قد يكون أحد الأمثلة في إدارة شؤون الموظفين، إقناعهم بالقيام بأعمال إضافية غير مهامهم الأساسية، حيث يسهل قول ذلك إلا أن التطبيق يكون صعباً، فمن المؤكد يرغب جمعينا في أن ينخرط الموظفون ضمن بيئة العمل وأن تكون لديهم دوافع تحفيزية للمشاركة في أعمال أُخرى. فالبعض من الموظفين لديهم دوافع تشجيع داخلية للقيام بأعمال إضافية غير منوطة بهم، من أجل دعم أهداف المؤسسة أو الشركة التي يعملون فيها، وهؤلاء لا يحتاجون إلى تنبيه خارجي للقيام بمساعدة زميل لهم في تعلم مهارة جديدة، وتقديم اقتراحات لتطوير العملية الوظيفية، ومساعدة الموظف المبتدئ، أو التطوع للقيام بمهمة ما.
لكن معظم الموظفين يحتاجون إلى دوافع تشجيعية وتحفيزية إضافية للقيام بأعمال خارجة عن مهامهم، وهذا يندرج تحت فئة ما يسمى "القسر الناعم"، وهو الضغط الذي يمارسه المدير أو المديرة بنبرة الصوت تجاه الموظفين، والحوافز والتأثيرات الثقافية التي يستخدمها لتشجيع التقديرات السلوكية الإيجابية في العمل. وكنتيجة لهذا الضغط الذي يكون الغرض منه بالدرجة الأولى الحصول على مواطنة تنظيمية جيدة. هل يمكن أن يؤدي السعي وراء موظفين جيدين إلى خلق عواقب غير متوقعة؟
لمعرفة ذلك قمنا بإعداد دراستين من شأنهما قياس التداعيات الأخلاقية للدوافع الخارجية في المواطنة التنظيمية.
في الدراسة الأولى، اختبرنا تأثير هذا الأمر على مكان العمل، من خلال استقصاء 82 فريق عمل يمثلون مجموعة من المؤسسات والشركات الصناعية في شرق الصين، ووجدنا أن جهود إقناع الموظفين للقيام بأعمال خارجة عن مهامهم أدت في البداية إلى الحصول على سلوك مواطنة تنظيمية جيدة، إلا أن ذلك أدى إلى ظهور سلوكيات سلبية، مثل الاستهزاء بزميل العمل، أو أحذ ممتلكات المكتب دون إذن.
وفي الدراسة الثانية، اختبرنا تأثير الأمر نفسه (قياس التداعيات الأخلاقية للدوافع الخارجية في المواطنة التنظيمية)، داخل العمل وخارجه، من خلال استقصاء 180 فريقاً من الموظفين والمدراء في المؤسسات الأميركية، ويمكننا التأكيد على أن الموظفين الذين تعرضوا إلى دوافع تشجيعية إضافية للقيام بأعمال خارجة عن مهامهم ليصبحوا موظفين جيدين، كانوا أكثر عرضة للقيام بسلوكيات سلبية مثل شتم الزملاء أو الغرباء. وهنا يجدر بنا السؤال لماذا حدث هذا السلوك السلبي المنحرف؟
وللإجابة عن هذا السؤال، تمحورت دراستنا حول نظرية "الترخيص الأخلاقي التي تؤكد أن فعل أمور مهمة وجيدة في العمل تُعطي لاحقاً ترخيصاً للموظفين من أجل القيام بأفعال سلبية غير أخلاقية. فالموظف ينظر إلى أمور الترخيص الأخلاقي وكأنه يتحكم بحسابه المصرفي، فالأفعال الجيدة تُعطيه رصيداً للقيام بسلوكيات سيئة في المستقبل. وعندما يتصرف الموظف بشكل سيئ لا يزال يعتبر نفسه متزناً وأنه شخص جيد أو كما وصفناهم في دراستنا "موظفين جيدين".
في كلتا الدراستين، قمنا بمراقبة الموظفين ممن كانوا يشعرون بأنهم مضطرون للقيام بأعمال خارجة عن مهامهم ليظهروا بأن لديهم صفات جيدة كأحد أفراد فريق العمل إما بسبب (مطالب المشرفين على الموظفين، أو بسبب المعايير الرسمية وغير الرسمية في العمل، أو بسبب تلقيهم التهديد بالعقوبة)، ما أدى إلى ظهور وتطور ما يسمى بـ "الاستحقاق النفسي" لديهم.
حيث أدى هذا الاستحقاق أو الرضا إلى تعبئة رصيد الموظفين بأفعال جيدة أُجبروا على القيام بها، ما أعطاهم قوة كافية لتكون بمثابة ترخيص أخلاقي مكّنهم من الانخراط في سلوكيات سلبية جعلتهم يعتقدون أنها لا تؤثر في سلوك المواطنة التنظيمية ضمن الشركة. وبعبارة أُخرى، يمكن القول إن الانصياع للأوامر يؤدي إلى انحراف سلوكيات الموظفين.
من جانب آخر، وخلال الدراستين، قمنا بإظهار اختلاف مهم بين أن تكون موظفاً جيداً في العمل لأنك مجبر، وبين رغبتك في أن تكون كذلك داخلياً. إذ وجدنا أن حالات الاستحقاق النفسي الزائدة ارتبطت بسلوكيات المواطنة التنظيمية نتيجة الدوافع التحفيزية الخارجية أكثر من الداخلية. ما يجعل المدراء في مآزق، حيث إن جزءاً من دور المدير الجيد يكمن في إيجاد طرق لتشجيع موظفيهم وتحفيز هم عندما لا يملكون دوافع ذاتية داخلية للقيام بأعمال إضافية. وهنا يجدر بنا السؤال، ما الذي يمكن أن يقوم به المدير أو قائد العمل الناجح؟
لذلك استنتجنا أنه لتجنب زرع الاستحقاق النفسي في نفوس الموظفين داخل المؤسسات ننصح باتباع هذين النهجين.
النهج الأول: اضبط الدافع لتحفيز الموظفين من أجل القيام بأعمال إضافية غير المنوطة بهم، وبدلاً من ذلك أعد تقييم تكتيكاتك التحفيزية (علّم المدراء مهارات جديدة ليكونوا متنبهين للضغط الذي يمارسونه على كاهل الموظفين). فقادة العمل عليهم تخصيص تقنيات تحفيز منفردة لكل موظف من أجل الاستفادة من دوافعهم الداخلية عوضاً عن استخدام تقنية واحدة فقط تناسب الجميع لتجعله يشعر بأنه يسيطر على عدد كبير من موظفيه. مثلاً، على الرؤساء في العمل إبراز مكافآت غير رسمية للموظفين ممن يمتلكون حوافز ودوافع ذاتية من خلال الثناء عليهم أمام الجميع وإظهار ردود أفعال إيجابية حول سلوكياتهم الجيدة.
النهج الثاني: طوّر من بيئة العمل خلال تشجيع الموظفين ليصبحوا أكثر إلهاماً ذاتياً للمشاركة في إبراز سلوكيات إيجابية تخدم المؤسسة أو الشركة، إذ يمكن تحقيق ذلك من خلال تمكين الموظفين، وضبط جدول أعمال وأعباء العمل لزيادة قدرة كل موظف في تكوين دوافع ذاتية لديه. كذلك على الرؤساء توظيف أشخاص لديهم دوافع وميول ذاتية طبيعية ليُصبحوا موظفين ناجحين ضمن المواطنة التنظيمية. بالإضافة إلى ربط قصص الموظفين الذي يقومون بأعمال استثنائية للحصول على قيمة جوهرية من المكافأة الخارجية. إلى جانب ذلك، تأكد بأن المدراء في المناصب العليا يقومون بواجباتهم ضمن المواطنة التنظيمية للمؤسسة أو الشركة من دون الحصول على مكافأة نقدية أو غيرها من الامتيازات.
وفي النهاية، يمكننا التأكيد أن مفتاح تجنب نتائج سلبية في دفع الموظفين للقيام بأعمال إضافية خارجة عن مهامهم يكمن في خلق ثقافة تقدّر وتؤكد القيم الجوهرية لسلوكيات المواطنة التنظيمية الناجحة.