانتهن وثروتهن. وربما لو كنّا قد أجرينا دراستنا الميدانية في متجر لمستحضرات التجميل لكنّا سنحصل على نتائج مختلفة. وفي الوقت ذاته، فإنّ الأبحاث كانت قد أظهرت بأنّ النساء أيضاً يتجاوبن مع المنافسة الموجودة بين بنات النوع الذي ينتمين إليه أيضاً. فعلى سبيل المثال، تشعر المرأة بعد النظر إلى صور سيّدات يتمتعن بالجاذبية بميل أكبر إلى تفضيل حبوب إنقاص الوزن، وممارسة التمارين الرياضية القاسية، والإفراط في ممارسة التشمّس بهدف اكتساب البشرة السمراء، وغير ذلك من السلوكيات الهادفة إلى زيادة الجمال.
ألا يمكن أن يكون وقت دوام الموظف هو الذي أثّر بشكل أكبر؟ فالرجال ينفقون أكثر في الفترات المسائية مقارنة مع إنفاقهم في الفترات الصباحية؟
أخذنا هذا الموضوع بالحسبان عند ضبط التجربة علمياً حيث طلبنا من الموظف أن يعمل بعد فترة الغداء يوم السبت وقبل فترة الغداء يوم الأحد، وبذلك ضمنّا حضوره في أوقات مختلفة في أيام مختلفة.
كيف كان شكله بالضبط؟ ما هو الحد الذي نقول عنده بأنّ هذا الرجل طويل؟ وما هو الحد الذي نقول عنده بأنّ الرجل يمتلك عضلات مفتولة؟
لقد كان أطول من 95% من الرجال الأميركيين، وهو يعتبر طويلاً بحسب المعايير السويدية أيضاً، وكان قد شارك لتوّه في بطولة للمحترفين في ألعاب القوى، لذلك كان يُنظر إليه على أنّه أكثر هيمنة بكثير من الناحية الجسدية من الرجل العادي. وفي تجاربنا المخبرية اللاحقة والتي شملت التلاعب بصور رجال بحيث يبدون إما أكثر لياقة أو أقل لياقة، وجدنا بأنّ رؤية صور رجال يبدون بمظهر أقوى جعلت الرجال (وليس النساء) يفضّلون وضع شعارات أكبر على ملابسهم. وقد قرّرنا لاحقاً بأنّ هذا التأثير كان ناجماً عن الرجال الأقصر المشاركين في الدراسة وليس الرجال الأطول.
هل هذا يعني بأنّ على تجار التجزئة الراغبين بزيادة تجارتهم مع الرجال تغيير معايير التوظيف لديهم؟ وهل يعني بأنّ أصحاب العضلات المفتولة والبنية الجسدية القوية فقط هم من يجب أن يتقدّم لشغل الوظائف؟
بالنسبة للشركات التي تبيع سلعاً فاخرة تدلّ على المكانة الرفيعة – مثل السيارات والساعات والملابس – فلا شك بأنّ هذه فكرة يجب أخذها بالحسبان. وربما لن تشاهدي التأثير ذاته في المتاجر التي تبيع البضائع ذات الصبغة الوظيفية والنفعية بشكل أكبر. كما أودّ الإشارة إلى أنّ الشخص الضخم والطويل لا يجب أن يكون موظفاً بالضرورة في هذه المتاجر، كما لا يشترط أن يكون لديه حضور جسدي، وذلك وفق ما أظهرته دراساتنا المخبرية حول الشعارات المفضّلة للرجال، والتي اعتمدت على صور لرجال يرتدون أزياء العمل الموحّدة أو الملابس العاديّة التي يرتديها الناس في الشارع. وبالتالي فإنّ التأثيرات التي كشفتها الدراسة قد لا تقتصر على توظيف الأشخاص في متاجر التجزئة بل قد تمتد إلى الإعلان والتسويق.
هل تقصد القول بأنّ الشركات يمكنها التخلّي عن العارضين ذوي الأجساد النحيلة والممثلين القصار القامة والاستعانة عوضاً عن ذلك بنجوم كرتي السلّة والقدم بهدف التسويق لبيع السيارات والملابس؟
هذا الشيء يحصل حالياً بالفعل، فقد ظهر توم برادي (Tom Brady) في إعلانات لشركات موفادو (Movado) وآستون مارتن (Aston Martin)، وآغ (Ugg)، في حين ظهر روجيه فدرير في إعلانات رولكس (Rolex) وكريدي سويس (Credit Suisse).
ولكن أليس هناك شيء من اللاأخلاقية بتوظيف متحدّثين أو موظفين يتمثّل دورهم الأساسي في جعل الزبائن يحسّون بشعور سيء تجاه أنفسهم لكي ينفقوا أموالاً أكثر؟
حسناً، دعيني أقول أنّ الآلية النفسية هنا هي امتلاك دافع أكبر للمنافسة مع شخص من نفس النوع، وليس الشعور بقدر أقل من الثقة بالنفس. ولكن يجب على شركات التجزئة أن تقرّر بنفسها ما إذا كان من الجيّد بالنسبة لها اتباع استراتيجية تقوم على تعيين موظف ذكر أطول قامة للتعامل مع زبون ذكر أقصر قامة. هذا الأمر قد يحسّن المبيعات على المدى القصير. لكنّه أيضاً قد يدفع الزبون القصير إلى مغادرة المتجر وهو يشعر بشيء من عدم السعادة بحيث يقرّر ألا يعود، وهذا إن حصل لن يكون في مصلحة الشركة. أنا شخصياً لن أشجّع أيّ مؤسسة البتّة على تعيين الموظفين على أساس شكلهم فقط. لكنّ ذلك لا يعني بأنّنا لا يجب أن ندرك هذه التحيّزات السطحية وأن نفهم مدى تأثيرها القوي على الاستهلاك.