هل الذكاء الاصطناعي يحرق القادة قبل الموظفين؟

1 دقيقة
الذكاء الاصطناعي يحرق القادة
app.envato.com/by iLexx

إذا كانت بيئة العمل العربية تريد فعلاً تبني "التحول الذكي"، فيجب أن تتبنى موازاة له تحولاً في ثقافة القيادة. وهنا ثلاث خطوات عملية:

  • 1. إعادة صياغة الذكاء الاصطناعي كشريك لا كبديل. المطلوب ليس تدريباً تقنياً فقط، بل سرداً جديداً. الذكاء الاصطناعي لا يحل محل القائد، بل ير…

في مجلس إداري لإحدى الشركات الخليجية التقنية الناشئة، رفع الرئيس التنفيذي يده بتثاقل قائلاً: "أشعر أنني أركض خلف آلة لا تتعب". لم تكن شكواه عن ضغط السوق أو تراجع التمويل، بل عن شعور داخلي يتآكله كلما تعمّق في تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا الصوت لا يخصه وحده.

في دراسة أجريت على 615 مديراً تنفيذياً ومديراً أول في شركات إماراتية صغيرة ومتوسطة، ظهرت مفارقة صادمة: كلما ازداد وعي القادة بالذكاء الاصطناعي، ارتفعت مستويات الاحتراق الوظيفي لديهم.

القائد في مواجهة المجهول الرقمي

الخطاب السائد كان يربط الذكاء الاصطناعي بخطر فقدان الوظائف في الطبقات التشغيلية: عمّال المصانع، موظفو إدخال البيانات، العاملون في مراكز الاتصال. ولكن يبدو أن الذكاء الاصطناعي بدأ يصيب قلب الإدارة نفسها.

تبيّن الدراسة أن وعي القادة بقدرات الذكاء الاصطناعي لا يُشعرهم بالقوة أو التمكين، بل بالعكس، يزيد من توترهم وإرهاقهم النفسي. والسبب؟ الشعور المتصاعد بأن الخوارزميات بدأت تقترب من "منطقة نفوذهم" في اتخاذ القرار، والتحليل، وحتى القيادة الاستراتيجية.

ويقدر تقرير صادر عن غولدمان ساكس أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يعرض ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل للأتمتة، مشيراً بشكل خاص إلى أن المهن الإدارية والقانونية، وهي غالباً أدوار ذات مكانة عالية، تتعرض لخطر كبير.

من مورد إلى تهديد

وفقاً لنموذج "المطالب والموارد" في علم النفس الصناعي، فإن كل تقنية جديدة يُفترض أن تكون مورداً. لكن حين يُنظر إليها كمطلب إضافي يتطلب التكيف المستمر، تصبح عبئاً.

في الدول العربية، حيث تتسابق المؤسسات لاعتماد أحدث أدوات الذكاء الاصطناعي، يشعر العديد من التنفيذيين بأنهم دخلوا سباقاً بلا نهاية. الضغط لا يأتي من المنافسين، بل من سؤال داخلي مزعج: "هل ما أعرفه لا يكفي بعد الآن؟"

الرأس المال المعرفي يفقد قيمته

في بيئة العمل العربية، حيث يعتبر المدير هو خزان المعرفة، عبر تراكم سنوات الخبرة والقرارات المعقدة التي صنعت له هيبة ومكانة. لكن الذكاء الاصطناعي، كما تشير الدراسة، يهدد بتحويل هذه المعرفة الضمنية إلى سلع رقمية يمكن لأي نظام أن يحللها ويستخدمها.

هذه المخاوف تُترجم عملياً إلى سلوكيات دفاعية مثل حجب المعرفة، مقاومة التغيير، وأحياناً حتى الانسحاب الصامت. وهنا، لا يعود القائد منشغلاً بالابتكار، بل فقط بالبقاء.

من يقاوم ومن يتكيّف؟

يؤكد المنتدى الاقتصادي العالمي أن "إعادة تشكيل المهارات" (Reskilling) لا تتعلق فقط بالمهارات التقنية بل بالمهارات "البشرية"، حيث يسلط تقرير "مستقبل الوظائف" الضوء على أن التفكير التحليلي والتفكير الإبداعي هما أهم المهارات لعام 2027، مما يثبت أن العنصر البشري لا يزال لا غنى عنه.

ليست كل القصص قاتمة. الدراسة كشفت عن عامل مفصلي يحدد كيف يتفاعل التنفيذيون مع الذكاء الاصطناعي: تقدير الذات.

  • القادة الذين يتمتعون بتقدير ذاتي وثقة بالنفس بشكل مرتفع، رأوا في الذكاء الاصطناعي أداة تعاونية تعزز قراراتهم.
  • أما من انخفض لديهم هذا التقدير، فقد رأوه خصماً يفضح ضعفهم.

القضية هنا ليست فقط تقنية أو معرفية، بل نفسية بامتياز. والمؤسسات التي تتجاهل هذه الأبعاد، تخسر قادتها من الداخل.

كيف نحمي القادة من الاحتراق؟

إذا كانت بيئة العمل العربية تريد فعلاً تبني "التحول الذكي"، فيجب أن تتبنى موازاةً له تحولاً في ثقافة القيادة. وهنا ثلاث خطوات عملية:

1. إعادة صياغة الذكاء الاصطناعي كشريك لا كبديل

المطلوب ليس تدريباً تقنياً فقط، بل سرداً جديداً. الذكاء الاصطناعي لا يحل محل القائد، بل يرفع عنه الأعباء التشغيلية ليقود أفضل. استخدموا أمثلة من الواقع المحلي: شركات عربية استخدمت الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات السوق، فتمكّن قادتها من التركيز على بناء علاقات أقوى مع العملاء.

2. الاستثمار في رأس المال النفسي للقادة

برامج القيادة لا يجب أن تقتصر على المهارات الفنية. نحتاج إلى تدريب على الصلابة النفسية، الوعي الذاتي، والذكاء العاطفي. إدخال جلسات التدريب "الكوتشينج" الفردي، والمجموعات الداعمة داخل المؤسسات أصبح ضرورة، لا ترفاً.

3. الشفافية في إدارة التغيير

الغموض يولّد الخوف. بيئة العمل التي لا توضّح لقادتها خارطة الطريق التقنية تجعلهم يملؤون الفراغ بأسوأ السيناريوهات. فليكن هناك وضوح: ما الذي سيتغير؟ ما الذي سيبقى؟ وكيف يمكن لكل قائد أن يجد مكانه في المستقبل؟

إذا كان الذكاء الاصطناعي سيتكفّل بالمهام التحليلية، فإن القادة ما زالوا يحملون ما لا يمكن ترميزه: الحدس، القيم، والرؤية. لكن لا يمكنهم فعل ذلك وهم مشتتون ومرهقون.

في ظل سباق التحول الرقمي، فإن المستقبل لا يحتاج فقط إلى أدوات ذكية، بل إلى قادة أكثر توازناً وقدرة على القيادة في عالم يتغير بسرعة لا ترحم، وكما يقول المثل: "السيف لا يقطع بحده فقط، بل باليد التي تحمله".

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي