تبرز أهمية البيان الصادر في وقت سابق من هذا الأسبوع عن جمعية المائدة المستديرة للأعمال (Business Roundtable) حول غاية الشركات، في تأييده للازدهار الشامل باعتباره مثلاً أعلى يُرتجى تحقيقه، ورفضه زيادة عوائد المساهمين باعتباره الهدف الوحيد للشركة. ورغم تكرار الجمعية ما تقوله العديد من الجمعيات والمعلِّقين الآخرين منذ فترة طويلة، فإن تغيير رأيها جذرياً بشأن البيان الصادر عام 1997 حول أحقية المساهم تَطلّب منها شجاعة كبيرة، كما أن الحصول على إجماع ما يقارب 200 رئيس تنفيذي لشركات رائدة لم يكن سهلاً أبداً، وذلك على الرغم من أن الوثيقة الجديدة تشبه البيان الصادر عن الجمعية عام 1981 من عدة نواح، وهو ما يسلم أيضاً بأهمية وجود عدة فئات مناصرة لتحقيق نجاح الشركات على المدى الطويل. وربما من غير المفاجئ إشارة البيان الجديد أيضاً إلى القيم الشهيرة لشركة "جونسون آند جونسون" نظراً إلى أن رئيسها التنفيذي أليكس غورسكي ترأس لجنة الصياغة في الجمعية.
على أي حال، تعتمد الأهمية الحقيقية لبيان هذا الأسبوع على ما إن كان سيُترجم إلى ممارسات عملية وأيضاً على طريقة هذه الترجمة. وحتى الآن هناك أربعة أسباب على الأقل لاعتبار البيان بادرة رمزية من نوع ما أكثر من كونه باكورة تغيير في طريقة عمل الشركات الأميركية.
أحد الأسباب هو إشارة البيان بحد ذاته إلى أن الغرض منه هو تقديم وصف محدّث للطريقة التي ينظر بها الرؤساء التنفيذيون إلى وظائفهم بدلاً من كونه دعوة إلى اتخاذ إجراءات. وفقاً لما ورد في مقدمة البيان "إن صياغة بيان عام 1997 بشأن غاية الشركة [التي عرّفت "در العوائد الاقتصادية لأصحابها" بأنه الهدف الرئيس للشركة] لا تصف بدقة الطرق التي نسعى، وزملاؤنا من الرؤساء التنفيذيين، من خلالها يومياً إلى خلق قيمة لجميع أصحاب المصلحة". ومما يؤكد على ذلك هو أن تعليق الجمعية على البيان يشير إلى مدلولاته المعيارية، حتى أن غروسكي نفسه وصف البيان بأنه "دعوة إلى اتخاذ إجراءات"، ولكن الصياغة الواردة في المقدمة تشير إلى أنه أكثر من مجرد وصف جديد لما يقوم به الرؤساء التنفيذيون، أو ما يعتقدون أنهم يقومون به. وإن كان هذا هو التفسير المهيمن لدى كثير من الموقِّعين على البيان، فإن تأثيره العملي سيكون محدوداً بلا شك.
أحد الأسباب الأخرى هو أن البيان لم يذكر أي تغيير في حوكمة الشركات أو الممارسات الإدارية لتطبيق الموقف الجديد. حيث أن قوة بيان عام 1997، الذي أُصدر تحت ضغط من مؤسسات استثمارية وفقاً لما صرح به رئيس لجنة الصياغة الذي تحدثت معه قبل عدة أعوام، لا تكمن في الكلمات الواردة فيه بل في الإجراءات الموسعة التي جرى اتخاذها حينها لتمكين تلك الكلمات. حيث تضمنت هذه الإجراءات، من بين جملة أمور أخرى، توسيع نطاق حقوق المساهمين وسلطاتهم لتسهيل عمليات استملاك الشركات، وإجراء تغييرات في تصويت المساهمين لمنحهم المزيد من السلطة، وتضييق نطاق معايير قياس أداء الشركات للتركيز على عوائد المساهمين، وإجراء تغييرات في القوانين والممارسات لربط التعويضات التنفيذية بعوائد المساهمين بصورة أقوى. في الواقع، في حين أن الشركات تستخدم مجموعة من المقاييس المالية والتشغيلية لقياس الأداء، والقليل منها يستخدم مقاييس متعلقة بالأمان أو التنوع أو البيئة، يبقى المقياس الأوسع انتشاراً في الولايات المتحدة اليوم هو "إجمالي عوائد المساهمين" "TSR". وفي غياب التغييرات في ترتيبات الحوكمة أو في بطاقة قياس أداء الشركة، من الصعب رؤية كيف يمكن لبيان جمعية المائدة المستديرة للأعمال أن يُحدث أثراً أكبر. ولا أحد يعلم ذلك أفضل من الرؤساء التنفيذيين الذين وقّعوا على البيان، إلا أنه موضوع لا يتم التطرق إليه.
هناك سبب آخر يدعو للامتناع عن الحكم على أهمية البيان؛ ألا وهو المسألة الشائكة المتمثلة في كيفية قياس أو تقييم المصالح المختلفة لأصحاب المصلحة والتوفيق بينها. فقد تحدث بيان الجمعية لعام 1981 بوضوح حول الموازنة بين "المطالب المشروعة" لمختلف الجهات والحاجة إلى تقديم تنازلات أحياناً، ولكن بيان هذا الأسبوع لم يتحدث مطلقاً عن الآثار المترتبة على اتخاذ قرارات إدارية. فهذه مسألة شائكة أثارت حيرة العديد ممن فكروا بها بجدية. لكن بالتأكيد لا يمكن أن يكون الأمر كما لو أنه يجب على المدراء (أو باستطاعتهم) تلبية مصالح جميع أصحاب المصلحة دائماً. ولكن كيف يمكن ترتيب الأولويات المتعلقة بتلك المصالح أو الوساطة بشأنها؟ لا تجيب نظرية أصحاب المصلحة التقليدية على هذا السؤال المهم.
ذكرنا في العمل الذي أنجزته مع زميلي جو باور في كلية هارفارد للأعمال أن مصالح الشركة هي أداة الوساطة وأنه ليس لأي صاحب مصلحة "أحقية" ثابتة. بل أن الأهمية النسبية لمطالب مختلَف أصحاب المصلحة يمكن أن تختلف من وقت إلى آخر بناءً على ظروف الشركة واحتياجاتها. وفي الوقت ذاته، كما ذكرت في موضع آخر، يجب أن تُعطى الأولوية لمصالح أصحاب المصلحة ليس وفقاً لقيمتها الفاعلة بالنسبة للشركة وحسب، بل أيضاً وفقاً لأهميتها الجوهرية في تحقيق الرفاهية للبشر. وهنا قد تظهر فائدة المعايير الأخلاقية التي تحدد حقوق الإنسان وأخطائه والممارسات المضرة المحظورة. ولكن هذا موضوع ضخم ولم يتطرق إليه بيان هذا الأسبوع بتاتاً. ومع ذلك فإن فهم الأساس الذي يتبعه الرؤساء التنفيذيون الموقِّعون لترتيب الأولويات المتعلقة بالمصالح وتسوية النزاعات فيما بينهم يعد أساساً لتقييم أهمية البيان وتأثيره المحتمل. إن كانت التسوية ستتم من منظور عوائد المساهمين، فأي تغيير سيكون متواضعاً على أفضل تقدير.
تُعد قلة عدد الأطراف الموقّعة من طرف الشركة المستثمرة سبباً آخر يدعو لاتخاذ موقف "الانتظار والترقب". وفقاً لحساباتي، خمسة من بين الأطراف الموقعة من مدراء الشركات هم مدراء أصول بالأساس، على الرغم من أن خمسة آخرين، من بينهم رئيس جمعية المائدة المستديرة للأعمال جيمي دايمون، يمثلون بنوك متنوعة ذات فِرق كبيرة لإدارة الأصول. على أي حال، كان من الأفضل رؤية المزيد من أسماء المستثمرين المؤثرين، وخاصة من عالم صناديق التحوط والأسهم الخاصة. إن كان مدراء الشركات صادقين، فإن سبباً رئيساً وراء ترددهم في القيام باستثمارات من النوع الذي أشير إليه في البيان الجديد، في مجال خدمة العملاء وتطوير الموظفين والابتكار وحماية البيئة والممارسات المستدامة عبر الشركة، هو ضغوطات أسواق رأس المال وخاصة من الصناديق الناشطة التي تشتري مجموعات كبيرة من الأسهم لمجرد رفع سعر السهم في الشركة عن طريق فرض تغيير في مجلس إدارة الشركة أو إدارتها أو استراتيجيتها أو هيكلها المالي. فمن النادر اهتمام صندوق التحوط الناشط برفاهة الموظفين أو تجاوز توقعات العملاء أو معاشات التقاعد أو سلاسل التوريد المستدامة أو الابتكارات للتغلب على تحديات العالم الملحة. مادام مدراء الإدارات الذين يحيدون عن تحقيق زيادة قصيرة المدى في القيمة معرضين للاستبعاد من طرف المساهمين غير الصبورين، سيترددون لأسباب مفهومة في اتخاذ الإجراءات التي ينصّ عليها بيان الجمعية واللازمة لتحقيق ازدهار شامل تتبناه الجمعية.
من المسلم به أنه من المجحف توقُّع أن يتطرق البيان إلى جميع هذه المسائل، وعلينا أن نضع بالحسبان أن مبدأ أحقية المساهم تطلب أكثر من ثلاثة عقود للانتقال من كونه نظرية أكاديمية إلى عقيدة راسخة. (كُتبت الأوراق الأكاديمية الأساسية في منتصف سبعينيات القرن الماضي وبدأ تطبيقها في الثمانينيات). على أي حال، إن كانت جمعية المائدة المستديرة للأعمال (أو أي كيان آخر) جدية بشأن تحقيق الازدهار الشامل أو الرأسمالية المستدامة أو إجراء أي تغيير جذري آخر في طريقة عمل الشركات الأميركية، فما ورد في هذا المقال يمثل بعض من المسائل (العديدة) التي تجب معالجتها.
ومن السابق لأوانه الآن الحكم عما إذا كان بيان الجمعية يُعد الخطوة الأولى نحو بذل جهود متواصلة أم أنه مجرد محاولة غير متكررة بهدف التصدي للتيار المتصاعد من السخط تجاه الرأسمالية التي أصبحت ممارسة في الولايات المتحدة.