خطت شركة "أوبر" هذا الأسبوع خطوة كبيرة باتجاه تصحيح مسارها، وذلك من خلال اختيار دارا خوسروشاهي لاستلام منصب الرئيس التنفيذي فيها. ويبين بحثنا أنه كي يتمكن من النجاح، يجب عليه معالجة مشكلتين كبيرتين في وقت واحد. تعدّ هاتان المشكلتان من بين أكثر المشكلات صعوبة في عالم الأعمال، وهما: الفوز داخلياً عن طريق إزالة العوائق الداخلية التي تعيق نمو الشركة واستعادة طاقتها، والفوز خارجياً عن طريق إثبات قدرة شركة أوبر على توليد نمو في الأرباح.
هناك كثير من النقاط التي تعمل في صالح خوسروشاهي. فقد أصبحت شركة "أوبر" منذ تأسيسها قبل ثمانية أعوام إحدى أشهر العلامات التجارية في العالم وهي موجودة في أكثر من 80 دولة، ووصلت حصتها في السوق إلى 77% في سوقها الأساسي في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنها لا تزال تملك خزينة كبيرة من الأموال النقدية للاستثمار والتي اكتسبتها من جولتها الأخيرة للتمويل بما يقدر بمبلغ 68 مليار دولار، ما يجعلها أعلى الشركات المليارية قيمة في تاريخ الأعمال.
ولكن على الرغم من وجود هذه المجموعة الاستثنائية من الأصول بين يدي الرئيس التنفيذي الجديد لشركة "أوبر"، خوسروشاهي، إلا أن القليل منها قادر فعلاً على تقليص التحديات التي يواجهها. وخصوصاً أنه يجب عليه متابعة إدارة الشركة تحت رقابة سلفه مؤسس الشركة، ترافيس كالانيك، الذي لا يزال عضواً في مجلس الإدارة ومالكاً لأكبر حصة من الأسهم التي تتمتع بحق التصويت.
أنهى فريقنا في شركة "باين أند كومباني" (Bain & Company) مؤخراً دراسة استمرت على مدى خمسة أعوام من أجل التوصل إلى فهم أفضل لمسارات النمو في أكثر من 8,000 شركة في جميع أنحاء العالم، والعوائق المتوقعة التي واجهتها هذه الشركات في تحقيق النمو (يمكنك مراجعة بعض هذه النتائج في كتاب "عقلية المؤسس" The Founder’s Mentality الذي شاركت بتأليفه). يلخص هذا العمل الطريقة التي يحتاج إليها الرئيس التنفيذي الجديد لشركة "أوبر" من أجل النجاح في عمله والتحرك بسرعة على جبهتي النمو الداخلية والخارجية.
الانتصار داخلياً: خلص الشركة من عوائق النمو
بيّن بحثنا أن 85% من العوائق الكبرى التي تواجهها الشركات الناجحة مثل "أوبر" في زيادة نطاق أعمالها هي عوامل داخلية، كنقص المساءلة والابتعاد أكثر عن الخطوط الأمامية وزيادة عبء العمل، وليست عوامل خارجية كالأسواق الضعيفة أو الاستراتيجيات غير الفعالة. كما أجرينا استبانة في وقت سابق من هذا العام على 319 مسؤولاً تنفيذياً حول العالم، بالإضافة إلى 12 ورشة عمل للرؤساء التنفيذيين مع قادة ما يزيد على 100 من أفضل الشركات نمواً. وتشير نتائج هذه الاستبانة إلى أن أكثر التحديات إثارة للقلق تتركز في أربعة مجالات. واللافت للنظر أن شركة "أوبر" واجهت هذه المشكلات الأربعة دفعة واحدة، فكانت في مأزق حقيقي لم نره إلا نادراً في عملنا. إذن، ما هي هذه المشكلات؟
المشكلة الأولى التي تواجهها الشركات الجديدة غالباً هي ما نسميه "المؤسِس غير القابل للتطور" (حيث يقول 37% من المشاركين في الاستبانة أنهم يعانون من هذه المشكلة). وهي تحدث عندما تتوقف مهارات المؤسس عند حد معين وتعيق قدرة المؤسسة على الانتقال إلى المرحلة التالية. في شهر فبراير/شباط 2017، كتب ترافيس كالانيك الرئيس التنفيذي السابق لشركة أوبر مذكرة داخلية ينوه فيها إلى أنه بحاجة إلى مساعدة أكبر في القيادة، لأنه قد وصل إلى حدود إمكانياته. وأتى إعلان تعيين الرئيس التنفيذي الجديد هذا الأسبوع نتيجة لذلك.
المشكلة الثانية الشائعة في الشركات سريعة النمو هي "نمو العائدات بسرعة أكبر من نمو المواهب". وجدنا أن 55% من الشركات التي تحقق نمواً كبيراً تشعر بأن هذه مشكلة كبيرة لديها. وفي الواقع، كانت هذه المشكلة أكبر عوائق النمو في جميع أبحاثنا. نشرت صحيفة واشنطن بوست مؤخراً تحقيقاً بعنوان "المشكلة الكبيرة التي تواجهها أوبر اليوم: جذب المواهب"، يشرح بالتفصيل الأسباب الأساسية لهذه المشكلة على مستوى القيادة، مع وجود 13 منصباً شاغراً بين المناصب الإدارية العليا، بما فيها منصبي الرئيس التنفيذي للعمليات والرئيس التنفيذي للشؤون المالية. فتجميع الطاقم أثناء تحليق الطائرة ليس بالأمر السهل إطلاقاً، وخصوصاً عندما تصل إلى الارتفاع الذي وصلت إليه أوبر وسرعتها. واليوم تحتاج أوبر إلى خطة قابلة للتنفيذ فيما يخص المواهب تمكنها من مسايرة مخزونها من المواهب طموحاتها في النمو من أجل إيجاد فرصة للحفاظ على زخمها.
أما المشكلة الكبيرة الثالثة التي وجدناها فهي "أصوات الخط الأمامي الضائعة". وهي تقع عندما يزداد تركيز طاقة الشركة على المشاكل الداخلية التي لا علاقة لها بالزبائن، وتتمثل عواقبها الضارة في ازدياد المسافة بين الفريق القيادي الأعلى والخط الأمامي. ويبين بحثنا أنه عندما تسوء الأمور داخلياً يكون الأثر فورياً وواضحاً على الخط الأمامي، الذي يتمثل بالسائقين والزبائن في هذه الحالة.
تجسد الأحداث واسعة الانتشار بين شركة "أوبر" وسائقيها مثالاً عن هذه المشكلة، ومن ضمنها الخلاف المؤسف بين مؤسسها وأحد السائقين في وقت متأخر من إحدى الليالي. إذ بينت استبانة أجريت للسائقين هذا العام أن سائقي "أوبر" الآن أقل رضاً من سائقي شركة "ليفت" (Lyft). وفي الوقت نفسه، يبين بحث أجرته شركة أنظمة التتبع "سكند ميجر" (Second Measure) انخفاضاً مفاجئاً في الحصة السوقية لشركة "أوبر" في مدن رئيسية بدأ مع حملة الزبائن المستائين التي تهدف لمقاطعة "أوبر" تحت شعار (#DeleteUber).
ويكشف بحثنا حول حالات تغيير الرئيس التنفيذي الذي أدى إلى تجديد طاقة الشركة وتنمية أرباحها، كما هو الحال في ستاربكس ودافيتا وهوم ديبوت ومجموعة ليغو وتشارلز شواب، ضرورة أن يبدأ التجديد في الخط الأمامي. ولذلك يجب على خوسروشاهي الرئيس التنفيذي الجديد لأوبر أن يقضي وقتاً أكبر في الميدان وليس في مكاتب الشركة، على الرغم من جميع الضغوط التي تطالبه بالعكس.
أما المشكلة الرابعة التي تصيب الشركات سريعة النمو فهي "تآكل المساءلة". إذ يؤدي الضغط الذي تواجهه المؤسسات إلى توجيه تركيز الموظفين نحو تفادي اللوم أكثر من التركيز على المجازفة وتحمل المسؤولية من أجل حل المشكلات. وقد يؤدي ذلك إلى نشوء ثقافة سامة تتآكل فيها روح الفريق والمساءلة، ولا يكون أحد فيها وصياً على القيم. إن احتمال استثمار الموظفين لوقتهم الخاص في سبيل تقديم أفكار جديدة أو تخصيص وقت إضافي لحل مشكلة لأحد الزبائن في الشركات التي لا يشعر موظفوها بالانخراط العاطفي ويفتقدون الثقة يعادل ربعه في الشركات التي يشعر موظفوها بروح الرسالة المشتركة والمسؤولية. ويبدو جلياً أن "أوبر" تعاني من مشكلة في الثقافة، وهو ما أثبته التحقيق الذي قاده المحامي العام السابق إيريك هولدر والذي سلط الضوء على تردي ثقافة الشركة وسمّيتها.
الانتصار خارجياً: أثبت فعالية النظام الاقتصادي القائم على الربح لنموذج أوبر القابل للتكرار
إن نمو "أوبر" المذهل، الذي بلغت قيمته 68 مليار دولار التي وصلت إليها الشركة، ناتج عن النموذج القابل للتكرار على مستوى المدينة والذي سمح للشركة بتحقيق انتشار سريع في 700 مدينة، وهو معدل توسع غير مسبوق. إلا أن هناك حقيقة تاهت وسط الضجيج الذي أثير حول كالانيك الرئيس ا لتنفيذي السابق، وهي أن شركة "أوبر" تكبدت خسائر تساوي 2.8 مليار دولار (بعد أن أخذ السائقون حصصهم) في العام الماضي. وللدفاع عن هذه الأرقام، لمّح البعض إلى استراتيجية "أمازون" التي تلقى رواجاً كبيراً، والتي تدعو للتركيز على بناء الشركة لا على الربح، كمبرر لنفي هذه المخاوف. ولكن بعد الطرح الأولي لأسهم شركة "أمازون" في الأسواق المالية، كانت خسائرها تقدر بالملايين لا بالمليارات. بالإضافة إلى أن "أمازون" تحكم قبضتها على مجال أعمالها الأساسية على الإنترنت، في حين تواجه "أوبر" منافسة أكبر من شركات مثل "ليفت" في الولايات المتحدة و"غراب" (Grab) في جنوب شرق آسيا (والتي تضم 930,000 سائق). كما استحوذت شركة "ديدي تشاشينغ" في الصين، التي تضم أكثر من 400 مليون مستخدم في أكثر من 400 مدينة في الصين وهي أكبر شركة لمشاركة السيارات في العالم، على أعمال شركة "أوبر" هناك. ولذلك يجب أن يبين خوسروشاهي قدرة نموذج "أوبر" القابل للتكرار على توليد نمو الأرباح.
يبين تاريخ شركات المنصات التقنية القائمة على الإنترنت أنه يمكن خسارة المواقع بسرعة في مرحلة النمو. خذ مثلاً مدى سرعة خسارة شركة "ماي سبيس" (MySpace) لموقعها في مجال التواصل الاجتماعي لصالح "فيسبوك". من الصعب أن نصدق اليوم أنه منذ أقل من عقد من الزمن كانت "ماي سبيس" تملك عدد زوار أكبر من مواقع الإنترنت الأخرى، بما فيها "جوجل" و"إيباي" (eBay)، وكانت رائدة شبكات التواصل الاجتماعي، ولربما كانت واحدة من أهم الأسواق المحتملة على الإطلاق. إلا أنها فشلت طوال الوقت في إتقان نموذجها القابل للتكرار، وكما هو الحال في أوبر واجهت مأزقاً حقيقياً بسبب العوامل الداخلية التي تقتل النمو وتعثرت في معالجتها. فقامت شركة فيسبوك الناشئة حينئذ بالاستيلاء على "ماي سبيس" بسرعة كبيرة، حيث كان مؤسسها مارك زوكربيرغ قد بنى سمعته في البقاء على اتصال وثيق مع تفاصيل البرنامج والخط الأمامي في الشركة. والدرس الذي نتعلمه هنا هو إمكانية حدوث الانقلاب الاستراتيجي بسرعة.
هناك الكثير من العمل الذي يجب على الرئيس التنفيذي الجديد لشركة "أوبر" القيام به، ويبين بحثنا أنه يحتاج إلى الفوز على الجبهة الداخلية أولاً من أجل تحقيق الفوز على الجبهة الخارجية. وعندما قمنا بدراسة 28 شركة مليارية، وجدنا أن ثلثي هذه الشركات قد تعطلت أو تعثرت بصورة خطيرة بسبب المشاكل الداخلية التي أثيرت وتضاعفت ولوثت أداءها السوقي. وسيعتمد نجاح شركة أوبر على ربحها السريع على الجبهة الداخلية وتحويل تلك الطاقة إلى نموذج قائم على الربح قابل للتكرار لا يمكن لمنافسيها التغلب عليه في السوق، وهذا في النهاية سيمنع هؤلاء المنافسين من تجديد الاستثمار. سيواجه خوسروشاهي معركتين على الجهتين معاً، ولكنه يملك الأدوات للفوز فيهما.