الخوف مقبرة الإبداع

4 دقيقة
الخوف مقبرة الإبداع
shutterstock.com/ozalpvahid

لعل من أكبر التحديات التي يواجهها قادة المؤسسات هو الخوف من الفشل. ذلك الخوف الذي قد يكون سبباً رئيساً في التقهقر والسقوط. يقال إن الغزال أسرع من النمر، لكن خوفه من الإمساك به عندما يلحق به يؤدي إلى ارتباكه وضعف قوته وربما إلى سقوطه فعلاً فريسة للنمر.

الخوف ظاهرة خطيرة يعاني منها كثير من القادة ورواد الأعمال، تحدُّ من تقدمهم وتعيق إبداعاتهم. ويظهر ذلك جلياً في بيئات العمل التي لا تتوافر فيها مساحات كبيرة للتسامح والمغفرة، وفي تقديري أن المجتمع العربي قد يمثل صورة حية لذلك. إذ يبدو أنه لا تتوافر لدينا مساحات كافية للتسامح عن الأخطاء، وبالتالي نميل بطبعنا إلى عدم المغامرة التي تعتبر محفزاً للإبداع ومشعلاً له. وإذا قُدِّر لنا الوقوع في الخطأ فإننا نبادر بالسعي إلى البحث عن شماعات نعلق عليها أخطاءنا أو فشلنا، وذلك خوفاً من العتب والتبعات الاجتماعية. ومع هذا فإن الاستنتاج يحتاج إلى دراسة مسحية علمية لتأكيده أو نفيه.

وعلى العموم، فإن كثيراً من القادة ورواد الأعمال يبحثون عن شماعة خارجية عندما يقعون في أدنى مشكلة، ويبحثون عن السبب في الطرف الآخر، وينسون أن العلة قد تكمن فيهم وفي ذواتهم.

ظهرت في القرن الثامن عشر في إنجلترا حالات حيّرت الأطباء تتمثل في وفاة النساء بعد الولادة مباشرة ودون أسباب ظاهرة، وراح الأطباء يعكفون في مختبراتهم وبحوثهم وكلياتهم على إجراء بحوث ودراسات وتجارب مكثّفة في محاولات لمعرفة هذا اللغز المحير. وقد استمرت الحالة عدة سنوات، حتى إن نسبة الوفيات من النساء بسبب الولادة وصلت في بعض المستشفيات إلى 70%. وعندما أراد الله أن يُظهر السبب عكف رجل متطوع من خارج بيئة الأطباء على دراسة الموضوع من خلال متابعته وملاحظته ما يقوم به الأطباء والقابلات في عمليات التوليد. وقد وجد هذا المتطوع أن السبب الرئيس يكمن في الأطباء أنفسهم، إذ لا يغسل الطبيب أو القابلة يديه قبل المساعدة في عملية التوليد. إلا أن الأطباء كابروا ولم يعترفوا بهذا السبب خاصة أنه لم يأتِ من مختبراتهم ولا نتيجة لدراساتهم وبحوثهم، وقد استمرت الظاهرة مدة 30 سنة حتى توقف أحدهم مع نفسه وبدأ بدراسة موضوعية ليكتشف أن ما ذكره ذلك المتطوع كان عين الحقيقة وأن العلة تكمن في الأطباء أنفسهم فتمت معالجة المشكلة وانتهت المأساة.

هي في الواقع مشكلة سلوكية عالمية، إذ يلاحَظ أننا عندما نواجه مشكلة أو تحدياً ما، نبدأ البحث عن أسباب خارجية، ربما لأننا -من حيث نشعر أو لا نشعر- نبحث عن التخلص من عقدة الخطأ ونميل إلى البحث عن شماعة نعلق عليها مشاكلنا. أي ما يعرف علمياً بنظرية العزو (Attribution theory)، التي تعني الميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين عند وقوع الأخطاء. وقد وجد الباحثون أن الشعب الكوري من أقل الشعوب وقوعاً فيما يعرف بنظرية العزو وإلقاء اللوم على الآخرين أو الأطراف الأخرى، وهم أكثر المجتمعات اعترافاً بالخطأ. وربما يكون هذا أحد الأسباب الرئيسة للتطور السريع لهذا الشعب خلال العقود القليلة الماضية.

ويبدو أن سبب الخوف من الفشل والحذر من الاعتراف بالخطأ هو الاعتقاد الخاطئ بأن الفشل بداية للتقهقر والاعتراف بالخطأ مذلة.

في كثير من البنوك الغربية يُنظر إلى الفشل السابق لرائد الأعمال الذي يتقدم إلى البنك بطلب قرض على أنه معزز لحصوله على القرض، وذلك بالنظر إلى أنه اكتسب مناعة وتجربة تساعدانه على النجاح في المستقبل. في حين أن الفشل في حقيقة الأمر خطوة للنجاح وليس نهاية للمطاف، والاعتراف بالخطأ بداية لتصحيح المسار. هناك قول مأثور عن أهالي تكساس هو: "لا يهم مقدار ما تسكبه من الحليب طالما أنك لم تفقد بقرتك". وفي لغة العسكريين فإن الهزيمة في المعركة لا تعني خسارة الحرب. وعند أهل الاقتصاد الفرص تولد من رحم الأزمات. ومن المفارقات العجيبة أن بعض العلماء نظروا إلى الفشل على أنه غرور. يقول المخترع الأميركي توماس إديسون: "الفشل في الواقع مسألة غرور؛ فالناس لا يعملون بجد لأنهم بدافع الغرور يتخيلون أنهم سينجحون دون الحاجة إلى بذل أي مجهود يذكر. معظم الناس يعتقدون أنهم سيستيقظون ذات يوم ويجدون أنفسهم أغنياء. وفي الواقع جزء من هذا صحيح؛ فهم سيستيقظون ذات يوم!".

واستناداً إلى تجربتي الشخصية في كل من البيئة الأكاديمية والعملية ومع كثير من رواد الأعمال، فإنني لم أجد مهدِداً للإقدام والإبداع والنجاح وتحقيق الإنجازات النوعية أخطر من الخوف من الوقوع في الأخطاء والفشل.

لذلك يَنصح القادة ورواد الأعمال بأخذ النقاط التالية في الاعتبار:

  1. القبول بالفشل واعتبار ذلك ثمناً لنجاحات مستقبلية أكثر صلابة واستمرارية.
  2. أهمية التعلم من التجربة الشخصية.
  3. التعلم من أخطاء الآخرين وليس فقط من قصص نجاحهم.
  4. عدم الاعتماد على النجاحات السابقة، فكما يقول مارشال غولدسميث في كتابه "ما أتى بك إلى هنا لن يوصلك إلى هناك" (What got you here will not get you there): "الذي أوصلك إلى ما أنت فيه لن يُبلغك ما تبتغيه" (بتصرف).
  5. من المفارقات العجيبة أن المؤسسات الناجحة في العالم كانت أكثر عرضة للفشل والسقوط من الشركات المحدودة القدرات عند حدوث الأزمات، كما حدث في الأزمة الاقتصادية عامي 2007 و2008، وهو ما يعود بالدرجة الأولى إلى أن تلك الشركات التي بلغت درجة معينة من النجاح وحققت أهدافها خلال فترة سابقة ظنت -مخطئة- أن الآلية التي حققت من خلالها تلك النجاحات ستمكّنها من تحقيق نجاحات أخرى والاستمرار بالوتيرة نفسها من النمو على الرغم من تغير الظروف والتحديات والمستجدات.
  6. سرعة الاعتراف بالخطأ. الاعتراف بالخطأ كالماء البارد تخشاه قبل أن تغشاه فإذا غشيته فقدَ قُدْرته على إيذائك.
  7. التحلي بالشجاعة وروح المغامرة والمخاطرة.
  8. القدرة على تحمُّل الألم. يقول المؤسس المشارك في تطبيق ألفرونت (AllFront)، ديفيد ستيليني: "إن الرواد الناجحين يخوضون الرهانات والمجازفة بغض النظر عن عدد المرات التي يفشلون فيها، وقد يفشلون ويتأذون؛ لكنهم في النهاية يقفون على أقدامهم من جديد ويجرّبون أكثر". وفي تراثنا، سأل أحدهم تاجراً قصيمياً (وأهل القصيم معروفون بالمغامرة والتجارة): ماذا حدث لك بعد الكسرة (والكسرة في لهجة أهل القصيم تعني أشد درجات الخسارة) فأجابه القصيمي: أي كسرة تقصد؟ الأولى أم الثانية أم الثالثة؟ وهو ما يعني قيامه بعد سقوطه 3 مرات.
  9. النظر إلى الفشل على أنه أساس لمواصلة التقدم.
  10. القيام بعد السقوط. التعثر بحد ذاته ليس عيباً مخلاً بالمسار أو خسارة كليّة، لكن الفشل الحقيقي هو عدم القيام بعد السقوط.
  11. أكدت الدراسات العلمية أن رجال الأعمال العصاميين لا يتمكنون من النجاح في أول شركة ينشئونها، ولا حتى في الثانية أو الثالثة. في بحثها في جامعة تولين توصلت أستاذة الأعمال ليزا إلى أن رجال الأعمال البارزين يفشلون بما معدله 3.8 مرات قبل أن يتمكنوا من تحقيق نجاحات تُذكر.

يقال إن ثلاث خطوات إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف تعني خطوة إلى الأمام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي