القيادة البدائية: الدافع الكامن خلف أداء رفيع

24 دقيقة
القيادة البدائية

هل يبدو مصطلح القيادة البدائية مألوفاً لديك؟ عندما بدأت نظرية الذكاء العاطفي في بيئة العمل تحظى باهتمام واسع النطاق، سمعنا لمدراء التنفيذيين يقولون في كثير من الأحيان، وبشكل متناقض إذا أمعنا الانتباه "أمر مدهش"، و"حسناً، كنت على علم بهذا طيلة الوقت". كانت هذه ردود فعل على بحثنا الذي أظهر وجود صلة لا ريب فيها بين النضج العاطفي للمدراء التنفيذيين – متمثلاً بالقدرات المرافقة له، كالوعي الذاتي والتعاطف – وبين أدائهم على المستوى المالي. ببساطة، أظهر البحث أن "الأناس الطيبين" أي الرجال والنساء الأذكياء عاطفياً، ينتهون في المراتب الأولى.

جمعنا مؤخراً أطراف هذا البحث الجديد الممتد لعامين، والذي سيثير في النفوس، كما نعتقد، رد الفعل ذاته. فسيستهجن الأشخاص في بادئ الأمر "محال هذا"، ليضيفوا إليها عاجلاً "لكن، بالفعل". وقد وجدنا أنه من بين جميع العوامل التي تؤثر على الأداء الإجمالي، كان عامل الأهمية في مزاج القائد والسلوكيات المرافقة له أكثر ما يثير الدهشة، فتلك التركيبة القوية مسؤولة عن إطلاق ردود الفعل التسلسلية، أي أن الحالة المزاجية للقائد وسلوكياته تعمل كدافع لحالة وسلوكيات الأفراد الآخرين كلهم. فرئيس العمل المتحجر والنزق سيخلق منظمة مشحونة بالسموم ومليئة بالمقصرين السلبيين الذين يتجاهلون الفرص، على خلاف القائد الملهم والشامل الذي يجند أتباعاً قادرين على تجاوز التحديات جميعها. فحلقة الربط النهائية في هذه السلسلة هي الأداء: الربح أو الخسارة.

ملاحظتنا حول التأثير الهائل لعامل "الأسلوب العاطفي" للقائد، كما نطلق عليه، ليس خروجاً بالمجمل عن بحثنا في الذكاء العاطفي. لكنه، مع ذلك، يمثل تحليلاً أعمق لما أكدناه سابقاً بأن الذكاء العاطفي للقائد يخلق ثقافة أو بيئة عمل معينة. وأظهر بحثنا أن المستويات العالية من الذكاء العاطفي تخلق مناخاً يزدهر فيه تشارك المعلومات والثقة، والتعلم، وتقبل المخاطر بشكلها السليم. أما المستويات المنخفضة من الذكاء العاطفي فتخلق مناخات تعج بالخوف والقلق، نظراً لأن العاملين الذين يشعرون بالتوتر والخوف قد ينجحون بالإنتاجية العالية في المدى القصير، وقد تصل مؤسساتهم إلى نتائج مرضية، لكنهم لن يستمروا مطلقاً.

كان تقصينا، في جزء منه، موجهاً للنظر في كيفية عمل الذكاء العاطفي كدافع للأداء، وبالتحديد، كيفية انتقاله من القائد عبر المؤسسة، وصولاً إلى النتائج النهائية. فكان سؤالنا "ما هي الآلية التي تربط هذه السلسلة ببعضها؟" وللإجابة على هذا السؤال توجهنا إلى أحدث الأبحاث العصبية والنفسية. كما اعتمدنا في إنجاز هذا على رؤساء الأعمال التجارية، وعلى ملاحظات زملائنا حول مئات القادة، وبيانات مجموعة "هاي" (Hay) المتعلقة بأساليب القيادة لآلاف المدراء التنفيذيين. ومن خلال هذا البحث اكتشفنا أن الذكاء العاطفي ينتقل في المؤسسة كما تنتقل الكهرباء في الأسلاك. وأكثر تحديداً، فالحالة المزاجية للقائد معدية حرفياً، فتنتشر سريعاً بلا هوادة في جميع أقسام العمل.

سنناقش الحالة المزاجية المعدية علمياً بشكل أعمق في وقت لاحق، لكن دعونا نتوجه أولاً إلى الخلاصات الأساسية التي توصلنا إليها. إذا كانت الحالة المزاجية للقائد وما يصاحبها من سلوكيات هي بالفعل من الدوافع الفعالة لنجاح الأعمال، فإن المهمة الرئيسية للقائد – ويمكننا القول المهمة البدائية – هي القيادة العاطفية. من الضروري أن يتأكد القائد من أن حالته المزاجية لا تقتصر فقط على التفاؤل والمصداقية والطاقة العالية، بل أيضاً، ومن خلال أفعاله المنتقاة بعناية، أن أتباعه يشعرون ويتصرفون بذلك الأسلوب أيضاً. فالانتهاء من إدارة النتائج المالية، والانتقال إلى القائد وإدارة حياته الداخلية من شأنه أن يحدث ردة فعل تسلسلية عاطفية وسلوكية صحيحة.

أما ما يتعلق بإدارة الحياة الداخلية، فهو ليس بالأمر اليسير طبعاً، بل وبالنسبة لمعظمنا، يعد ذلك هو التحدي الأصعب.

معنى القيادة البدائية

زد على ذلك أن قياس مدى تأثير عواطف الفرد على الآخرين له حظاً مشابهاً من الصعوبة. فمثلاً، أحد المدراء التنفيذيين الذي علمنا بأمره، كان متيقناً أن الجميع ينظر إليه على أنه مبتهج يمكن التعويل عليه، أما عن تقاريره المباشرة فتخبرنا بأن أولئك الأشخاص شعروا بأن ابتهاجه متكلف، بل ومزيف، وبأن قراراته مضلِلة. (نطلق على هذا الانفصال الشائع "متلازمة المدير التنفيذي"). والمعنى المتضمن هنا أن القيادة البدائية تتطلب ما هو أكثر من مجرد الارتداء اليومي لقناع التصنع. فيتطلب الأمر من المسؤول التنفيذي أن يحدد، باستخدام التحليل الانعكاسي، كيف لقيادته العاطفية أن تشكل الدافع للحالات المزاجية والأفعال في المؤسسة، ومن ثم، بضبط النفس المتوازن، أن يعدّل سلوكه وفقاً لذلك.

لا يعني هذا بالطبع أن القادة لا يمرون بيوم أو أسبوع سيئ في العمل، فالحياة ستجري. كما أن بحثنا لا يقترح أنه من الضرورة على الحالة المزاجية أن تكون عالية مستمرة دون توقف، فالحالة الصدوقة الواقعية ستفي بالغرض. ولكن لا مفر من ذلك الاستنتاج القائل إن على القائد أولاً الانتباه إلى وقع حالته المزاجية وسلوكياته قبل الانتقال إلى مجموعة واسعة من المسؤوليات الحساسة. نقدم في هذه المقالة منهجاً يمكن للمدراء التنفيذيين اتباعه في تقييم تجارب الآخرين القيادية، كما نناقش الطرق الكفيلة بمعايرة ذلك التأثير. لكن سننظر أولاً في سبب تجاهل مناقشة الحالة المزاجية في أماكن العمل، وكيفية عمل الدماغ ما يجعل تلك الحالات المزاجية معدية، وكل ما عليك معرفته حول متلازمة المدير التنفيذي.

لا يمكن! بل يمكن

عندما تحدثنا في وقت سابق عن أن ردود فعل الأشخاص على ما اكتشفناه سيكون "لا يمكن"، لم نقل ذلك من باب الدعابة عن القيادة البدائية تحديداً. والحقيقة أن الأثر العاطفي للقائد ليس موضع نقاش داخل مكان العمل على الإطلاق، ناهيك عن مواضيع أدب القيادة والأداء. وعلة ذلك أن "الحالة المزاجية" توحي بأنها من المواضيع الشخصية جداً. وعلى الرغم أننا قد نرى الأميركيين يتسمون بالصراحة الفجة حين يتعلق الأمر بالشؤون الشخصية – شاهد برنامج جيري سبرينغر وأمثاله – إلا أنهم الأكثر إلزاماً باتباع القوانين، فلا يمكنهم مثلاً مجرد السؤال عن عمر المتقدم للوظيفة. وبالنتيجة فإن الحديث حول الحالة أو الحالات المزاجية التي يتسبب المدير التنفيذي بخلقها في موظفيه قد يؤخذ على أنه اقتحام للخصوصية.

كما قد نتجنب نقاش الأسلوب العاطفي للقائد وآثاره، وذلك بصراحة لهشاشة هذا الموضوع. متى كانت آخر مرة قيّمت فيها الحالة المزاجية لأحد المرؤوسين على اعتبار أنه جزء من برنامج تقييم الأداء؟ نعم، من الممكن أنك قد ألمحت إليه – "مفاهيمك السلبية تسبب العوائق في عملك"، أو "حماسك رائع" – ولكن من المستبعد أنك ذكرت الحالة المزاجية بشكلها المباشر، ناهيك عن مناقشة آثارها على نتائج الشركة.

ومع ذلك كله فإن بحثنا سيستنبط أيضاً بلا شك ذلك الرد، "لكن، بالفعل". الجميع يعلم كم تدفع الحالة المزاجية للقائد بالأداء، وذلك لأن كل فرد، في وقت ما، كان قد خبر تجربة ملهمة في العمل لدى مدير مفعم بالحيوية أو تجربة هدامة أثناء الكدح تحت إمرة مدير متعكر المزاج. فالأول جعل من كل عمل ممكناً، وبالنتيجة، تحققت الأهداف على امتدادها، وهُزم المنافسون، وتحصل على عملاء جدد. أما الأخير، فقد جعل العمل شاقاً، وفي ظل هذا المزاج السيئ للمدير، أصبحت أجزاء أخرى من الشركة تشكل "خصماً"، وأصبح الزملاء يرتابون ببعضهم البعض، ويتناثر العملاء مبتعدين.

القيادة البدائية

يؤكد بحثنا، كما أبحاث علماء اجتماع آخرين، صحة هذه التجارب عن القيادة البدائية بالفعل. (هنالك بالطبع حالات نادرة يتمكن فيها مدير متحجر من تحقيق نتائج رائعة. سنستطلع ذلك في فقرة جانبية تحت عنوان "أولئك المنتصرون من المدراء الأشرار"). وبالعودة للدراسات فهي كثيرة جداً ولا يمكن ذكرها هنا، ولكن بشكل عام، فهي تبرهن أنه عندما يكون القائد في حالة مزاجية من السرور، فإن الأشخاص من حوله ينظرون إلى كل شيء في ضوء أكثر من الإيجابية. وذلك بدوره يجعلهم متفائلين عندما يتعلق الأمر بتحقيق أهدافهم، ويعزز قدراتهم الإبداعية، وكفاءة اتخاذ القرارات، ويهيئهم ليصبحوا أكثر نفعاً. على سبيل المثال، كشفت الأبحاث التي أجرتها أليس إيسن في "جامعة كورنيل" (Cornell) أن البيئة المفعمة بالتفاؤل تعزز الكفاءة الذهنية، مما يحسن من استقبال وفهم الأفراد للمعلومات، والاستفادة من قواعد اتخاذ القرار، ضمن القرارات المعقدة، وأن يكونوا مرنين من حيث التفكير. كذلك تربط البحوث الأخرى بين الحالة المزاجية والأداء المالي. ففي عام 1986، على سبيل المثال، أظهر كل من مارتن سيليغمان وبيتر شولمان من "جامعة بنسلفانيا" أن وكلاء التأمين الذين يؤمنون "بنصف الكأس الممتلئ" لديهم قدرة أكبر من نظرائهم المتشائمين على الاستمرار رغم الرفض، وبهذا استطاعوا عقد صفقات أكثر من المبيعات. (لمزيد من المعلومات حول هذه الدراسات إضافة لقائمة من قاعدة البحث الخاصة بنا تفضل بزيارة (www.eiconsortium.org).

العديد من القادة الذين تتسبب أساليبهم العاطفية في خلق بيئة عمل مختلة يطردون في نهاية المطاف، (وبالطبع من النادر ما يكون هذا هو السبب المعلن، بل يعزى الأمر إلى النتائج السيئة). ولكن بالإمكان تجنب تلك النهاية. فكما يمكن للحالة المزاجية السيئة أن تنقلب، كذلك يمكن قلب المشاعر السامة التي نشأت بسبب قائد غير ناضج عاطفياً. وبنظرة إلى داخل دماغ الإنسان يمكننا فهم السبب والكيفية.

القيادة البدائية والحالات المزاجية علمياً

تثبت مجموعة من البحوث، الآخذة في الاتساع، حول الدماغ البشري أن الحالة المزاجية للقادة تؤثر، إيجاباً أو سلباً، على مشاعر الأشخاص من حولهم. ويكمن سبب ذلك فيما يطلق عليه العلماء طبيعة الحلقة المفتوحة للجهاز الحوفي في الدماغ، أي مركز العواطف. فالجهاز ذو الحلقة المغلقة يعتمد التنظيم الذاتي، بينما يعتمد جهاز الحلقة المفتوحة على المصادر الخارجية في تنظيم نفسه. بعبارة أخرى، نحن نعتمد على التواصل مع أشخاص آخرين لنحدد حالتنا المزاجية. ويعد الجهاز الحوفي ذو الحلقة المفتوحة تصميماً نافعاً في التطور البشري، لأنه يتيح للناس إنقاذ بعضهم البعض عاطفياً، مثل تمكن الأم من تهدئة الرضيع عند البكاء.

لا زالت وظيفة تصميم الحلقة المفتوحة هي ذاتها اليوم كما كانت قبل آلاف السنين. فقد أظهرت الأبحاث التي أجريت في وحدات العناية المركزة، على سبيل المثال، أن وجود شخص آخر بهدف دعم ومواساة المريض يقلل ضغط الدم المرتفع لديه، كما يبطئ إفراز الأحماض الدهنية التي تسد الشرايين. وتظهر دراسة أخرى أن ثلاثة أو أكثر من حالات التوتر الشديد في غضون عام واحد (كمشكلة مالية خطيرة، أو طرد من العمل، أو طلاق) تضاعف معدل الوفيات لدى الرجال في منتصف العمر المنعزلين اجتماعياً، لكنها لا تؤثر على معدل الوفيات لدى الرجال الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية وثيقة.

يصف العلماء هذه الحلقة المفتوحة بأنها "المنظم الحوفي للعلاقات الشخصية"، فالفرد يبث إشارات من شأنها تغيير مستوى الهرمونات ووظائف القلب والأوعية الدموية وتواتر أوقات النوم وحتى وظائف المناعة إلى جسد فرد آخر. وهذه هي الطريقة ذاتها التي يتمكن فيها الأزواج من تحفيز الزيادة لهرمون الأوكسيتوسين في أدمغة بعضهم البعض، مما يخلق شعوراً لطيفاً وحنوناً. فالفيزيولوجيا لدينا تختلط وتتمازج كما تفعل جميع المفاهيم الاجتماعية في الحياة، إذ يتيح تصميم الجهاز الحوفي ذو الحلقة المفتوحة الفرصة للآخرين بتغيير الوظائف الفيزيولوجية لدينا، وبالتالي عواطفنا.

على الرغم من أن هذه الحلقة المفتوحة تحتل جزءاً كبيراً من حياتنا، إلا أننا لا نلاحظ عادةً تلك العملية. واستطاع العلماء توثيق تناغم المشاعر هذا في المختبر من خلال القياس الفيزيولوجي – مثل قياس معدل ضربات القلب – لشخصين يتبادلان محادثة شيقة. فعند بدء التفاعل، يعمل جسديهما بإيقاعات مختلفة، ولكن بعد 15 دقيقة تبدو المعلومات الفيزيولوجية للجسدين متشابهة بشكل ملفت.

ورأى الباحثون مراراً وتكراراً كيف تنتشر العواطف دون عوائق بتلك الطريقة كلما كان الأشخاص بالقرب من بعضهم. فمنذ عام 1981، اكتشف عالمي النفس: هوارد فريدمان ورونالد ريغيو، أنه حتى التعابير غير اللفظية على الإطلاق يمكن لها أن تؤثر على الآخرين. فمثلاً، عند جلوس ثلاثة غرباء في مواجهة بعضهم البعض صامتين لمدة دقيقة أو دقيقتين، ينقل الشخص ذو التعابير العاطفية الأكبر حالته المزاجية للشخصين الآخرين دون النطق بكلمة واحدة.

الشيء ذاته ينطبق في المكتب أو قاعة الاجتماعات أو المحل التجاري، إذ "يلتقط" أعضاء هذه المجموعات بشكل حتمي المشاعر من بعضهم البعض. وفي عام 2000، وجد كل من كارولين بارتل من "جامعة نيويورك (إن واي يو)"، وريتشارد سافيدرا من "جامعة ميشيغان"، وعبر دراسة 70 فريق عمل من صناعات متنوعة، أن الأشخاص في الاجتماعات ينتهي بهم الأمر بتبادل حالاتهم المزاجية – الجيدة والسيئة – في غضون ساعتين. طلبت إحدى الدراسات من فرق من الممرضات والمحاسبين مراقبة حالتهم المزاجية على مدار أسابيع، ليكتشف الباحثون أن مشاعرهم تعقبت بعضها البعض، على الرغم من ابتعاد كل فريق عن مشاحنات الفريق الآخر. فالمجموعات، كالأفراد، تركب الأفعوانية العاطفية، ليتشاركو كل شيء بدءاً من الغيرة إلى الغضب ووصولاً إلى النشاط والحيوية. (تنتشر الحالة المزاجية الجيدة تلقائياً، بسرعة أكبر من خلال الاستخدام الحكيم للفكاهة. لمعرفة المزيد حول هذا، راجع الفقرة الجانبية "ابتسم وسيبتسم لك العالم").

تميل الحالات المزاجية التي تبدأ من المناصب العليا إلى الانتقال الأسرع وذلك لأن الجميع يراقبون المدير، ويستمدون إشارة الانطلاق للعواطف منه. حتى عندما لا يكون المدير مرئياً بشكل كبير – مثل المدير التنفيذي الذي يعمل خلف أبواب مغلقة في الطابق العلوي – فموقفه يؤثر على الحالات المزاجية عبر تقاريره المباشرة، ويمتد مفعول التداعي في جميع أنحاء الشركة.

لنطلق على ذلك المدير التنفيذي لقب الطبيب

إن كانت الحالة المزاجية للقائد بتلك الأهمية، فمن الأفضل له تبني حالة جيدة، أليس كذلك؟ نعم، ولكن الإجابة الكاملة أكثر تعقيداً من ذلك. فصحيح أن الحالة المزاجية للقائد لها الأثر الأكبر على الأداء عندما يكون مبتهجاً، ولكن من الضروري أن تكون في حالة من التناغم مع الأشخاص من حوله. وهذا ما نطلق عليه الصدى الحيوي. (لمزيد حول هذا الموضوع راجع الفقرة الجانبية "ابتهج، لكن بحذر").

لقد وجدنا أن عدداً متزايداً من القادة لا يعرفون حقاً ما إذا كان لديهم ذلك الصدى الحيوي داخل منظماتهم. بل ويعانون من متلازمة الرئيس التنفيذي، وأحد أعراضها البغيضة هو جهل المصاب شبه الكامل بكيفية ظهور حالته المزاجية وأفعاله أمام المؤسسة. ليس الأمر وكأن القادة لا يهتمون بالانطباع الذي يتركونه لدى الآخرين، فمعظمهم يفعل، ولكنهم يفترضون مخطئين أنه يمكنهم تفسير تلك المعلومات بأنفسهم. بل وأسوأ من ذلك، يعتقدون أنه لو كان لديهم تأثير سلبي على الآخرين فسيخبرهم أحد ما، وبالطبع هم مخطئون.

كما يشرح أحد المدراء التنفيذيين في بحثنا "أشعر في كثير من الأحيان أنني لا أفهم الحقيقة، لا يمكنني الإشارة إليها مطلقاً، وذلك لعدم وجود شخص يكذب فعلياً، ولكن يمكنني الشعور أن الناس يخبؤون المعلومات، أو يقومون بتمويه الحقائق الرئيسية. هم بذلك لا يكذبون، لكنهم أيضاً لا يخبروني بما أريد معرفته كله، مما يضطرني إلى التخمين دائماً".

لا يخبر الأفراد القادة بالحقيقة الكاملة حول تأثيرهم العاطفي للعديد من الأسباب، فأحياناً هو الخوف من أن يندرجوا تحت مسمى ناقلي الأخبار السيئة ليتلقوا ضربة بسبب ذلك. ويشعر آخرون بأنه من غير اللائق التعليق على مثل هذا الموضوع الشخصي. وآخرون ما زالوا لا يدركون أن ما يريدون التحدث عنه حقاً هو تأثيرات الأسلوب العاطفي للقائد، والذي يبدو غامضاً للغاية. ومهما كان من أسباب، فلا يمكن للمدير التنفيذي الاعتماد على أتباعه في إعطائه الصورة الكاملة بشكل عفوي.

الجرد

العملية التي نوصي بها لاكتشاف الذات وإعادة ابتكارها ليست بالمستحدثة ولا وليدة علم النفس الشعبي كالكثير من برامج المساعدة الذاتية المقدمة للمدراء التنفيذيين في يومنا هذا. بل تعتمد على ثلاث تيارات بحثية حول كيفية تحسين المدراء التنفيذيين لقدرات الذكاء العاطفي التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيادة الفعالة. (يمكن العثور أيضاً على معلومات حول هذه التيارات البحثية على الموقع (www.eiconsortium.org). في عام 1989 بدأ واحد منا، وهو ريتشارد بوياتزيس، بالاعتماد على هذه المجموعة من الأبحاث في تصميم منهج الخطوات الخمس، ومنذ ذلك الحين، استخدمها آلاف من المدراء التنفيذيين بنجاح.

وعلى خلاف الأشكال التقليدية للتدريب، يعتمد نهجنا على علم الدماغ البشري، فالمهارات العاطفية للفرد، أي المواقف والقدرات التي يقارب بها شخص ما الحياة والعمل، ليست ثابتة من المنحى الوراثي، شأن لون العين والبشرة، ولكنها قد تكون كذلك من بعض النواحي، لأنها متأصلة بعمق في جهازنا العصبي.

والمهارات العاطفية للفرد تحتوي بالفعل على مكون وراثي. فقد اكتشف العلماء، على سبيل المثال، الجينات المورثة المسؤولة عن الخجل،  والتي لا تعد حالة مزاجية بحد ذاتها، لكنها قادرة بالتأكيد أن تدفع الشخص نحو سلوك هادئ مستمر، والذي قد يفسر على أنه حالة مزاجية "كئيبة". وهنالك أشخاص آخرين مبتهجين بشكل خارق للعادة، أي أن بهجتهم التي لا تعرف الراحة تبدو خارقة للعادة إلى أن تلتقي بوالديهم المفعمين بالحيوية. كما يوضح أحد المدراء التنفيذيين "جل ما أعرفه هو أنني منذ صغري لطالما كنت سعيداً. وهذا يقود الناس للجنون، لكنني لا أستطيع الاكتئاب حتى لو حاولت ذلك، أخي كذلك لديه الشيء ذاته، كان قد وجد الجانب المشرق من الحياة حتى أثناء طلاقه".

على الرغم من أن المهارات العاطفية متأصلة جزئياً منذ الولادة، إلا أن التجارب تلعب دوراً رئيسياً في كيفية ظهور المورثات. فقد يكبر الطفل الرضيع الذي توفي أبويه أو الذي قاسى من إساءة جسدية ليصبح راشداً تتملكه السوداوية. كما قد يتحول الطفل حاد الطباع إلى بالغ تتملكه البهجة بعد اكتشافه لهواية ترضي نفسه. ومع ذلك، تشير البحوث إلى أن مجموعة المهارات العاطفية التي نمتلكها قد تحددت مسبقاً بحلول منتصف العشرينات من عمرنا، وبأن سلوكياتنا المصاحبة لها، بحلول ذلك الوقت، أصبحت عادات متجذرة بعمق. وهنا تكمن العقدة: فكلما اتبعنا طريقة معينة، من سعادة أو اكتئاب أو طباع حادة، كلما أصبح السلوك متأصلاً في جهازنا العصبي، وبالتالي الاستمرار بالشعور أو التصرف بتلك الطريقة.

وهذا هو السبب وراء أهمية الذكاء العاطفي للقائد، فالقائد الذكي عاطفياً قادر على مراقبة حالاته المزاجية من خلال وعيه الذاتي، وتغييرها للأفضل من خلال الإدارة الذاتية، وفهم مدى تأثيرها من خلال التعاطف، والتصرف بطرق ترفع من الحالات المزاجية للآخرين من خلال إدارة العلاقات الاجتماعية.

صُمم النهج التالي، والمكون من خمسة أجزاء، لتجديد الدماغ نحو سلوكيات تتسم بالذكاء العاطفي. يبدأ هذا النهج بتصور ذاتك المثالية، ثم التصالح مع ذاتك الحقيقية عند معرفة كيف ينظر إليك الآخرون. وتكمن الخطوة التالية في وضع خطة تكتيكية لردم الفجوة بين الواقع وما هو مثالي، ومن ثم ممارسة تلك الأنشطة. وتنتهي بإنشاء مجتمع من الزملاء والعائلة، نطلق عليهم داعمي التغيير، وذلك لضمان استمرار العملية. دعونا نلقي نظرة على هذه الخطوات بمزيد من التفصيل.

"مَن أريد أن أكون؟"

علمت صوفيا، وهي مدير عام في شركة اتصالات في أوروبا الشمالية، أنه من الضروري بالنسبة لها فهم مدى تأثير قيادتها العاطفية على الآخرين. فعند شعورها بالضغط كانت تميل إلى تجنب التواصل وتفضل تولي عمل المرؤوسين حتى تنجز المهمة "بشكل صحيح". وحضور ندوات القيادة لم تغير من عاداتها، ولا قراءة كتب الإدارة أو العمل مع المستشارين.

عندما جاءت صوفيا إلينا، طلبنا منها أن تتصور نفسها بعد ثمان سنوات من الآن كقائد فعال، وتكتب بذلك وصفاً ليوم اعتيادي تمر به. وسألناها "ماذا كانت لتفعل؟"، "أين ستعيش؟"، "من سيكون حاضراً وقتها؟"، "كيف ستكون مشاعرها؟". دفعناها إلى النظر في أعمق قيمها وأسمى أحلامها، والشرح لنا كيف أصبحت تلك المُثل جزءاً من حياتها اليومية.

صورت صوفيا نفسها تقود شركتها المكونة من عشرة زملاء، والمترابطة بإحكام. كانت تتمتع بعلاقة مفتوحة مع ابنتها، وعلاقة تغمرها الثقة مع أصدقائها وزملاء العمل. رأت نفسها كقائد وأم وشخص محب يدعم الجميع من حوله.

كانت صوفيا تتمتع بمستوى منخفض من الوعي الذاتي من المنظور العام: فنادراً ما كانت قادرة على تحديد سبب معاناتها في العمل والمنزل. كل ما أمكنها قوله هو "لا شيء يسير بالشكل الصحيح". فدفعها هذا التمرين إلى تصور ما ستبدو عليه الحياة إذا سار كل شيء على ما يرام، وفتح عينيها على العناصر المفقودة في أسلوبها العاطفي. فأصبحت قادرة على رؤية تأثيرها على الأشخاص في حياتها.

"من أنا في الوقت الراهن؟"

في الخطوة التالية من عملية اكتشاف الذات، تصل إلى رؤية أسلوبك العاطفي كما يراه الآخرون، وهو أمر عسير وخطير، فعسير لأن قلة من الناس يتسمون بالشجاعة لإخبار مديرهم أو زميلهم كيف يبدو حقاً. وخطير لأن هذه المعلومات يمكن أن تلدغ، بل وتسبب الشلل. القليل من الجهل بنفسك ليس بالأمر القبيح، فآليات دفاع الأنا العليا لها محاسنها. تُظهر الأبحاث التي أجراها مارتن سيليغمان أن الأشخاص ذوي الأداء العالي يشعرون عموماً بمزيد من التفاؤل حول إمكانياتهم مقارنة بالأشخاص ذوي الأداء المتوسط. فالعدسات الوردية التي ينظرون إلى العالم من خلالها تغذي الحماس والطاقة، مما يجعل ما هو غير متوقع وغير عادي ممكن التحقيق. أطلق الكاتب المسرحي هنريك إبسن على هذه الأوهام "أكاذيب حيوية"، وبهذه الأكاذيب البيضاء نعطي الفرصة لنؤمن بأنفسنا في مواجهة هذا العالم المروع.

لكن، يتعين استخدام الوهم الذاتي بجرعات صغيرة جداً. وعلى المدراء التنفيذيين البحث عن حقيقة أنفسهم بلا كلل أو ملل، خصوصاً وأنها لن تكون كاملة عندما يسمعونها بالتأكيد. إحدى الطرق في الوصول إلى الحقيقة هي بالحفاظ على سلوك منفتح للغاية تجاه الانتقادات. وطريقة أخرى بالبحث عن الردود السلبية، حتى وإن اضطر الأمر لجعل زميل أو اثنين يلعبون دور محامي الشيطان.

كما ننصح بشدة بجمع الردود من أكبر عدد ممكن من الأشخاص، بما في ذلك الرؤساء والأقران والمرؤوسين. فالردود من المرؤوسين والأقران مفيدة بشكل خاص، ذلك أنها تتنبأ بدقة بمدى فعالية القائد، في غضون سنتين أو أربعة أو حتى سبع سنين، وذلك وفقاً للبحث الذي أجراه جلين ماك إيفوي في ولاية يوتاه، وريتشارد بيتي في "جامعة راتغرز".

لا يطلب مبدأ (360 درجة من التقييم) من الأشخاص تقييم حالتك المزاجية وأفعالك وآثارها على وجه التحديد. ولكنه يكشف عن نظرة الناس لك. على سبيل المثال، عندما يُقيم الناس كم أنت مستمع جيد، فهم بذلك يقيّمون مدى اعتقادهم بأنك مستمع جيد. وبشكل مشابه، عندما يستنبط مبدأ 360 درجة من التقييم مدى فعالية التدريب، فستظهر الإجابات ما إذا كان يشعر الأشخاص بأنك تتفهمهم وتهتم بهم أم لا. وعندما تكشف الردود عن درجات منخفضة، لنقل الانفتاح على الأفكار الجديدة، فهذا يعني أن الناس ينظرون إليك كشخص يتعذر بلوغه أو الاقتراب منه أو الأمرين. باختصار، كل ما تحتاج لمعرفته حول تأثيرك العاطفي هو موجود مسبقاً في نظام 360 من التقييم، إذا بحثت عنه.

هناك ملاحظة أخيرة عن هذه الخطوة الثانية. من الضروري بالطبع تحديد نقاط الضعف لديك، لكن التركيز على نقاط الضعف وحدها من شأنه أن يكون مثبطاً. ولهذا من الضروري بالقدر ذاته، إن لم يكن أكثر، أن تفهم نقاط قوتك. فعندما تعلم أين تتقاطع ذاتك الحقيقية مع ذاتك المثالية سيمنحك ذلك الطاقة الإيجابية التي تحتاجها للمضي قدماً إلى الخطوة التالية في هذه العملية: ردم الفجوات.

"كيف انتقل من هنا إلى هناك؟"

حالما تعلم مَن تريد أن تكون، ومقارنته بنظرة الناس لك، تصل إلى ضرورة ابتكار خطة عمل. بالنسبة لصوفيا، كان يعني هذا ضرورة التخطيط لتحسينات فعلية على مستوى وعيها الذاتي. فطلبت من كل عضو في فريقها في العمل تقديم التعليقات أسبوعياً، بشكل مكتوب دون الاسم، وذلك فيما يخص حالتها المزاجية وأدائها وأثرهما على الأشخاص. كما ألزمت نفسها بثلاث مهام صعبة ولكن ممكنة التحقيق: قضاء ساعة يومياً في وصف سلوكها وكتابته في يومياتها، والانضمام إلى فصل دراسي في كلية محلية يتمحور حول آليات الجماعة، وإدراج زميل لها في قائمة مدرب موثوق غير رسمي لمساعدتها.

خذ في الاعتبار خوان أيضاً، وهو مدير تسويق تنفيذي في قسم أميركا اللاتينية في إحدى شركات الطاقة المتكاملة الكبرى، والذي أتم هذه الخطوة. كان خوان مكلفاً بتنمية الشركة في وطنه الأم فنزويلا، وكذلك في المنطقة بأسرها، وهي وظيفة تتطلب منه أن يكون مدرباً وشخصاً نافذ البصيرة لديه الرؤية الشجاعة والمتفائلة. إلا أن نظام 360 درجة من التقييم كشف أن خوان يُنظر إليه على أنه مخيف ينصب تركيزه على ذاته فقط. ويُنظر إليه في العديد من التقارير المباشرة على أنه نكد، من المستحيل إرضاؤه في أسوأ أحواله، ويستنزف الطاقة العاطفية في أفضل أحواله.

أتاح تحديد هذه الفجوة لخوان صياغة خطة بخطوات يسيرة التنفيذ بهدف التحسن. كان يعلم أنه من الضروري صقل التعاطف لديه إذا أراد تطوير أسلوب للتدريب، ولذلك التزم بأنشطة متنوعة من شأنها أن تسمح له بممارسة تلك المهارة. فمثلاً قرر خوان التعرف على كل فرد من مرؤوسيه بشكل أفضل، فإن عرف المزيد عنهم، سيكون أكثر قدرةً على مساعدتهم في تحقيق أهدافهم. فوضع خططاً بالاشتراك مع كل موظف للالتقاء خارج العمل، حيث يشعرون براحة أكبر في الكشف عن مشاعرهم.

وبحث خوان أيضاً عن المجالات خارج العمل تمكنه من إعادة روابطه المفقودة، على سبيل المثال، تدريب فريق كرة قدم ابنته، والتطوع في مركز أزمات محلي. ساعده النشاطان على اختبار مدى فهمه للآخرين وتجربة سلوكيات جديدة.

فلننظر مجدداً إلى عِلم الدماغ في بيئة العمل، كان يحاول خوان التغلب على السلوكيات المتأصلة، فمقاربته للعمل كانت قد ترسخت بداخله مع مرور الوقت دون أن يدرك ذلك. وكان إدخال هذه السلوكيات إلى نطاق الوعي خطوة حاسمة نحو تغييرها. وحالما أولى المزيد من الاهتمام بدأت المواقف التي نشأت، أثناء الاستماع إلى زميل، أو تدريب كرة قدم، أو التحدث عبر الهاتف إلى شخص مضطرب، تصبح عبارة عن إشارات انطلاق عملت على تحفيزه في كسر العادات القديمة وتجربة ردود فعل جديدة.

فإشارة الانطلاق في تغيير عادة ما هو أمر عصبي بقدر ما هو حسي. أظهر الباحثون في جامعتي "بيتسبرغ"، و"كارنيغي ميلون"، أننا وبينما نستعد ذهنياً لأداء مهمة ما، فإننا نقوم بتنشيط قشرة الجبهة الأمامية، وهي الجزء من الدماغ الذي يدفعنا إلى اتخاذ الأفعال. كلما زاد التحضير المسبق، كلما كنا أفضل في إنجاز المهمة.

ويصبح هذا التحضير الذهني ذا أهمية بشكل خاص عندما نحاول استبدال عادة قديمة بأخرى أفضل منها. وكما وجد عالم الأعصاب كاميرون كارتر من "جامعة بيتسبرغ" أن قشرة الفص الجبهي تصبح نشطة بشكل خاص عندما يستعد الشخص لتجاوز الاستجابة المعتادة. تنبه قشرة الفص الجبهي المثارة تركيز الدماغ إلى ما هو على وشك أن يحدث. ودون هذه الاستثارة، سيعيد الشخص تفعيل إشارة مجرب/وصحيح ولكن للروتين غير المرغوب به: فالمدير التنفيذي الذي لا يصغي للآخرين سيقاطع أحاديث مرؤوسيه مرة أخرى، والقائد المتحجر سيلجأ إلى الهجوم النقدي مرة أخرى، وما إلى ذلك. ولهذا فإن جدول أعمال التعلم مهم للغاية، من غيره لن نمتلك القدرة الذهنية على التغير.

"كيف أجعل من ذلك التغيير ثابتاً؟"

باختصار، يتطلب جعل التغيير دائماً ممارسة. والسبب، مرة أخرى، يكمن في الدماغ، فالأمر يتطلب الفعل وتكرار الفعل، مراراً وتكراراً، بهدف كسر العادات العصبية القديمة. يتحتم على القائد أن يتدرب على سلوك جديد إلى يصبح هذا السلوك تلقائياً، أي إلى أن يتقنه على مستوى التعلم الكامن. وعندها فقط سيتم استبدال الشبكة العصبية الجديدة بتلك القديمة.

في حين أنه من الأفضل ممارسة سلوكيات جديدة، كما فعل خوان، إلا أنه في بعض الأحيان مجرد تصورها سيفي بالغرض. فلنأخذ حالة توم، وهو مدير تنفيذي أراد أن يسد الفجوة بين ذاته الواقعية (والتي يعتبرها الزملاء والمرؤوسين باردة وصارمة) وبين ذاته المثالية (مدرب ونافذ البصيرة).

تضمنت خطة توم للتعلم إيجاد الفرص للتمهل وتدريب موظفيه بدلاً من القفز والتشبث بأعناقهم عندما يشعر بأنهم مخطئين. كما بدأ توم بقضاء أوقات فراغه أثناء طريقة إلى العمل بالتفكير في كيفية التعامل مع ما سيواجه في اليوم ذاته. في صباح أحد الأيام، وبينما كان توم في طريقة إلى اجتماع الإفطار مع موظف بدا وكأنه لم يتقن العمل على المشروع، تخيل توم سيناريو إيجابي في ذهنه. وطرح الأسئلة واستمع بهدف التأكد من أنه فهم الموقف بالكامل قبل أن يحاول حل المشكلة. وتنبأ بحالة مشاعره عند نفاذ صبره، وتدرب على التعامل مع هذه المشاعر.

تؤكد الدراسات التي أجريت على الدماغ البشرية فوائد تقنية التصور التي قام بها توم فتخيل شيء ما بتفاصيل واضحة من شأنه أن يحفز الخلايا ذاتها التي ستشارك بالفعل في ذلك النشاط. ويبدو أن الدارات العصبية تعبر على الخط ذاته، مما يقوي الارتباط، حتى وإن كررنا ذلك التسلسل في أذهاننا فقط. لذلك، لتقليص المخاوف المرافقة لتجربة الطرق الجديدة في القيادة، علينا أولاً تصور بعض السيناريوهات المحتملة. فالقيام بذلك سيجعلنا نشعر بأننا أقل إحراجاً عندما نضع تلك المهارات الجديدة موضع التنفيذ الفعلي.

تجربة سلوكيات جديدة واغتنام الفرص داخل العمل وخارجه لممارستها، إضافة إلى استخدام هذه الأساليب كمراجعة ذهنية، من شأنه أن يحفز الروابط العصبية الضرورية من أجل إحداث التغيير فعلياً. ومع ذلك، فإن التغيير الدائم لا يحدث من خلال التجربة والقوة الذهنية فقط، بل نحتاج، كما تقول الأغنية، إلى بعض المساعدة من أصدقائنا.

"من يستطيع مساعدتي؟"

الخطوة الخامسة في عملية اكتشاف الذات وإعادة الابتكار هي إنشاء مجتمع من الداعمين. خذ على سبيل المثال، المدراء في شركة "يونيليفر" (Unilever) الذين شكلوا مجموعات تعلم كجزء من عملية التطور التنفيذي الخاص بهم. اجتمعوا في بداية الأمر لمناقشة وظائفهم وكيفية توفير القيادة اللازمة، ولكن نظراً لتكليفهم بمناقشة أحلامهم وأهدافهم التعليمية، أدركوا في وقت قصير أنهم كانوا يناقشون أعمالهم إضافة إلى حيواتهم الشخصية. كما طوروا ثقة قوية متبادلة فيما بينهم وبدأوا بالاعتماد على بعضهم البعض في الحصول على المراجعات الصريحة أثناء عملهم، بهدف تعزيز قدراتهم القيادية. عندما يحدث شيء كهذا، تكون المكاسب الوظيفية عبارة عن قوة أكبر في الأداء. أنشأ العديد من المهنيين في يومنا مجموعات مشابهة، وذلك لأسباب وجيهة. فالأشخاص الذين نثق بهم يتيحون لنا تجربة أجزاء غير مألوفة من سماتنا القيادية دون الاضطرار للمخاطرة.

لا يمكننا تحسين ذكائنا العاطفي أو تغيير أسلوب قيادتنا دون مساعدة الآخرين، فنحن لا نمارس عملنا بالاشتراك مع الناس فقط، بل نعتمد عليهم في خلق بيئة آمنة صالحة للتجربة، ونحتاج للحصول على تقييم لأفعالنا وآثارها على الآخرين وتقييم تقدمنا في جدول أعمالنا للتعلم.

في الواقع، وربما من المفارقات، أنه في عملية التعلم الذاتي نعتمد على الآخرين في كل خطوة من الطريق، بدءاً من التعبير عن ذاتنا المثالية ومقارنتها مع الواقعية وصولاً إلى التقييم النهائي الذي يؤكد تقدمنا. توفر لنا علاقاتنا الاجتماعية السياق ذاته الذي ندرك فيه تقدمنا ونفهم فائدة ما نتعلمه.

الحالة المزاجية وأهميتها

عندما نقول إن إدارة حالتك المزاجية والحالات المزاجية لأتباعك هي من مهام القيادة البدائية، فنحن لا نقصد بالتأكيد أن الحالة المزاجية هي ما يهم في الأمر فقط. كما لاحظنا سابقاً، فأفعالك بالغة الأهمية، ويتوجب على الحالة المزاجية والأفعال أن تتناغم مع المؤسسة ومع الواقع. وبالمثل، نعترف بجميع التحديات الأخرى التي يتحتم على القادة التغلب عليها، بدءاً من الاستراتيجية، إلى التوظيف، وصولاً إلى تطوير المنتجات الجديدة. وذلك كله ضمن يوم عمل طويل. لكن، عند النظر إلى الصورة بكليتها، فإن الرسالة من الأبحاث العصبية والنفسية والوظيفية مدهشة بوضوحها، فالقيادة العاطفية هي الشرارة التي توقد أداء الشركة، لتخلق شعلة من النجاح أو أرضاً من رماد. نعم، الحالة المزاجية مهمة بهذا القدر.

خلق صدى في أوقات الأزمات

عند الحديث عن الحالات المزاجية للقادة، فإن أهمية الصدى الذي يخلقونه لا تحتاج إلى مزيد من التأكيد. وفي حين أن البحث الذي أجريناه يشير إلى أنه ينبغي للقادة، بشكل عام، أن يكونوا مبتهجين، إلا أن سلوكهم يجب أن يكون ضارباً بجذوره في الواقعية، لاسيما عندما تواجههم أزمة.

ومن ذلك، الكيفية التي استجاب بها بوب مولهولاند، النائب الأول للرئيس ومدير فريق العلاقات مع العملاء بشركة "ميريل لينش" (Merrill Lynch)، إزاء الهجمات الإرهابية التي استهدفت نيويورك. ففي يوم 11 سبتمبر/ أيلول من عام 2000، شعر بوب وفريقه العامل في المبنى الثاني للمركز المالي العالمي باهتزاز المبنى، ومن ثم كانوا يشاهدون الدخان يخرج من فجوة كبيرة في المبنى المقابل لهم مباشرة. وأصيب الناس بالذعر، وبدأ بعضهم في الهرب بشكل مسعور من نافذة إلى أخرى، بينما صار آخرون عاجزين عن الحركة بسبب الخوف الذي اعتراهم. أما الذين كان لهم أقارب يعملون في مركز التجارة العالمي فقد كانوا مذعورين خوفاً على سلامتهم. وأدرك مولهولاند أن عليه أن يتصرف (عندما تكون هناك أزمة، يجب عليك أن تبيّن للناس الطريق خطوة بخطوة، وأن تحرص على إبداء الاهتمام بمخاوفهم).

بدأ مولهولاند بإطلاع الأشخاص على المعلومات التي يحتاجونها لتحريرهم من الذهول الذي اعتراهم. فقد علِم، على سبيل المثال، الطوابق التي يوجد فيها أقرباء الموظفين وطمأنهم بأن أقرباءهم وجدوا متسعاً من الوقت للهرب. ومن ثم، هدّأ من روع الأشخاص المذعورين، واحداً تلو الآخر، وقال لهم بهدوء: (سنغادر المبنى الآن، وسترافقونني، وسنستخدم السلالم وليس المصعد). وظل هادئاً وحازماً، لكنه لم يقلل من شأن الاستجابات العاطفية للأشخاص. وبفضله، نجا الجميع قبل انهيار البرج.

ولم تنتهي قيادة مولهولاند عند هذا الحد، بل إنه، إدراكاً منه أن هذا الحدث سيمس أي عميل بصورة شخصية، فقد ابتكر هو وفريقه طريقة للمستشارين الماليين للتواصل مع العملاء على مستوى عاطفي. واتصلوا بجميع العملاء للاطمئنان عليهم وعلى عائلاتهم، وكما يوضح مولهولاند بقوله: "لم يكن هناك من سبيل لاستئناف العمل والقيام على النحو المعهود. حيث إن أول مداخل الأعمال كانت تتمثل في أن يعرف عملاؤنا أننا نهتم بهم فعلاً".

وقد نفذ بوب مولهولاند، بشجاعة، إحدى أكثر المهام العاطفية أهمية في القيادة، إذ إنه ساعد نفسه وموظفيه على إيجاد مغزى في وجه الفوضى والجنون. وللقيام بذلك، فقد كان أول ما فعله هو التوافق مع حقيقية العواطف المشتركة وإبداء هذه العواطف. ولهذا السبب فقد وجد الاتجاه الذي حدده آذاناً صاغية كليةً لدى الموظفين. إذ إن كلماته وأفعاله عكست ما كان الأشخاص يستشعرونه في قلوبهم.

أولئك المنتصرون من المدراء الأشرار

يعرف الجميع بشأن الرؤساء التنفيذيين الوقحين والمتعسفين الذين يجسدون من جميع النواحي النقيض التام للذكاء العاطفي وإنْ كان يبدو أنهم يحققون نتائج أعمال ممتازة. فإذا كانت الحالة المزاجية للقائد تتسم بهذا القدر من الأهمية، فكيف يمكننا، إذاً، تفسير النجاح الذي حققه هؤلاء القادة ذوو السلوك الموجه صوب البقاء؟

أولاً، دعونا نلقي نظرة فاحصة على هؤلاء القادة. فمجرد أنّ أحد المدراء التنفيذيين يعتبر الأكثر بروزاً، لا يعني أنه يقود الشركة في الواقع. إذ إن الرئيس التنفيذي الذي يقود مجمّع شركات قد لا يكون لديه أتباع يُذكرون، بل إن مدراء الأقسام العاملة تحت إمرته هم مَن يقودون الأشخاص، بفاعلية، ويؤثرون على ربحية المؤسسة.

ثانياً، يتمتع القائد ذو السلوك الموجه صوب البقاء في بعض الأحيان بنقاط قوة تعمل على موازنة سلوكه القاسي، لكنها لا تحظى بالقدر نفسه من الاهتمام في صحافة الأعمال. حيث إن جاك ويلش، الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة "جنرال إلكتريك"، أظهر في أيامه الأولى بالشركة قبضة حديدية في قيادة الشركة بما أنه كان يتولى مسؤولية إحداث تحول جذري في الشركة. في ذلك الوقت وفي مثل تلك الظروف، فإن أسلوب ويلش في القيادة، الذي يتسم بالحزم والحسم كان ملائماً. لكن ما حُظي باهتمام صحافي أقل كان يتمثل في الكيفية التي تحوّل بها ويلش لاحقاً إلى أسلوب قيادة أكثر ذكاءً من الناحية العاطفية، لاسيما عندما صاغ رؤية جديدة للشركة وحشد الموظفين لاتباعها.

وبصرف النظر عن هذه التحفظات، دعونا نعود إلى قادة المؤسسات شائني السمعة الذين يبدو أنهم حققوا نتائج أعمال ممتازة على الرغم من النهج القاسي الذي اتبعوه في القيادة. ويشير المتشككون إلى بيل غيتس باعتباره قائداً نجح على الرغم من أسلوبه القاسي الذي كان ينبغي، نظرياً، أن يُلحق الضرر بشركته.

لكن نموذج القيادة الذي طورناه، والذي يبيّن فعالية أساليب قيادة معينة في حالات معينة، ينظر إلى تصرفات بيل غيتس التي يفترض أنها سلبية من منظور آخر. إذ إن بيل غيتس يعتبر قائداً تحركه الإنجازات بكل ما تعنيه هذه العبارة من معاني، في مؤسسة يعمل فيها موظفون مختارون بعناية ويتمتعون بكفاءة عالية. وبالتالي، فإن أسلوبه في القيادة، الذي يبدو قاسياً على ما يبدو – والمتمثل في التحدي الصارخ للموظفين للتفوق على أدائهم في الماضي – يمكن أن يكون فعالاً للغاية عندما يتسم الموظفون بالكفاءة ويتمتعون بالدافعية بيد أنه يلزمهم بعض التوجيه، وهي – في واقع الحال – الخصائص التي يتصف بها المهندسون العاملون في شركة "مايكروسوفت".

وباختصار، من السهل جداً أن يجادل المتشككون بشأن أهمية القادة الذين يديرون حالاتهم المزاجية بالاستشهاد بحالة القائد الذي حقق نتائج أعمال طيبة على الرغم من سلوكه السيئ. ونؤكد أنه توجد، بالطبع، استثناءات من القاعدة، متمثلة في بعض الحالات المحددة في مجال الأعمال التي لقي فيها أداء القادة ذوي السلوك الموجه صوب البقاء استحساناً. لكن بشكل عام، يجب على القادة الأوغاد التحسّن وإلا فإن حالتهم المزاجية وأفعالهم ستطالهم في نهاية المطاف.

ابتسم وسيبتسم لك العالم 

هل تتذكر هذه العبارة المبتذلة؟ فالواقع أنها ليست بعيدة تماماً عن الحقيقة. فكما أوضحنا آنفاً، تعتبر عدوى انتقال الحالة المزاجية ظاهرة عصبية حقيقية، ولكن ليس جميع العواطف تنتشر بالسهولة نفسها. فقد بيّنت دراسة أجرتها سيغال بارسيد، في عام 1999، بكلية الإدارة بجامعة "ييل"، أن البهجة والحميمية، تنتشر بسهولة بين الفِرق العاملة. في حين تقل سهولة انتشار الانفعالية، ويعتبر الاكتئاب أقل انتشاراً.

ولذا، ليس من المستغرب أن الضحك هو أكثر العواطف المعدية. إذ سيكون من الصعب علينا سماع الضحك، وألا نضحك أو نبتسم أيضاً. وذلك بسبب أن بعض دوائر الدماغ ذات الحلقات المفتوحة مصممة لاكتشاف الابتسامات والضحك، وهو ما يجعلنا نرد عليها بالمثل. ويطرح العلماء نظرية مفادها أن هذه الديناميكية مبرمجة في أدمغتنا منذ زمن بعيد لأن الابتسامات والضحك لها طريقتها في ترسيخ الائتلافات، وبالتالي، مساعدة الكائنات على البقاء.

والأثر الرئيس المترتب هنا على القادة الذين يضطلعون بالمهمة الأساسية المتمثلة في إدارة حالاتهم المزاجية والحالات المزاجية للآخرين هو أنّ الفكاهة تعجّل بنشر مناخ مُبهج. لكن على غرار الحالة المزاجية للقادة بشكل عام، فإن الفكاهة يجب أن تنسجم مع ثقافة المؤسسة وواقعها. ونفترض أن الابتسامات والضحك يصبحان مُعديان فقط عندما يكونان حقيقيين وليس زائفين.

ابتهج، لكن بحذر

تحفز الحالات المزاجية الجيدة حُسن الأداء، لكن لا يبدو منطقياً بالنسبة للقادة أن يكونوا مبتهجين مثل طائر أبو زُريق عند بزوغ الفجر إذا كانت المبيعات تتدهور أو كانت الشركة تتهاوى. فالمدراء الأكثر فعالية يُظهرون الحالات المزاجية والسلوكيات التي تتوافق مع الحالة الماثلة، مصحوبة بجرعة صحية من التفاؤل. ويحترمون شعور الآخرين - حتى إذا كان تجهماً أو انكساراً – لكنهم يقومون أيضاً بنمذجة كيف يبدو الأمر عند الاستمرار في الأمل والفكاهة.

ويصلح هذا النوع من الأداء، الذي نطلق عليه التجاوب، لجميع مقاصد وأهداف الأبعاد الأربعة للذكاء العاطفي بشكل فعلي.

الوعي بالذات، ولعله المكوّن الأهم في كفاءات الذكاء العاطفي، يمثل القدرة على قراءة عواطفك الخاصة. إذ إنه يتيح للأشخاص معرفة مواطن قوته وحدود قدراته والشعور بالثقة وتقدير الذات. ويستخدم القادة الذين يتردد صداهم لدى الآخرين الوعي بالذات لقياس حالاتهم المزاجية بدقة، ويعلمون – بشكل حدسي – كيفية تأثيرهم على الآخرين.

أما إدارة الذات فهي تتمثل في القدرة على التحكم بعواطفك والتصرف بأمانة واستقامة بطرقٍ موثوقة وقابلة للتكيف. ولا يسمح القادة الذين يتردد صداهم لدى الآخرين لحالاتهم المزاجية السيئة بالسيطرة على يومهم في العمل، إذ إنهم يستخدمون إدارة الذات لإبقاء هذا المزاج السيء خارج المكتب أو لتوضيح مصدره للموظفين بشكل معقول، بحيث يتسنى لهم معرفة منبعها ومقدار الوقت الذي قد تستغرقه.

بينما يتضمن الوعي الاجتماعي القدرات الأساسية للتعاطف والحدس التنظيمي. حيث يقوم المدراء الذين يتمتعون بالوعي الاجتماعي بما هو أكثر من الشعور بعواطف الآخرين، إذ إنهم يُبدون اهتمامهم. وعلاوة على ذلك، فإنهم يعتبرون خبراء في قراءة اتجاهات سياسة الوظيفة. وبالتالي، فالقادة الذين يتردد صداهم لدى الآخرين غالباً ما يدركون تماماً وقْع كلماتهم وأفعالهم وأثرها على الآخرين، كما أنهم يحرصون على مراعاة تغييرها عندما تُحدث أثراً سلبياً على الآخرين.

أما الكفاءة الأخيرة من كفاءات الذكاء العاطفي، والمتمثلة في إدارة العلاقات، فإنها تتضمن القدرة على التواصل بشكل واضح ومقنع ونزع فتيل النزاعات وإقامة روابط شخصية قوية.

ويستخدم القادة الذين يتردد صداهم لدى الآخرين هذه المهارات لنشر حماسهم وحل الخلافات، غالباً باستخدام الفكاهة والأسلوب اللطيف.

وعلى الرغم من فعالية القيادة البدائية التي يتردد صداها لدى الآخرين، إلا أنها نادرة الاستخدام. ويعاني معظم الأشخاص من القادة المتنافرون الذين تنشر حالاتهم المزاجية السامة وتصرفاتهم المزعجة الاضطراب قبل أن يتدارك الموقف قائد مفعم بالأمل والواقعية.

ولننظر إلى ما حدث مؤخراً في القسم التجريبي بالعملاق الإعلامي "هيئة الإذاعة البريطانية" (BBC). فعلى الرغم من أن فريق القسم المكون من 200 صحفي ومحرر، أو نحو ذلك، بذل أفضل مجهود لديه في العمل، إلا أن إدارة الهيئة قررت إغلاق القسم.

وقد كانت عملية الإغلاق نفسها سيئة للغاية، لكن الحالة المزاجية الفظة والأسلوب المثير للجدل اللذين اتسم بهما المسؤول التنفيذي الذي أرسل لإبلاغ طاقم العاملين المتجمعين حرضهما على أمر يتجاوز الإحباط المتوقع. إذ ثار الموظفون غضباً، ضد قرار إغلاق القسم وضد حامل الخبر إليهم. وأشاع المزاج الحاد للمسؤول التنفيذي والخبر الذي نقله جواً خطيراً لدرجة أنه أضطر إلى استدعاء الأمن لإخراجه من الغرفة.

وفي اليوم التالي، زار مسؤول تنفيذي آخر مجموعة الموظفين نفسها. وقد كانت حالته المزاجية حزينة وتُبدي الاحترام، وكذلك كان سلوكه، وتحدث إلى العاملين بشأن أهمية الصحافة لحيوية المجتمع وللرسالة التي دفعتهم إلى هذا المجال في المقام الأول. وذكّر الموظفين بأنه ما من أحد يدخل مجال الصحافة ليصبح غنياً، باعتبارها مهنة ظل وضعها المالي دائماً هامشياً والأمان الوظيفي فيها آخذ في الانحدار ويتماشى مع التيارات الاقتصادية الكبرى. وأشار إلى فترة في حياته المهنية عندما تمّ الاستغناء عنه وكيف أنه واجه صعوبات في إيجاد وظيفة جديدة، لكنه أوضح لهم كيف أنه بقي وفياً للمهنة. وأخيراً، تمنى لهم التوفيق في التقدم بحياتهم المهنية.

وإذا كنتم تتساءلون عن رد فعل الحشد الذي كان غاضباً بالأمس، فقد كانوا يهتفون عندما أنهى هذا القائد الذي يترك صداه في الآخرين حديثه. وهذا سر من أسرار القيادة البدائية تحديداً.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي