يسألني الكثير من المدراء التنفيذيين عن قدرات الذكاء الاصطناعي والأمور التي يمكن أن يفعلها. إذ يريدون معرفة كيف سيغيّر صناعتهم وكيف يمكنهم استخدامه لإعادة ابتكار شركاتهم. لكن وسائل الإعلام رسمت مؤخراً صورة غير واقعية عن قوى الذكاء الاصطناعي. (تقول الوسائل الإعلامية أنه سيتولى الذكاء الاصطناعي زمام الأمور في العالم قريباً). لقد بدأ فعلاً الذكاء الاصطناعي يخلق تحولاً في البحث على الإنترنت والإعلانات والتجارة الإلكترونية والتمويل والخدمات اللوجستية والإعلام والكثير غيرها من الصناعات. وباعتباري المؤسس القائد لفريق "عقل جوجل" (Google Mind) والرئيس السابق لمختبر ستانفورد للذكاء الاصطناعي، وحالياً قائد فريق "بايدو" للذكاء الاصطناعي المؤلف من حوالي 1,200 شخص، فقد سنحت لي الفرصة لاحتضان الكثير من مجموعات الذكاء الاصطناعي الرائدة في العالم وبنيت الكثير من منتجات الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها مئات الملايين من الناس. يمكنني القول بعد رؤيتي لأثر الذكاء الاصطناعي: أنه سيُغير الكثير من الصناعات. لكن الأمر ليس سحراً. لنضع حداً للتكهنات ونرى ما بإمكان الذكاء الاصطناعي فعله اليوم كي تفهم إسقاطاته على صناعتك.
قدرات الذكاء الاصطناعي
من المفاجئ أنه على الرغم من اتساع تأثير الذكاء الاصطناعي، إلا أنّ أنواعه الموضوعة موضع التنفيذ لا تزال محدودة جداً. كل التطور الذي حدث في الذكاء الاصطناعي كان نتيجة نوع واحد يتم فيه إدخال البيانات (أ) لتوليد استجابة سريعة بسيطة (ب). مثلاً:
يعمل العديد من الباحثين حالياً على استكشاف أشكال أخرى من الذكاء الاصطناعي كان بعضها قد أثبت فائدته في سياقات محددة، وقد يحدث اختراق جديد يجعل بلوغ مستويات أعلى من الذكاء ممكناً، لكن حتى الآن لا وجود لمسار واضح لبلوغ هذا الهدف.هذه القدرة على إدخال (أ) وإخراج (ب) ستغيّر الكثير من الصناعات. والمصطلح الذي يعبّر عن بناء برنامج أ←ب هو" التعليم الموجَّه". أ←ب هذه بعيدة جداً عن الروبوتات المرهفة الأحاسيس التي وعدَنا بها الخيال العلمي، أضف لهذا أنّ الذكاء البشري يقوم بأكثر بكثير من مجرد أ←ب. إلّا أنّ أنظمة أ←ب هذه تتطور بسرعة، والأفضل من بينها هي تلك التي بُنيت بتقنية اسمها "التعلم العميق" أو "الشبكات العصبية العميقة" (deep neural networks) التي استلهمت من الدماغ بتصرف. لكنها مع ذلك تظل بعيدة عن طموحات الخيال العلمي.
هناك نقطة ضعف في برمجيات التعليم الموجه اليوم: إذ تتطلب كماً ضخماً من البيانات. عليك أن تعرض على النظام الكثير من الأمثلة عن كل من (أ) و(ب). مثلاً، يتطلب بناء برنامج لوسم الصور ما بين 10 آلاف إلى 100 ألف صورة من (أ) بالإضافة إلى أوسمة تخبرك إن كان هناك أشخاص في الصور في (ب). كذلك يتطلب بناء نظام للتعرف على الكلام عشرات آلاف الساعات من التسجيلات الصوتية (أ) بالإضافة إلى نصوص (ب).
ما الذي بإمكان أ←ب فعله إذاً؟ إليك هنا قاعدة تشرح مدى ثوريتها:
كل مهمة عقلية يستطيع شخص عادي القيام بها في أقل من ثانية من التفكير، سيكون بإمكاننا على الأرجح أتمتتها باستخدام الذكاء الاصطناعي إما اليوم أو في المستقبل القريب.
يقوم البشر حالياً بالكثير من المهام الشديدة الأهمية - فحص تسجيلات الفيديو الأمنية لضبط السلوكيات المريبة، وتحديد ما إذا كانت سيارة على وشك أن تصدم أحد المشاة، والعثور على محتوى مسيء على الإنترنت وإزالته. على أية حال، هذه أفعال تندرج في معظمها تحت سياقات أو أعمال أكبر، لهذا من المهم أيضاً تحديد صلتها ببقية شركتك.
تتطلب مهام الذكاء الاصطناعي أن يتم اختيار كل من (أ) و(ب) بعناية وتوفير البيانات الضرورية لمساعدة الذكاء الاصطناعي على فهم العلاقة أ←ب. وقد أدى الابتكار في اختيار عناصر كل من (أ) و(ب) إلى إحداث ثورة في العديد من الصناعات، ومن المتوقع أنَّ تتأثر صناعات أخرى بهذه الثورة بالوقت القريب.
المصادر مفتوحة للموارد النادرة
بعد فهم ما يمكن وما لا يمكن للذكاء الاصطناعي فعله، الخطوة التالية للمدراء التنفيذيين هي إدماجه في استراتيجياتهم. هذا يعني فهم المكامن التي تخلق القيمة والأشياء التي من الصعب استنساخها. من المعروف عن مجتمع الذكاء الاصطناعي أنه مجتمع يشارك وينشر كبار الباحثين فيه الكثير من الأفكار الرائعة وحتى الأكواد المفتوحة المصدر. وعليه تكون الموارد النادرة في هذا العالم من المصادر المفتوحة هي:
البيانات:
بإمكان الكثير من الفرق الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي نسخ برامج الفرق الأخرى خلال سنة إلى سنتين على الأكثر. أما الوصول لبيانات أحد ما فأمر شديد التعقيد. لهذا، فإنّ البيانات، وليس البرامج، هي حاجز الدفاع للكثير من الشركات.
المواهب:
لن يُجدي نفعاً مجرد تحميل و"تطبيق" البرنامج المفتوح المصدر على البيانات. يحتاج الذكاء الاصطناعي لأن يتم تخصيصه لسياق شركتك وبياناتها. لهذا السبب بالتحديد هناك حرب على المواهب النادرة في مجال الذكاء الاصطناعي التي يمكنها القيام بالعمل.
كُتب الكثير عن قدرات الذكاء الاصطناعي، منها ما عكس أجمل ما في الإنسانية ومنها ما أظهر أسوأ ما فيها. مثلاً، رأينا الذكاء الاصطناعي يوفر محادثة وراحة لمن يشعر بالوحدة، ورأينا الذكاء الاصطناعي يتورط في تمييز عنصري. ومع ذلك يبقى الأذى الأكبر الذي يمكن أن يلحق بالأفراد من الذكاء الاصطناعي على المدى القريب أن يحلّ مكانهم في العمل. من المحتم علينا جميعاً كقادة أن نحرص على بناء عالم يوفر فرصة لكل فرد كي يزدهر. ومن هنا فإنّ فهم ما يمكن للذكاء الاصطناعي فعله وكيفية إدماجه في استراتيجية شركتك هي البداية، وليس النهاية، لهذه العملية.
اقرأ أيضاً: