لماذا على الرئيس التنفيذي التفكير كقائد الأوركسترا عند اتخاذ القرارات؟

7 دقيقة
عملية صنع القرارات
ياروسلاف دانيلشينكو/ستوكسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يُعنى الرئيس التنفيذي بمسؤوليات عديدة منها توجيه الشركات واتخاذ القرارات المهمة، لكن ثمة فجوة بين الصورة التي يكوّنها الموظفون عن الرئيس التنفيذي والواقع الفعلي لمشاركته الشخصية في هذه العمليات، لا يصنع الرئيس التنفيذي القرارات، بل يشكّلها من خلال تخطيط عملية صنع القرارات واختيار وقت مشاركته المباشرة فيها ومراقبة سيرها؛ إنها عملية انتقائية تعكس أسلوبه في اتخاذ القرارات في مجالات أخرى من مسؤولياته.

يشيع اعتقاد خاطئ حيال دور الرئيس التنفيذي يُفيد بأنه هو الشخص الذي يتخذ جميع القرارات النهائية في الشركة وأن هذه ميزة المنصب، لكن يرتبط المنصب في الواقع بتشكيل القرارات، لا صنعها.

ثمة سبب أساسي لهذا الاختلاف الدقيق، فالشركات تواجه قرارات كثيرة جداً يومياً، ويستحيل أن يشارك الرئيس التنفيذي في كل واحد منها، لأن محاولة مشاركته في كل قرار قد تبطئ عملية صنع القرارات بأكملها أو تعطّلها تماماً. فيلجأ إلى تمكين الموظفين من صنع القرارات التي يمكنه دعمها بدلاً من صنعها وحده. لا شك في أن ثمة أوقات يكون فيها الرئيس التنفيذي صاحب القرار النهائي، شرط أن يستوحي نهجه من مبدأ “شفرة أوكام”: كلما كانت القرارات التي يتخذها الرئيس التنفيذي أقل، كان ذلك أفضل.

يمتلك الرئيس التنفيذي العديد من الأدوات التي تتيح له توجيه القرارات في مؤسسته، منها ما هو على مستوى المؤسسة بأكملها من خلال حشد أعضاء المؤسسة كلهم حول غاية مشتركة وتوضيح الأولويات وتحديد الأهداف. يمكن تشكيل القرارات أيضاً من خلال استراتيجية واضحة، واعتماد بنية تنظيمية تتيح التوزيع المناسب للمسؤوليات وتعزيز ثقافة مؤسسية قوية. ولوضع نظام واضح لقياس الأداء والمكافآت أهمية كبيرة.

حتى إذا بنى الرئيس التنفيذي السياق العام الذي يؤثر في صناعة القرارات في المؤسسة، فليس من الممكن أن يتخلى تماماً عن عملية صنع القرار، بل عليه اختيار المجالات والأساليب التي يشارك فيها شخصياً.

تتضمن عملية صناعة القرار في أي مؤسسة أنواعاً مختلفة من القرارات. للمساعدة على التفكير في القرارات بوضوح، يمكن تصنيفها على محور واحد (مثل الاستراتيجية أو البنية التنظيمية أو الثقافة أو الموظفين أو المنتجات أو الاستثمارات وما إلى ذلك)، ووضع المستوى التنظيمي الذي يجب اتخاذ القرار فيه على محور آخر (مثل الشركة أو وحدة الأعمال أو المنطقة أو القسم أو الفرع أو المعمل أو المكتب، وما إلى ذلك)، وعلى الرئيس التنفيذي اختيار طريقة مشاركته في تشكيل القرارات بناءً على هذا السياق. تتضمن هذه العملية، في كل نقطة تقاطعاً بين الفئة والمستوى، وتحديد مدى مشاركته في تصميم عملية صناعة القرار، واختيار وقت المشاركة المباشرة فيها ومراقبة سيرها وتوضيح وقت اتخاذ القرار والمسؤول عنه. إطار العمل هذا مبني على خبرة اكتسبتها خلال 25 عاماً قضيتها مع زملائي في تدريس الرؤساء التنفيذيين في ورش العمل بكلية هارفارد للأعمال، بالإضافة إلى تجربتي الشخصية في قيادة المؤسسات وتقديم النصائح للرؤساء التنفيذيين بصفتي عضواً في مجلس الإدارة واستشارياً فيه.

تصميم العملية

يمكن للرئيس التنفيذي التأثير على أي قرار من خلال تصميم عملية اتخاذ القرار بعناية، وهو يتضمن تحديد معلومات مثل المشاركين والأسئلة التي تجب الإجابة عنها والمعلومات التي يجب جمعها والإجراءات الوقائية التي تجب مراعاتها، وعدد الاجتماعات التي يجب عقدها وهيكلية النقاشات والقرارات التي يجب اتخاذها ووقتها والمسؤول عنها. قد يؤدي الرئيس التنفيذي دوراً كبيراً في تصميم بعض عمليات صناعة القرار داخل المؤسسة في حين يكون دوره أقل أهمية في جوانب أخرى منها.

على سبيل المثال، كان أحد الرؤساء التنفيذيين الذين أجرينا دراسة عليهم يعمل بنفسه على تصميم عملية لصنع قرارات مهمة تتعلق بمحفظة الشركة الاستثمارية، بما فيها الاحتفاظ بالأعمال الحالية أو تصفيتها أو الاستحواذ على شركات جديدة. فتعاون مع مرؤوسيه المباشرين ومجموعة محددة من المدراء ذوي القدرات العالية، وحددوا معاً المعايير التي سيستخدمونها لتقييم أداء كل شركة في المحفظة الاستثمارية واختاروا مجموعة من الشركات المنافسة مقياساً معيارياً لمقارنة أدائها، وحددوا مهلة ثلاثة أشهر لإكمال هذا التحليل وجدولوا اجتماعات أسبوعية مدة كل منها ثلاث ساعات لمراجعة التقدم المحرز والاتفاق على الخطوات التالية.

كما كلّف الرئيس التنفيذي كلاً من الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والرئيس التنفيذي للموارد البشرية بمهمة إعداد توصيات لإجراء تغييرات هيكلية تهدف إلى تحقيق أهداف خفض التكاليف في الخدمات المشتركة، مثل إدارة الموارد البشرية وتكنولوجيا المعلومات والماليات، وكلفهما بالتعاون على تحديد طرق تحقيق وفر في التكلفة يزيد على 15%، ومنحهما الحرية التامة لتصميم عملية إعداد هذه التوصيات.

يوضح هذان المثالان النهج الدقيق الذي يجب أن يتبناه الرئيس التنفيذي في تصميم عملية صنع القرارات، وبناءً على المسألة التي يود الرئيس التنفيذي التأثير فيها، يتعين عليه اختيار مجموعة متنوعة من المعطيات، (مثل اختيار المكلفين بالعملية ووضع أهداف ومعايير لقياس النجاح وتحديد الإطار الزمني المناسب والتوقعات)، بالإضافة إلى تحديد المهام التي سيشارك فيها بنفسه والمهام التي يمكنه تفويضها للآخرين بثقة.

المشاركة في العملية

يجب أن يحدد الرئيس التنفيذي درجة مشاركته في مراحل عملية صنع القرار المختلفة؛ يمكن أن يشارك في كل خطوة، أو أن يتفقد العملية من وقت لآخر، أو أن يشارك في مرحلة محددة، مثل بدايتها أو منتصفها أو نهايتها.

وغالباً ما تكون اختيارات الرئيس التنفيذي حول وقت مشاركته الشخصية في عملية صنع القرار وطريقتها انعكاساً لرغبته في السماح لفريق العمل بالمشاركة في العملية بفعالية بهدف زيادة التأييد. عندما نشاهد الرئيس التنفيذي في مثل هذه الحالات نجد أن الكثير من إجراءاته تهدف إلى توجيه الموظفين نحو القرار دون محاولة التأثير فيه مباشرة بطريقة تبدو مستبدة. فالرئيس التنفيذي يسدي هذا التوجيه عبر تحدي الإجراءات ورفع سقف التوقعات وطرح أسئلة صعبة والإصرار على تلقي إجابات أفضل، وحتى إذا شارك في العملية يبقى حريصاً على ترك مهمة صنع القرار الفعلية لزملائه.

ومن أمثلة ذلك، الرئيس التنفيذي الذي صمم عملية المراجعة الاستراتيجية للمحفظة الاستثمارية، فهو لم يحضر سوى خمسة من اجتماعات المراجعة الاثني عشر: حضر أول اجتماعين ليقدم الإشراف والتوجيه للفريق، ثم أفسح مجال العمل لأفراد فريقه، وبعدها حضر اجتماعاً من سلسلة الاجتماعات الأسبوعية للاطمئنان على حسن سير الأمور، وفي النهاية، عاد للمشاركة بفعالية في آخر اجتماعين حين طرحت مجموعة العمل توصياتها.

وعلى الجانب الآخر، نجد أنه لم يحضر أي اجتماعات تتعلق بمسار خفض التكاليف، بل طلب من المدير المالي ومدير الموارد البشرية موافاته بما أحرزاه من تقدم وأن يرجعا إليه في حال وجدا لإسهامه فائدة في هذا المسار.

يجسد اختيار الرئيس التنفيذي لمستوى مشاركته الشخصية في مواقف كهذه مدى رغبته في التحكم في إدارة كل عملية، والأهمية التي يعلقها على القرار المرتقب، وحدود ثقته في المدراء المشاركين، وحجم تكلفة تدخله وتغيير المسار مع التقدم في الإجراءات.

مراقبة العمل

كما يجب على الرئيس التنفيذي تحديد مدى رغبته في المشاركة في مراقبة سير العمل بنفسه، فمن ركائز دوره أن يسدي الرأي والتعليق في خضم عملية صنع القرار. في حال اختار أن يجري مراجعة دورية، فهو ينهض بدور المراقب الحريص على ضمان حسن سير الأمور وعلى عمل الشركة وفق خطة التنفيذ، وأحياناً يعتبر الرئيس التنفيذي نفسه مدرباً موجهاً يتمثل دوره في تعليم الموظفين وتزويدهم بآراء بنّاءة ومساعدتهم على تحسين أدائهم، في حين لا يؤثر فعلياً في صيغة القرار النهائي قيد النقاش،

وعندما يراقب الرئيس التنفيذي عمليات صنع القرار بنفسه، فإنه يضع المعايير ويشجع على التعاون والتنسيق وييسر إمكانية تصحيح المسار. وفي بعض الحالات يعقد الرئيس التنفيذي اجتماعات دورية مع فريق العمل بغرض رصد التقدم المحرز، وفي حالات أخرى يكتفي بتفقد الأمور من حين لآخر اطمئناناً على سلامة المسار.

ومن الخيارات الرئيسية عند مراقبة عمليات صنع القرار أن يحدد الرئيس التنفيذي مستوى التفاصيل التي يرغب في أن ينخرط فيها؛ فبوسعه أن يشارك مشرفاً من مستوى عالٍ أو أن يشمر عن ساعديه مستغرقاً في التفاصيل كلها. وهناك من يحدد سقف ذلك المستوى مسبّقاً؛ في حين يحدده آخرون في حينه وعلى نحو استراتيجي للحفاظ على حالة تأهب فريق العمل واستعداده لمشاركته وفق المستوى الذي يحدده بنفسه؛ ربما يرى فريق العمل هذا الأسلوب متقلباً غير متسق، ولكن عليك أن تضع نفسك مكان أفراده: هل ستستعد أكثر لسلسلة الاجتماعات إن كنت تعلم أن الرئيس التنفيذي قد يطرح أسئلة تتراوح بين تناول الخطوط العامة والاستفسار عن أدق التفاصيل؟

صنع القرار

قد يكون الرئيس التنفيذي هو صانع القرار الرئيسي الذي يحسم القرار بعد تلقيه التوصيات في مسائل معينة، مثل تحديد مستهدفات الأداء العام للشركة، وفي مواقف أخرى، يفضل الرئيس التنفيذي مشاورة مجموعة بعينها من كبار التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة، كما هي الحال عند البت في صفقات الاندماج والاستحواذ، أو عند اختيار أعضاء فريق الإدارة العليا. وهناك مواقف أخرى يسمح فيها الرئيس التنفيذي للآخرين باتخاذ القرارات ومن ثم يعتمدها، مثل السماح لمدراء وحدات العمل باتخاذ القرارات بشأن استراتيجيات وحداتهم. وفي حالات أخرى يشارك الرئيس التنفيذي في إحدى مراحل مناقشة مشاريع البحث والتطوير التي يجب على الشركة تنفيذها مثلاً حتى يحيط بالخيارات المطروحة، ثم يفوض البت في القرار النهائي إلى أحد كبار المدراء، مدير البحث والتطوير في مثالنا، لأنه يفتقر إلى الخبرة الفنية اللازمة.

انتبه لهذه العوامل عند تحديد حجم المشاركة

كثيراً ما يستخدم الرئيس التنفيذي معايير مختلفة لتحديد مستوى مشاركته في عملية صنع القرار، ومنها أهمية القرار الاستراتيجية: هل له أهمية تؤثر في الأولويات الأساسية لدى الرئيس التنفيذي، وهل له تبعات طويلة الأمد على مسار الشركة أو رؤيتها أو رسالتها؟ تستدعي القرارات الاستراتيجية الرفيعة المستوى مشاركة الرئيس التنفيذي المباشرة، أما بقية العوامل التي تؤثر في مستوى مشاركة الرئيس التنفيذي فهي تأثير القرار في سلامة الموقف المالي للشركة، سواء من حيث الإيرادات أو التكاليف أو الربحية؛ أو ما ينطوي عليه من مخاطر تتمثل في خسارة محتملة أو تبعات قانونية أو إضرار بسمعة الشركة. وإذا انطوى القرار على تخصيص موارد كبيرة أو إعادة تخصيصها؛ مثل استثمارات رؤوس الأموال أو الموارد البشرية، فقد يستدعي إشراف الرئيس التنفيذي عليه.

وقد يهتم الرئيس التنفيذي بمدى تأثير القرار في قيم الشركة الجوهرية وأخلاقياتها، فأي قرار يؤثر سلباً في تلك القيم أو يغيرها يستدعي مشاركة أكبر من الرئيس التنفيذي. والقرارات غير المسبوقة تحتم مشاركة الرئيس التنفيذي لتأثيرها في عمليات الشركة أو سياساتها المستقبلية،

وإذا امتد تأثير القرار عبر أقسام متعددة من الشركة أو يُتوقع له أن يثير خلافاً أو صراعاً داخلياً كبيراً، فعلى الرئيس التنفيذي أن يزيد حجم مشاركته في صنعه وأن يدرس خيار أن يكون هو صاحب القول الفصل فيه. وكذلك على الرئيس التنفيذي أن يهتم بالمشاركة أكثر في صنع القرارات التي تؤثر صراحةً في أصحاب المصلحة الرئيسيين؛ من مساهمين وعملاء رئيسيين وجهات تنظيمية، وعليه ألا يغفل عن أهمية مشاركته الرئيسية في اتخاذ القرارات العاجلة لا سيما التي تتعلق بمواجهة تحديات قائمة أو اغتنام فرص سانحة.

ومع ميل الرؤساء التنفيذيين عموماً إلى التركيز على تلك القرارات الأهم، فبعضهم يرى من الحكمة أن يشارك مباشرة بصورة دورية في صنع القرارات ذات الصلة بالمسائل الأقل أهمية أو بالإدارات الأدنى في الشركة. فعلى سبيل المثال، للرئيس التنفيذي أن يشارك في اتخاذ قرارات بعيدة عن مستوى الإدارة العليا، مثل وضع استراتيجية وحدة عمل جديدة أو تصميم برنامج تطوير تنفيذي، على سبيل تأكيد أهمية هذه القرارات للشركة، وقد لا يقل اغتنام الرئيس التنفيذي فرص المشاركة الرمزية هذه أهمية عن مشاركته في حسم القرارات الجوهرية.

لا تقتصر خيارات الرئيس التنفيذي الواعية عند تحديد مستوى مشاركته على عملية صنع القرار؛ ينبغي للرئيس التنفيذي التحلي بالحكمة في اختيار التوقيت المناسب للتعامل بنفسه مع العملاء والمستثمرين والجهات التنظيمية ووسائل الإعلام وأصحاب المصلحة الآخرين، وعليه أن يحدد المناصب الإدارية العليا التي تقتضي أن يقابل مرشحيها بنفسه ضمن خطوات التوظيف. كما يجب عليه أن يقرر توقيت التعامل مع كل عضو في مجلس الإدارة وطريقته من خلال اجتماعات ثنائية في الفترات بين مواعيد اجتماع المجلس، وهكذا نرى أن اتخاذ الخيار الصحيح لتحديد مستوى المشاركة عنصر مؤثر في فعالية الرئيس التنفيذي بوجه عام.

وختاماً أقول إن دور الرئيس التنفيذي لا يقتصر على اتخاذ كل قرار بنفسه، بل يمتد إلى تهيئة بيئة مواتية لصنع القرار بفعالية، والرئيس التنفيذي الذي يشكّل القرار، بدلاً من أن يتخذه بنفسه، يمكّن فريقه ويعزز المرونة التنظيمية ويقود الشركة إلى النجاح. الرئيس التنفيذي أقرب ما يكون إلى قائد أوركسترا يضبط إيقاع الأداء لتأتي النتائج منسجمة متناغمة، وهو أبعد ما يكون عن قائد يستبد برأيه ويفرض أوامره. هذا منظور مختلف ومن الضروري أن يتبناه كل من يتولى هذا المنصب الرفيع، ومن شأنه أن يصحح مسار القادة والشركات على حد سواء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .