لقد انقضت أول 90 يوماً في منصبك الجديد منذ تعيينك رئيساً تنفيذياً للشركة؛ استطعت خلال هذه الفترة تحديد القضايا الاستراتيجية وتحقيق نجاحات سريعة والتعامل مع الأزمات العاجلة، ومن المفترض أن ينصبّ تركيزك خلال الفترة المقبلة على استكشاف فرص النمو والعمل على إعادة تشكيل المؤسسة بما يتماشى مع الأهداف المستقبلية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو: "ما هي التحديات التي قد تعترض طريقك؟"
تحفل هذه المرحلة بالكثير من التحديات غير المتوقعة؛ إذ يقاوم الموظفون التغييرات المقترحة في البُنى التنظيمية والثقافة المؤسسية للشركة. وتتسرَّب أخبار الانقسامات بين أفراد فريق الإدارة العليا، ما يؤدي إلى إثارة القلق بين الموظفين والمستثمرين وارتباكهم، ومن ثم يبدو تحقيق النمو أصعب مما كنت تتخيل في البداية، بينما يفقد المستثمرون صبرهم إذا لم تظهر النتائج الموعودة سريعاً.
ينبغي ألا تتفاجأ بانتهاء الفترة المفعمة بالتفاؤل والإيجابية التي يمكن أن نسميها "شهر العسل"؛ فقد أثبتت الأبحاث أن الرئيس التنفيذي يحتاج إلى أكثر من 6 أشهر كي يتمكن من إحداث الأثر المنشود وبناء فريق القيادة وتعزيز الثقافة المؤسسية للشركة ورفع قيمتها.
وقد لاحظتُ أن هناك 4 أسباب شائعة تجعل الرؤساء التنفيذيين يواجهون صعوبات بعد أول 90 يوماً من توليهم مناصبهم:
- الغرور: يتولّد لدى الرئيس التنفيذ ثقة مفرطة وافتخار بالنفس، فيعتقد أنه فهم كل شيء، ومن ثم يسلك مسارات خاطئة بناءً على افتراضات مضللة.
- الشعور بالعجز: يبدأ القائد إدراك حجم التحدي الذي ينتظره والذي لم يكن ملماً بتفاصيله كلها، فيشعر بالعجز وتتراجع قدراته القيادية شيئاً فشيئاً، بدءاً من القدرة على التفكير وصولاً إلى صناعة القرارات.
- الشعور بالإنهاك: يعمل الرئيس التنفيذي ساعات طويلة ويبذل جهوداً مكثَّفة لإثبات تفانيه في العمل وخلق حالة من الزخم تعطي الجميع دفعة قوية نحو تحقيق الأهداف. وعندما يحاول التعافي واعتماد عادات عمل أكثر ذكاءً، يلاحظ الآخرون قلة ظهوره، ما يوحي لهم بأنه لم يعد مهتماً بالعمل على الرغم من احتياجهم إلى توجيهاته في هذا الوقت بالذات.
- الفتور: سرعان ما يتلاشى شعور القائد بالحماس والفضول تجاه تحديات منصبه الجديد، فيصاب بالفتور ويصبح أكثر عرضة للتشتت الذهني.
على النقيض من ذلك، يصل الرئيس التنفيذي الأكثر فعالية إلى نهاية أول 90 يوماً في منصبه وهو في حالة ذهنية وجسدية جيدة، مدركاً أن هذه النهاية ما هي إلا بداية لمرحلة جديدة في عملية إحداث التغييرات المنشودة بالمؤسسة، ومن ثم يواصل تطبيق طريقة التفكير والمهارات التي اعتمدها في الفترة الأولى، أي إبداء الاستعداد لاستكشاف الأفكار والإمكانات الجديدة والتركيز على بناء العلاقات والمثابرة على تحقيق أثر ملموس والاهتمام بالتواصل الواضح والمباشر وتخصيص وقت للتفكير ومراجعة النفس.
كما أنه يتخذ 6 إجراءات لاحظتها من خلال عملي مع العشرات من الرؤساء التنفيذيين وكبار المسؤولين التنفيذيين خلال أول 90 يوماً من توليهم المنصب وبعدها، بالإضافة إلى نتائج المقابلات التي أجريتها معهم. تشكل هذه الإجراءات نظاماً قيادياً يمكنك استخدامه في الأشهر والأعوام التي تعقُب هذه المرحلة، مع ضبط مستوى تركيز كل ممارسة وفقاً للسياق والتحدي الذي تواجهه.
توصيل الرسائل: وضِّح ما تريد الحفاظ عليه وما تريد تغييره.
"ما الذي عرفتَه خلال أول 90 يوماً؟" يبدو هذا سؤالاً بديهياً، لكن الرؤساء التنفيذيين غالباً ما يجيبون عنه بصورة جزئية بسبب استعجالهم للبدء باتخاذ إجراءات ملموسة، كما أنهم يحتفظون لأنفسهم بالمعلومات التي عرفوها عن المؤسسة والبيئة الخارجية، مفترضين خطأً أنها ستكون واضحة للآخرين دون الحاجة إلى شرح مفصل.
لا تفوّت هذه الفرصة لتوصيل رسائل مهمة تعكس رؤيتك وأفكارك حول المؤسسة، خاصةً:
- أبرز مواطن قوة المؤسسة وأخطر عيوبها.
- الفرص المحتملة لتحسين القيمة المضافة المقدَّمة للعملاء.
- أكثر ما أدهشك، مع توضيح الأسباب.
- الأشخاص الذين تقدّر جهودهم، مع الإشارة إلى السلوكيات التي تريد تعزيزها وتشجيعها حتى تصبح أكثر شيوعاً.
- السلوكيات الإيجابية التي تريد تشجيع الاستمرار فيها والسلوكيات السلبية التي تريد تعديلها أو تغييرها، مع توضيح الأسباب.
- ما تحتاج إلى معرفة المزيد عنه في الأيام والشهور المقبلة.
تؤدي القدرة على الإجابة عن هذه الأسئلة ومشاركة الإجابات مع الأطراف المعنية إلى تقليل الوقت الذي يهدرونه في التخمين أو محاولة فهم ما يدور في ذهنك، كما أنها تعزز الثقة بك حينما تطلب منهم تحمُّل مسؤوليات أكبر وتطوير قدرات جديدة والمخاطرة بتجربة أشياء لم يعتادوها من قبل. يمكنك أن تقول مثلاً:
أود أن أعبر لكم عن امتناني لجهودكم المخلصة في عرض وجهات نظركم حول الموضوع (س). تعلمون أنني تباحثتُ مع أشخاص كثيرين داخل المؤسسة وخارجها، وأود أن أطلعكم على ما توصلتُ إليه كي تكوّنوا فكرة واضحة عن رؤيتي لهذا الموضوع وما أريد التركيز عليه في المرحلة المقبلة وما أريدكم أن تركزوا عليه أنتم أيضاً.
خذ الوقت الكافي لإطلاعهم على ما توصّلتَ إليه بأسلوب منظم ومدروس، مع تعديل طريقة توصيل المعلومة بحيث تتناسب مع الجمهور الذي تخاطبه. لن تستطيع التعامل مع كل مشكلة يرفعها إليك موظفوك، ولكن يمكنك إظهار الالتزام بالتعلُّم واتخاذ خطوات عملية نحو تحقيق التحسين المستمر وأن تكون قدوة يحتذون بها في تبني العقلية والسلوكيات التي تتوقعها منهم.
الالتزام: وضِّح أهمية الجهود المبذولة لإحداث التغيير المنشود.
من السهل أن يغفل القائد عن أسباب الجهود المبذولة لإحداث تغيير معين في خضمّ إقباله على إحداث هذا التغيير بحماس شديد، خاصة عند قيادة مؤسسة تعاني صعوبات أو أزمات. قد توجِّه تركيزك كله إلى بناء العلاقات وحل المشكلات مفترضاً أن الجميع يشاطرونك دوافعك وتطلعاتك، بيد أن هذا الافتراض ينافي الحقيقة في كثير من الأحيان، على الأقل حتى يفهم الآخرون أسباب التغيير المنشود، بل إن مخاوفهم بشأن التغييرات المحتملة وأمانهم الوظيفي سرعان ما قد تتحول إلى انعدام الرغبة في التفاعل. وعند شعور الرؤساء التنفيذيين بالإحباط من سلبية مرؤوسيهم، قد يلجؤون إلى تسريع وتيرة التغيير، بل قد يلجأ بعضهم إلى فرضه بالقوة. ومع ذلك، يمثل هذا الأسلوب أحد أسوأ أنماط القيادة وأقلها فعالية في معظم المواقف، حيث يؤدي إلى استياء الآخرين ويولد لديهم شعوراً بأنك تقصيهم من صناعة القرار.
لتجنُّب هذا السيناريو عند التواصل مع الموظفين، أطلعهم على دوافعك لأداء هذا الدور وما تريد تحقيقه. يمكنك أن تقول مثلاً:
أنا متحمس جداً لفرصة العمل معكم إذ تتيح لي تحسين أوضاع المؤسسة وزيادة قوتها وأثرها في المجتمع والسوق. أشعر بالارتباط الوجداني والمهني بأهدافنا المشتركة بسبب اهتمامي الشخصي بـالمجال (س) وخبراتي السابقة في المجال (ص).
خذ خطوة إضافية في هذا المضمار بربط توجه المؤسسة بالنتائج التي تهم العملاء أو المجتمعات أو القضايا التي تتولون معالجتها. وحاول الاستفادة من تنوع الأفكار والآراء سواء من العاملين في المؤسسة أو الأطراف الخارجية عند وضع استراتيجيتها لتحسين جودة الأفكار المقترحة وزيادة الالتزام بتصميمها وتنفيذها. وشجِّع الموظفين على تصميم أدوارهم بما يوائم الركائز الأساسية لاستراتيجية المؤسسة ويعكس مواطن قوتهم، مع توضيح التوقعات المطلوبة منهم من حيث الأثر والسلوكيات من خلال تقديم نموذج يحتذون به والتواصل الفعّال وتقديم الحوافز المناسبة.
اعتاد أحد عملائي، لنسمّه أكرم، طرح الأسئلة التالية في محادثاته الثنائية (ومنها المحادثات مع المؤسسات الأخرى التي تتعاون مع مؤسسته) وفي اجتماعات الفريق والفعاليات الكبرى على مستوى المؤسسة:
- ما هي الجوانب أو النقاط التي تغفل عنها استراتيجيتنا؟
- ما الذي يمكننا تقديمه لضمان التزامك التام بالاستراتيجية التي وضعناها؟
- ما هي العوائق التي تحول دون التزامك بها؟
- ما هي أهم الموارد أو المساعدة التي تحتاج إليها مني؟
لم تقتصر استفادة أكرم على استخلاص رؤى وأفكار جديدة، بل لاحظ أيضاً أن الآخرين تأثروا بهذه الأسئلة وبدؤوا يطرحونها بأسلوبهم الخاص في مناقشاتهم الأخرى (دون أي توجيه منه)، ما يدل على زيادة التفاعل والانسجام.
الاكتشاف: اجعل حياة العملاء ركيزة أساسية في استراتيجية النمو.
تركز استراتيجيات عديدة على صناعة المنتجات والخدمات ثم توزيعها وبيعها، ولكنها تفتقر إلى التركيز الكافي على كيفية تلبية احتياجات العملاء (التي يدفعون المال من أجلها). يؤدي هذا في أسوأ الأحوال إلى صناعة منتجات لا تلقى قبول العملاء، ما يحد من إمكانات نمو المؤسسة وقدرتها على التحمُّل. يبدو الأمر كما لو أن المسؤولين التنفيذيين قد نسوا أن الهدف الأساسي لأي نشاط تجاري هو اكتساب العميل والاحتفاظ به، على حد التعبير المستوحى من بيتر دراكر.
احرص على جعل العميل واحتياجاته محوراً للعمل في مختلف مستويات المؤسسة، بدءاً من اجتماعات مجلس الإدارة والمسؤولين التنفيذيين وصولاً إلى عمل موظفي الخطوط الأمامية. ولتحقيق هذه الغاية لا بد من الإجابة عن بعض الأسئلة البسيطة التي غالباً ما ننساها:
- من هم عملاؤنا الحاليون؟
- من هم العملاء الذين يجب الاحتفاظ بهم، وكيف نحقق ذلك بأفضل طريقة؟
- من هم عملاؤنا المستقبليون، لا سيما الذين لا يحظون بالخدمة الكافية أو يتعرّضون للتجاهل أو الإهمال؟
- ما الذي يتعين علينا فعله لإسعادهم والتخلُّص من أسباب إحباطهم؟
- ما هي الرؤى التي يمكننا جمعها وتحليلها واستخدامها بحيوية؟
واصل طرح الأسئلة واستكشاف الفرص وتحليل المشكلات التي تمنع مؤسستك من تقديم قيمة حقيقية للعملاء. ركّز على العوامل المؤثرة في حياة العملاء وقراراتهم اليومية التي يتخذونها بناءً عليها.
واحرص داخل المؤسسة على استخدام مقاييس تساعدك على تحديد مصادر القيمة ومقدارها، مثل عدد العملاء الجدد والحاليين والإيرادات الناتجة عنهم. يُشكّل هذا حجر الأساس لتحديد الأولويات الاستراتيجية، ومثلما يقول روجر مارتن، فإن الاستراتيجية هي تقديم "عرض يجبر العملاء على اختياره بدلاً من عروض المنافسين".
التصميم: أنشئ مؤسسة قادرة على التكيف مع التغيرات المستقبلية
ينصبّ تركيز الرئيس التنفيذي خلال أول 90 يوماً من توليه المنصب على الاستماع إلى الأطراف المعنية واستقصاء المشكلات والعمل على علاجها، أما المرحلة التالية فتنطوي على وضع خطط لما يريد تحقيقه والعمل على تنفيذها.
ونظراً لصعوبة إعادة تشكيل المؤسسة وإحداث تغيير شامل بها، قد تلجأ إلى تحسين الاستراتيجية والنموذج التنظيمي الحاليين بدلاً من إعادة النظر فيهما جذرياً. وعلى الرغم من أهمية تقليص المستويات الإدارية والتخلص من الإجراءات الروتينية وإسهامهما في خفض التكاليف (سأناقش هذا الموضوع باستفاضة في القسم التالي)، فإنهما لا يكفيان بمفردهما لتعزيز قدرات المؤسسة والتوسع في أسواق جديدة؛ إذ يتطلب ذلك التفكير من منظور أوسع مع التركيز على الإجراءات الأربعة التالية:
- إعادة هيكلة الإدارة المركزية بالمؤسسة. تمثل الإدارة المركزية في أسوأ الأحوال كياناً بيروقراطياً يبالغ في الحفاظ على اتباع الإجراءات الروتينية وتجنُّب المخاطر، ما يؤدي إلى إعاقة التقدم والتطور داخل المؤسسة. إذا كنت ترى أن مؤسستك تعاني هذه المشكلة، فاحرص على إعادة توجيه مسؤولي المركز الإداري بها بحيث ينصبّ اهتمامهم على استكشاف الأفكار الجديدة واتخاذ القرارات الحاسمة وإعادة توزيع الموارد على نحو أكثر كفاءة لدعم الجوانب ذات الأولوية.
- توزيع المسؤوليات على الموظفين. جرِّب تشكيل فرق عمل ذاتية الإدارة تتفاعل مباشرة مع عملائك وتتحمل مسؤولية تحقيق نتائج ريادية باستخدام مقاييس شفافة قائمة على النتائج.
- اعتماد الذكاء الاصطناعي باعتباره ركيزة أساسية في أعمال الشركة. تعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره زميلاً جديداً يسهم في تحسين الكفاءة وتعزيز عملية صناعة القرار عبر الكشف عن رؤى وأفكار جديدة وإتاحة مصادر جديدة لتحقيق القيمة المضافة من خلال تزويد الموظفين الذين يتعاملون مع العملاء بأدوات أكثر تطوراً.
- التعاون مع شركاء المنظومة. يرى مايكل جاكوبيدس أن أي شركة مهما بلغت إمكاناتها لن تبقى قادرة على تلبية احتياجات العميل كلها بسبب التغيرات الهيكلية في الاقتصاد، وعلى رأسها التكنولوجيات الحديثة التي أعادت تشكيل طرق خدمة الشركات لعملائها. ما الحل إذاً؟ لا بد من العمل مع شركاء المنظومة للاستفادة من القدرات التكميلية المتوافرة لدى كلٍّ منها. على سبيل المثال، يمكن ربط جهاز تنظيم الحرارة من شركة نيست (Nest Thermostat) بسيارات معينة وأجهزة اللياقة البدنية القابلة للارتداء لتحديد الوقت المناسب لتدفئة منزل المستخدم أو تبريده.
جرِّب التغييرات واختبرها في فرق محددة، ومن ثم يمكنك تعميمها بالمؤسسة إن أثبتت نجاحها. قال الرئيس التنفيذي لاستوديوهات باينوود (Pinewood Studios)، ديفيد كونواي، حينما كان يستعرض عامه الأول في منصبه: "إذا أردت تغيير الثقافة المؤسسية، فعليك اتخاذ خطوات تدريجية لتحقيق هذه الغاية؛ لأن المبالغة في فرض التغيير ستؤدي إلى مقاومته من الموظفين بمختلف مستويات الشركة".
التخلُّص من الأنظمة القديمة والتعقيدات البيروقراطية
مهما بذلت من جهد، ستجد صعوبة في التخلُّص من البُنى التنظيمية وآليات العمل والعادات القديمة؛ إذ يعود الموظفون إلى أساليبهم التي اعتادوها ويشعرون تجاهها بالارتياح، لا سيما عند تعرُّضهم للضغط لتحسين النتائج أو عند شعورهم بالقلق بشأن مستقبلهم، ما يؤدي إلى تراجع مستوى الأداء وعرقلة التقدم خلال فترة حرجة من التحول المؤسسي تستلزم استخدام أساليب تفكير وممارسات جديدة لتنفيذ الاستراتيجية الجديدة.
يجب التخلي عن بعض عناصر المؤسسة في ثوبها القديم، مثل الخدمات وآليات العمل والممارسات والعلامات التجارية والشركات التابعة، إذا تبيّن أنها غير مفيدة ولا مناسبة للاستراتيجية والنموذج المؤسسي الجديدَين، أو أنها باتت مكلفة وغير فعّالة مقارنة بالبدائل الأحدث، خاصة تلك المدعومة بالتكنولوجيات وأساليب العمل الحديثة، أو أنها غير مربحة وتؤدي إلى تكبُّد الخسائر بسبب ضعف إقبال العملاء عليها.
ضع التصدي للأنظمة القديمة والتعقيدات البيروقراطية على رأس أولوياتك، مثلما تتعامل مع الابتكار، حتى لو بدا ذلك نشاطاً أقل جاذبية؛ فعليك أن تدرك أهميته في خلق بيئة داعمة لنشوء المؤسسة الجديدة من خلال إفساح المجال أمام الأفكار والرؤى والأنشطة الجديدة التي ربما تعرضت سابقاً للتهميش أو التجاهل أو انشغلت عنها الإدارة بأمور أخرى.
ولتحقيق هذه الغاية لا بد من وضوح التفكير والقدرة على اتخاذ قرارات جريئة دون تردد والتحلي بالشجاعة؛ أظهِر تقديرك للإنجازات السابقة لكن مع تجنُّب النداءات العاطفية التي تدعو للتمسك بالوضع الراهن، وبدلاً من تكليف أفضل كوادر المؤسسة وأكثرهم قدرة على التأثير بتولي مشاريع الابتكار، حمِّلهم مسؤولية معالجة الأنظمة القديمة والتغلب على التعقيدات البيروقراطية، وادعمهم في هذا الدور.
التمكين: شجِّع الموظفين على التعبير عن آرائهم وتحمُّل المسؤولية.
يعمل القائد في هذه المرحلة على تجربة أساليب عمل جديدة وتشجيع مرؤوسيه على دعم التغيير والمشاركة فيه بفعالية. ويكمن التحدي هنا في تشجيعهم على التعبير عن آرائهم صراحةً وتحمُّل المسؤولية على أكمل وجه؛ فكثيراً ما يمتنع الموظفون عن ذلك لأنهم يشعرون بأنهم لا يجدون آذاناً مصغية أو لأنهم يخشون التعرض للعواقب إذا قالوا شيئاً يتعارض مع رؤية نظرائهم أو مدرائهم.
ويتمثل دور القائد في تسهيل الأمر قدر الإمكان ليتمكن الجميع من بذل قصارى جهدهم وتقديم أفضل ما لديهم، بغض النظر عن مواقعهم داخل المؤسسة أو مستوى خبراتهم أو خلفياتهم التعليمية أو الثقافية أو المهنية. وتتضمن هذه الممارسات ما يلي:
- الحدّ من التحيّزات المنهجية. حلّل أثر السياسات والممارسات التي تتبعها المؤسسة في أنشطتها على معاملة الأفراد أو الفئات المختلفة بأسلوب يفتقر إلى العدالة والإنصاف، ومنها التوظيف وتوزيع الموارد وإدارة الأداء وصناعة القرار، ثم حدّد أكثر الوسائل فعالية لتخفيفها أو التخلص منها نهائياً. ووفقاً لمؤلفة كتاب "الشمول القيادي" (Leading Inclusion)، جينا كوكس، فإن هذه التحيّزات المنهجية "أكثر انتشاراً وتأثيراً من التحيّز الضمني أو التحيّز الشخصي، كما يُساء فهمها أكثر".
- طرح أسئلة وجيهة. يستخدم منسق سلسلة المحادثات "سكين ديب" (Skin Deep)، توباز أديزيس، أسئلة تركز على الغاية أو الهدف، أي أسئلة بسيطة وفعّالة ومفتوحة تركز على الأهداف الأساسية. على سبيل المثال، بدلًا من السؤال: "لماذا لم تحقق الحملة أهدافها؟" جرِّب طرح سؤال: "ما هي الدروس المستفادة من هذه الحملة ويمكن تطبيقها على الحملة التالية لزيادة فرص نجاحها؟"؛ فالسؤال الثاني يشجع المتلقي على التفكير في الموقف باعتباره فرصة للتعلم والتطوير، لا تهمة موجَّهة إليه.
- الإصغاء للأجوبة بتمعن. تقول مؤلفة كتاب "مزيد من الوقت للتفكير" (More Time To Think)، نانسي كلاين: "يتوقف مستوى جودة تفكير الآخرين على مستوى جودة انتباهك"، وهو ما يعني عملياً أهمية الحفاظ على التواصل البصري والتزام الصمت وتجنُّب مقاطعة المتحدث وإظهار إصغائك إليه من خلال لغة جسدك.
- منح الصلاحيات اللازمة للموظفين. احرص على تمكين الموظفين من اتخاذ القرارات وإظهار الثقة في قدراتهم وتوضيح أدوارهم وتقديم الإرشاد والموارد اللازمة لمساعدتهم على التطور.
قد تبدو هذه النصائح بديهية، لكنها تتطلب إحداث تغيير جذري في أساليب تفكير الكثير من المسؤولين التنفيذيين. حاول أن تقول العبارات التالية لنفسك عند أداء هذا العمل:
أؤمن بأن مَن يعملون معي قادرون على تحقيق إنجازات مذهلة، وعليَّ أن أهيئ لهم الظروف المناسبة للازدهار؛ فما الذي يمكنني اعتماده أو التخلص منه لتحقيق هذه الغاية؟ وما هي أهم الموارد أو طرق المساعدة التي يحتاجون إليها مني شخصياً؟ وما هي أهم الإسهامات التي يمكنني تقديمها في هذا المسعى؟
نوجّه اهتمامنا أغلب الأحيان إلى أول 90 يوماً من مدة تولي الرئيس التنفيذي منصبه، وهذا أمرٌ مبررٌ، فالنجاح خلال هذه الفترة يمهّد الطريق للنجاح خلال الأشهر والأعوام المقبلة؛ ولكن غالباً ما تكون الفترة التي تعقُب هذه الأيام هي المرحلة الحاسمة لإثبات قدرة الرئيس التنفيذي على إحداث التغييرات المنشودة في المؤسسة. وثمة 6 إجراءات مترابطة تشكّل نظاماً للتفكير والعمل يدعم التقدم المستدام ويخلق فرصاً جديدة للنمو المربح ويبني مؤسسة أكثر كفاءة وقدرة على مواجهة التحديات.