سيلاحظ أي شخص يستمع إلى وصف آلان مولالي وهو يصف التحوّل الهائل الذي مرت به شركة فورد تركيزه على شعار "فورد واحدة، فريق واحد، والعمل المشترك"، إذ صرح بشغف أن "هذه العبارات ليست مجرد كلمات"؛ في الواقع، طُلب من موظفي شركة فورد حمل رسالة "الوحدة" التي روّجها رئيسهم التنفيذي معهم في بطاقات مغلّفة.
أسهمت شعارات مولالي حرفياً في تعزيز وحدة الغاية في شركة فورد التي عانت انقسامات داخلية، وساعدت المفردات الجديدة في خلق ثقافة قائمة على تحمّل المسؤولية وعدم التساهل مع المشكلات الناجمة عن الغموض، وحذّر مولالي الموظفين الذين لم يتمكنوا من التكيّف مع ثقافة شركة فورد أو الذين لم يرغبوا في تبنّيها من خطر التسريح. وفّرت هذه المفردات دليلاً شاملاً حول التوقعات وأساليب التواصل والسلوك المتوقع في الشركة؛ ولم يكن ليُكتب لشركة فورد النجاح لولاها.
في الواقع، يحرص المسؤولون التنفيذيون الجادون على إعادة تحديد المفردات الرئيسية التي تستخدمها المؤسسة لشرح أهدافها. صحيح أن "القيادة بالقدوة" عنصر أساسي للنجاح، لكن المؤسسات بحاجة أيضاً إلى لغة تواصل أساسية تمكّنها من توضيح أهدفها والتركيز عليها. في الحقيقة، الغموض هدّام؛ وعندما يفسّر الأشخاص الكلمات نفسها بطرق مختلفة، فستكون النتيجة فوضى وانقساماً لا وحدة وتواؤماً. لذلك، يطوّر القادة الملهمون ما يُدعى بـ "مفردات القيم" التي تجعل التنظيم الذاتي والتحفيز والانسجام أسهل بين أفراد المؤسسة.
لا تضمن البساطة والوضوح والتواصل المباشر أن يفهم المستمع رسالة المتحدث؛ بمعنى أن الكلمات التي يقولها الرؤساء التنفيذيون ويكتبونها وينشرونها أقل أهمية بكثير من أهمية تفسير الموظفين لها. لاحظ مولالي وغيره من الرؤساء التنفيذيين المسؤولين عن التواصل أن الاختبار الحقيقي للفهم يكمن في أسلوب تفاعل المتلقي مع الرسالة.
بعبارة أخرى، إذا لم يتفاعل الموظفون مع رسالة الرئيس التنفيذي ويسهموا في تطويرها بصورة بنّاءة داخل المؤسسة وخارجها، فذلك يدل على خلل عميق إما في الموظفين أنفسهم وإما في الرسالة الموجهة إليهم، وإما في الرئيس التنفيذي نفسه. فالاهتمام بتحسين الرسالة وتنقيحها ليس مهماً بقدر أهمية تفاعل الجمهور المستهدف معها واتخاذه إجراءات استناداً إليها.
لكن ليس من المفترض أن يكرر الموظفون كلام القادة دون فهم؛ لذلك، يشجع الرؤساء التنفيذيون الناجحون مدراءهم على ممارسة دور يتعدى نقل الرسائل بحرفيتها، واستخدام أساليب تُعينهم على نشر المفردات الجديدة على نحو أفضل، مثل ابتكار القصص والأمثال الشعبية.
أرادت الرئيسة التنفيذية الجديدة لإحدى شركات خدمات الويب الشهيرة تحويل الشركة لتصبح أكثر تركيزاً على العملاء، بل شركة "مهووسة بالعملاء"، ورأت أن التحليلات المحوسبة والعمليات الحالية في الشركة لا تقدم الدعم الكافي لتحسين تجارب العملاء. وسرعان ما اكتشفت أن إحدى العقبات في تعزيز المبادرات الاستباقية التي تركز على المستخدمين هي اعتماد موظفيها على مجموعة محددة من المفردات، إذ فسّر الموظفون دعواتها للتركيز على العملاء بتكثيف الجهود القائمة بالفعل بدلاً من مناقشة طرق جديدة لإضافة القيمة.
وأدركت بعد مضي أسابيع محبطة ومخيبة للأمل أنها لن تحقق التحسينات المنشودة ما لم يتغير النقاش في الشركة بشأن العملاء، فبدأت التركيز على العملاء وأثر خدمات الشركة في مشاعرهم وتجاربهم، وشجعت مدراء المنتجات على تحسين تجربة المستخدم بدلاً من التركيز على تحسين درجات رضا العملاء فقط. وأدى النجاح، الذي كان تدريجياً لا فورياً، إلى بدء الموظفين توضيح أبعاد جديدة لم تكن الرئيسة التنفيذية تتوقعها حول قيمة العملاء؛ وبدؤوا تدريجياً مناقشة مفردات مشاركة العملاء وتفاعلهم وتجاربهم بطرق مختلفة نوعياً.
وعلى الرغم من عدم تخلي الموظفين عن مفرداتهم الحالية حول العملاء، لكن لم يعد لها دور حاسم في تحديد كيفية تحدث خبراء التسويق والمبتكرين عن العملاء المستهدفين. واللافت في الأمر هو أن الرئيسة التنفيذية وأعضاء فريقها القيادي أصبحوا يواجهون صعوبة في تحديد مدى مرونة "مفردات القيم"؛ أي المصطلحات التي يجب أن تظل ثابتة، والمصطلحات التي يجب أن تتطور باستمرار مع تطور التكنولوجيا والتحليلات المحوسبة.
القدرة العالية على تطويع اللغة مهارة مهمة جداً للرؤساء التنفيذيين في قطاع دائم التغيير. على سبيل المثال، كيّف الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، أسلوب تواصله مع تحول تركيز الشركة من برامج ويندوز وأوفيس المملوكة لها إلى منصة الحوسبة السحابية والأنظمة المفتوحة، فأصبحت تكنولوجيا تعلّم الآلة مثلاً جزءاً أساسياً من مفردات القيم الجديدة في شركة مايكروسوفت، وتحظى بالأهمية نفسها التي تحظى بها كتابة رمز برمجي جيد.
قال ناديلا: "لا يقتصر التغيير على نقل منتج أوفيس 365 إلى منصة الحوسبة السحابية بصفتها وسيلة جديدة لتوصيل الخدمة، بل يتعلق أيضاً بمزايا الذكاء الاصطناعي المضمنة في التطبيق. فنحن نستخدم مفهوم الشبكات العصبية نفسه في تقديم البريد الوارد المركّز مثلا".
لكن التحدي الذي تواجهه مايكروسوفت على المستوى العالمي لا يتعلق بقدرة الرئيس التنفيذي على صياغة رؤية مبتكرة ومقنعة، بل بقدرة فرق المبيعات وخبراء التسويق ومدراء المشاريع وكاتبي الرموز البرمجية على تحويل هذه الرؤية إلى إجراءات مقنعة بأسلوب إبداعي؛ إذ تحتاج الشركة إلى مفردات جديدة تعكس حالة الابتكار التي تمر بها.
شهدنا ذلك في قطاع الخدمات المالية بالفعل، إذ أدت تكنولوجيا سلسلة الكتل وأنظمة عمليات الدفع والتسوية إلى تغييرات جذرية في نماذج الأعمال؛ وشهدناه في قطاع الرعاية الصحية أيضاً، إذ لم يكن مصطلح "طب المستشفيات" شائعاً قبل 20 عاماً.
يمتلك روّاد الأعمال المؤسسون مهارات في استخدام المفردات الدلالية والخطابية مقارنة بخلفائهم في هذا الصدد، كما أنهم يؤثرون في المفردات المستخدمة في التواصل بما يتناسب مع قيمهم. لكن كل رئيس تنفيذي يقود عملية التغيير ويتعامل مع حالات الزعزعة يحتاج إلى موظفين وأنظمة تضمن فهم الجميع المفردات الأساسية كلها.
ألّف بيل لين كتاباً ضم مذكرات عمل الرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك، جاك ويلش، التي لم تحظ بالاهتمام الكافي أطلق عليه اسم "الرافع" (Jacked Up)؛ حيث وصف لين الجهد والاهتمام اللذين بذلهما مديره في خطاباته وعروضه التقديمية، وكيفية استخدام منشأة كروتونفيل (Crotonville) التابعة للشركة لتدريب المسؤولين التنفيذيين الواعدين في الشركة على قيمها وثقافتها.
يقول لين إن ويلش اعتاد تقييم كل عرض تقديمي يقدمه فريقه إلى الإدارة العليا بصرامة. ما السبب؟ لضمان فهم الجميع رسائله الرئيسية والأساسية، والعمل بناءً عليها فيما بعد. واستنتج لين أن مهارات ويلش بصفته مستمعاً أحدثت تغييراً أكبر من كلماته بصفته متحدثاً.
باختصار، سيمتلك الرؤساء التنفيذيون العظماء قدرة كبيرة على التواصل عندما يدركون أهمية فهم موظفيهم لرسائلهم.