عند الساعة الخامسة والنصف صباحاً من يوم الخميس كانت أليكس تشرب كوب القهوة بالحليب متكئة على طاولة الخدمات. كل يوم في مثل هذا الوقت تملأ أشعة الشمس مقهى لتستمتع بلحظات السلام والهدوء قبل بداية الذروة الصباحية. تبقي 30 دقيقة قبل أن تجمع مُعدي القهوة لتلقي خطابها التشجيعي الصباحي (مع بعض الإسبريسو)، فتحت جهاز الآي باد للوصول إلى مساعدها القيِّم جداً وهو لوحة المتابعة الخاصة بالمشاريع الصغيرة. وخلال ثوانٍ، بحثَ مستشار الإمدادات في حساباتها وسجلات المبيعات والمصروفات وتوقعات الطقس المحلية ومعلومات الأحداث المجاورة وبيانات السياحة الماضية، وأخبرها أنها ستحتاج إلى خمس مجموعات من المرشحات و1,000 كوب بلاستيكي للأسبوع القادم. فطلبت المستلزمات من موقع "أمازون" بلمسة واحدة.
وكانت تعلم أيضاً أن المقهى بحاجة إلى آلة جديدة لصنع الإسبريسو ولكنها كانت تؤجل عملية الشراء لأكثر من شهر. باستخدام مدخراتها في الحساب يمكنها إما شراء الآلة الجديدة أو تسديد دفعة من القرض الذي أخذته قبل عامين لبدء مشروعها. إذا استمرت في تأجيل عملية الشراء يمكن أن تتوقف الآلة الحالية عن العمل في أي لحظة، وهذا ما لا يجب أن يحدث، إذ أن الإسبريسو هو ثاني أكثر المشروبات مبيعاً (بعد القهوة المثلجة). ومن جهة أخرى لم يبقَ لإتمام دفعات القرض سوى القليل ولكنها إذا ماطلت شهراً آخر سيتراكم عليها فوائد إضافية.
ولهذا طلبتْ النصيحة من مستشارها الآلي. فأشار إليها أنه يمكنها القيام بالأمرين معاً. "بالنظر إلى مبيعات الشهر المتوقعة، يبدو أنه يمكنك استخدام مدخراتك لدفع جزء من القرض ودفع ثمن آلة الإسبريسو عن طريق البطاقة الائتمانية التي تحوي رصيداً يبلغ 3,500 دولار. وعندما يحين وقت سداد البطاقة الائتمانية بعد 30 يوماً ستكونين قادرة على سدادها من المال النقدي بناء على توقعات المبيعات الحالية". استطاعت أليكس بنقرة واحدة شراء آلة الإسبريسو. وبعد أن أنهت خطابها التشجيعي الصباحي مع موظفيها فتحت أبواب المقهى ليبدأ اليوم واثقة بالمنحى الذي يتجه مشروعها الصغير نحوه.
في نهاية اليوم وعندما كانت تغلق المقهى ذكّرها المستشار الآلي أن اليوم هو أول يوم في شهر يونيو/ حزيران ما يعني اقتراب موعد تسديد الضرائب الفصلية. ساورها القلق للحظات لأنها أهملت دفعات الضرائب بشراء آلة إسبريسو جديدة، ولكن سرعان ما طمأنها مستشارها قائلاً "لا تقلقي. مدفوعاتك الضريبية المقدَّرة مشمولة في التوقعات النقدية لشهر يونيو/ حزيران". وأخيراً ومع بضع نقرات وتمريرات لشاشة الآي باد استطاعت وضع جدول رواتب يوم الجمعة واقتطاع نفقات الرعاية الصحية من شيكات رواتب الموظفين وإعداد الضرائب.
إنَّ قصة أليكس خيالية ولكنها تشير إلى قدرة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي تحديداً على مساعدة رواد الأعمال وتطوير المشاريع الصغيرة التي يديرونها. لا تُخطئ: فهذه التقنيات تُحدِث تغييرات في الشركات فعلاً، ويبدو أنها حتى الآن توفر المزايا للشركات الكبيرة فقط. والسؤال هو، ما إذا كان يمكن تصميم هذه التقنيات وتكييفها لمساعدة المشاريع الصغيرة وليس الكبيرة فقط؟ أنا متفائل بحدوث هذا.
فمع فتح التكنولوجيا الباب أمام كميات هائلة من البيانات تزداد الفرص لتكوين رؤى ثاقبة حول صحة المشروعات الصغيرة وعملائها المرتقبين. كما أنَّ الرؤى الثاقبة المستخلصة من هذه البيانات قادرة على حل قضيتين أساسيتين تواجه المُقرِضين والمقترضين في هذا القطاع: أولاً التباين، أي فكرة اختلاف الشركات الصغيرة عن بعضها البعض والذي يُصعِّب الاستنباط من مثال إلى آخر. ثانياً التعتيم على المعلومات، إذ من الصعب معرفة تفاصيل ما يحدث داخل المشاريع الصغيرة.
فمن وجهة نظر المُقرض كلما كان المشروع أصغر كلما صعُب معرفة عملائه المرتقبين، وما إذا كان المشروع مربحاً أم لا. ولا يدرك العديد من أصحاب المشاريع الصغيرة حجم التدفق النقدي لديهم أو المبيعات المتوقعة أو موعد دفع الزبون أو حجم احتياجاتهم النقدية بناء على الموسم أو عقد جديد. كما تملك المشاريع الصغيرة مخزوناً احتياطياً صغيراً للأموال النقدية لذلك قد تسبب الحسابات الخاطئة أو الدفعات المتأخرة أو حتى النمو السريع وقوع ضائقة مالية تهدد استمرارها.
ولكن ماذا إن استطاعت التكنولوجيا جعل أصحاب المشاريع الصغيرة أكثر حكمة فيما يتعلق بأموالهم النقدية، وكذلك الأمر بالنسبة للمُقرض؟ ماذا لو سهلت منتجات القروض وخدمتها عملية التنبؤ السريع والسهل بالأهلية الائتمانية لأحد المشاريع الصغيرة، بما يشبه نقاط الأهلية الائتمانية الشخصية والتي تساعد البنوك في التنبؤ بالأهلية الائتمانية للقروض الشخصية والبطاقات الائتمانية والرهون العقارية؟ ماذا لو تمكن صاحب مشروع صغير باستخدام لوحة متابعة من عرض نشاطات المشروع، بما في ذلك التوقعات النقدية والرؤى الثاقبة بشأن المبيعات واتجاه التكاليف، والتي تساعدهم في تكوين صورة كاملة حول الصحة المالية للمشروع؟ ماذا لو ساعدتهم لوحة المتابعة هذه في فهم جميع الخيارات الائتمانية المؤهلين لها اليوم، وما هي الإجراءات التي يمكنهم اتخاذها لتحسين تصنيفهم الائتماني مع مرور الوقت؟ والأفضل من ذلك ماذا لو استطاعت لوحة المتابعة هذه - بتنظيم القوة التنبؤية لتعلم الآلة والتي مصدرها البيانات حول الآلاف من أصحاب الأعمال في قطاعات مشابهة - مساعدة صاحب المشروع في تجنب الاتجاهات الخطرة؟
يبدو هذا المستقبل جذاباً لأنه يتفق مع حاجة أصحاب المشاريع الأساسية، والمتمثلة في قدرتهم على فهم المعلومات المتاحة وتفسيرها بصورة أوضح مما يساعدهم في استكشاف عالم الأعمال الغامض بطرقهم الخاصة ووضع الخطط وفقاً لذلك. كما أنه يوفر فرصة للمقرضين لفهم الأهلية الائتمانية لعملائهم المحتملين وبالتالي خفض تكاليف الإقراض. أنا أسمّي هذا المستقبل المتخّيل "العالم المثالي للمشاريع الصغيرة".
وفي الوقت ذاته من السهل أن نتخيل جانباً مظلماً يصاحب التقدم التقني وخصوصاً الذكاء الاصطناعي. الاقتصاديون بدؤوا استكشاف انعكاسات الذكاء الاصطناعي على الابتكار. ينظرون إليه باعتباره "تقنية عامة الغرض" قادرة على خلق تطورات كبيرة في عدة قطاعات. كما أنهم يشيرون إلى أن الفائزين هم المتحكمون بالكميات الهائلة من البيانات المنظمة وغير المنظمة.
وهذا بدوره يزيد احتمالية وقوع الخطر المصاحب للذكاء الاصطناعي. إنَّ السماح لشركات معينة باحتكار مجموعات من البيانات يؤثر سلباً على الابتكار مستقبلاً ومنافعه المشتركة. ويجب أن تضمن اللوائح التنظيمية المستقبلية الوصول المفتوح إلى تدفقات البيانات لتوظيف رؤى أفضل لصالح المشاريع الصغيرة وغيرها من القطاعات. على سبيل المثال، طبّقت المملكة المتحدة سياسة الأعمال المصرفية المفتوحة والتي توضح امتلاك العملاء - بما فيهم أصحاب المشاريع الصغيرة - بياناتهم المصرفية وتتيح لهم منح وصول أطراف ثالثة إلى هذه البيانات لاستحداث منتجات وخدمات جديدة ومبتكرة.
بالإضافة إلى أنه مع تعلم الآلة تحديد الأشخاص المُحتمل تخلفهم عن سداد قروضهم يزداد خطر ممارسة التمييز والاستبعاد. إن أكثر ما يثير القلق هو اتخاذ هذه القرارات باستخدام تقنية "الصندوق الأسود"، والتي تعني أنه لا يمكن لأحد أن يعلم سمات البيانات المحددة التي استخدمتها الآلة لتقديم مقترحات أو قرارات. قد تحدد الآلة عنصراً خطراً يرتبط بشكل قوي بالعرق أو الجنس أو صفات الأصناف المحمية الأخرى - باستثناء القواعد الصريحة التي تمنعها من فعل ذلك - كعامل تسعير. عموماً قد تؤدي الخوارزميات المتقدمة ذات الأداء الممتاز ضمن بعض الأبعاد الضيقة والتي تفتقر في الوقت ذاته إلى الحدس والوعي بالحالة إلى مشاكل خطيرة.
قد تكون نماذج الصندوق الأسود غير مفهومة ولكن هذا لا يعني أنها لا تخضع للمراقبة. الشركات والجهات التنظيمية ستكون بحاجة إلى تطوير طرق جديدة لفك تشابك أساليب العمل الداخلية للخوارزميات المستقبلية. حتى لو طُورت الأتمتة بحيث تكون قادرة على اكتشاف التمييز وغيره من النتائج السيئة، من المرجح أننا سنبقى بحاجة إلى الإشراف البشري ضمن الشركات والجهات التنظيمية كذلك.
بالتأكيد سيؤدي استخدام البيانات الكبيرة والخوارزميات إلى ظهور منتجات وخدمات جديدة، إضافة إلى بعض المخاوف الجديدة أيضاً. لم تتضح بعد تبعات التغييرات في التكنولوجيا على الوصول إلى رأس المال بالنسبة إلى الأسواق غير المخدومة بصورة كافية. لقد عانت النساء والأقليات سابقاً للعثور على مقرضين مستعدين. لذلك يؤمل بتزايد الأسواق الفاعلة ومصادر البيانات الجديدة حصول المقترضين المؤهلين ائتمانياً في القطاعات غير المخدومة بصورة كافية على قروض. ولكن خوارزميات الصندوق الأسود والتي لا يُتاح فيها مراجعة المعادلات قد تؤدي إلى ازدياد التمييز بدلاً من تقليله.
وسوق المشاريع الصغيرة يمثِّل إحدى الطرق التي يمكن من خلالها تخطي هذه المخاوف في جمع البيانات الحقيقية حول الوصول إلى رأس المال. فبيانات إنشاء القروض بحسب حجم القرض ونوع صاحب المشروع الصغير قد تكون هي المقاييس الأكثر أهمية. وقد أُصدرت المادة رقم 1071 من قانون دود فرانك - القانون الذي يتطلب جمع هذه البيانات - بعد الأزمة المالية إلا أنها لم تدخل حيّز التنفيذ إلى الآن. ويمكن أيضاً أن ينتشر الابتكار أكثر في حال وجدت طريقة لمتابعة نتائج السوق. إضافة إلى أنَّ جمع هذه المعلومات واستخدامها لتحديد الفجوات السوقية وتصحيحها يُعد عنصراً أساسياً ومهماً في سوق ائتمان المشاريع الصغيرة كامل الفاعلية، وستزداد أهمية هذه العملية مع دمج الذكاء الاصطناعي في قرارات الإقراض.