الرؤساء التنفيذيون الناشطون الجدد

19 دقيقة

عندما بدأنا بدراسة حركة الرؤساء التنفيذيين الناشطين، قبل ثلاث سنوات، لم نكن نتخيّل أبداً الأهمية التي ستكتسبها هذه الظاهرة. في ذلك الوقت، كانت قلة قليلة فقط، ولكن متنامية، من المدراء التنفيذيين تتّخذ مواقف علنيّة بخصوص القضايا السياسية والاجتماعية غير المتعلقة بأرباح شركاتهم. ومنذ ذلك الوقت، استقطبت القضايا الجدلية المتعلقة بعمليات إطلاق النار من قبل الشرطة في ميسوري، والأوامر الرئاسية التنفيذية بخصوص الهجرة، وتأثير القوانين على الأشخاص المتحولين جنسياً في نورث كارولينا، أعداداً متزايدة من الرؤساء التنفيذيين الذي اقتحموا عالم النقاشات العامة الخلافية. وفي الآونة الأخيرة، أسهم انسحاب البيت الأبيض من اتفاقية باريس للمناخ ورد فعله تجاه الصدام الذي حصل بين العنصريين البيض والمتظاهرين المناهضين لهم في تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا وقراره بإلغاء العمل بقانون (DACA) الذي يتيح للقاصرين القادمين إلى الأراضي الأميركية بسبل غير شرعية البقاء فيها، في تحفيز العديد من قادة الشركات الأميركية على رفع صوتهم والتحرك.

وبطبيعة الحال، لطالما لعبت الشركات الكبرى ومنذ أمد بعيد دوراً ناشطاً في الحياة السياسية الأميركية. فهي تنضوي في إطار لوبيات، وتقدّم التبرعات للمرّشحين، وتمول اللجان والحملات الخاصة بالحراك السياسي في عدد من المجالات في مسعى منها للإسهام في صياغة السياسات العامة بما يخدم مصالحها. لكن ظاهرة الحراك الناشط للرؤساء التنفيذيين هي ظاهرة جديدة. فحتى وقت قريب، كان انخراط قادة الشركات الكبرى بقوة في النقاشات الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالعرق والتوجه الجنسي والنوع الاجتماعي (الجندر) والهجرة والبيئة أمراً نادراً. وتأتي ما تسمى مقولة مايكل جوردان من أنّ "الجمهوريين يشترون سنيكرز أيضاً" لتذكّر المدراء التنفيذيين بأنّ اتخاذ موقف إلى جانب أحد الأطراف في القضايا الخلافية يمكن أن يؤذي المبيعات، فلماذا الإقدام على ذلك؟ الأفضل هو الإدلاء بالرأي في القضايا التي كان يُنظر إليها تقليدياً بوصفها تخص عالم الأعمال مثل الضرائب والتجارة والدخول في نقاشات ذات طابع تقني وليس الدخول في المناشدات المعنوية.

حظي حراك الرؤساء التنفيذيين بالكثير من اهتمام وسائل الإعلام مؤخراً، وبدأت شركات العلاقات العامّة تبني أقساماً خاصّة بالكامل للتعامل مع هذه القضية.

لكن العالم قد تغيّر. فالتحزب السياسي والخطاب السياسي باتا أكثر تشدّداً. كما لا يبدو أنّ حالة الاستعصاء في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر أي علامة على التراجع. وقد تسبب الاضطرابان السياسي والاجتماعي بحالة من الإحباط والحنق، ما ألهم قادة في عالم الأعمال من أمثال تيم كوك من آبل، وهوارد شولتز من ستاربكس، ومارك بينيوف من سيلز فورس – بين جملة من القادة الآخرين – للدفاع بشغف عن مجموعة من القضايا. يقول الرئيس التنفيذي لمصرف بنك أوف أميركا بريان موينيهان في مقابلة له مع صحيفة وول ستريت جورنال: "يتمثّل واجبنا كرؤساء تنفيذيين الآن في الدفاع عما نعتبره حقاً. ليس هذا ضرباً من الحراك السياسي بالضبط، وإنما هو يندرج في خانة التحرك في قضايا من خارج عالم الأعمال".

والعالم يراقب ذلك كلّه ويأخذه بالحسبان. وقد حظي الحراك الناشط للرؤساء التنفيذيين بالكثير من اهتمام وسائل الإعلام مؤخراً، وبدأت شركات العلاقات العامة تبني أقساماً خاصة بالكامل للتعامل مع هذه القضية. وعلى الرغم من أنّ هذه الظاهرة كانت تقتصر إلى حد كبير على الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنّه ليس هناك مجال للشك من أنّها قد تتحول إلى قوة عالمية. ونحن نؤمن أنه كلما رفع الرؤساء التنفيذيون صوتهم أكثر في الحديث عن القضايا الاجتماعية والسياسية، كان منتظراً منهم أكثر أن يفعلوا ذلك. وقد تزايدت التبعات الاستراتيجية لهذا الحراك من الرؤساء التنفيذيين: ففي عصر تويتر، يُعتبر الصمت أكثر صخباً – وينطوي على عواقب وتبعات أكثر.

ويطرح هذا الحراك كله أسئلة كبيرة سوف نحاول الإجابة عنها: هل يسهم حراك الرؤساء التنفيذيين الناشطين فعلياً في تغيير العقول والقلوب؟ ما هي المخاطر والمكاسب المحتملة؟ وما هو الدليل العملي الذي يمكن للقادة الذين يفكّروا برفع صوتهم عالياً أن يلجؤوا إليه؟

لماذا يرفع الرؤساء التنفيذيون صوتهم عالياً؟

يدلي الرؤساء التنفيذيون بدلوهم في القضايا الإشكالية لعدة أسباب. فالبعض منهم يشير بالبنان إلى القيم السائدة في شركته أو مؤسسته ليفسر السبب الذي يدفعه لكي ينبري للدفاع عن قضية معنيّة، كما فعل مونيهان من مصرف بنك أوف أميركا، ودان شولمان من باي بال عندما اتخذا مواقف ضد مشروع قانون في نورث كارولينا يقضي باستعمال الناس للمراحيض التي تتناسب مع جنسهم (نوعهم الاجتماعي) المدرج في شهادة ميلادهم، والذي تحول إلى نوع من الاستفتاء على حقوق المتحولين جنسياً.

ويحاجج رؤساء تنفيذيون آخرون قائلين أنّ الشركات يجب أن تمتلك هدفاً أسمى يتجاوز تحقيق أقصى قيمة ممكنة للمساهمين – وهو مفهوم بات يحظى باهتمام متزايد في عالم الأعمال. فكما قال بينيوف لمجلة تايم: "يحتاج الرؤساء التنفيذيون اليوم إلى عدم الاكتفاء بخدمة مصالح مساهميهم وإنما الدفاع أيضاً عن الموظفين والزبائن والشركاء والمجتمع المحلي والمدارس والجميع".

وبالنسبة للعديد من القادة، يُعتبر الجهر بالآراء مسألة قناعة شخصية. وكان ديفيد غرين المؤسس والرئيس التنفيذي لمتاجر هوبي لوبي (Hobby Lobby) وهي عبارة عن سلسلة عائلية من متاجر المشغولات اليدوية قد تطرق إلى معتقداته الدينية عندما عارض الاشتراط الوارد في قانون الرعاية الصحية (أوباما كير) الذي ينصّ على أن يشمل التأمين الصحي للموظفين تغطية لحبوب منع الحمل كأحد أشكال تحديد النسل.

وقد علّق بعض القادة قائلين أنّ وجود إحساس بامتلاك الشركة لغاية أسمى قد أصبح أمراً هاماً بالنسبة لجيل الألفية، سواء أكانوا من الموظفين أو الزبائن. وقد توصل بحث أجرته شركتا ويبر شاندويك ومركز أبحاث كيه آر سي ريسيرتش بأنّ نسباً مئوية كبيرة من بنات وأبناء جيل الألفية يؤمنون بأنّ الرؤساء التنفيذيين تقع على عاتقهم مسؤولية المجاهرة بآرائهم تجاه القضايا السياسية والاجتماعية، ويقولون أنّ حراك الرئيس التنفيذي كناشط هو عامل هام يؤثر في قراراتهم بالشراء.

وفي بعض الأحيان يشير القادة إلى عدّة دوافع. يقول جيف إيملت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك: "أعتقد أنّ عدم رفعي لصوتي دفاعاً عن القضايا التي أؤمن بها ينطوي على حالة من عدم الصدق". ويردف قائلاً: "نحن أيضاً المثل الأعلى في شركاتنا: ونحن مسؤولون عن الناس الذين يعملون لدينا. وأعتقد أننا سنكون جبناء إذا لم نتخذ موقفاً بين الفينة والأخرى تجاه الأمور المتوافقة مع رسالتنا ومع ما يؤمن به موظفونا".

تكتيكات الرؤساء التنفيذيين الناشطين

على الرغم من أنّ الرؤساء التنفيذيين الناشطين يتحركون بدافع مجموعة متنوعة من المصالح – الخارجية والداخلية والشخصية العميقة – إلا أنهم يوظفون عموماً نوعين من التكتيكات: التوعية والاستفادة من القوة الاقتصادية.

التوعية. تشمل التوعية على العموم إطلاق التصريحات العامة – وغالباً ما يكون ذلك عبر وسائل الإعلام أو من خلال التغريدات على موقع تويتر – بهدف حشد الدعم للتحركات الاجتماعية والمساعدة في قيادة التغيير. وفي هذا النوع من التصريحات، يحاول قادة الشركات هؤلاء إبلاغ من يهمّهم الأمر بمواقفهم تجاه طائفة واسعة من القضايا التي لم تكن مطروحة على جدول أعمال الرئيس التنفيذي قبل عقد من الزمن. وفي بعض الحالات، تنطّح عدد من الرؤساء التنفيذيين وبشكل مشترك للاضطلاع بالتوعية. فعلى سبيل المثال، قبل أيّام من المفاوضات الخاصة باتفاقية الأمم المتحدة للتغيّر المناخي في باريس في أواخر العام 2015، وقع الرؤساء التنفيذيون لأربع عشرة شركة كبرى تعمل في مجال الغذاء – مارس، وجنرال ميلز، وكوكا كولا، ويونيليفر، ودانون ديري نورث أميركا، وهيرشي، وبن آند جيريز، وكيلوغ، وبيبسكو، ونستلة الولايات المتحدة الأميركية، ونيو بيلجيوم بروينغ، وهاين سيليشيال، وستونيفيلد فارم، وكليف بار – رسالة مشتركة مفتوحة دعوا فيها قادة الحكومات إلى التوصل إلى اتفاق قوي "يعالج واقع التغيّر المناخي معالجة جدّية". وبصورة مشابهة، وقع ما يقارب 100 رئيس تنفيذي وبصورة مشتركة وثيقة لتشجيع القضاة الفيدراليين على رفض الأمر التنفيذي للرئيس ترامب بحظر دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية سكانية مسلمة إلى الولايات المتحدة الأميركية. ويمكن للإجراءات الجماعية أن تترك أثراً أعظم وأمضى من أثر الإجراء الفردي. ولنأخذ على سبيل المثال ما حصل مع المجالس الاقتصادية للرئيس ترامب. فعلى الرغم من أنّ الرئيس التنفيذي لشركة ميرك كينيث فرازير، قد حظي بتغطية إعلامية كبيرة عندما استقال من المجلس الصناعي الأميركي كرد فعل على تصريحات الرئيس ترامب التي أنحى فيها باللائمة على العنصريين البيض والمحتجين المناهضين لهم بالتساوي على خلفية أعمال العنف التي اندلعت في تشارلوتسفيل، ولكن تطلّب الأمر هروب الرؤساء التنفيذيين الجماعي من سفينة هذا المجلس وسفينة منتدى الاستراتيجيات والسياسات التابع لترامب حتى يحل الرئيس هذين المجلسين – وهو تحرك نظر إليه على نطاق واسع بوصفه هزيمة لترامب.

الاستفادة من القوة الاقتصادية. شملت بعض الحالات الأقوى لحراك الرؤساء التنفيذيين الناشطين ممارسة الضغط الاقتصادي على الولايات الأميركية لرفض التشريعات أو الانقلاب عليها. فعلى سبيل المثال، وتجاوباً مع قانون نورث كارولينا الخاص باستعمال المراحيض، ألغى شولمان خطط شركة باي بال لإنشاء مركز جديد لعملياتها العالمية في تشارلوت كان سيخلق الوظائف لأكثر من 400 شخص من أصحاب المهارات العالية. وبعد أن سار مجموعة من الرؤساء التنفيذيين على خطاه، ازداد حجم الضرر المحتمل: وقد قدرت وكالة أسوشيتد برس بأن تكلّف الإشكالية الناجمة عن قانون استعمال المراحيض الولاية أكثر من 3.76 مليار دولار على شكل خسائر تجارية على مدار أكثر من عشر سنوات.

كما تلجأ الشركات وقادتها إلى استغلال قوتها الاقتصادية من خلال التبرع إلى مجموعات أخرى تروج لقضاياها المفضلة. فلكي تساعد شركة سيارات الأجرة التشاركية ليفت في مناهضة حظر الهجرة الذي فرضه الرئيس ترامب، تعهّدت بدفع مليون دولار إلى اتحاد الحريات المدنية الأميركي الذي يتحدّى الحظر في المحاكم. واستجابة للاحتجاجات في تشارلوتسفيل ورد فعل ترامب عليها، تبرّع جيمس مردوخ الرئيس التنفيذي لشركة توينتي فيرست سينتشري فوكس بمبلغ مليون دولار إلى رابطة مكافحة التشهير، وهي عبارة عن مجموعة تحارب التعصب.

فإلى أيّ مدى تُعتبر هذه المقربات فعّالة؟ إنّ ظاهرة تبنّي قادة الشركات لمواقف عامة تجاه قضايا لا علاقة لها بالضرورة بشركاتهم جديدة نسبياً، لذلك ليس هناك الكثير من البراهين العلمية التجريبية التي تثبت أثرها. لكن هناك عدداً محدوداً من البراهين الشفوية تثبت قدرتها على التأثير في عملية صياغة السياسات العامة. فعندما مرر المشرعون في ولاية جورجيا مشروع قانون لاستعادة الحريات الدينية يعادي بعض الفئات السكانية أدت التهديدات التي أطلقها قادة عدة شركات وشبكات للأفلام – بمن فيها ديزني وسي بي إس، وإم جي إم، ونتفليكس – بوقف أعمال التصوير في الولاية والأشكال المشابهة من التحذيرات من بينوف وغيره من الرؤساء التنفيذيين إلى دفع الحاكم إلى التصويت ضد مشروع القرار كما يقول المراقبون. وقد نُسب الفضل إلى قادة الرابطة الوطنية الأميركية لكرة السلة ومؤتمر الساحل الأطلسي في إجبار ولاية نورث كارولينا على مراجعة القانون الخاص باستعمال المراحيض.

ولتجاوز هذه البراهين الشفوية، قررنا إجراء بحث علمي صارم لمعرفة ما إذا كان بوسع الرؤساء التنفيذيين المساعدة في كسب دعم عامة الناس للسياسات، بحيث يؤثر ذلك على أصوات المشرعين، وما إذا كان الحكام يوقّعون مشاريع القوانين أو يعارضونها. وتظهر النتائج التي توصّلنا إليها أنّ الرؤساء التنفيذيين قادرون على لعب دور هام في توجيه الرأي العام تجاه القضايا السياسية والاجتماعية. (راجع الفقرة الجانبية التي تحمل عنوان: "بحثنا: هل يؤثّر حراك الرؤساء التنفيذيين في الرأي العام؟). وعلاوة على ما سبق، وكما سوف نناقش، فإنّنا وجدنا أنّه عندما يعبّر الرؤساء التنفيذيون عن موقف تجاه هذه القضايا، فإنّ ذلك يمكن أن يدفع المستهلكين الذين يحملون أفكاراً مشابهة إلى شراء المزيد من منتجاتهم.

بحثنا: هل يؤثّر حراك الرؤساء التنفيذيين في الرأي العام؟

كان الهدف من بعض التجارب التي أجريناها معرفة ما إذا كان حراك الرئيس التنفيذي ونشاطه قد يؤثّرا في الرأي العام. وفي إحدى هذه التجارب، صمّمنا استطلاعاً للآراء سألنا فيه الناس إذا ما كانوا يدعمون قانون استعادة الحريات الدينية في إنديانا أو يعارضونه، في وقت كان لازال الجدل الدائر بشأنه حامي الوطيس في الإعلام. في بعض الحالات، قلنا لهم في البداية بأنّ العديد من الناس كانوا يخشون من أن يسمح القانون بممارسة التمييز ضد بعض فئات المجتمع. وفي حالات أخرى، نسبنا هذه المخاوف إلى كل من الرئيس التنفيذي لشركة آبل تيم كوك؛ أو بيل اوستيرل الذي كان وقتها الرئيس التنفيذي لقائمة إنجي التي كانت تعمل انطلاقاً من ولاية إنديانا؛ أو عمدة مدنية إنديانابوليس.

وقد أجرت شركة سايفيك ساينس المتخصصة بالأبحاث السوقية هذا الاستطلاع نيابة عنا حيث وزّعت الاستمارات على مئات المواقع الإلكترونية (الصحف، ومواقع الترفيه، وهكذا دواليك) التي تعمل بالشراكة معها، وجمعت إجابات من أكثر من 3418 شخصاً في عموم الولايات المتّحدة الأميركية. وفي حالة الأشخاص الذين لم نخبرهم بوجود مخاوف بخصوص التمييز، 50% من الذين شاركوا في الاستطلاع أيدوا القانون – وهذا يظهر مدى درجة الانقسام في البلد حول هكذا تشريع. لكن الدعم للقانون تراجع إلى حدود 40% بين المستطلعين الذين أجابوا عن السؤال بعد أن عرضت عليهم المخاوف بشأن التمييز، بغض النظر عن هوية الشخص الذي عبّر عن هذه المخاوف – سواء أكان رئيساً تنفيذياً أم سياسياً – أو حتى لم تكن هذه المخاوف منسوبة إلى أي شخص محدّد.

تشير هذه النتائج ضمناً إلى أنّ الرأي العام، في هذه الدراسة على الأقل، كان قد تشكّل بناءً على الرسالة أكثر من حامل هذه الرسالة. وهناك طريقتان لتفسير الأمر: يمكن الاستنتاج بأنّ الرؤساء التنفيذيين لا يمتلكون قدرة خاصة على التأثير في الرأي العام. ففي نهاية المطاف، لم يكن لتصريحاتهم تأثير أكبر من تأثير تصريحات السياسيين أو التصريحات غير المنسوبة إلى شخص معيّن. ومن جهة أخرى، تُظهرُ النتائج بأن الرؤساء التنفيذيين يتمتّعون بالقدرة على الإقناع أسوة بالسياسيين. فهم قادرون على اجتذاب اهتمام وسائل الإعلام، وخاصة عندما يتحدّثون عن القضايا الاجتماعية والبيئية الخلافية والتي لا ترتبط ارتباطاً واضحاً بأرباح شركاتهم، ممّا يزيد من مصداقيتهم. وبما أنّ الرؤساء التنفيذيين قادرون على التأثير في الرأي العام، فإننا نفترض بأنهم قادرون على التأثير في صياغة السياسات العامّة أيضاً.

وقد مضت دراستنا مسافة أبعد لترى ما إذا كان حراك الرئيس التنفيذي سوف يؤثر على الناس بطريقة مختلفة استناداً إلى خياراتهم السابقة المفضّلة بالنسبة للسياسات. وقد اكتشفنا بأنّ تصريحات كوك الخاصّة بالتمييز قللت من دعم الناس لقانون استعادة الحريات الدينية (والدعم كان ضعيفاً أصلاً) ولم تؤثر كثيراً على آراء مناهضي القانون. ومن المهم الانتباه إلى الآراء التي من المحتمل أن يسهم حراك الرؤساء التنفيذيين في تغييرها، والآراء التي من غير المحتمل أن تتغير. وقد اكتشف بحث حديث بأنّ الدعم السياسي المقدّم من الرؤساء التنفيذيين يمكن أن يؤثّر كثيراً على إسهام موظفيهم في الحملات، ممّا يدل على أنّ حراك الرؤساء التنفيذيين قد يكون مؤثراً بشكل خاص على موظفي الرئيس التنفيذي أنفسهم.

المخاطر والمكاسب المحتملة

في مناخ هذه الأيام المشحون سياسياً، يمكن لمجرد الاقتران بالقادة السياسيين أو القضايا السياسية أن يكون محفوفاً بالمخاطر. فبعد مرور أسابيع على تولّي ترامب لمنصبه، واجه الرئيس التنفيذي لشركة أندر آرمور كيفن بلانك انتقادات بعد أن أشار في إحدى المقابلات إلى الرئيس بوصفه "مكسباً كبيراً للبلاد". وقد عبّر أحد كبار النجوم الرياضيين ممّن يؤدّون دور السفير لشركته وهو ستيفن كوري الذي يلعب مع فريق غولدين ستيت ووريرز عن امتعاضه علناً. وقد بدأ الوسم (الهاشتاغ) (#BoycottUnderArmour) والذي يدعوا إلى مقاطعة الشركة بالظهور على تويتر، فيما حذت مجموعة أخرى من المروجين لأندر آرمور مثل راقصة الباليه ميستي كوبلاند حذو كوري. واضطرت الشركة إلى نشر إعلان في الصحف وعلى صفحة كاملة يفسر تعليقات بلانك ويذكر معارضته لحظر الهجرة الذي فرضه ترامب. لكن هذا الرد لم يمنع سهم آرمور من أن يخضع إلى خفض التصنيف، وتساءل أحد المعلّقين ما إذا كانت هذه الخطوة غير المحسوبة "ستجعل من شبه المستحيل بناء علامة تجارية لحياة حضرية لطيفة بفعالية في المستقبل المنظور".

وقد قاد حراك الرؤساء التنفيذيين في بعض الأحيان إلى اتهامات بالرياء. فعلى سبيل المثال، وجه عدد من مواقع الإنترنت المحافظة اجتماعياً انتقادات إلى كوك وبينيوف اللذين أدانا قانون استعادة الحرية الدينية، في الوقت الذي لا تزال شركتيهما سيلز فورس وآبل تزاولان النشاط التجاري في بلدان تنتهك حقوق من يدافعان عنهم. أما بعض جهود الحراك المجتمعي فقد بدت غريبة بعض الشيء. ولنأخذ مثلاً السخرية الواسعة النطاق التي طالت حملة أطلقها هوارد شولتز وطلب بموجبها من عمال مقاهي ستاربكس كتابة عبارة "لنتّحد عرقياً" على جميع أكواب المشروبات في مسعى لمحاربة العنصرية.

من جهة أخرى، فإنّ الحراك الناشط يمكن أن يلمّع صورة قائد الشركة. ففي أعقاب أعمال العنف التي اندلعت في تشارلوتسفيل، حظي الرؤساء التنفيذيون الذين استقالوا من المجالس الاقتصادية لترامب (وهي مجموعة شملت بلانك) بالمديح على نطاق واسع. وكان التصفيق الذي قوبل به الرئيس التنفيذي لشركة ميرك فرازير، وهو أوّل من تنحّى، حاداً. فقد غرّد عضو مجلس النواب الأميركي كيث إليسون قائلاً: "سيد فرازير، شكراً لك على موقفك الشجاع". بينما كان مركز آن فرانك للاحترام المتبادل أكثر قوّة في مديحه من خلال تغريدة قال فيها :"كين فرازير أنت بطل".

وقد سلّطت هذه القضية الإشكالية أيضاً الضوء على خطر التزام الصمت، الذي قد يُنظر إليه على أنّه علامة على القبول الضمني. فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز وقناة سي إن بي سي قوائم بأسماء الرؤساء التنفيذيين الذين بقوا في مختلف المجالس التابعة للرئيس ترامب، حيث ذكرت سي إن بي سي بأنّ "كل استقالة جديدة أدّت إلى زيادة التدقيق في وضع الأشخاص الذين بقوا في عضوية المجالس. كما سلّطت الأضواء أيضاً على الرئيس التنفيذي لشركة أوراكل عندما أطلقت مجموعة من عمّال الشركة عريضة تحث أصحاب الشركة على الانضمام إلى الشركات الأخرى الكثيرة التي عارضت حظر الهجرة الذي فرضه الرئيس ترامب. وقد اجتذبت جهودهم الاهتمام على المستوى الوطني، حيث لاحظت صحيفة "يو إس أيه توداي" أنّ "أكثر من 130 شركة تكنولوجية – من آبل إلى زينغا – وقعت العرائض. في حين لم تقدم شركتا أوراكل وآي بي إم على مثل هذه الخطوة".

ومع ذلك، يجب ألا يغرب عن بال الرؤساء التنفيذيين بأنّ ردود الأفعال على حراكهم النشاط يمكن أن تذهب في الاتجاهين. فعلى الرغم من أنّ الموقف المدافع لبينيوف حظي بالمديح الواسع النطاق، إلا أنه اعترف لسي بي سي نيوز بأن كولن باول، وزير الخارجية الأميركي السابق والجنرال الكبير المتقاعد – والذي أصبح الآن عضواً في مجلس إدارة سيلز فورس – كان قد حذّره قائلاً: "كلما صعدت إلى الشجرة مسافة أعلى، كان ظهرك مكشوفاً أكثر، والأفضل أن تتوخى الحذر". وبعد أن كان الرئيس التنفيذي لشركة تشيك فيل أيه دان كاثي قد أعلن موقفاً من إحدى القضايا الاجتماعية، واجهت سلسلة متاجر الشركة مقاطعة من بعض الزبائن، فيما عمد زبائن آخرون إلى إطلاق حملة داعمة للشركة تقديراً لها على موقف رئيسها التنفيذي. وفي استطلاع لشركة ويبر شاندويك، قال 40% من المشاركين أنّهم أكثر ميلاً إلى الشراء من شركة إذا كانوا يتّفقون مع موقف الرئيس التنفيذي للشركة، ولكن 45% قالوا أنهم سيكونون أقل ميلاً إلى الشراء إذا كانوا يخالفون الرئيس التنفيذي في وجهة نظره.

أجرينا تجربة خاصة لتقويم مدى تأثير الحراك الناشط للرئيس التنفيذي على سلوك المستهلك الأميركي. وقد طرحنا على المشاركين في التجربة وهم عبارة عن مجموعة من الأشخاص الذين يمثّلون كل فئات المجتمع الأميركي عن نيّتهم بشراء منتجات شركة آبل في المستقبل القريب. بالنسبة للبعض، قدّمنا أولاً بياناً يصف موقف الرئيس التنفيذي لشركة آبل تيم كوك بخصوص الطبيعة التمييزية لقانون الحريات الدينية في ولاية إنديانا. وبالنسبة للبعض الآخر، قدّمنا بياناً عامّاً حول فلسفة كوك في الإدارة. أما بالنسبة للبقية، فلم نقدّم أي بيان على الإطلاق؛ وإنما سألناهم ببساطة عن نيتهم بالشراء. وزّعنا هذه الأنماط الثلاثة من الاستمارات عشوائياً وتلقينا 2,176 استجابة. وقد اكتشفنا أنّ الناس الموجودين في المجموعة التي اطلعت على موقف كوك في مجال الحراك الاجتماعي عبّرت عن نيّة أكبر بشراء منتجات آبل في المستقبل القريب بالمقارنة مع المجموعتين الأخريين. فمعرفة موقف كوك من موضوع التمييز زادت من نيّة الشراء لدى داعمي القضية، لكنّها لم تؤثّر على نيّة الشراء بين صفوف مناهضيها. وتشير هذه النتائج إلى أنّ الحراك الناشط للرئيس التنفيذي يمكن أن يحسّن شهرة الشركة ولكن دون أن يزعج بالضرورة من يخالفون الرئيس التنفيذي رأيه. لكنّ ذلك لا ينطبق على الأرجح على جميع الشركات. فمنتجات آبل لها طبيعة خاصة وهي تعلق بأذهان الزبائن، وعلى الرغم من أنّ تصريحات كوك قد لا تؤدّي إلى ردود أفعال عكسية تجاه أجهزة آيفون، إلا أنّ قادة الشركات الأخرى يجب أن يأخذوا بالحسبان ما إذا كانت التركيبة السياسية لمستهلكيهم وطبيعة منتجاتهم قد تقود إلى نتيجة مختلفة. لذلك من الضروري بالنسبة لكل رئيس تنفيذي أن يدرس الأمر بتأن قبل اتخاذ القرار.

دليل عمل للرئيس التنفيذي الناشط

استناداً إلى أبحاثنا التجريبية ومقابلاتنا مع الرؤساء التنفيذيين الناشطين والجهات المعنية التي لها علاقة بهم، وضعنا دليل عمل خاصاً بالقادة الراغبين باتخاذ قرار بخصوص المجاهرة بآرائهم وكيفية فعل ذلك.

ماذا تدلي بدلوك. عادة ما يختار الرؤساء التنفيذيون الناشطون قضاياهم؛ وليست القضايا هي من يختارهم. إذا ما أراد الرئيس التنفيذي تجنّب أن يُباغت بخبر معيّن أو أن يدلوا برأيه بطريقة غريبة حول موضوع لا يعرف الكثير عنه، يجب عليه أن يجلس مع فرقه التنفيذية، بما في ذلك مسؤولي الاتصالات لديه، وأن يقرر ما هي المسائل المهمة بالنسبة له ولماذا. ويجب أن يشمل هذا النقاش تأملاً عميقاً لسبب تبني القضايا المختارة وما إذا كان تبنّيها سوف سيترك أثراً اجتماعياً أكبر من الدفاع عن قضايا أخرى (ولكن في بعض الأحيان، قد لا يكون هناك وقت كاف لهذا النوع من المداولات، كما هي الحال عندما شعر قادة الشركات بالحاجة الملحة إلى توضيح عدم تسامحهم مع العنصرية بعد أحداث تشارلوتسفيل). ويجب على المدراء التنفيذيين الموازنة بين احتمال الحصول على تأثير معين وغيره من المكاسب المحتملة – مثل إسعاد الموظفين والزبائن – في مقابل حصول رد فعل سلبي. وكجزء من عملية التقويم هذه، يجب على الرؤساء التنفيذيين أن يدرسوا صراحة الكيفية التي ستُستقبل بها تصريحاتهم وتصرفاتهم في جو مفعم بالاستقطاب السياسي.

يُظهر تقرير لمجموعة الاستراتيجيات العالمية (غلوبال استراتيجي غروب) للعام 2016 أنّه عندما تقرن الشركات نفسها بالقضايا السياسية، فإنّ الزبائن ينظرون إلى هذا الربط من منظار ولائهم الحزبي. فوفقاً للدراسة، كانت نسبة الديمقراطيين الذين نظروا إلى حملة شولتز "لنتّحد عرقياً" بإيجابية ضعف نسبة من نظروا إليها بسلبية، لكن نسبة الجمهوريين الذين رفضوها كانت ثلاثة أضعاف نسبة من حبذوها. ورأينا نتائج مشابهة في حالة كوك من شركة آبل. أما الدفاع عن القضايا الأقل خلافية، مثل إجازة الأمومة والأبوة وبرنامج التعليم القائم على تدريس العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. فإنّه على الأغلب سيقود إلى تحسين صورة العلامة التجارية للشركة التابعة للرئيس التنفيذي بين صفوف الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.

يجب على الرؤساء التنفيذيين أيضاً أن يأخذوا بالحسبان إلى أي مدى يؤمن عامة الناس بأن صوت الرئيس التنفيذي مناسب ليُطرح في قضية معينة. فقد وجدت دراسة مجموعة الاستراتيجيات العالمية أنّ كلا الديمقراطيين والجمهوريين يعتقدون بأنّ من الملائم للشركات أن تتّخذ مواقف عامة بخصوص القضايا الاقتصادية مثل الحد الأدنى للأجور وإجازة الأمومة والأبوة. لكن هذا الإجماع كان أقل فيما يتعلق بملاءمة الإدلاء بالرأي حول قضايا اجتماعية مثل الإجهاض وضبط حمل السلاح وحقوق المثليين الجنسيين والهجرة.

وقد ثبت بأنّ قضية الهجرة تحديداً كانت من بين القضايا المعقدة، كما أظهرت تجربة كل من الرئيس التنفيذي لشركة شوباني حمدي أولوكايا، والرئيس التنفيذي لشركة كاربونايت محمد علي. فهما كلاهما كانا في الأصل قد هاجرا إلى الولايات المتحدة الأميركية وعارضا علناً قيود إدارة الرئيس ترامب على المهاجرين. وقد حظيا كلاهما بالمديح على موقفيهما. غير أنّ أولوكايا تلقّى التهديدات وواجهت شركته حركة مقاطعة، في حين لم تسفر تصريحات محمد علي عن أي رد فعل سلبي. ويمكن أن يُعزى الفرق بين الاثنين إلى تركيز أولوكايا على الحاجة الأخلاقية إلى توفير فرص العمل للاجئين، في حين انصب تركيز علي بشكل أكبر على المهاجرين بوصفهم يسهمون في خلق الوظائف عدا عن أنّ عملهم يفيد المواطنين المولودين في أميركا. ولكن من المهم القول أنّه على الرغم من أنّ المجاهرة بالرأي تجاه القضايا المثيرة للجدل قد تستثير ردود أفعال سلبية، إلا أنها سوف تستقطب تغطية إعلامية على الأرجح، وهذا الأمر سوف يزيد من حظوظ الرئيس التنفيذي في إيصال صوته إلى الناس في المقام الأول.

وبغية التأثير في الرأي العام، يجب أن تكون الرسالة حقيقية في تمثيلها للقائد والشركة. ويجب أن يكون هناك رأي مقنع لسبب أهمية هذه القضية "بالذات" بالنسبة لهذا الرئيس التنفيذي "بالذات" لهذه الشركة "بالذات" في هذا التوقيت "بالذات". كما أنّ اختيار القضية هو وقت حاسم "للتعامل بذكاء" مع التفاصيل الضمنية. ويمكن للقضيّة المطروحة أن "تدوّخ" الرئيس التنفيذي بسرعة إذا بدأ بالحديث عناً عن قضية معقّدة وتعرّض لأسئلة ضاغطة من صحفيين ومعلقين واسعي الاطلاع. وبما أنّ مصداقية قادة الشركات تتوقف على تصور الناس بأنّهم يتّخذون قراراتهم بعد التحليل المتأني، فإن الرؤساء التنفيذيين الناشطين لا يمكن أن يكونوا فعّالين إلا إذا كان يفهمون تماماً القضية المطروحة للنقاش.

متى تدلي بدلوك. بعد أن يكون الخيار قد وقع على القضية، يجب على الرئيس التنفيذي الناشط أن يفهم إذا كانت هناك لحظات أساسية قد يكون الحديث فيها مؤثراً جدّاً. هل يكون ذلك خلال فترة دراسة إصدار تشريع معيّن، أم بعدها؟

لاحظنا أنّ فرص نجاح الرئيس التنفيذي الناشط في منع صدور سياسة معينة تكون أفضل عموماً من فرصه في إلغاء تشريع بعد صدوره. وكما رأينا مع جهود الحزب الجمهوري لإلغاء قانون الرعاية الصحية الميسرة في الأشهر القليلة الماضية، فإنّ النظام التشريعي الأميركي مصمم للعمل بطريقة بطيئة لكنه يسمح بالمداولات الطويلة. وهكذا تركيبة مؤسسية لا تصعّب إصدار تشريع جديد شامل فحسب، وإنما تصعّب أيضاً إلغاء القوانين الحالية.

ويجب أيضاً أخذ دورة حياة الأخبار بعين الاعتبار. فكما قلنا سابقاً، فإنّ لجوء فرازير إلى ترك المجالس الاقتصادية للرئيس أولاً جعله هو وشركته ميرك يحظيان بتغطية إعلامية إيجابية. وعندما تبعه رؤساء تنفيذيون آخرون في الاستقالة وبتواتر سريع خلال الساعات 48 التالية، نشرت أخبارهم جميعاً ضمن خبر واحد. وعلى الأرجح أن يتذكّر الناس تصرف فرازير أكثر من تذكّرهم لما أقدم عليه البقية الذين لحقوه. بطبيعة الحال، كان هناك جانب سلبي لكل هذا الاهتمام: فقد رد الرئيس ترامب على فرازير وهاجمه شخصياً مطلقاً تغريدة مهينة بحقه وحمّله مسؤولية ارتفاع ثمن أدوية شركة ميرك. ولكن حتى اليوم ليس هناك دليل على أنّ ذلك الأمر قد أضر بأعمال ميرك.

كيف تدلي بدلوك. يختلف الحراك الناشط للرؤساء التنفيذيين عن الانخراط التقليدي للشركات في عالم السياسة، وتحديداً لأنه ظاهر ومحط اهتمام. ويحتاج الرئيس التنفيذي إلى أن يقرر ما إذا كان يريد كل هذا الاهتمام، أم إذا كان الأمر يستدعي تحالفاً من مجموعة من الرؤساء التنفيذيين لدعم القضية. فقد اختار أكثر من 160 رئيساً تنفيذياً وقائداً من قادة الأعمال توقيع رسالة نظمتها حملة حقوق الإنسان تعارض فيها قانون استعمال المراحيض الذي أصدرته ولاية نورث كارولينا. وباختيارهم لهذه المقاربة، فإنهم قللوا من خطر تلقي ردود فعل سلبية من الزبائن، وتمكّنوا من تضخيم الحدث إعلامياً ما زاد من أثر حراكهم هذا. كما أنّ التحرّك الجماعي يمكن أن يصعّب على النقاد استهداف قادة الشركات كأفراد وبالتالي يُنظر إليه بوصفه ينطوي على خطورة أقل. لكنّ هذه العملية بطبيعتها أبطأ وبالتالي سينُظر إليها على أنها أقل فعالية في الربط بين قائد معيّن أو شركة أو علامة تجارية معيّنة من جهة، وقضية محدّدة من جهة أخرى.

كما قد يختار الرؤساء التنفيذيون عدم الإدلاء بدلوهم على الإطلاق. فقد يشعر بعض القادة بأنهم لا يفهمون القضية فهماً كافياً، أو أن رأيهم لا يحظى بالشعبية، أو قد يختارون ببساطة التركيز على مجالات أخرى. كل هذه الأسباب هي أسباب مشروعة للتريّث أو عدم التحرّك. لكن يجب على الرؤساء التنفيذيين أن يتوقعوا من الموظفين ووسائل الإعلام وغيرها من الجهة المهتمّة أن تتساءل لماذا لم يعلّق الرئيس التنفيذي على المسألة ويجب أن يكونوا جاهزين لتقديم تفسير منطقي لذلك.

لعبة الداخل. إنها لفكرة جيدة بأن يضمن الرؤساء التنفيذيون وجود دعم من الجهات الداخلية في الشركة للحراك الناشط الذي يقومون به – أو على الأقل أن تكون هذه الجهات على دراية بالخطوة قبل حصولها. عندما كان فرازير يدرس احتمال الاستقالة من المجلس الاقتصادي لترامب، تواصل مع أعضاء مجلس إدارته، الذين دافعوا لاحقاً عن قراره وامتدحوا شجاعته ونزاهته. وتشير المقابلات التي أجريناها إلى أنّ بعض الرؤساء التنفيذيين فقط يتشاورون مع أعضاء مجلس الإدارة أو الموظفين قبل اتخاذ مواقف عامة، وليس الجميع، مما قد يهدّد جهودهم بالفشل.

على الرغم من أنّ الرؤساء التنفيذيين يجب أن يقرروا أولاً ما إذا كانوا يتحدثون نيابة عن أنفسهم أم نيابة عن مؤسساتهم، إلا أنهم يجب أن يعوا تماماً بأنّ أي تصريحات يطلقونها سوف تقترن باسم شركاتهم في جميع الأحوال. ولم نجد أي رئيس تنفيذي تقريباً نجح في فصل نفسه عن شركته بهذه الطريقة. وبناء على ذلك، فإننا ننصح بتأليف فريق للاستجابة السريعة مكون من ممثلين عن مجلس الإدارة والمستثمرين وكبار المدراء (بما في ذلك المدير الإعلامي) والموظفين، ليكون بمثابة مجموعة استشارية غير رسمية تعاون الرئيس التنفيذي في حراكه كناشط. لكن طلب الإجماع من عموم المؤسسة قد يمنع نشاط الرئيس التنفيذي من الحصول في الوقت المناسب، وهو أمر أساسي للفت الانتباه إلى الرسالة، ولكن إذا استطاع الرئيس التنفيذي إبلاغ هذه المجموعة غير الرسمية على الأقل بما يجب عليهم أن يتوقعوا وسبب ذلك، فإنّ هذه الخطوة سوف تقلل كثيراً من خطر عدم استعداد الجهات المعنية الأساسية لأي رد فعل سلبي.

توقع رد الفعل وقياس النتائج. يجب أن يُحضر الرؤساء التنفيذيون الناشطون إجابات مدروسة ليقدّموها إلى من يخالفهم الرأي. فبعد أن عدّلت شركة تارغت سياستها الخاصة باستعمال المراحيض لاستيعاب زبائنها المتحوّلين جنسياً، وقّع مئات آلاف الناس على عريضة احتجاجية. وتشير الأدبيات العلمية إلى أنّه في حال توفر بدائل سهلة لمنتج معيّن أو خدمة معيّنية، فإن عمليات المقاطعة أكثر فعالية. وتارغت تحديداً في موقف صعب في هذه الحالة. لذلك من غير المفاجئ أن تلجأ هذه الشركة التي تمتلك العديد من المتاجر في مناطق ذات طابع سياسي محافظ في الولايات المتّحدة الأميركية، إلى اتخاذ إجراءات للتخفيف من الانتقادات بإنفاق 20 مليون دولار لإنشاء مراحيض مفردة في متاجرها مخصصة لشخص واحد يدخل إليها بغضّ النظر عن جنسه. ولكن من جهة أخرى، لم تهدد قاعدة زبائن متاجر نوردستروم الفخمة والمكونة من أهل المدن من النساء المترفات بالمقاطعة عندما هاجمها الرئيس ترامب لأنها نأت بنفسها عن خط إنتاج الملابس الذي يحمل اسم ابنته إيفانكا ترامب.

تفتقر الشركات عموماً إلى بيانات جيدة عن المعتقدات السياسية لزبائنها، لكنّ هذه المعلومات سوف تكون مفيدة لتقويم ردود الأفعال المحتملة لزبائنها على حراك الرئيس التنفيذي الناشط. ولكن غالباً ما يكون الرؤساء التنفيذيين والشركات أكثر ميلاً إلى امتلاك معلومات أكبر عن المعتقدات السياسية لموظفيهم، وبوسعهم توقع ردود أفعالهم بشكل أفضل. فهل سيصطف الموظفون وراء القضية أم أنهم سيجاهرون بعدم موافقتهم – كما فعل أكثر من 1,000 شخص من موظفي شركة آي بي إم بعد أن اجتمعت الرئيسة التنفيذية لشركتهم فيرجينيا روميتي مع الرئيس ترامب؟

كما أنّ الحراك الذي يبدر عن الرؤساء التنفيذيين معرّض لخطر ردود الأفعال السلبية من السياسيين. فقد أطلق ترامب تغريدة عبّر فيها عن اختلافه في الرأي مع عدد هائل من الشركات ومع قرارات إداراتها، ليقود بذلك ملايين المتابعين على موقع تويتر، وليسبّب لهذه الشركات صداعاً في مجال العلاقات العامة. ويجب على الرؤساء التنفيذيين وفرقهم أن يحدّدوا سلفاً الاستجابات المحتملة من الداعمين ومن النقاد، سواء في مؤسساتهم نفسها أو في وسائل الإعلام أو في عالم السياسية أيضاً.

ومن الحتمي أيضاً إجراء تحليل للحدث بعد وقوعه، والإجابة عن السؤال التالي: هل تركت أي تأثير؟ وينبغي وضع مقاييس لتقويم أثر الحراك والنشاط قبل الإقدام عليه، سواء اتخذت هذه المقاييس شكل عدد عمليات إعادة التغريد، أو عدد مرات الذكر في وسائل الإعلام، أو استطلاعات الرأي العام، أو التحوّلات الفعلية في السياسات. فنادراً ما تحصل تقلّبات كبيرة في الرأي العام، لذلك من المنطقي وضع أهداف واقعية، وتتبّع المحصلات الفورية، وقياس التقدّم المحرز مع مرور الوقت.

يمكن أن يصبح حراك الرئيس التنفيذي واحداً من القضايا الاستراتيجية من الطراز الرفيع. ومع تزايد أعداد قادة قطاع الأعمال الذين يختارون الجهر بآرائهم تجاه المسائل السياسية والاجتماعية الخلافية، فإن الرؤساء التنفيذيين سيتلقون دعوات متزايدة للمساعدة في تحديد شكل النقاش الدائر حول هذه القضايا. وسيختار الكثير منهم النأي بنفسهم، لكنّهم يجب أن يتوقعوا مع ذلك بأن يكونوا جاهزين للإجابة عن أسئلة الموظفين ووسائل الإعلام وغيرهم من الجهات المعنية بخصوص القضايا الساخنة المطروحة اليوم.

نحن نعتقد أنّ الرؤساء التنفيذيين بحاجة إلى دليل عمل يكون بين أيديهم في هذا العالم الجديد. وإذا كانوا يريدون الانخراط بفعالية في الحراك والنشاط، يجب عليهم اختيار القضايا بعناية، وممارسة التأمّل لانتقاء الوقت والمقاربة الأنسب للانخراط ودراسة احتمال حصول ردود أفعال عكسية وقياس النتائج. وإذا ما اتبع الرؤساء التنفيذيون الناشطون هذه المبادئ التوجيهية العريضة، فإنهم سيكونون أكثر فعالية في القضايا العزيزة على قلوبهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي