يقول مهند، الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الإعلامية: "لا أعرف بالضبط ما الذي سأفعله في القادم من الأيام". لقد شغل مهند منصب الرئيس التنفيذي لأكثر من 15 سنة، وكان قد شغل منصب المدير المالي قبل أن يصبح في الثلاثين من العمر. ولقد عمل في شركات خاصة وأخرى عامة ونجح في مضاعفة أرباح بعض الشركات أربع مرات ومضاعفة إيرادات شركات أخرى خمس مرات. ولكنه بدأ يفكر بالتقاعد بعد أن بيعت شركته. وكحال الكثيرين من الرؤساء التنفيذيين، لم يكن لديه الوقت الكافي ليخطط لخطوة تقاعده – فلطالما كان اهتمامه مركزاً على إدارة شركته.
يتقاعد في كل عام أكثر من 100 رئيس تنفيذي من رؤساء الشركات المدرجة على لائحة ستاندارد آند بورز 1000. وفي أكثر عمليات تعاقب الرؤساء التنفيذيين سلاسة وأقلها مشاكلاً، هنالك دائماً مسألة لا تولى الاهتمام الواجب، ألا وهي تحضير الرئيس التنفيذي الحالي للمرحلة المقبلة في مسيرته المهنية. يقول سكوت ديفيز، الرئيس التنفيذي السابق لشركة يو بي إس: "لقد كان كل اهتمامي مركزاً على عملي لدرجة أنني لم أجد الوقت اللازم للتفكير فيما سأقوم به لاحقاً". ويردد بيل ويلدون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة جونسون آند جونسون، ما يقوله لنا غالبية الرؤساء التنفيذيين: "لم أكن أفكر كثيراً في مرحلة التقاعد عندما كنت ما أزال على رأس عملي كرئيس تنفيذي. ولذلك فإنني خرجت من الطريق السريع الذي كنت أسير عليه بسرعة 175 كم/ساعة وتوقفت بسرعة. وهكذا كان التقاعد بالنسبة لي بمثابة ثقب أسود".
ويتقاعد الرؤساء التنفيذيين وسطياً بعمر الـ 62 سنة، وهو عمر صغير نسبياً وفق المعايير الراهنة. وقليلون منهم يتوجب عليهم أن يعملوا لكي يؤمنوا مصدر عيشهم، بيد أن جميعهم تقريباً يرغبون في العمل، ويعملون أيضاً. لقد درسنا المسار المهني اللاحق لمنصب الرئيس التنفيذي لدى 50 رئيساً تنفيذياً من رؤساء الشركات المدرجة على لائحة فورتشن 500، وأجرينا مقابلات مع 13 مديراً منهم. لم يتقاعد أحد منهم لكي يقضي ما تبقى من عمره في لعب الغولف.
وفي حين أن عدداً قليلاً فقط من الرؤساء التنفيذيين المتقاعدين يشغلون منصب الرئيس التنفيذي في شركة أخرى، إلا أن جميعهم تقريباً يسهمون في تعزيز الاقتصاد وتحقيق الرفاه الاجتماعي في أميركا. فأكثر من ربع الرؤساء التنفيذيين السابقين في شركات فورتشن 500 ينشطون في مجال أسهم الملكية الخاصة؛ وأكثر من نصفهم يشغلون مناصب قيادية في المنظمات غير الربحية الناشطة في مجال العمل الخيري؛ وحوالي ثلثيهم أعضاء في مجالس الإدارة العامة؛ والكثيرون منهم يؤدون مهام تدريسية في حين ينشط بعضهم في مجال تأليف الكتب.
وبعد التقاعد لا بدّ للرؤساء التنفيذيين السابقين أن يواجهوا مشكلة فقدان السلطة والوجاهة والمسؤولية القيادية الهائلة. وكما يخبرنا رون شوغر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة نورثروب غرومان، فإن "الأيام الأولى بعد التقاعد تجعلك تشعر وكأنك قد سقطت من فتحة المصعد إلى أسفل".
وكما تقول آن مولكاهي، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة زيروكس، فإن ذلك قد يكون صعباً جداً على السيدات بصورة خاصة؛ وتضيف: "هنالك حيز خاص في جهنم للرئيسات التنفيذيات المتقاعدات. فعندما تغدو السيدة في سن التقاعد يكون أولادها قد تركوا المنزل أيضاً. إنها تعيش مرحلة من التقاعد المزدوج".
وتتابع مولكاهي محذرة: "إن العوامل التي تصب في صالحك عندما تكون رئيساً تنفيذياً تنقلب ضدك عندما تتقاعد، فبعد أن تكون القائد تشعر بانعدام السلطة وبعد أن تتمتع بقدر كبير من الطاقة والنشاط تشعر بالبلادة والخمول". وتقول، إنها استغرقت بعض الوقت – وهي تشغل نفسها بأنشطة متعددة ومتنوعة – قبل أن تقف على قدميها مجدداً. ولكن تلك المدة لم تطل، فسرعان ما عملت كمديرة رئيسة في شركة جونسون آند جونسون، ورئيسة لمؤسسة إنقاذ الطفل، ومحاضرة زائرة في جامعة هارفارد، الأمر الذي منحها شعوراً بمعنى الحياة والشغف؛ إذ تقول: "لم يكن القصد من عملي كسب المال أو الظهور، بل التأثير وتقديم الفائدة".
إن أي شعور مباغت بالخسارة لا يدوم طويلاً. فغالبية الرؤساء التنفيذيين الذين قابلناهم أفادوا بأن عملهم بعد التقاعد من منصب الرئيس التنفيذي منحهم درجة عالية من الرضا. فمع شعورهم العميق بالفخر بإنجازاتهم في عملهم الجديد، كانوا يشعرون بالارتياح لتحررهم من مهام الشركة التي كانت تثقل كاهلهم بوصفهم رؤساء تنفيذيين.
ويلقى الرؤساء التنفيذيون تقديراً عالياً لإمكاناتهم وخبراتهم بعد تقاعدهم. يقول ديك بارسونز، الرئيس السابق لكل من شركة سيتي غروب وشركة تايم وورنر: "لقد تفاجأت في البدء بحجم الإسهامات التي يتعين عليّ تقديمها في مهمتي الجديدة، ولكني سرعان ما أدركت أنه "قد سبق لي أن رأيت هذا المشهد، ولذلك بمقدوري أن أساعد هنا" وذلك بالاستفادة من خبراتي السابقة.
ويصادق دوغ هودج، الرئيس التنفيذي السابق لشركة الاستثمارات بيمكو، قائلاً: "لقد أتيحت لي في غضون أسابيع قليلة بعيد تقاعدي فرص الانضمام إلى أكبر مجالس الإدارة وتلقيت دعوات من قبل أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية للعب دور فعال في شركات التكنولوجيا المالية "فين تك". لقد أجريت عملية إعادة إقلاع لذاتي".
كيف للرؤساء التنفيذيين إذاً أن يقفوا على أقدامهم مجدداً ويحققوا ذواتهم في المرحلة الثانية من حياتهم المهنية؟ لم يكن لدى غالبية الرؤساء التنفيذيين الذين تحدثنا إليهم، مثلهم في ذلك مثل مهند، الوقت اللازم لكي يخططوا لمرحلة ما بعد التقاعد عندما كانوا على رأس عملهم يديرون شركاتهم. لقد توصلنا من خلال بحثنا إلى بعض النصائح التي من شأنها أن ترشد الرؤساء المتقاعدين وهم يخططون "للمرحلة الثانية" من حياتهم المهنية:
خطط لخطوة خروجك من الطريق السريع. ينصح كين تشينولت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة أميركان إكسبرس، الرؤساء التنفيذيين بأن يخططوا لخروجهم من الطريق السريع بينما لا يزالون على رأس عملهم كرؤساء تنفيذيين، وذلك من خلال "تحديد فئات الأمور التي تهمهم"، وليس بالضرورة من خلال التخطيط لـ "فرص ومناسبات بعينها" سيغتنمونها. ويحذر شينو من "أن الرؤساء التنفيذيين الذين لا يخططون لمرحلة تقاعدهم يعرضون أنفسهم لخطر الوقوع في المستنقع". ويضيف: "خذ وقتك في التخطيط لما يهمك. ولا تهمل ذلك، لأنه من المهم جداً أن تراعي الأمور التي تهمك فعلاً". وينصح شينو الرؤساء أن يفكروا في أولوياتهم المهنية والخيرية والأسرية. فعلى سبيل المثال كان شينو يعرف أنه كان يرغب في عمله بالتركيز على الأمور ذات الصلة بالنظم الرقمية والتكنولوجيا. ولذلك فعندما سنحت له الفرصة لكي ينفذ رغبته كان مستعداً لاغتنامها لأنه كان قد فكر في الأمر مسبقاً. في بداية مرحلة خروجه من الطريق السريع. لم يكن شينو يعرف بالضبط ماذا سيفعل، لكنه كان يعي تماماً ما هو مهم بالنسبة له، الأمر الذي سمح له باتخاذ قراراته بسرعة وبشكل حاسم.
خذ وقتك. إن أكثر الأخطاء شيوعاً التي يقع فيها الرؤساء التنفيذيون هو خطأ التسرع في ملء الفراغ وقبول الدعوات والعروض. فكما ينصح رون شوغر، "ارفض جميع العروض التي تقدم لك في الأشهر الستة الأولى بعيد تقاعدك. فعادة ما تكون تلك العروض ليست هي التي يجدر بك قبولها". لقد أبلغنا الرؤساء التنفيذيون بشكل متكرر أن الخطأ الوحيد الذي وقعوا فيه فعلاً كان التسرع – الأمر الذي تطلب منهم لاحقاً التراجع عن التزاماتهم. فقد قبل أحد الرؤساء التنفيذيين على سبيل المثال كرسياً في أحد مجالس الإدارة، لكنه سرعان ما انسحب منه لصالح كرسي أفضل في مجلس إدارة أكبر. لقد كان من الحكمة التزام درجة أعلى من التأني والروية وعدم التسرع في قبول أي عرض.
كن على استعداد للتعامل مع مشاكلك الذاتية. إن خطوة التقاعد يمكن أن تدفع أكثر الرؤساء ثقة بالنفس إلى حالة غير مألوفة من مساءلة الذات والشك بها. وكما يرى أحد الرؤساء التنفيذيين فإن تلك الخطوة "تحضرك للتعامل مع مشاكلك الذاتية". تقول مولكاهي: "يتعين عليك أن تعرف من تكون عندما لا تعود رئيساً تنفيذياً"، وتضيف: "ويعني هذا أنه يتعين عليك التفكير بجوانب شخصيتك ونفسيتك وأحياناً تغيير بعض السمات التي اكتسبتها من عملك رئيساً تنفيذياً". لقد أخبر بارسونز زوجته أن بوسعه أن يؤلف الكتب ويدرس في الجامعة بعد تقاعده؛ فسألته: "وماذا ستفعل في الأسبوع القادم؟". لقد استغرق وقتاً طويلاً حتى وجد شغفه. لقد تساءل حول ما كان يرغب بفعله عندما كان طفلاً، فوجد أنه لطالما كان يرغب في إدارة ناد لموسيقى الجاز. ولذلك قام بافتتاح مثل ذلك النادي. كما اشترى أيضاً كرماً من أشجار العنب، "ففي أسوأ الأحوال يمكنني أن آكل وأشرب ما يطرحه ذلك الكرم إذا لم أنجح في بيعه!"، بحسب رأيه. لقد أحب بارسونز حقله، فهو "يشعر فيه بأنه قريب من الأرض التي تنتج له الثمر بعد أن يكدح فيها ويَعلق التراب تحت أظافره"؛ إنها أمور محسوسة وقريبة من الواقع، وهي خبرة شخصية بامتياز. وينصح بيل ويلدون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة جونسون آند جونسون، بأن تسأل نفسك: "ما هي الأمور التي يمكن أن تستمتع بها؟"، وأن تسعى فعلاً إلى القيام بتلك الأمور.
تَشارك مع شريكك. عندما يكون للرئيس التنفيذي "نظير" ذو شأن في البيت، فلا بد حينئذ من "مواءمة التوقعات" فيما بينهما – إذا ما أردنا استخدام مفردات عالم الأعمال للحديث حول البيئة الأسرية. فعندما تكون زوجتك قد انتظرت طويلاً وبكثير من الصبر لحظة تقاعدك لكي تسافرا معاً، في حين تفكر أنت بالعمل من جديد، يتعين عليك أن تضع خطة مقبولة من قبل أسرتك أو تحظى بتفهمها على الأقل. لقد خطط جميع الرؤساء التنفيذيين الذين التقيناهم لقضاء المزيد من الوقت مع أسرهم، وهذا ما قاموا به فعلاً. وهكذا اتفق كين تشينولت مع زوجته على برنامج زمني يسمح لهما بقضاء وقت مشترك في أنشطة تثير اهتمامهما معاً.
العب دور المرشد والموجه. هنالك شعور بالخسارة يصعب على الرؤساء التنفيذيين تجاوزه؛ إنها ليست خسارة الطائرة أو السلطة، بل خسارة الناس. عندما سئل سكوت ديفيز عما يفتقده من عمله قال، وهو ينطق بلسان الكثيرين: "إنهم الناس. لقد نسجت علاقات زمالة مع الكثيرين على مدار سنين عملي، لكنني لم أعد أراهم كثيراً اليوم". إن الرؤساء التنفيذيين السابقين الذين تتاح لهم فرصة توجيه وإرشاد زملائهم الشباب يرون في ذلك إمكانية لملء هذه الفجوة وتحقيق ذواتهم من خلال إيصال خبرتهم وحكمتهم إلى تلاميذ مجتهدين. وكما يخبرنا بيل ويلدون: "لقد كسبنا كرؤساء تنفيذيين خبرات لم يكسبها غيرنا، ولذلك يمكننا استغلالها لمساعدة الآخرين". وتقول بات وورتز، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة أيه دي إم وعضو مجلس الإدارة في شركة بي آند جي وفي شركة ثري إم كما في مستشفى نورث ويسترن وتعمل على دعم الشركات الناشئة في شيكاغو وعلى إرشاد السيدات وتوجيههن: "لقد بت بعد تقاعدي قادرة على إرشاد وتوجيه ومتابعة عدد من الناس أكبر بكثير من السابق".
ضع خطة لتنظيم وقتك. دون عدد الساعات في اليوم وعدد الأيام في السنة التي تريد أن تعمل فيها. واترك حيزاً للاحتياط كما يقول رون شوغر، إذ إن التزامك بطيف متنوع من الأنشطة الجذابة قد يتطلب في بعض الأحيان قدراً من الوقت لا يمكن توقعه بدقة مسبقاً. قسم وقتك بين وقت تقضيه في أنشطة بهدف الربح وأخرى ليست بهدف الربح. وحدد أين ترغب في كسب المال وأين ترغب في إنفاقه أو وهبه. وأخيراً دون كم من الوقت ترغب في قضائه مع الأسرة أو في ممارسة هواياتك الخاصة. يقول جف كيندلر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة فايزر: "الجميل في الأمر أن باستطاعتك الآن تجريب بعض الأمور التي لم يكن بمقدورك تجريبها سابقاً". ويسأل: "ما هي الأمور التي لم تستطع القيام بها في حياتك المهنية؟"، فربما تستطيع تعويضها الآن.
أعد ما كنت قد أخذته. يعبر بيل ويلدون عن هذه المسألة بالشكل الأمثل، إذ يقول: "إن الوجه الخيري للعمل بعد التقاعد يمنحنا عوائد ومكافآت نفسية أفضل بكثير من الأموال التي نكسبها في عملنا الهادف إلى الربح المادي". إنه الوقت المناسب لإنشاء مؤسسة والبدء بتوزيع ثروتك. إن جميع الرؤساء التنفيذيين الذين التقيناهم يقومون بأعمال خيرية وتطوعية كشكل من أشكال العطاء؛ فكين تشينولت على سبيل المثال يرأس مجلس إدارة متحف التاريخ الأميركي الأفريقي في معهد سميثسونيان وهو عضو في مؤسسة هارفارد؛ في حين يعمل رون شوغر أمين صندوق في جامعة جنوب كاليفورنيا، ومدير أوركسترا لوس أنجلس، وعضو في مجلس زوار كلية أندرسون للإدارة التابعة لجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، ومدير مجلس لوس أنجلس للشؤون العالمية، وأمين صندوق وطني لجمعية نوادي البنين والبنات في أميركا؛ أما سكوت ديفيز فيعمل أمين صندوق في مؤسسة أني إي كاسي، وعضو مجلس مستشاري مركز كارتر. وفي المجموع ينتمي الرؤساء التنفيذيون السابقون الـ 13 الذين التقيناهم لمجالس إدارة أكثر من 25 مؤسسة خيرية.
يمكن للرؤساء التنفيذيين بمساعدة هذه التوجيهات أن ينجزوا إحدى أصعب خطوات مسيرتهم المهنية كلها، ألا وهي الخروج. وبمقدور مجالس الإدارة تقديم المساعدة أثناء التحولات المرتبطة بهذه الخطوة وتقديم الإرشادات والدعم العملي. فالرؤساء التنفيذيون الذين أبلوا بلاء حسناً وقدموا كل ما لديهم لإنجاح شركاتهم يستحقون أن يحصلوا على المساعدة والدعم من قبيل توفير خدمات النقل وتكنولوجيا المعلومات والخدمات الإدارية؛ حتى إن بعض الشركات مثل شركة أتنا وشركة فيرايزون وشركة نورثروب غرومان تقدم لرؤسائها التنفيذيين السابقين مكاتب خاصة بهم – وإننا لنعتقد بأن ذلك يعد من أفضل الممارسات.
وبالمقابل فإن من شأن تلك الترتيبات أن تسهل على الرؤساء التنفيذيين الإقدام على خطوة التقاعد.
وكما يخبرنا جِف كيندلر فإن "الفرص المتاحة هائلة، ولو أتيحت لي الفرصة لأفهم وأتصور حياتي التقاعدية وأنا على رأس عملي، لتمكنت من وضع خططي لحياة ما بعد التقاعد في غضون أشهر، ولما احتجت إلى عدة سنين من أجل إنجاز تلك الخطط ".