إذا كنت تحاول أن تُظهرَ الطبيعة الحقيقية لعقلك أمام مديرك أو أمام شركة تدرس إمكانية توظيفك، فإنّ أفضل حليف لك هو لسان حالك، أي صوت عقلك.
على الرغم من أنّ بعض الناس يفترضون بأن أفكارهم وعقولهم ستصل إلى الآخرين بشكل أفضل عندما تكون مكتوبة، إلا أنّ الثابت هو أنٍّ استعمال صوتك يمكن أن يجعلك تبدو شخصاً أذكى.
وقد توصّلنا إلى هذه الخلاصة ضمن إطار بحث أوسع أجريناه بهدف استقصاء الأسلوب الذي يستعمله الناس ليدركوا ما الذي يدور في عقول الآخرين على الرغم من افتقار البشر إلى القدرة المباشرة على ملاحظة أفكار الآخرين أو معتقداتهم أو دوافعهم. وقد استنتجنا بأنّ اللغة المنطوقة هي أداة في غاية الفعالية في تحقيق ذلك. وهي أكثر شكل من أشكال التواصل لا يكشف بوضوح عمّا يدور في أذهان الناس فحسب، وإنما يكشف قدرتهم على التفكير أيضاً.
وهذه نتيجة تستحق التأمّل. فجزء كبير من نجاحك في الحياة يتوقّف، في نهاية المطاف، على الطريقة التي ينظر الناس بها إليك. فقد تكون شخصاً ذكياً وكفوءاً، ولكن إذ لم يدرك مديرك ذلك، فإنّك لن تحصل على الزيادة المستحقّة في الراتب. وقد تكون أفضل شخص مرشّح لشغل وظيفة متطلّبة من الناحية الفكرية، لكنّك لن تحظى بهذه الوظيفة ما لم يدرك الشخص الذي يجري المقابلة معك القدرات الموجودة لديك.
وقد توصّلنا إلى هذه النتيجة عبر سلسلة من التجارب. ففي إحدى هذه التجارب، طلبنا من 18 طالباً في ماجستير إدارة الأعمال خلال موسم التوظيف بأن يحضّروا بياناً منطوقاً يشرحون فيه لصاحب العمل الذي يفضّلون العمل لديه السبب الذي يجب أن يدفعه إلى توظيفهم. (كما طلبنا منهم أيضاً تحضير بيان منفصل مكتوب، استعملناه في تجربة لاحقة). وقد منحناهم كل الوقت الذي يحتاجونه لتحضير هذه البيانات بحيث تتمتّع بأكبر قدر من الجاذبية، وقد قمنا بتصوير العروض بواسطة الفيديو لنتمكّن من تقويم الأثر الذي يتركه سماع هؤلاء المرشحين ورؤيتهم على الآخرين.
ثم طلبنا من 162 شخصاً فاحصاً مشاهدة فيديو واحد، أو الإصغاء إلى نسخة صوتية من بيان واحد، أو قراءة النصّ الحرفي المفرّغ لبيان واحد (بعد إزالة أي أصوات تدل على التأتأة أو التردّد مثل "ممم"). وقد قام هؤلاء الفاحصون بتقويم مدى كفاءة المرشحين، ومدى عمق تفكيرهم، وذكائهم، كما حدّدوا أيضاً إلى أيّ مدى أحبوهم وشعروا بانطباع إيجابي تجاههم. فأحكامٌ من هذا النوع تُعتبرُ ذات أهمية كبيرة جداً بالنسبة لقرارات التوظيف في قطاعات مثل الخدمات، والتي يبحث أصحاب العمل فيها عن أشخاص أذكياء. أخيراً، طلبنا من هؤلاء الفاحصين أن يذكروا مدى اهتمامهم بتوظيف المرشحين فيما لو كانوا هم المسؤولين عن عملية التوظيف.
بالمقارنة مع الفاحصين الذين قرؤوا النص الحرفي المفرّغ للبيان، فإنّ الفاحصين الذين سمعوا النسخة الصوتية من البيان حكموا على المرشحين بأنّهم يمتلكون عموماً عقلاً أفضل (أي أنهم أكثر عقلانية، وتأمّلاً وذكاءً). كما أنّهم أحبوا هؤلاء الأفراد بشكل أكبر، وكوَّنوا عنهم انطباعاً إجمالياً أكثر إيجابية، وربما الأهم من ذلك هو أنهم كانوا أكثر اهتماماً بتوظيف هؤلاء المرشحين. أمّا الفاحصون الذين شاهدوا أفلام الفيديو، فيبدوا بأنهم قد كوّنوا انطباعات أكثر إيجابية حتّى، لكن لم يكن هناك فرق إحصائي ذو دلالة كبيرة بين تقويمات فلم الفيديو والنص المسجّل صوتياً.
قد تكون هذه النتائج مفاجئة للعديد من الناس. فعندما طلبنا من عيّنات من طلاب الماجستير في إدارة الأعمال، وطلاب الماجستير، وطلاب الكلية المجتمعية في شيكاغو، وأشخاص آخرين على الانترنت بأن يتنبؤوا ما إذا كان ذكاؤهم سيحظى بتقويم أكثر إيجابية في حالة النص المحكي أم النص المكتوب، كان توقعهم بأنّه لن يكون هناك فرق مهم بين الشكلين. وعندما سألناهم عن الطريقة الأفضل برأيهم للتعبير عن فكرهم أمام جهة تريد توظيفهم، عن طريق تسليم بيان مكتوب أو تلاوة بيان صوتي يتضمّن الكلمات ذاتها، فإن نصف طلاب ماجستير إدارة الأعمال الذين شاركوا في الاستطلاع تقريباً (50 من أصل 112) قالوا بأنّهم يفضّلوا تقديم بيان مكتوب.
الأمر المؤكد هو أن النصّ الحرفي المفرّغ لبيان منطوق قد يعوّض عن نص مكتوب غير جذّاب، لذلك أجرينا تجربة أخرى لنختبر ما إذا كانت نتائج البيان المكتوب ستكون مشابهة لنتائج النص الحرفي المفرّغ. وقد أكّدت هذه التجربة بأن ما يدور في ذهن المرء يُعبّر عنه عبر صوته: فبالمقارنة بين نص حرفي مفرّغ وبيان مكتوب بعناية لطالب واحد، فإنّ البيان المحكي قاد إلى انطباعات أكثر إيجابية عن عقل المرشح وإلى اهتمام أكبر بتوظيفه.
وقد تتساءلون ما إذا كان الناس المختصين بالتوظيف في الحياة العملية سيميلون بذات الطريقة إلى المرشحين الذين يتحدّثون. لأسباب أخلاقية، لم نكن قادرين على التلاعب بقرارات توظيف حقيقية، لكننا كنا قادرين على تطبيق تجربتنا على أشخاص محترفين في مجال التوظيف. فبعد أحد المؤتمرات، طلبنا من 39 شخصاً معنياً بالتوظيف في شركات مثل ميكروسوفت، وغولدمان ساكس إما أن يصغوا إلى بيان صوتي لأحد المرشحين أو أن يقرؤوا النص الحرفي المفرّغ للبيان. وبشكل عام، فهم أيضاً حكموا على المرشّح بأنه أذكى ومحبوب أكثر وكانوا أميل إلى توظيفه عندما سمعوا البيان، مقارنة مع قراءة البيان بشكل مكتوب.
من الواضح بأنّ هناك حالات عديدة يكون فيها الخيار الوحيد للتواصل مع المدراء الأعلى أو مع القائمين على عملية التوظيف هو عبر تقديم نص مكتوب. ولكن من الجدير بذل الجهد لكي توصل صوتك أيضاً بطريقة من الطرق إلى جانب النص المكتوب، ونحن نعتقد بأنه عندما يكون هناك أشخاص على وشك اتخاذ قرار بشأنك، فإن البحث عن فرصة للدردشة معهم عبر الهاتف أو شخصياً هي فكرة جيدة.
رغم أنّه قد تكون هناك بعض الميزات الإيجابية للتعبير عن أفكارك كتابة – فهذا الأمر يسمح لك بإجراء مراجعة للنص وتنقيحه مثلاً – إلا أن المقاطع المكتوبة تفتقر إلى الكثير من الإشارات والتلميحات الأساسية غير اللغوية التي تقدّم معلومات حول ذكاء المتحدّث ومدى عمق تفكيره. فصوتك هو أداة تطوّرت عبر التاريخ البشري لتعبّر بها للآخرين عمّا يدور في ذهنك. فحتى دون أن تفكّر في الأمر، فإنّك تُغْرِقُ محدّثك وبشكل طبيعي بإشارات وتلميحات تدلّ على تفكيرك عبر إدخال تعديلات على نبرة صوتك، وطبقته، وحجمه وحدّته. والمستمع الذي ينتبه إلى هذه التعديلات يقوم بشكل طبيعي بفك شيفرة هذه الإشارات والتلميحات. لذلك إذا زعمت بأنك تشعر بالشغف حيال وظيفتك التي ترغب في شغلها، مثلاً، فإن سماع شغفك قد يكون أكثر إقناعاً من القراءة عن شغفك في الورقة. والنص المكتوب ليس قادراً على إيصال ذات الانطباع الذي يوصله صوتك، لأنّه يفتقر إلى ميزة أساسية جداً ألا وهي صوت العقل.