تبذل العديد من المؤسسات في هذه الآونة جهوداً متضافرة ليس فقط لتصبح أكثر تنوعاً على المستوى الديموغرافي، ولكن أيضاً لتصبح أكثر دمجاً وترحاباً بالاختلاف. ولكن قياس هذا الأمر الأخير أكثر صعوبة بكثير عن سابقه. ففي حين أنه ليس من الصعب حساب النسبة المئوية للنساء مثلاً في مؤسستك، إلا أنه كيف يمكنك معرفة ما إذا كان قادة مؤسستك صادقين في ترحيبهم وتقبلهم لهؤلاء؟ وهنا نطرح سؤالاً مهماً: هل يعرف القادة ما إذا كانوا مرحِبين بالدمج بالقدر الذي يعتقدونه عن أنفسهم؟
ولاستكشاف هذا السؤال، حللنا مؤسسة كبيرة لها سجل إنجازات ممتاز في التوظيف وترقية المرشحين المتنوعين، ولها سمعة أيضاً في الدمج. لقد استعانت بنا هذه المؤسسة لإدارة تقييمات الأداء بطريقة 360 درجة لنحو 4 آلاف قائد، ووافقت على السماح لنا باستخدام هذه البيانات لهذا التحليل.
القادة ليسوا دقيقين في الحكم حول مدى شموليتهم
ولقد قضينا أكثر من 10 سنوات في إدارة تقييمات 360 درجة، والتي وصف فيها أكثر من مليون ونصف مُصنّف نحو 122 ألف قائد أنهم:
- "يأخذون زمام المبادرة لدعم وضم أناس من خلفيات ورؤى مختلفة".
- "يخلقون، بنشاط، مناخاً من الثقة والتقدير والانفتاح على الاختلافات في الأفكار والأنماط والخلفيات".
وعندما قارنا التصنيفات الذاتية للقادة بتصنيفات مدرائهم وزملائهم ومرؤوسيهم لهم، وجدنا أن العديد من القادة يفترضون أنهم أفضل في تقديرهم للتنوع مما هم عليه بالفعل.
ويظهر الرسم أدناه التصنيفات الذاتية للقادة الأكثر خبرة، وتصنيفات مرؤوسيهم المباشرين لهم.
ما يظهر بوضوح في هذا الرسم، هو أن أسوأ القادة في تقييم التنوع يميلون إلى المبالغة في تقييم فاعليتهم، بينما القادة الأكثر فاعلية يميلون إلى التقليل من شأن فاعليتهم. ونستنتج من هذه البيانات أن: القادة ليسوا حكاماً جيدين على فاعليتهم في تقييم التنوع، وهؤلاء القادة الأكثر فقراً يفشلون في رؤية المشكلة، بينما الأفضل لا يدركون مهاراتهم وقدراتهم.
لا تقتصر هذه الظاهرة على الدمج والشمولية فقط، إذ ينص ما يُعرف بـ "تأثير دانينغ-كروجر"، على سبيل المثال، على أن الأشخاص غير الماهرين عرضة بشكل خاص للاعتقاد بأنهم أكثر مهارة مما هم عليه فعلاً. وفي المقابل، وجد بحثنا أن العديد من القادة الأكثر مهارة متواضعون للغاية في تقييم مواطن قوتهم.
ومع ذلك، نجد هذه النتيجة مزعجة، خاصة، عندما نراها في سياق الدمج. إذ تحتاج فاعلية أي شخص في أي مهارة إلى الاستناد دوماً إلى تقييمات الآخرين، بدلاً من التقدير الذاتي. هذا صحيح بشكل خاص عند الحديث عن الدمج. حيث يستند التقييم إلى عين الناظر. فقد تنوي أن تكون شمولياً، بل تظن أنك كذلك، لكن تأثيرك الفعلي على الآخرين قد يكون مختلفاً.
الشمولية والفاعلية تسيران معاً
قد يشعر بعض القادة بالميل إلى تنحية الشمولية جانباً باعتبار ذلك "تصحيحاً سياسياً" أو "أمراً حساساً". لكن هؤلاء القادة يتعين عليهم الانتباه إلى اكتشافنا التالي، وهو: وجود علاقة ترابطية قوية بين انطباعات الشمولية وفاعلية القيادة بشكل عام.
إذ إن القادة الذين حصلوا على تصنيف ضعيف للغاية في تقييم التنوع والدمج سجلوا 15% على مؤشر فاعلية قيادتهم بشكل عام، بينما هؤلاء القادة الذين صنفوا ضمن أفضل 10% في عنصري الدمج والتنوع حصلوا على 79% فيما يخص فاعلية قيادتهم.
وهذه النتيجة لم تكن مفاجئة أبداً لنا. فقد رأينا مراراً وتكراراً كيف يمكن لسلوك ضار يرتكبه مسؤول تنفيذي أن يخلف أثراً سلبياً على ثقافة المؤسسة. فيتسبب القادة غير الفاعلين جراء ذلك في خلق مشاكل ستطاردهم.
القادة الكبار مقاماً هم أكثر دمجاً
باستخدام بيانات ديموغرافية حول 1,628 قائداً، أجرينا تحليلاً لرؤية ما إذا كان القادة الأكبر مقاماً أو المدراء المبتدئين يُنظر إليهم على أنهم الأكثر دمجاً.
وعندما قارنا نسبة التنفيذيين من بين القادة الأكبر مقاماً بمدراء الإدارة الوسطى والمشرفين المبتدئين، وجدنا أن المسؤولين التنفيذيين والقادة الأكبر مقاماً، حصلوا على تصنيف أعلى بشكل بارز فيما يخص قدرتهم على تقييم التنوع وممارسة الدمج.
قد يشكل هذا مفاجأة للبعض، إذ عادة ما يفترض بالمسؤولين التنفيذيين الأكبر مقاماً أن يكونوا أكبر سناً وأكثر غلظة وأقل ابتكاراً من القادة المبتدئين الأصغر، لكنه لم يفاجئنا. في العديد من دراساتنا الأخرى، وجدنا أن المسؤولين التنفيذيين الأكبر مقاماً يمتلكون مهارات قيادية وإدارية أكثر من المدراء المبتدئين. ونظراً لأن الدمج، كما رأينا، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفاعلية الشاملة في نتائجنا، فليس من المستغرب بالنسبة لنا معرفة أن القادة الأكثر خبرة والأعلى رتبة هم أكثر كفاءة في كليهما. بالإضافة إلى ذلك، يجدر بنا أن نتذكر أن هذه مؤسسة تقدر التنوع والدمج بشكل صريح، لذا فليس من المستغرب أنها سترقي الأشخاص الماهرين في تعزيز كلا العنصرين.
وعندما نظرنا إلى القادة الأكبر مقاماً ومدراء بالمستوى الأدنى على أساس الجنس، وجدنا أن النساء أكثر ميلاً للدمج من الرجال بفارق بسيط، لكن هذه الاختلافات لم تكن ذات دلالة إحصائية.
باختصار، إن تقييم التنوع هو سلوك وعقلية. وتتضمن ممارسة الدمج أو الشمولية مجموعة من السلوكيات التي يمكن تطويرها لدى القادة. وقد أظهر بحثنا أن التصورات الذاتية في هذه الساحة ليست دقيقة للغاية. على الرغم من أنه يمكن القول إن القادة الأفراد ربما هم أفضل من يعرفون ما في قلوبهم، لكن الآخرين يقفون في وضع أفضل بكثير من أجل تقديم تقييم موضوعي لما إذا كانوا يمارسون الدمج في عملهم اليومي وكيف يفعلونه.