هل الرجال الآليون على وشك أن يحكموا العالم؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل هم السبب في الشح الكبير الذي لم نواجه مثله من قبل ضمن سوق العمل في القرن الواحد والعشرين؟
وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2016، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من تقارير "ماكنزي" الفصلية، سيحل الذكاء الاصطناعي محل 60% من فرص العمل في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. كيف سنتأثر باختفاء 60% من المهن المتاحة لدينا حالياً؟ بل السؤال الأكثر إلحاحاً، كيف سيرمي هذا الأمر بظلاله على الجيل القادم بعدنا؟
وفقاً للاقتصاديين، يبلغ متوسط عائد فرصة العمل بالنسبة للطبقة الوسطى في هذه الأيام حوالي 40,000 إلى 80,000 دولار سنوياً. علماً أن مبلغاً كهذا كان يأتي من وظائف التصنيع منذ وقت ليس ببعيد. بينما في وقتنا الراهن تنحصر الحقول التي تدفع هذا النوع من الراتب في الشركات الكبرى، وقطاع التمويل، والرعاية الصحية.
إلا أنه تتباين التحديات المتعلقة بالعمالة باختلاف المناطق. على سبيل المثال، تستثمر الإمارات العربية المتحدة في التعليم الرقمي، وبناء "هايبر لابس" (وسائل النقل خارقة السرعة) وسيارات الأجرة الطائرة. وبعبارة أخرى، تسير الإمارات على نهج الثورة الصناعية الرابعة بأقصى سرعة. يمكننا تفسير شهية هذا البلد للنجاح بالنظر إلى أن 51% من سكانه وأكثر تحت سن الـ 20 سنة. ومع ذلك، وعلى الجانب الآخر من الطيف، لدينا بلدان، مثل اليابان، سيبلغ متوسط أعمار مواطنيها 65 عاماً أو أكثر بحلول عام 2050. وهكذا، وفي خضمّ الجهود المبذولة لتخفيف العبء على المستشفيات، كانت هذه البلاد رائدة مؤخراً في تصنيعها لرجل آلي يمكنه الاهتمام بالمرضى. ومن المعروف أن تقديم الرعاية هو عمل شديد التطلب سواء على الصعيد العاطفي أو الجسدي، ولكن هل يمكن للرجل الآلي أن يأخذ مكان البشر في رعاية المرضى أو كبار السن؟
لا يدور النقاش الجوهري حالياً فيما يتعلق بتنامي الذكاء الاصطناعي حول ما إذا كان ينبغي أن يكون موجوداً أم لا، بل حول ما إذا كان سيؤثر سلباً على البشر والقوى العاملة الحالية. فإذا كان الرد على هذا التساؤل بالإيجاب، هل هناك احتمال أن يُترك الناس على الهامش؟ لا بد لنا هنا من النظر في كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على توزيع الدخل والفرص. وطالما أننا نفكر بالفعل في هذا التهديد الوجودي، فلا بد أن نتذكر أيضاً أولئك الناس الذين ما زالوا يكافحون من أجل تأمين لقمة العيش وتعليم أطفالهم في ظل الظروف الاقتصادية التي نعاني منها.
ما الذي يحدث إذاً؟ هل نعيش تحت وطأة الخروج من سوق العمل في غضون بضع سنوات قليلة؟
تمهل قليلاً. ليس علينا أن نستسلم للذعر بعد. حيث إننا إذا أمعنّا النظر في القرنين الأخيرين من الأتمتة والتقدم التكنولوجي، يمكننا القول على وجه اليقين إن تنامي تلك التطورات لم يضع العمل البشري في طيّ النسيان. بل على العكس من ذلك، ارتفعت نسبة العمالة إلى عدد السكان بالفعل خلال القرن العشرين مع دخول النساء إلى سوق العمل. وعلاوة على ذلك، إذا تحرّيت تفاصيل الموضوع مع خبراء المستقبل فسوف تعلم أن نسبة الوظائف التي ستقضي عليها التكنولوجيا والرجال الآليون تماماً لا تتعدى الـ 5% إلى الـ 20% فقط من الوظائف المتاحة حالياً. ومن الأرجح أن يقتصر دور الرجال الآليين والتكنولوجيا ذات الصلة على معالجة بعض المهام داخل الوظائف بدلاً من استبدال مهن بأكملها. نود أن نفكّر في هذا الأمر على أنه شراكة بين الإنسان والآلة. لذلك علينا فقط معرفة كيفية التفاوض بشأن هذه الشراكة.
سيعيد العالم صياغة نفسه سواء وافقنا أم لم نوافق، لذلك أقترح تعلم مهارات البقاء على قيد الحياة في إطار هذا الانقسام الجديد. إذ يرمي هذا الوضع بثقله علينا جميعاً إلا إذا كنت تفكر في الهروب إلى المريخ طبعاً. يُعتبر التطور للعيش والعمل في عصر التكنولوجيا من أكثر الأمور إلحاحاً بالنسبة لأطفالنا الصغار. لذا، بدلاً من طرح السؤال عما إذا كان سيتم تهميش البشر، دعونا ننظر في سؤال عملي أكثر: كيف تساعدنا مدارسنا وأنظمتنا التعليمية على زيادة مهاراتنا وتطورنا في إطار صعود نجم الذكاء الاصطناعي؟
لا يكفينا اليوم أن نكون متعلمين من الناحية الفنية، ولكننا بحاجة أيضاً إلى الاستثمار في إبداعنا واتساع أفق تفكيرنا، ومهارات حل المشاكل لدينا في آن واحد. نحن بحاجة إلى تطوير قدراتنا كي تلبي جانبنا الإنساني بالإضافة إلى إشباع شغفنا بالتكنولوجيا. وكيف لنا أن نفعل ذلك؟ من خلال زيادة الاستثمار في إعداد الأشخاص القادرين على حل المشاكل بطرق إبداعية.
يبدو أن الإمارات العربية المتحدة تقوم بذلك على أحسن وجه، حيث تستثمر في رأس مالها البشري. فكما قال الشيخ خليفة، في خطابه الذي وجهه للأمة في عيد استقلالها الـ 46: "إن التنمية التي لا تضع الإنسان نصب عينيها محكوم عليها بالفشل"، وأنا أتفق مع هذا الرأي 100%. إذ لا يمكننا المضي قدماً إذا استمرت نظمنا التعليمية التقليدية الحالية في مكافأتنا على مهارات الحفظ بدلاً من أشياء مثل الفكر المجرد أو التعاطف في التعامل مع الآخرين أو إدارة الأوضاع المعقدة. إننا نغرق في بحار من البيانات والمعلومات، ولكننا لشديد الأسف نفتقر بشدة إلى الحكمة.
كيف يمكنك أن تأخذ فكرة خام وتحولها إلى فكرة أعمال خلاقة وناجحة؟ كيف يمكنك التنقل في عالم يزخر بتداخل العلاقات بين الثقافات العالمية، وإدارة الفرق الافتراضية، واعتماد السياسات واللوائح؟ هذه هي أنواع الأسئلة التي ينبغي أن يساعدنا نظامنا التعليمي على الإجابة عنها. نحن بحاجة إلى بشر يفهمون قضايا الحياة الحقيقية، أولئك الذين يجلبون السياق إلى الرمز والأخلاق إلى الخوارزميات.
قد نكون قادرين على تصميم آلة لمعالجة البيانات، أو مساعدة المريض على النهوض، أو قيادة السيارة من مكان إلى آخر، ولكن لا يمكننا أن نثق في الذكاء الاصطناعي ليجد لنا حلاً لآلامنا، أو ليجلب البسمة إلى حياتنا، أو ليبدع علامة تجارية مبتكرة، أو يشرح معنى الحياة.
لجميع هذه المهام، سنحتاج دائماً إلى الاعتماد على الإنسانية والتعاطف وفقاً للأسلوب التقليدي الإنساني. لذلك، إذا كنا في خضمّ عملية بناء واقع جديد ليتناسب مع تصوراتنا، فالآن هو الوقت المناسب للتأكد من أنه من النوع الذي يمكننا التعايش معه.