كيف سيُحسن الذكاء الاصطناعي التوليدي مجال الرعاية الصحية؟

9 دقائق
الذكاء الاصطناعي التوليدي
رسم توضيحي: كارلو كاديناس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: لنتأمل كيف نجح نظام المشاركة عبر الشبكة، نابستر، في إحداث ثورة بقطاع الموسيقى. يشترك ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية التوليدية، مثل تشات جي بي تي، في العديد من أوجه التشابه مع نقطة الانعطاف التي بدأتها نابستر: تكنولوجيا غير مسبوقة اعتُمدت بسرعة مذهلة واستفادت من بيانات الآخرين وبشّرت بأفول قطاعات وتدهورها. وبالمثل، فإن ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي التي حفزها تشات جي بي تي لا رجعة فيها. يجب على القادة النظر في 3 اعتبارات رئيسية يمكن أن تساعدهم على ضبط استراتيجياتهم والاستعداد للتحول: أولاً، فهم الفرق بين دور الذكاء الاصطناعي في تحفيز استبدال التكنولوجيا ودوره في تحويل بيئات العمل. ثانياً، الاستعداد لمواجهة تحديات التصميم التنظيمي الجديدة التي ستنشأ بسبب هذا التحول في بيئة العمل. وثالثاً، صياغة الاستراتيجيات التي تستفيد من أوجه التفاوت الجديدة التي تنشأ من التوليفات الجديدة داخل مؤسستك وخارجها.

تحول النموذج الفكري مفيد للقطاعات الأخرى أيضاً.

ترتبط كلمة “زعزعة” عادة باستبدال تكنولوجيا قديمة بأخرى جديدة توفر طريقة أفضل لإنجاز مهمة معينة، لكن الفهم الأعمق للزعزعة يكمن في التحول الكامل في بيئة العمل الذي يتضمن إعادة رسم الحدود بين الصوامع المنعزلة القديمة وضبطها. من الأهمية بمكان فهم هذا الاختلاف عند التعامل مع تأثيرات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

لنأخذ على سبيل المثال نظام مشاركة الملفات عبر الشبكة، نابستر (Napster)، إذ أدى إلى إحداث ثورة في قطاع الموسيقى؛ فقبل ظهوره، استمر الخلاف والجدل حول كيفية التحول إلى الموسيقى الرقمية بين شركات الموسيقى سنوات طويلة، ثم انتزعت شركة نابستر المبادرة وحلت المشكلة وكسرت الجمود في هذا المجال. في البداية، دق قادة قطاع الموسيقى ناقوس الخطر بشأن تفشي سرقة الملكية الفكرية بسبب نابستر، وعلى الرغم من المخاوف الأولية، أدى التحول إلى الموسيقى الرقمية في النهاية إلى زيادة الأرباح حيث بدأت منصات مثل آبل ميوزك وسبوتيفاي إعادة تجميع الأغاني الفردية في قوائم تشغيل مخصصة ليتغير نموذج العمل في قطاع الموسيقى من بيع الألبومات إلى تقديم اشتراكات شهرية. اليوم، يسمع عدد أكبر من المستخدمين قدراً أكبر من الموسيقى في أماكن أكثر، وتحقق شركات الموسيقى أرباحاً أكثر من أي وقت مضى. وضح هذا المثال كيف يؤدي تحويل بيئة العمل بأكملها إلى خلق قيمة جديدة.

يشترك الوقت الحالي، الذي يسوده جدل واسع حول تأثير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل تشات جي بي تي، في العديد من أوجه التشابه مع نقطة الانعطاف التي بدأتها نابستر: تكنولوجيا غير مسبوقة اعتُمدت بسرعة مذهلة واستفادت من بيانات الآخرين وبشّرت بأفول قطاعات وتدهورها. مثل حال نابستر، على الرغم من أن مؤسسات ومنصات لاحقة قد تتفوق على شركة أوبن أيه آي ومنصتها تشات جي بي تي، لكن ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي التي حفزتها لا رجعة فيها (في حين كانت قيمة نابستر الأساسية تتمحور حول تمكين استخدام موسيقى الآخرين وتوزيعها، فاستخدام تشات جي بي تي بيانات الآخرين في تدريب نماذجه اللغوية الضخمة أصبح الآن موضوعاً للعديد من الدعاوى القضائية، لذلك نتوقع أن تصبح الملكية الفكرية قضية مهمة في مستقبل الذكاء الاصطناعي. مع ذلك، فتركيزنا هنا لا ينصب على بيانات التدريب الأصلية، بل على البيانات الجديدة والخاصة التي ستستخدمها نماذج التعلم هذه في المستقبل).

كيف ستعيد النماذج اللغوية الضخمة وغيرها من أساليب الذكاء الاصطناعي الجديدة تشكيل قطاعك، وما الإجراءات التي يجب على القادة اتخاذها للاستعداد؟ في حين يتمحور نقاشنا حول تأثير الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، فالنقاط الرئيسية التي نناقشها تنطبق على جميع بيئات العمل المعقدة التي تواجه صعوبات مع هذه المرحلة الجديدة من الثورة الرقمية. باعتبار أن أحد مؤلفي هذه المقالة (واينستاين) يشغل منصب المسؤول التنفيذي للتكنولوجيا وشغل سابقاً منصب الرئيس التنفيذي للنظام الصحي ، بينما يعمل الآخر (أدنر) باحثاً ومستشاراً استراتيجياً، فإننا نقدم هذه الأفكار على أمل أن يتمكن القادة من تصور طرق جديدة لصياغة الاستراتيجيات والاستجابة.

هناك 3 اعتبارات رئيسية من شأنها أن تساعد القادة في ضبط استراتيجياتهم والاستعداد للتحول: أولاً، فهم الفرق بين دور الذكاء الاصطناعي في تحفيز استبدال التكنولوجيا ودوره في تحويل بيئات العمل. ثانياً، الاستعداد لمواجهة تحديات التصميم التنظيمي الجديدة التي ستكون ضرورية كي يحقق تحويل بيئة العمل قيمته المرجوة. وثالثاً، صياغة الاستراتيجيات التي تستفيد من أوجه التفاوت الجديدة الناجمة عن التوليفات الجديدة داخل مؤسستك وخارجها.

الفرق بين استبدال التكنولوجيا وتحوّل منظومة العمل

حطّم تشات جي بي تي الرقم القياسي في تبني التكنولوجيا من خلال جذب 100 مليون مستخدم خلال شهرين فقط، وركزت معظم المناقشات حوله على المهام التي يمكن أن يحسنها وعلى الوظائف التي سيحل محلها. بعبارة أخرى: استبدال التكنولوجيا والاستجابة المناسبة له. لكن الزعزعة على مستوى بيئة العمل تقلب الموازين وتتيح أهم الفرص للتغيير. يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي، من خلال دمج بيانات الجهات التي كانت صوامع منعزلة وتحليلها، رفع مستوى الكفاءة والفعالية في نطاق تقديم الرعاية الصحية. دعونا نتأمل في 3 أمثلة فقط لتوضيح هذه النقطة:

الفواتير والمطالبات

في الولايات المتحدة، تشكل التكاليف الإدارية 15 – 30% من نفقات الرعاية الصحية، يذهب نحو نصف هذا المبلغ إلى إدارة المستشفيات للنفقات المتعلقة بالفواتير والتأمين. لكن حتى هذه التقديرات منخفضة لأنها لا تأخذ في الاعتبار التكاليف غير المباشرة التي يتحملها المرضى وأسرهم، مثل الوقت الذي يقضونه في التعامل مع قضايا التأمين وطلب توضيحات بشأن الفواتير. من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لتفكيك الحواجز بين شركات التأمين والمستشفيات والمستهلكين، يمكننا أتمتة عمليات مثل إدارة المطالبات والموافقة المسبقة على المدفوعات وحتى تخطيط الدفعات وتحصيلها، ما يساعد على إزالة العوائق الهائلة التي تؤثر في كفاءة النظام.

إدارة الموارد

غالباً ما تعاني أنظمة الرعاية الصحية فترات مطولة من فائض العرض (الموارد الاحتياطية المتوفرة لحالات الطوارئ) يليها نقص مفاجئ في المعدات والأدوية والغرف والأسرة والموظفين (عندما تصبح حالات الطوارئ أكبر من المتوقع). تؤدي الإدارة غير الفعالة لتدفق المرضى إلى إطالة فترة إقامتهم في المستشفى دون داعٍ وتأخير قبول الذين هم في حاجة ماسة إلى دخول المستشفى. يؤدي عدم التنسيق الكافي بين مرافق الرعاية الممتدة ومرافق إعادة التأهيل إلى قضاء المرضى وقتاً أطول في أماكن الرعاية الأعلى تكلفة، ويزيد خطر حدوث مضاعفات مكتسبة في المستشفى. في هذا الصدد، يمكّن الذكاء الاصطناعي تنسيق المنصات الأساسية بين المستشفيات والأنظمة والشركاء والموردين، ما يؤدي إلى تحسين القدرة على التحمل وتحسين توجيه المرضى وتقليل المخاطر وتقصير أوقات التعافي، بالإضافة إلى تحسين النتائج وخفض التكاليف.

إعادة تعريف الجودة

هل نجاح عملية جراحية كان من الممكن تجنبها هو نجاح حقيقي؟ هل النتائج الدقيقة من اختبار غير ضروري دقيقة حقاً؟ تسلط هذه المفارقات الضوء على الحاجة إلى معايير للجودة والأداء تأخذ في الاعتبار المريض ورحلته في الرعاية الصحية بطريقة شاملة أكثر. من خلال دمج أحدث تطورات العلوم الطبية والأدلة الواقعية في إرشادات العلاج وإجراءاته، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين نتائج المرضى ورفع المعايير بطرق تقلل العبء على المرضى ونظام الرعاية الصحية في الوقت نفسه.

بينما تحدد رؤيتك لمستقبل مدعوم بالذكاء الاصطناعي، ضع في اعتبارك تحقيق التوازن في التطلعات بين استبدال التكنولوجيا المعتمدة في النظام الحالي والتغييرات التحويلية في مختلف الصوامع المنعزلة. كيف ينعكس هذا التوازن في أولوياتك الاستثمارية، مثل نفقات رأس المال وتكاليف التشغيل وتنمية القدرات؟

تحويل بيئة العمل يتطلب تحولاً مؤسسياً

تقف عدم قدرة الجهات الفاعلة -الناجحة في النظام الحالي- على تحديد طرق تحقيق توازن جديد عائقاً أمام التغيير، فالتكلفة المرتفعة في أحد بيانات الدخل هي إيرادات مرتفعة في بيان آخر. تُحدد هذه البيانات المالية، بالمعنى الحرفي والمجازي، من خلال الحدود التنظيمية والممارسات الروتينية والسجلات. تعتمد تحولات الذكاء الاصطناعي في الفوترة وإدارة الموارد والجودة الموضحة آنفاً على مشاركة البيانات بطرق مبتكرة، ولكن هذه الطرق المبتكرة تؤدي إلى ظهور مجموعة من التحديات التنظيمية الجديدة،

إذ يؤدي تغيير إمكانية الوصول إلى البيانات إلى تغيير الصلاحيات.

في الماضي، كان التسلسل الهرمي لصنع القرار الذي يوجه هيكلية تقديم التقارير في المؤسسة، مرتبطاً بتسلسل مواز للوصول إلى المعلومات، وهو عبارة عن وجهات نظر غير مكتملة من مختلف الصوامع المنعزلة ويمكن أن تقود إلى قرارات دون المستوى الأمثل، لكنها تتيح إنشاء مسارات واضحة لعملية صناعة القرار والتنفيذ بفعالية أعلى. نرى ذلك داخل المؤسسات (على سبيل المثال، لا يستطيع موظفو التمريض الوصول إلى سجلات الموارد البشرية) وبينها (على سبيل المثال، لا تستطيع المستشفيات الوصول إلى السجلات المالية لشركات التأمين). لكن الفوائد الموعودة للذكاء الاصطناعي التحويلي تعتمد على تجاوز حواجز صوامع المعلومات المنعزلة هذه، يعني ذلك، بعيداً عن المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن، أن التحول الحقيقي يتطلب من المؤسسات إعادة النظر في أسس الصلاحيات المتعلقة بالمعلومات. بمجرد تطبيق الذكاء الاصطناعي على مصادر البيانات المختلفة، سيزيل القيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات داخل المؤسسة، وذلك تحول هائل في بيئة العمل، حيث يتحول التركيز من ضمان دقة المعلومات (هل البيانات صحيحة؟) إلى التحكم في اتساع نطاق الأسئلة (من يمكنه طرح الأسئلة وموضوعها). يمثل هذا التحول من تقييد الوصول إلى البيانات إلى التحكم في طرح الأسئلة تغييراً جوهرياً في المبادئ الأساسية للأعمال الإدارية والتنظيم.

المعلومات الجديدة تتطلب معايير جديدة

ستثير إتاحة مجموعات البيانات الجديدة مناقشات حول المعايير ذات الصلة والمناسبة التي تؤثر بدورها في تحديد الأهداف والحوافز، وستظهر الأسئلة الأساسية حول تعريف النجاح ومن يحدده. على سبيل المثال، كيف يمكن قياس إنتاجية الجرّاح في بيئة تتيح الوصول إلى بيانات الصوامع المنعزلة المختلفة؟ هل نقيسه بعدد العمليات التي يجريها في الشهر؟ أم بالإيرادات التي يحققها؟ ما الأهمية التي نعطيها لكل من هذه العوامل؟ في بيئة حيث تُدمج البيانات وتكون الاستفسارات غير مقيدة، يمكن لأي شخص يتمتع بحق الوصول إلى البيانات تطوير مقاييسه الخاصة، وبالتالي يجب على النظام تحديد طريقة لتحقيق توازن جديد.

الشفافية تخلق مسؤوليات جديدة

النتيجة الطبيعية لزيادة القدرة على الوصول إلى مجموعات البيانات المنعزلة هي اتخاذ قرارات شاملة أكثر تأخذ مجموعة واسعة من العوامل في الاعتبار. كانت توصية الطبيب بشأن العلاج “الأفضل” تبنى عادة على تحقيق أفضل النتائج الطبية، لكن مع توفير الذكاء الاصطناعي رؤية أوسع لظروف المريض خارج إطار الزيارة الطبية، بما فيها تغطية التأمين وحالة العمل وظروفه المنزلية، يمكن أن يتغير تعريف العلاج “الأفضل” إلى حد كبير. ستصبح معرفة كيفية دمج الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في التوصيات الطبية، وبطريقة سليمة من الناحية الأخلاقية والقانونية، مطلباً جديداً حاسماً لكل من مقدمي الرعاية الصحية وشركات التأمين.

لما كان الذكاء الاصطناعي يسمح بوصول أكبر إلى بيانات الصوامع المنعزلة، فمن الضروري إعادة النظر في أجزاء المخطط التنظيمي وسياسة الحوكمة التي تحتاج إلى تحديث. يجب أن تعمل مسبقاً على ضمان ألا يطغى الجانب السلبي غير المقصود لمصادر الصراع الجديدة على الجانب الإيجابي المتمثل في منح المزيد من الجهات وصولاً أكبر إلى المعلومات، وسيؤدي ذلك حتماً إلى إعادة تعريف القواعد والأدوار لكل مؤسسة ضمن بيئة العمل هذه. بالنسبة للمؤسسات الناجحة، يجب التعامل مع هذه العملية بتخطيط مدروس، وليس بصفتها عملية ملحقة.

ضبط أوجه التفاوت وصياغة الاستراتيجية

يؤدي تحول بيئة العمل إلى إعادة رسم حدودها، يعني أن المزايا التقليدية المستمدة من حجم العمليات واتساع نطاقها ستحتاج إلى إعادة تقييم. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الشركات المهيمنة ستُستبدل وأن جيلاً جديداً من المنافسين الجدد سيحل محلها، بل أن مسارات النجاح سوف تتغير.

يفقد الحجم أهميته عند تجميع النطاق

تقليدياً، كان الحجم والقدرة على تحقيق وفورات الحجم مرتبطين ارتباطاً وثيقاً، لكن هذا الارتباط ضعف بسبب إمكانية الاستفادة من منصات التكنولوجيا المشتركة والتجميع الرقمي لأنشطة مختلف الأطراف. يرتقي الذكاء الاصطناعي بمفهوم التجميع هذا إلى مستوى جديد، ما يتيح إنشاء مجموعات معلومات تنقل المفاوضات من النهج القائم على السعر إلى النهج القائم على الكفاءة المحققة. يخلق هذا التحول فرصاً للتخلص من المركزية في العمل، وتوزيعاً أكثر إنصافاً في تقديم الرعاية من خلال زيادة قدرة المؤسسات الأصغر حجماً على الاستمرار، وهي نتيجة غير متوقعة لثورة الذكاء الاصطناعي الحالية.

العلاقات الجديدة تعزز أوجه التعاون

غالباً ما يسير تحويل بيئة العمل جنباً إلى جنب مع توسيع القيمة التي يقدمها، وذلك بدوره يعيد ضبط منطق نطاق العمليات. يمكن للذكاء الاصطناعي، من خلال الوصول إلى البيانات الداخلية التي لم تكن متاحة سابقاً، أن يخلق أوجه تعاون جديدة داخل المؤسسات وفيما بينها، وبالتالي تغيير الأساس المنطقي الذي يعتمد عليه تنفيذ الأنشطة الجماعي. على مدى العقدين الماضيين، أطلقت عدة أنظمة صحية خطط التأمين الخاصة بها، ولكن نتائجها كانت متباينة بسبب إدارة جوانب الدفع والتسليم في المؤسسات على نحو منفصل. في هذا الصدد، يوفر الذكاء الاصطناعي فرصة لخلق قيمة من خلال دمج بيانات هذه الجوانب وتغيير الإدارة الفعلية لكل من المؤسسة والمرضى. توفر النظرة الشاملة للمريض، التي تتضمن صحته وعمله ووضعه المعيشي واحتياجاته الاجتماعية، فرصة لإعادة تعريف الرعاية الصحية وتقديمها من خلال إعادة النظر في تنظيم أنشطة أقسام النظام المختلفة، إذ تُستخدم المعلومات حول هذه العوامل الاجتماعية المحددة للصحة لتقديم جهود الوقاية والتخفيف الموجهة التي يمكن أن تقلل الحاجة إلى العلاج وتكلفته على جانب التسليم مع الاستفادة من الوفورات على جانب الدفع، وتحقيق إمكانات الرعاية المربحة القائمة على القيمة في نهاية المطاف.

سيكون للمؤسسات التي تسارع في تسخير أوجه التعاون الداخلية ميزة تنافسية في تشكيل شراكات تهدف إلى اتباع هذا النموذج الجديد للرعاية الصحية، ومن شأن ذلك تحفيز إنشاء “الحد الأدنى المجدي من بيئة العمل” لدى الجهات الفاعلة الرئيسية، ما يمنح هذه المؤسسات ميزة في سعيها لقيادة بيئة العمل وستجني فوائد جهودها الاستباقية.

الناجحون يبادرون في العمل، وعملهم يقلب الموازين

لا شك في استمرار العقبات والشكوك المحيطة بالذكاء الاصطناعي، بما فيها القضايا التقنية والتنظيمية والأخلاقية وغيرها، لكن لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال الجهود المتضافرة التي يبذلها روّاد الفكر القادرون على قيادة التغيير المنسق، بدعم قادة آخرين من مؤسسات لها دور رئيسي في هذا الجهد. بالنسبة للجهات الفاعلة التي تراقب التطورات من كثب، توفر التحولات في الحدود فرصاً إما لقيادة التغيير بأنفسهم وإما لدعم قائد محتمل آخر يسعى جاهداً لإحداث التغيير بطرق تعود بالنفع على الطرفين. يتطلب تحقيق قدر أكبر من التحكم في مستقبل بيئة عملك مراعاة وجهات النظر الفردية والجماعية.

ما الدور الذي ترغب مؤسستي فيه وتستطيع أداءه فعلياً في عملية الانتقال إلى بيئة العمل الجديدة؟ لقد انتهى الجدل الذي دام عقداً من الزمن حول المشاركة أو عدم المشاركة في ثورة الذكاء الاصطناعي، لكن السؤال الرئيسي اليوم هو كيفية المشاركة؛ فالاختيار بين دور قائد الائتلاف أو التابع الداعم هو قرار حاسم، إذ إن لكل دور فرصه ومتطلباته الخاصة.

كسر الجمود في الرعاية الصحية

أحدثت شركة نابستر تحولاً في بيئة عمل الموسيقى، لكنه كان الخطوة المهمة الأولى في سلسلة من التحولات، وليس التحول النهائي. ومن دون الزخم الذي خلقته نابستر، من الصعب أن نتصور أن قطاع الموسيقى، الذي كان راضياً عن بنيته التنظيمية وأرباحه السابقة، كان سيتبنى تجربة جريئة مثل الاشتراك والبث المباشر القائم على الإعلانات، لكن هذا الواقع الجديد تحقق وأثبت فائدته لنا.

على غرار نابستر، تشات جي بي تي هو أيضاً مجرد بداية لسلسلة من التحولات، ومن الواضح بالفعل أن الذين يتجاهلون هذه الموجة الجديدة من الذكاء الاصطناعي التوليدي سوف يقوضون أنفسهم. لكن الأمر الأقل وضوحاً هو أن الذين يعدون الذكاء الاصطناعي مجرد زعزعة تكنولوجية يخاطرون بتفويت تأثيراته الأوسع، وما سيحدد تأثير هذه التغييرات هو التكنولوجيا نفسها، إلى جانب استراتيجيتك لبيئة العمل بالقدر نفسه.

لقد ركزنا مناقشتنا على الرعاية الصحية نظراً للحاجة الملحة والفرصة المتاحة في هذا المجال البالغ الأهمية، لكن الرؤى المكتسبة لها آثار أوسع على الشركات الكبرى والمؤسسات غير الربحية والجهات التنظيمية في العديد من القطاعات الاقتصادية. المشاركة الفعالة في التغلب على العقبات، بدلاً من السماح للآخرين بإملاء شروط التغيير، أمر بالغ الأهمية للتعامل بنجاح مع المشهد المتغير. يمكن للذكاء الاصطناعي، إذا سُخّر بطريقة صحيحة، أن يكون قوة تستفيد منها قطاعات كثيرة. إنه مثل المد، قادم لا محالة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .