كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في دعم عمليات التسويق والمبيعات؟

6 دقائق
الذكاء الاصطناعي في التسويق

وضع آلان تورنغ والذي نال شهرته بفض إسهامه في فك شيفرة البحرية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية اختبار تورنغ من أجل تعريف الذكاء في الآلات وذلك عام 1959. فسأل تورنغ: هل يمكن للحاسوب أن يخدع الإنسان ويوهمه بأنه يتواصل مع شخص آخر؟ أو أن يقلد الحاسوب ردة فعل الإنسان بشكل متقن بحيث لا يكون بوسع أحد معرفة أنها ردة فعل صادر من حاسوب؟ فإن تمكن الحاسوب من فعل ذلك ذلك يعني وفق تورنغ أنّ هذه الآلة ذكية. وشاع هذا الاختبار الذي وضعه حين ظهر في عشرات قصص وأفلام الخيال العلمي، ومنها فيلم (Ex Machina) الذي صدر عام 2015. فما علاقة هذا الأمر باستخدام الذكاء الاصطناعي في التسويق؟

نجد اليوم أنّ الذكاء الاصطناعي والخوارزميات المستقلة لا تجتاز اختبار تورنغ وحسب، بل باتت تدر الأرباح وتوفر التكاليف على مؤسسات الأعمال التي تعتمد عليها اليوم.

تعد شركة "سنشري لينك" (CenturyLink) واحدة من أكبر شركات الاتصالات في الولايات المتحدة، وتقدم خدماتها لمؤسسات الأعمال الصغيرة والكبيرة في مختلف الولايات الأميركية. وتقوم بجمع آلاف المعلومات عن العملاء المحتملين من مؤسسات الأعمال التي تتعامل معها، وتتواصل معهم بشكل لطيف وشخصي بالطريقة التي يتوقعها العملاء عادة. وعبر متابعة هذه "الخيوط" بشكل أكثر فعالية فإنّ ذلك سيحفز نمو الشركة بشكل أسرع، وسيزيد من المبيعات لنسبة كبيرة من العملاء المحتملين (أي الأشخاص الذين أبدوا اهتماماً بخدمات الشركة عبر تعبئة نموذج أو النقر على إعلان أو إرسال رسالة إلكترونية إلى الشركة) ما يزيد في المحصلة من صافي أرباح الشركة.

لذلك فإنه وفي النصف الثاني من عام 2016 أقدمت شركة "سنشري لينك" على استثمار صغير لتطوير مساعد في مجال المبيعات بالاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع شركة "كونفيرسيكا" (Conversica) لمعرفة إذا كان ذلك يمكن أن يساعد الشركة على تحديد العملاء المحتملين المهتمين دون الحاجة إلى توظيف عدد كبير من موظفي المبيعات للعثور عليهم. ويقوم هذا المساعد الافتراضي الذي تم تطويره عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي وأُطلق عليه اسم "أنجي" (Angie) بإرسال حوالي 30,000 رسالة بالبريد الإلكتروني شهرياً ويقوم بتفسير تجاوب المرسل إليهم من أجل تحديد العملاء المهتمين. كما يقوم هذا النظام بشكل آلي بتحديد مواعيد لموظف المبيعات المناسب وينقل عملية التواصل بشكل سلس إلى الموظف المسؤول.

ويحصل العميل المحتمل على رسالة تواصل فورية وذات فائدة من "أنجي"، كما أنه يوفر على موظفي المبيعات، الذي يضطر الواحد منهم للتعامل مع 300 من الحسابات أحياناً، الكثير من الوقت، وذلك لأن هذا النظام يعمل على تنقيح الحسابات لتحديد أكثر العملاء اهتماماً بخدمات الشركة. إلى جانب ذلك، يُصبح موظفو المبيعات أكثر كفاءة بفضل هذا النظام، وذلك لأنه يحول العميل المحتمل المناسب إلى الموظف المناسب. وفي تجربة صغيرة قامت بها "سنشري لينك" فإنّ "أنجي" تمكن من معالجة 99% من رسائل البريد الإلكتروني الذي تلقاه، فهنالك 1% تمثل الرسائل التي تم إرسالها إلى المدير.

ووفقاً لمدير عمليات التسويق في "سنشري لينك" سكوت بيرنز، فإنّ لدى الشركة 1,600 موظف مبيعات تقريباً، وبدأ نظام "أنجي" مع أربعة منهم. ثم ارتفع الرقم ليصل إلى عشرين، وما زال يواصل الارتفاع اليوم. وكان نظام "أنجي" يحدد حوالي 25 عميلاً مهتماً كل أسبوع، وازداد هذا الرقم الآن ليصل إلى 40، ويبدو أنّ النتائج مبشرة وتدل على نجاح الاستثمار الذي قامت به الشركة، وذلك لأنها حققت 20 دولاراً على شكل عقود جديدة مقابل كل دولار أنفقته على تطوير هذا النظام.

أما توم وينتورث، المدير التنفيذي للتسويق في شركة "رابيد ماينر" (RapidMiner)، وهي شركة توفر الأدوات التحليلية لمختصي البيانات، فقد واجه مشكلة شبيهة بالمشكلة في "سنشري لينك". إذ تُعتبر "رابيد ماينر"، كالعديد من شركات البرمجيات، تقدم نسخاً تجريبية من برامجها، وكان وينتورث يجد صعوبة بالغة في خدمة حوالي 60,000 مستخدم تقريباً يزورون الموقع شهرياً من أجل الحصول على النسخة التجريبية المجانية. والعديد من الزوار الذين يستخدمون برمجية "رابيد ماينر"، ويحتاجون للمساعدة، ولا يدفعون أي شيء مقابل ما يحصلون عليه من خدمة. وكان السؤال المحير هو كيفية تقديم الخدمة لهؤلاء الزوار بطريقة غير مكلفة؟

لقد كان على موقع الشركة خاصية المحادثة المباشرة، لكن الموظفين المسؤولين عنها كانوا منهمكين بها لأنها تستنفد قدراً كبيراً من وقتهم وهم يطلعون على جلسات المحادثة تلك للعثور على العملاء المحتملين، وكان الأمر أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش.

هنا تواصل وينتورث مع صديق اقترح عليه أن يستخدم أداة محادثة تدعى "دريفت" (Drift)، والتي تطرح سؤالاً على الشخص الذي يبدأ المحادثة يقول: "لماذا زرت "رابيد ماينر" اليوم؟". وفي حال قدم الزائر إجابة فإنّ نظام دريفت سيقدم له واحداً من بين سبعة ردود محتملة. فقد يقول الزائر مثلاً "أحتاج مساعدة"، وسيرسله دريفت حينها إلى قسم عمليات الدعم في الموقع الإلكتروني.

ويمكننا القول أن "دريفت"  كان نظاماً سهلاً إلى حد كبير، وبدأ وينتورث باستخدامه على عدد من صفحات موقع "رابيد ماينر" لاختبار مدى نجاعته.

وفي غضون أقل من أسبوعين بدأ باعتماد هذا النظام على كل صفحة من صفحات الموقع.

وأصبح نظام "دريفت" حالياً يُجري حوالي 1000 محادثة شهرياً، ويقوم بالتعامل مع ثلثي استفسارات العملاء تقريباً، أما تلك التي لا يسعه التعامل معها فإنه يحولها إلى الموظفين البشر. وبالإضافة إلى ما يقوم به وينتورث من متابعة هذا النظام، فقد انضم طالبان جامعيان أيضاً بتقديم الدعم للاستفسارات التي ترد على هذا النظم. وأخبرني وينتورث أنّ نظام "دريفت" يساعد في تحديد عملاء محتملين مهتمين لفريق المبيعات، وذلك عبر خلقه لقاعدة من العملاء، وقال لنا: "إنها الطريقة الأكثر نجاعة التي أقوم بها في التسويق".

ويقوم وينتورث يومياً بمراجعة المحادثات التي أجراها المستخدمون مع "دريفت"، ويقول: "لقد تعلمت أموراً عن زوار الموقع لم يقدمها لي أي نظام لتحليل البيانات من قبل. حيث اكتشفنا حالات استخدام جديدة، كما تعلمنا عن بعض المشاكل في منتجنا".

وهذا هو مكمن القوة في نظام يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي بوسعه تحصيل واستنتاج معلومات من الآخرين، كما يفعل البشر، والذي يتفوق على أدوات تحليل البيانات التي تكتفي بالكشف عن أنماط معينة في البيانات التي تقوم بجمعها، مثل الآلة.

وقامت شركة "إبسون أميركا" (Epson America) عام 2016 وهي شركة الطباعة والتصوير الأميركية الضخمة، بإجراء تجربة مشابهة لتجربة مساعد المبيعات الذي طورته شركة "كونفيرسيكا" لصالح شركة "سنشري لينك". حيث كان كريس نيكل، مدير التسويق التجاري في "إيبسون"، غارقاً بين مجموعة ضخمة من بيانات العملاء المحتملين التي كان يحصل عليها من عمليات مبيعات المنتجات المختلفة للشركة: الطابعات الضخمة وأجهزة العرض وأجهزة المسح الضوئي وحلول نقاط الشراء والروبوتات الصناعية وغيرها. وكانت "إبسون أميركا" تحصل على حوالي 40,000 إلى 60,000 "خيط" لعملاء محتملين سنوياً من عروضها التجارية ورسائل البريد المباشر وعمليات التسويق عبر البريد الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي والإعلانات المطبوعة والرقمية وحملات زيادة الوعي بعلامتها التجارية. فكانت تتدفق عليها البيانات، وسواء كانت جيدة أم لا، أو منقحة أو لا، كانت جميعاً توجه إلى موظفي المبيعات والذين كان توفرهم لمتابعتها والتعامل معها ليس مضموناً دوماً.

وبعد البدء بالاعتماد على نظام الذكاء الاصطناعي المساعد صار بالإمكان متابعة هذه البيانات بشكل فوري ومتواصل إلى أن يحصل النظام على نتيجة. إذ يقول نيكل: "لأن الوصول إلى العملاء المحتملين تضاعف بين 6 إلى 8 مرات، فلا شك أن "كونفيرسيكا" هي وسيلة تضاعف من جهود فريق المبيعات لدينا". وعند تحويل عميل محتمل إلى أحد شركاء "إيبسون"، فإن نظام الذكاء الاصطناعي المساعد يتابع العملية لضمان رضا العميل. وفي بعض الأحيان يكون الرد على عملية المتابعة كفيلاً بتحديد فرصة جديدة للمبيعات، كأن يقال: "كل شيء يسير على أتم وجه، ونحن في الواقع نطمح لشراء 60 جهاز عرض جديد". حيث يمنح هذا "إيبسون" الفرصة للبناء بشكل سريع على فرصة المبيعات الجديدة دون تأثير المنافسين. كما يمكن للنظام أن يكشف عن مسألة يحتاج العميل دعماً بشأنها، عبر تحديد عبارة من قبيل "إنني أواجه مشكلة في جهاز العرض الذي اشتريته".

وقال نيكل: "كنا في السابق حين نقدم 100 عميل محتمل لموظف المبيعات نتلقى بضع إجابات وحسب من العملاء، أما الآن، فنحن نحصل على 50 إجابة من المئة". وتشير شركة "إبسون" إلى أنّ معدل الاستجابة لنظام الذكاء الاصطناعي المساعد وصل إلى 51%، وهذا يمثل زيادة بنسبة 240% عن الخط الأساسي الذي تم تحديده في بداية التجربة، وبنسبة 75% بالنسبة لعدد العملاء المحتملين الذين تم تحديدهم في النظام. ووفقاً لنيكل فإنّ هذه النتائج حققت زيادة تصل إلى 2 مليون دولار أميركي على الإيرادات التصاعدية في غضون 90 يوماً وحسب.

وبما أنّ أدوات الذكاء الاصطناعي التي استخدمتها كل من شركة "إبسون أميركا"، و"رابيد ماينر"، و"سنشري لينك" تم تقديمها على أنها خدمة، فكان من السهل على هذه الشركات أن تجري الاختبارات التجريبية ومن ثم تنطلق في التطبيق. ومن الواضح أنه من المهم قيام الشركات باختبارات أدوات المحادثة أو البريد الإلكتروني التي تعتمد على تقنيات البريد الإلكتروني وذلك لمعرفة ما إذا كان يمكن كسب المزيد من العملاء المحتملين وتحسين فهم احتياجات العملاء بشكل عام.

حين يتعلق الأمر باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الأعمال فإنّ الآلة ليست هنالك لتخدع الناس، وليس عليها أن تجتاز اختبار تورنغ، كل ما في الأمر هو أن هذه الآلات تساعدهم وتساعد مؤسسات الأعمال التي تعتمد عليها. وهذا اختبار يبدو أن هذه الآلات الذكية قد اجتازته بنجاح. وكما أخبرنا مرة مدير تنفيذي في مجال التسويق عن دور الذكاء الاصطناعي في التسويق: "أدوات الذكاء الاصطناعي هي الطريقة الوحيدة التي يمكنني عبرها أن أقيم مقدار "الفائدة" المتحققة لمجتمع عالمي من 200,000 مستخدم أو أكثر بالاعتماد على فريق عمل من شخصين وحسب".

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي